hf_jp-ii_enc_14091998_fides-et-ratio-ar


hf_jp-ii_enc_14091998_fides-et-ratio-ar

1 Pages 1-10

▲back to top

1.1 Page 1

▲back to top
ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ
ةعماج ةلاسر
يف
لقعلاو ناميإلا
FIDES ET RATIO
يناثلا سلوب انحوي ابابلا ةسادق نم
ةّيكيلوثاكلا ةسينكلا ةفقاسا ىلإ
تاقالعلا يف
لقعلاو ناميإلا نيب
ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻹﺧﻮﺓ ﺍﻷﺟﻼﺀ ﻓﻲ ﺍﻷﺳﻘﻔﻴﺔ
ﺗﺤﻴﺔ ﻭﺑﺮﻛﺔ ﺭﺳﻮﻟﻴﺔ
ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ ﻫﻤﺎ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺍﻟﺠﻨﺎﺣﻴﻦ ﺍﻟﻠﺬﻳﻦ ﻳﻤﻜّﻨﺎﻥ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻣﻦ ﺍﻻﺭﺗﻘﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﺗﺄﻣﻞ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ .ﻓﺎﻟﻠﻪ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻭﺿﻊ
ﻓﻲ ﻗﻠﺐ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﻣﻌﺮﻓﺘﻪ ﻫﻮ ﺫﺍﺗﻪ ،ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ،ﺣﺘﻰ ﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﻋﺮﻓﻪ ﻭﺃﺣﺒّﻪ ﺗﻤﻜّﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ
ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﺫﺍﺗﻪ )ﺭﺍ ﺧﺮ 18 ،33؛ ﻣﺰ 9-8 ،[28] 27؛ 3-2 ،[62] 63؛ ﻳﻮ 8 ،14؛ ﺍ ﻳﻮ .(2 ،3
ديهمت
»كسفن فرعا«
.1ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺮﻕ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺮﺏ ،ﺑﺎﻹﻣﻜﺎﻥ ﺃﻥ ﻧﻠﺤﻆ ﻣﺴﻴﺮﺓ ﺩﻓﻌﺖ ﺑﺎﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ،ﻋﻠﻰ ﻣﺪﻯ ﺃﺟﻴﺎﻝ ،ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻘﺮﺏ ﺷﻴﺌﺎً ﻓﺸﻴﺌﺎً
ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﻣﺠﺎﺑﻬﺘﻬﺎ .ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﻴﺮﺓ ﺗﻄﻮّﺭﺕ -ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﺎﻹﻣﻜﺎﻥ ﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ -ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻝ ﻭﻋﻲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻟﺬﺍﺗﻪ :ﻓﺒﻤﻘﺪﺍﺭ ﻣﺎ
ﻳﻌﺮﻑ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﻳﻌﺮﻑ ﺫﺍﺗﻪ ﻓﻲ ﻓﺮﺍﺩﺗﻬﺎ ،ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻠﺞّ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻛﺜﺮ ﻓﺄﻛﺜﺮ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻋﻦ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﻭﻣﻌﻨﻰ
ﻭﺟﻮﺩﻩ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ .ﻓﻤﺎ ﻳﻈﻬﺮ ﻟﻨﺎ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺟﺰﺀ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ .ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺍﻟﻤﺄﺛﻮﺭ :»ﺍﻋﺮﻑ ﻧﻔﺴﻚ« ﻛﺎﻥ ﻣﻨﻘﻮﺷﺎً ﻋﻠﻰ
ﻋﺘﺒﺔ ﻫﻴﻜﻞ ﺩِﻟﻒ ﻟﻴﺸﻬﺪ ﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺃﺳﺎﺳﻴّﺔ ،ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗُﻌﺘﺒﺮ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﺩُﻧﻴﺎ ﻓﻲ ﻧﻈﺮ ﻛﻞ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳﺘﻤﻴّﺰ ﻋﻦ ﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ
ﺍﻟﺨﻼﺋﻖ ،ﻭﻳﺘّﺼﻒ ﺑﻜﻮﻧﻪ ﺇﻧﺴﺎﻧﺎً ﻷﻧﻪ ،ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ ،»ﻳﻌﺮﻑ ﻧﻔﺴﻪ
ﻧﻈﺮﺓ ﺑﺴﻴﻄﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﺗُﻈﻬﺮ ﺑﻮﺿﻮﺡ ﻣﺎ ﻳﻨﺸﺄ ﻓﻲ ﻏﻴﺮ ﺟﺰﺀٍ ﻣﻦ ﺃﺟﺰﺍﺀ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻓﺔ ﺑﺜﻘﺎﻓﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﻤﺘﻨﻮّﻋﺔ ،ﻣﻦ
ﺃﺳﺌﻠﺔ ﻋﻤﻴﻘﺔ ﺗﻄﺒﻊ ﻣﺴﻴﺮﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﺑﻄﺎﺑﻊ ﻣﻤﻴّﺰ :ﻣﻦ ﺃﻧـﺎ؟ ﻣﻦ ﺃﻳﻦ ﺃﻧﺎ ﻭﺇﻟﻰ ﺃﻳﻦ؟ ﻟﻤﺎﺫﺍ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﺸﺮّ؟ ﻭﻣﺎﺫﺍ ﻳﻌﻘﺐ
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ؟ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺳﺌﻠﺔ ﻣﺎﺛﻠﺔ ﻓﻲ ﻛﺘﺐ ﺇﺳﺮﺍﺋﻴﻞ ﺍﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ ،ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﻄﻔﻮ ﺃﻳﻀﺎً ﻓﻲ ﻛﺘﺐ ﺍﻟﻔﻴﺪﺍ ﻭﻛﺘﺐ ﺍﻷﻓﺴﺘﺎ؛ ﻭﻧﻘﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ
ﺃﻳﻀﺎً ﻓﻲ ﻣﺼﻨّﻔﺎﺕ ﻛﻮﻧﻔﻮﺷﻴﻮﺱ ﻭﻻﻭﺗﺴﻮ ﻛﻤﺎ ﻧﻌﺜﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﻈﺎﺕ ﺍﻟﺘﻴﺮﺛﻨﻜﺎﺭﺍ ﻭﺑﻮﺫﺍ .ﻭﻧﺴﺘﺸّﻔﻬﺎ ﺃﻳﻀﺎً ﻓﻲ ﺷِﻌﺮ
ﻫﻮﻣﻴﺮﻭﺱ ﻭﻣﺴﺮﺣﻴﺎﺕ ﺃﻭﺭﺑﻴﺬﻭﺱ ﻭﺳﻮﻓﻮﻛﻠﻴﺲ ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻓﻲ ﻣﺼﻨّﻔﺎﺕ ﺃﻓﻼﻃﻮﻥ ﻭﺃﺭﺳﻄﻮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴّﺔ .ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺳﺌﻠﺔ ﻟﻬﺎ
ﻣﺼﺪﺭ ﻣﺸﺘﺮﻙ :ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻠﺞ ﺃﺑﺪﺍً ﻓﻲ ﻗﻠﺐ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ،ﻭﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺳﺌﻠﺔ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻮﺟّﻪ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ.
.2ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻏﺮﻳﺒﺔ ﻋﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﻴﺮﺓ ﺍﻟﺒﺎﺣﺜﺔ ﻭﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﺘﺠﺎﻫﻠﻬﺎ .ﻓﻤﻨﺬ ﺃﻥ ﺗﻠﻘّﺖ ،ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺮّ ﺍﻟﻔﺼﺤﻲ،
ﻫﺒـﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻘﺼﻮﻯ ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ،ﺍﻧﻄﻠﻘﺖ ﻋﻠﻰ ﺩﺭﻭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺗﻨﺎﺩﻱ ﺑﺄﻥ ﻳﺴﻮﻉ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ﻫﻮ »ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ
ﻭﺍﻟﺤﻖ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ« )ﻳﻮ .(6 ،14ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺨﺪﻣﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺆﺩﻳﻬﺎ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻟﻠﺒﺸﺮﻳﺔ ﺧﺪﻣﺔ ﺗُﻠﺰِﻡ ﻣﺴﺆﻭﻟﻴﺘَﻬﺎ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺟﺪﺍ

1.2 Page 2

▲back to top
2
© Copyright 1998 - Libreria Editrice Vaticana
ﻭﻫﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ .[1]ﻓﻤﻦ ﺟﻬﺔ ،ﻧﺮﻯ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤُﻬﻤّﺔ ﺗﺪﻋﻮ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺴﺎﻫﻤﺔ ﻓﻲ ﻣﺎ ﺗﺒﺬﻟﻪ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ
ﻣﻦ ﺟﻬﺪ ﻣﺸﺘﺮﻙ ﻟﺒﻠﻮﻍ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ .[2]ﻭﻫﻲ ﺗﻠﺰﻣﻬﺎ ،ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ ،ﺑﺄﻥ ﺗﺘﻌﻬَّﺪ ﺍﻟﻤﻨﺎﺩﺍﺓ ﺑﺎﻟﻴﻘﻴﻨﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﻜﺘﺴﺒﺔ ،ﻣﻊ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﺄﻥ
ﻛﻞ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻧُﺼﻴﺒﻬﺎ ﻣﺎ ﻫﻲ ﺳﻮﻯ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﻮﻑ ﺗﻈﻬﺮ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﺗﺠﻠﻲّ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻷﺧﻴﺮ:
»ﺍﻵﻥ ﻧﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻣﺮﺁﺓ ،ﻓﻲ ﺇﺑﻬﺎﻡ ،ﺃﻣَّﺎ ﺣﻴﻨﺌﺬٍ ﻓﻮﺟﻬﺎً ﺇﻟﻰ ﻭﺟﻪ .ﺍﻵﻥ ﺃﻋﻠﻢ ﻋﻠﻤﺎً ﻧﺎﻗﺼﺎ ،ًﺃﻣﺎ ﺣﻴﻨﺌﺬٍ ﻓَﺴَﺄﻋْﻠَﻢ ﻛﻤﺎ ﻋُﻠِﻤﺖ« 1)ﻗﻮ
.(12 ،13
.3ﻳﻤﻠﻚ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻃﺎﻗﺎﺕ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻟﺪﻓﻊ ﺍﻟﺘﻘﺪَّﻡ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،ﺑﺤﻴﺚ ﺗﺼﺒﺢ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺇﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺃﻛﺜﺮ ﻓﺄﻛﺜﺮ .ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﻫﺬﻩ
ﺍﻟﻄﺎﻗﺎﺕ ﺍﻟﺮﻛﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﺎﻫﻢ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﻓﻲ ﻃﺮﺡ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺍﺳﺘﻄﻼﻉ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﻋﻠﻴﻪ.
ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻫﻲ ﺇﺫﻥ ﻣﻬﻤﺔ ﻣﻦ ﺃﺷﺮﻑ ﻣﻬﺎﻡّ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ .ﻟﻔﻈﺔ »ﻓﻠﺴﻔﺔ ،«ﻓﻲ ﺃﺻﻠﻬﺎ ﺍﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻲ ،ﺗﻌﻨﻲ »ﺣﺐّ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔﻭﺍﻟﻮﺍﻗﻊ
ﺃﻥ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻧﺸﺄﺕ ﻭﺗﺮﻋﺮﻋﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﺪﺃ ﻓﻴﻪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻳﺘﺴﺎﺀﻝ ﻋﻦ ﻋﻠﺔ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﻭﻏﺎﻳﺘﻬﺎ .ﻓﻔﻲ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﻭﺃﻧﻤﺎﻁ
ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ،ﺗُﺒﻴّﻦ ﻟﻨﺎ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺃﻥ ﺷﻮﻕ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻫﻮ ﺟﺰﺀ ﻻ ﻳﺘﺠﺰﺃ ﻣﻦ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ .ﺇﻧﻬﺎ ﻣﺰﻳّﺔ ﻓﻄﺮﻳّﺔ ﻣﻦ ﻣﺰﺍﻳﺎ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺃﻥ
ﻳﺘﺴﺎﺀﻝ ﻋﻦ ﻋﻠّﺔ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺣﺘﻰ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻷﺟﻮﺑﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻈﻰ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺷﻴﺌﺎً ﻓﺸﻴﺌﺎً ﺗﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺇﻃﺎﺭ ﺭﺅﻳﺔ ﻳﺘﺠﻠﻰ ﻣﻦ
ﺧﻼﻟﻬﺎ ﺗﻜﺎﻣﻞ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﻨﻮّﻋﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ.
ﺇﻥ ﻣﺎ ﺃﺣﺪﺛﺘﻪ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻣﻦ ﻭﻗﻊٍ ﻋﻤﻴﻖ ﻓﻲ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺮﺏ ﻭﺗﻄﻮﻳﺮﻫﺎ ﻳﺠﺐ ﺃﻻَّ ﻳُﻨﺴﻴﻨﺎ ﺍﻷﺛﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺧﻠَّﻔﺘﻪ ﺃﻳﻀﺎً
ﻓﻲ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺸﺮﻗﻴﻴﻦ .ﻛﻞ ﺷﻌﺐ ﻳﻤﻠﻚ ﺣﻜﻤﺔ ﺃﻫﻠﻴﺔ ﻫﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺛﺮﻭﺓ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﺗﺴﻌﻰ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺗﻌﺒّﺮ
ﻋﻦ ﺫﺍﺗﻬﺎ ،ﻭﺗﻨﻀُﺞ ﺃﻳﻀﺎً ﻋﺒﺮ ﺃﻧﻤﺎﻁٍ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ ﻣﻤﻴّﺰﺓ .ﻭﺍﻟﺒﺮﻫﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﺛﻤّﺔ ﻧﻤﻄﺎً ﺃﺳﺎﺳﻴﺎً ﻣﻦ ﺃﻧﻤﺎﻁ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ
ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﻻ ﻳﺰﺍﻝ ﻗﺎﺋﻤﺎً ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻭﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﺘﺤﻘﻘﻪ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﻠَّﻤﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻮﺣﻴﻬﺎ ﻣﺨﺘﻠﻒُ ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻌﺎﺕ ﺍﻟﻮﻃﻨﻴﺔ
ﻭﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ ﻟﺘﺜﺒﻴﺖ ﻗﻮﺍﻋﺪ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ.
.4ﻋﻠﻰ ﻛﻞٍ ﻻ ﺑﺪَّ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻧﻠﺤﻆ ﺃﻥ ﻭﺭﺍﺀ ﻟﻔﻈﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓٍ ﺗﻜﻤﻦ ﻣﻌﺎﻥٍ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ .ﻻ ﺑﺪَّ ﺇﺫﻥ ﻣﻦ ﺷﺮﺡ ﺗﻤﻬﻴﺪﻱ .ﻳﺴﻌﻰ
ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ،ﺑﺪﺍﻓﻊ ﻣﻦ ﺭﻏﺒﺘﻪ ﻓﻲ ﺍﻛﺘﺸﺎﻑ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻘﺼﻮﻯ ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ،ﺇﻟﻰ ﺍﻣﺘﻼﻙ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﻑ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻴﺢ ﻟﻪ ﺃﻥ
ﻳﻜﺘﻨﻪ ﺫﺍﺗﻪ ﺍﻛﺘﻨﺎﻫﺎً ﺃﻓﻀﻞ ﻭﻳﺘﻘﺪَّﻡ ﻓﻲ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺫﺍﺗﻪ .ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﻑ ﺍﻷَﺳﺎﺳﻴﺔ ﺗﻨﺒﺜﻖ ﻣﻦ ﺍﻻﻧﺪﻫﺎﺵ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺒﻌﺜﻪ ﻓﻴﻪ ﺗﺄﻣّﻞ ﺍﻟﺨﻠﻴﻘﺔ:
ﻓﺎﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻳﺴﺘﺤﻮﺫ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺬﻫﻮﻝ ﺑﺎﻛﺘﺸﺎﻑ ﺫﺍﺗﻪ ﻣﻨﺪﻣﺠﺎً ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﻭﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﻣﻊ ﻛﺎﺋﻨﺎﺕ ﺃﺧﺮﻯ ﺗﺸﺒﻬﻪ ﻳﺸﺎﺭﻙ
ﻣﺼﻴﺮﻫﺎ .ﻫﻨﺎ ﺗﺒﺪﺃ ﺍﻟﻤﺴﻴﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻔﻀﻲ ﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻛﺘﺸﺎﻑ ﺁﻓﺎﻕٍ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺩﺍﺋﻤﺔ ﺍﻟﺘﺠﺪّﺩ .ﺑﺪﻭﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﻧﺪﻫﺎﺵ ﻳﻘﻊ
ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻜﺮﺍﺭ ﻭﻳﻤﺴﻲ ﺷﻴﺌﺎً ﻓﺸﻴﺌﺎً ﻋﺎﺟﺰﺍً ﻋﻦ ﺃﻥ ﻳﺤﻴﺎ ﺣﻴﺎﺓ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ.
ﺍﻟﻄﺎﻗﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﻤﻴّﺰ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﺗﻤﻜّﻨﻪ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﺼﻮﻍ ،ﻋﺒﺮ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ،ﻧﻤﻄﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﺼﺎﺭﻡ ،ﻭﻣﻦ
ﺃﻥ ﻳﺒﻨﻲ ﻫﻜﺬﺍ ﻋﻠﻤﺎً ﻧﻈﻴﻤﺎً ﻳﺘﻤﻴّﺰ ﺑﺘﻤﺎﺳﻚ ﺍﻟﻤﻘﻮﻻﺕ ﺗﻤﺎﺳﻜﺎً ﻣﻨﻄﻘﻴﺎً ﻭﺑﻄﺎﺑﻊ ﺑﻨﻴﻮﻱّ ﺍﻟﻤﺤﺘﻮﻯ .ﺑﻔﻀﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﺎﺭ،
ﺍﺳﺘﻄﺎﻋﺖ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳّﺔ ﺃﻥ ﺗﺤﺮﺯ ،ﻓﻲ ﻗﺮﺍﺋﻦ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻭﻓﻲ ﺃﺯﻣﻨﺔ ﻣﺘﺮﺍﻭﺣﺔ ،ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺃﻓﻀﺖ ﺇﻟﻰ ﺻﻴﺎﻏﺔ ﻣﺬﺍﻫﺐ ﻓﻜﺮﻳﺔ
ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ .ﻭﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﻧﺘﺞ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ،ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺎً ﻫﻮ ﺗﻌﺮّﺽ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻻﻋﺘﺒﺎﺭ ﺗﻴﺎﺭٍ ﻓﻜﺮﻱٍ ﻭﺍﺣﺪ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ
ﺑﺄﺟﻤﻌﻪ .ﺇﻻَّ ﺃﻧﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺍﺿﺢ ،ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻝ ،ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺷﺒﻪ »ﻏﻄﺮﺳﺔٍ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ« ﺗﺪّﻋﻲ ﻭﺿﻊ ﻧﻈﺮﺗﻬﺎ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ،
ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻣﺤﺪﻭﺩﻳﺘﻬﺎ ،ﻣﻮﺿﻊ ﺍﻟﺮﺅﻳﺔ ﺍﻟﺸﺎﻣﻠﺔ .ﻭﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻥ ﻛﻞ ﻣﺬﻫﺐ ﻓﻠﺴﻔﻲ ،ﺣﺘﻰ ﻭﺇﻥ ﺍﺣﺘُﺮﻣَﺖْ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻘﻮّﻣﺎﺗﻪ ﺑﻤﻨﺄﻯً
ﻋﻦ ﻛﻞ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﻣﻦ ﻣﺤﺎﻭﻻﺕ ﺍﻟﺘﻮﺳﻴﻞ ،ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻌﺘﺮﻑ ﺑﺄﻭﻟﻮﻳّﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺒﺜﻖ ﻣﻨﻪ ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺘﻄﻮّﻉ ﻟﻪ
ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﺘﻤﺎﺳﻜﺔ.
ﺑﺎﻹﻣﻜﺎﻥ ،ﻭﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﻫﺬﻩ ،ﺃﻥ ﻧﻬﺘﺪﻱ ﺇﻟﻰ ﻭﺟﻮﺩ ﻧﻮﺍﺓٍ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﻓﻲ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻔﻜﺮ ،ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻘﻠﺒﺎﺕ
ﻋﺒﺮ ﺍﻷﺯﻣﻨﺔ ،ﻭﺗﻄﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﻌﻠﻢ .ﻭﺣﺴﺒﻨﺎ ،ﻣﺜﺎﻻً ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ،ﺃﻥ ﻧﻌﻮﺩ ﺑﺎﻟﻔﻜﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﺒﺪﺃ ﺍﻟﻼﺗﻨﺎﻗﻀﻴﺔ ﻭﺍﻟﻐﺎﺋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﺒﺒﻴﺔ ،ﻭﻛﺬﻟﻚ
ﺇﻟﻰ ﺭﺅﻳﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻛﺎﺋﻨﺎً ﺣﺮﺍً ﻣﻔﻜّﺮﺍً ﻭﻗﺪﺭﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺍﻟﺨﻴﺮ؛ ﺣﺴﺒﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻌﻮﺩ ﺃﻳﻀﺎً ﺇﻟﻰ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻘﻮﺍﻋﺪ
ﺍﻷﺧﻼﻗﻴﺔ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﺘﺮﻑ ﺑﻬﺎ ﻋﺎﻣَّﺔ .ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﺪﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻘﻮﻻﺕ ﻳﻤﻜﻦ
ﺃﻥ ﻧﻌﺘﺒﺮﻫﺎ ﺷﺒﻪ ﺗﺮﺍﺙ ﺭﻭﺣﻲ ﻟﻠﺒﺸﺮﻳﺔ ﺑﺎﺳﺮﻫﺎ ،ﺑﺼﺮﻑ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳّﺔ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ؛ ﻓﻜﺄﻧﻤﺎ ﻧﺤﻦ ﺑﺈﺯﺍﺀ ﻓﻠﺴﻔﺔ

1.3 Page 3

▲back to top
3
ﺿﻤﻨﻴﺔ ﺗﺤﻤﻞ ﻛﻼَّ ﻣﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺑﺄﻧﻪ ﻳﻤﺘﻠﻚ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﻯﺀ ،ﺣﺘﻰ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﻭﻋﻔﻮﻳَّﺔ .ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ،
ﺑﺴﺒﺐ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺗﺮﺍﺛﺎً ﻣﺸﺘﺮﻛﺎً ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ،ﺇﻟﻰ ﺣﺪٍّ ﻣﺎ ،ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﻜﻮّﻥ ﻣﺮﺍﺟﻊ ﺗﻌﺘﻤﺪﻫﺎ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺱ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ .ﻋﻨﺪﻣﺎ
ﻳﺘﻮﺻﻞ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﺪﺭﻙ ﻭﻳﺼﻮﻍ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﻯﺀ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻭﺍﻟﺸﺎﻣﻠﺔ ﻭﺃﻥ ﻳﺴﺘﺨﻠﺺ ﻣﻨﻬﺎ ،ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺳﻠﻴﻤﺔ ،ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﻤﺘﻤﺎﺳﻜﺔ
ﻋﻠﻰ ﺻﻌﻴﺪ ﺍﻟﻤﻨﻄﻖ ﻭﺍﻷﺧﻼﻕ ،ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻨﺎ ﻋﻨﺪﺋﺬٍ ﺃﻥ ﻧﺘﻜﻠﻢ ﻋﻦ ﻋﻘﻞ ﺳﻮﻱ ،ّﻋﻠﻰ ﺣﺪٍّ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﺍﻟﻘﺪﺍﻣﻰ.
.5ﻭﺃﻣَّﺎ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻓﻼ ﺗﺨﻠﻮ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺗﻘﺪّﺭ ﺟﻬﻮﺩ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻟﻠﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﻫﺪﺍﻑ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻀﻔﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻣﺰﻳﺪﺍً
ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺮﺍﻣﺔ .ﻓﻬﻲ ﺗﺘﻮﺳَّﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﻻ ﺑﺪَّ ﻣﻨﻬﺎ ﻟﻠﺘﻌﻤﻖ ﻓﻲ ﻓﻬﻢ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ،ﻭﺗﺒﻠﻴﻎ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻹﻧﺠﻴﻞ ﻟﻠﺬﻳﻦ ﻟﻢ ﺗﺼﻞ
ﺑﻌﺪ ﺇﻟﻴﻬﻢ.
ﺗﻌﻘﻴﺒﺎً ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻗﺎﻡ ﺑﻪ ﺃﺳﻼﻓﻲ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺠﺎﻝ ،ﺃﻭﺩُّ ﺃﻧﺎ ﺃﻳﻀﺎً ﺃﻥ ﺃﻭﺟّﻪ ﻧﻈﺮﻱ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻤﻂ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ
ﺍﻟﻔﻜﺮﻱ .ﻭﻣﺎ ﻳﺤﻤﻠﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺒﺪﻭ ﻟﻨﺎ ﻏﺎﻟﺒﺎ ،ًﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺧﺼﻮﺻﺎ ،ًﻣﻦ ﻣﺤﺎﻭﻻﺕ ﺍﻟﺘﻌﺘﻴﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻤﺎﺱ
ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ .ﻻ ﺷﻚ ﺃﻥ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﺓ ﻟﻬﺎ ﺍﻟﻔﻀﻞ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﺗﺮﻛﻴﺰ ﺍﻧﺘﺒﺎﻫﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ .ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻨﻄﻠﻖ ،ﺃﺧﺬ ﺍﻟﻌﻘﻞ
ﺍﻟﻤﺰﺩﺣﻢ ﺑﺎﻟﺘﺴﺎﺅﻻﺕ ﻳﻌﺰّﺯ ﺭﻏﺒﺘﻪ ﻓﻲ ﺍﻣﺘﻼﻙ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺃﻭﺳﻊ ﻭﺃﻋﻤﻖ .ﻫﻜﺬﺍ ﻧﺸﺄﺕ ﻣﺬﺍﻫﺐ ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻣﻌﻘّﺪﺓ ﺃﻋﻄﺖ ﺛﻤﺎﺭﻫﺎ
ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻣﺠﺎﻻﺕ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺳﺎﻋﺪﺕ ﻓﻲ ﺗﻄﻮﻳﺮ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻭﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ.
ﻋﻠﻢ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﺍﻟﻤﻨﻄﻖ ﻭﻋﻠﻮﻡ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻭﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻭﺍﻟﻠﻐﺔ ،ﺑﻞ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻛﻠﻪ ،ﺗﻨﺎﻭﻟﺘﻪ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﺎ .ﺇﻻّ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ
ﺍﻹﻳﺠﺎﺑﻴّﺔ ﺍﻟﻤﺤﺼَّﻠﺔ ﻳﺠﺐ ﺃﻻّ ﺗﻠﻬﻴﻨﺎ ﻋﻦ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺫﺍﺗﻪ ﺍﻟﻤﻨﻬﻤﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺤﺮّﻱ ﻋﻦ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺣﺼﺮﻳﺔ ،ﻳﺒﺪﻭ
ﻓﻲ ﻏﻔﻠﺔ ﻋﻦ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻻ ﻳﺰﺍﻝ ﻣﺪﻋﻮﺍً ﺃﻳﻀﺎً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﺨﻮﺹ ﺇﻟﻰ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺗﺘﺨﻄﺎﻩ .ﺑﻤﻌﺰﻝٍ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺮﺟﻊ ﻳﻈﻞُ
ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻋﺮﺿﺔ ﻟﻼﻋﺘﺒﺎﻃﻴﺔ ﻭﻳﻤﺴﻲ ﺧﺎﺿﻌﺎً ﻟﻤﻘﺎﻳﻴﺲ ﺑﺮﻏﻤﺎﺗﻴﺔ ﻣﺮﺗﻜﺰﺓ ﺟﻮﻫﺮﻳﺎً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻌﻄﻰ ﺍﻻﺧﺘﺒﺎﺭﻱ ،ﻭﺫﻟﻚ ﻣﻦ
ﻣﻨﻄﻠﻖ ﻳﻘﻴﻦ ﺯﺍﺋﻒ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﺘﻘﻨﻴَّﺔ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗُﻬﻴﻤﻦ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ .ﻭﻧﺠﻢ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﻤﺜﻘﻞ ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻣﻦ
ﺍﻟﻌﻠﻢ ،ﺑﺪﻻً ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﻌﺒّﺮ ﻗﺪﺭ ﺍﻹﻣﻜﺎﻥ ﻋﻦ ﻧﺰﻭﻋﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ .ﺍﻧﻜﻔﺄ ﻋﻠﻰ ﺫﺍﺗﻪ ﻭﺃﻣﺴﻰ ﻳﻮﻣﺎً ﺃﻗﻞَّ ﻣﻦ ﻳﻮﻡ ﺃﻫﻼً ﻷﻥ ﻳﺮﻓﻊ
ﺑﺼﺮﻩ ﺇﻟﻰ ﻓﻮﻕ ،ﻭﻳﺘﺠﺮﺃ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ .ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﺓ ،ﻓﻲ ﻏﻔﻠﺘﻬﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﻤﺎﺱ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻜﻴﺎﻥ ،ﻛﺜَّﻔﺖ
ﺑﺤﺜﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ .ﻭﺑﺪﻻً ﻣﻦ ﺃﻥ ﺗﺮﺗﻜﺰ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﺭﺓ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺁﺛﺮﺕ ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺰ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﺪﻭﺩﻳﺘﻬﺎ
ﻭﻣﻈﺮﻭﻓﻴﺎﺗﻬﺎ.
ﻧﺘﺞ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﻏﻴﺮ ﺷﻜﻞٍ ﻣﻦ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﻼّﺃﺩﺭﻳﺔ ﻭﺍﻟﻨﺴﺒﻮﻳّﺔ ﺃﺩﺕ ﺑﺎﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻀﻴﺎﻉ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﻳﺒﻴَّﺔ ﺍﻟﺸﺎﻣﻠﺔ ﻭﺭﻣﺎﻟﻬﺎ
ﺍﻟﻤﺘﺤﺮﻛﺔ .ﻭﻗﺪ ﺃﺧﺬﺕ ﺗﺘﻔﺎﻗﻢ ،ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﺓ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ،ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺘﻌﺎﻟﻴﻢ ﺍﻟﻨﺎﺯﻋﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻂّ ﻣﻦ ﻗﻴﻢ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ
ﻗﺪ ﺗﺜﺒَّﺖ ﻣﻦ ﺑﻠﻮﻏﻬﺎ .ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺗﺮﺍﺟﻌﺖ ﺍﻟﺘﻌﺪّﺩﻳﺔ ﺍﻟﻤﺸﺮﻭﻋﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺍﻗﻒ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﺘﻌﺪّﺩﻳﺔ ﺍﻟﻼﻣﺒﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻤﺮﺗﻜﺰﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ
ﺍﻟﻘﺎﺋﻞ ﺑﺄﻥ ﻛﻞ ﺍﻟﻤﻮﺍﻗﻒ ﺳﻮﺍﺀ .ﻭﺗﻠﻚ ﺩﻻﻟﺔ ﻣﻦ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻟﺪﻻﺋﻞ ﺍﻧﺘﺸﺎﺭﺍً ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻧﻠﺤﻈﻪ ،ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺍﺋﻦ ﺍﻟﺮﺍﻫﻨﺔ ،ﻣﻦ ﺣﺬﺭ ﺗﺠﺎﻩ
ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ .ﻫﻨﺎﻙ ﻧﻈﺮﻳﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺻﺎﺩﺭﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺮﻕ ﻻ ﺗﺨﻠﻮ ،ﺃﻳﻀﺎً ﻣﻦ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺤﻘﻆ .ﻓﻔﻲ ﻧﻈﺮﻫﺎ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﺨﻠﻊ
ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻃﺎﺑﻌﻬﺎ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ،ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻧﻄﻼﻗﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺮﺿﻴَّﺔ ﺍﻟﻘﺎﺋﻠﺔ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺗﺘﺠﻠﻰ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﺘﺴﺎﻭﻳﺔ ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﺪﺍﺕ
ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺑﻞ ﻣﺘﻀﺎﺭﺑﺔ .ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻨﻈﺎﺭ ،ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻳﺼﺒﺢ ﻣﺠﺮَّﺩ ﺭﺃﻱ .ﻭﻳﺴﻮﺩﻧﺎ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺑﺄﻧﻨﺎ ﺑﺈﺯﺍﺀ ﺣﺮﻛﺔ ﻣﺘﻤﻮّﺟﺔ :ﻓﻤﻦ ﺟﻬﺔ
ﻧﺮﻯ ﺃﻥ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﻗﺪ ﺃﻓﻠﺢ ﻓﻲ ﺳﻠﻮﻙ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﺮّﺑﻪ ﺃﻛﺜﺮ ﻓﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺗﻌﺎﺑﻴﺮﻩ،
ﻭﻧﺮﻯ ،ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ ،ﺃﻧﻪ ﻳﻨـﺰﻉ ﺇﻟﻰ ﺗﻨﻤﻴﺔ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭﺍﺕ ﻭﺟﻮﺩﻳﺔ ﻭﺗﻔﺴﻴﺮﻳﺔ ﻭﻟﻐﻮﻳّﺔ ﺗﻄﻤﺲ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﺠﻮﻫﺮﻱ ﻓﻲ ﺷﺄﻥ
ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻭﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻜﻴﺎﻥ ﻭﺍﻟﻠﻪ؛ ﻭﺑﺎﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﺃﺧﺬﺕ ﺗﻈﻬﺮ ﻋﻨﺪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ،ﻭﻟﻴﺲ ﻋﻨﺪ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ
ﻭﺣﺴﺐ ،ﻣﻮﺍﻗﻒ ﺍﺭﺗﻴﺎﺏ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻦ ﺍﻻﻧﺘﺸﺎﺭ ﺣﻴﺎﻝ ﻣﺎ ﻳﻤﻠﻜﻪ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻣﻦ ﻃﺎﻗﺎﺕ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﺗﺨﻮّﻟﻪ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ
ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ .ﻭﺑﺪﺍﻓﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻮﺍﺿﻊ ﺍﻟﻤﺰﻳّﻒ ،ﺑﺎﺕ ﻋﺼﺮﻧﺎ ﻣﻜﺘﻔﻴﺎً ﺑﺎﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ ﻭﺍﻟﻮﻗﺘﻴﺔ ،ﻣﺘﻨﺼّﻼً ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻌﻲ ﺇﻟﻰ ﻃﺮﺡ
ﺍﻷﺳﺌﻠﺔ ﺍﻟﺠﺬﺭﻳﺔ ﺣﻮﻝ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﻣﺮﺗﻜﺰﻫﺎ ﺍﻷﺧﻴﺮ .ﻭﺧﻼﺻﺔ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺃﻥ ﻋﺼﺮﻧﺎ ﻗﺪ ﻓﻘﺪ
ﺍﻟﺮﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﺃﻥ ﻳﺘﻠﻘﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺃﺟﻮﺑﺔ ﺣﺎﺳﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺳﺌﻠﺔ.
.6ﻭﺃﻣَّﺎ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺍﻟﻤﺪﻋﻮﻣﺔ ﺑﻤﺎ ﺗﻠﻘﺘﻪ ﻣﻦ ﻭﺣﻲ ﻳﺴﻮﻉ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ،ﻓﻬﻲ ﺗﺠﺪ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺃﻫﻼً ﻷﻥ ﺗﺆﻛﺪ ،ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ،ﺿﺮﻭﺭﺓ
ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ .ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﺣﻤﻠﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻴﻜﻢ ،ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻹﺧﻮﺓ ﺍﻷﺟﻼﺀ ﻓﻲ ﺍﻷﺳﻘﻔﻴﺔ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺃﺷﺘﺮﻙ ﻭﺇﻳﺎﻫﻢ ﻓﻲ
»ﺇﻇﻬﺎﺭ ﺍﻟﺤﻖ« 2)ﻗﻮ ،(2 ،4ﻛﻤﺎ ﺃﺗﻮﺟﻪ ﺃﻳﻀﺎً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻴﻴﻦ ﻭﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﻊ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﺘﺤﺮّﻱ ﻋﻦ ﻣﺨﺘﻠﻒ

1.4 Page 4

▲back to top
4
ﻭﺟﻮﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ .ﻭﺃﺗﻮﺟﻪ ﺃﺧﻴﺮﺍً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻫﻢ ﻓﻲ ﻃﻮﺭ ﺍﻟﺒﺤﺚ ،ﻷﻧﻘﻞ ﺇﻟﻰ ﻫﺆﻻﺀ ﺟﻤﻴﻌﺎً ﺑﻌﺾ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ
ﺍﻟﻤﺆﺩّﻳﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ،ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻤﻜﻦ ﻛﻞ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺤﻤﻠﻮﻥ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﻣﺤﺒّﺔ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﺴﻠﻜﻮﺍ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ
ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻮﺻﻠﻬﻢ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻭﻳﺠﺪﻭﺍ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻜﺎﻓﺄﺓ ﺃﺗﻌﺎﺑﻬﻢ ﻣﻘﺮﻭﻧﺔ ﺑﺎﻟﻔﺮﺡ ﺍﻟﺮﻭﺣﻲ.
ﺇﻥ ﻣﺎ ﻳﺪﻓﻌﻨﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﺗﺨﺎﺫ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺭﺓ ﻫﻮ ﺃﻭﻻً ﺗﻨﺒّﻬﻲ ﻟﻤﺎ ﻳﻌﺒّﺮ ﻋﻨﻪ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺆﻛﺪ ﺃﻥ ﺍﻷﺳﺎﻗﻔﺔ ﻫﻢ
»ﺷﻬﻮﺩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻭﺍﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴّﺔ .[3]«ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ ﻫﻲ ﺇﺫﻥ ﻣﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﻭُﻛﻠﺖ ﺇﻟﻴﻨﺎ ﺗﺤﻦ ﺍﻷﺳﺎﻗﻔﺔ ،ﻭﻻ ﻳﺴﻮﻍ ﻟﻨﺎ ﺃﻥ
ﻧﺴﺘﻌﻔﻲ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺪﻭﻥ ﺃﻥ ﻧﺨﻠِﻒ ﺑﺎﻟﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃُﺳﻨِﺪَﺕ ﺇﻟﻴﻨﺎ .ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺆﻛّﺪ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ،ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻌﻴﺪ ﺇﻟﻰ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻋﺼﺮﻧﺎ
ﺛﻘﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﺑﻄﺎﻗﺎﺗﻪ ﺍﻹﺩﺭﺍﻛﻴﺔ ﻭﻧﺘﺤﺪَّﻯ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻟﺘﻌﻮﺩ ﻭﺗﻜﺘﺸﻒ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﻛﺮﺍﻣﺘﻬﺎ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ﻭﺗﻌﺰّﺯﻫﺎ.
ﻫﻨﺎﻙ ﺩﺍﻓﻊ ﺁﺧﺮ ﻳﺤﺜﻨﻲ ﺇﻟﻰ ﺗﺴﻄﻴﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ .ﻓﻲ ﺭﺳﺎﻟﺘﻲ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ »ﺗﺄﻟﻖ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ« ﻟﻔﺖُّ ﺍﻻﻧﺘﺒﺎﻩ ﺇﻟﻰ »ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ
ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲ ﺍﻟﻤﻌﺮّﺿﺔ ﻟﻠﺘﺸﻮﻳﻪ ﻭﺍﻟﺮﻓﺾ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺍﺋﻦ ﺍﻟﺮﺍﻫﻨﺔ .[4]«ﺇﻧﻲ ﺃﻭﺩ ،ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻫﺬﻩ
ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ،ﺃﻥ ﺃﻭﺍﺻﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻭﺃﺭﻛّﺰ ﺍﻻﻧﺘﺒﺎﻩ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ﻭﻣﺮﺗﻜﺰﻫﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ .ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ،ﻓﻲ
ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ،ﺃﻥ ﻧﻨﻜﺮ ﻣﺎ ﻳﺠﺮﻱ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ ﻣﻦ ﺗﺤﻮّﻻﺕ ﺳﺮﻳﻌﺔ ﻭﻣﻌﻘَّﺪﺓ ﺗﻌﺮّﺽ ﺍﻷﺟﻴﺎﻝ ﺍﻟﻨﺎﺷﺌﺔ ،ﻭﺑﺨﺎﺻّﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻲ ﻳﺪﻫﺎ
ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻭﺑﻬﺎ ﻳﺘﻌﻠَّﻖ ،ﻷﻥ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﻔﻘﺪﺍﻥ ﺍﻟﻤﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ .ﺿﺮﻭﺭﺓ ﺍﻻﺭﺗﻜﺎﺯ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺎﺱ ﻳﺒﻨﻰ ﻋﻠﻴﻪ
ﺻﺮﺡ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺃﻣﺴﺖ ﺣﺎﺟﺔ ﻣُﻠِﺤَّﺔ ،ﺧﺼﻮﺻﺎً ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺠﺪﻧﺎ ﻣﻀﻄﺮﻳﻦ ﺇﻟﻰ ﻟﻤﺲ ﺍﻟﻄﺎﺑﻊ ﺍﻟﺘﺼﺪّﻋﻲ
ﻓﻲ ﻃﺮﻭﺣﺎﺕ ﺗﺮﻓﻊ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﻌﺎﺑﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻘﻴﻢ ،ﺗﻮﻫﻤﺎً ﺃﻧﻪ ﺑﺎﻹﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻓﻲ ﻣﻌﻨﺎﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ.
ﻭﻳﻨﺠﻢ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﺠﺮﺟﺮﻭﻥ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﻋﻨﺪ ﺣﺎﻓﺔ ﺍﻟﻬﻮّﺓ ،ﻻ ﻳﺪﺭﻭﻥ ﺇﻟﻰ ﺃﻳﻦ ﻳﺘﻮﺟﻬﻮﻥ .ﻭﻫﺬﺍ ﻣﻨﻮﻁ ﺃﻳﻀﺎً
ﺑﺄﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻣﺪﻋﻮِّﻳﻦ ﺑﺪﻋﻮﺓ ﺧﺎﺻﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﺛﻤﺮﺓ ﺗﻔﻜﻴﺮﻫﻢ ﻓﻲ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ،ﻗﺪ ﺃﺷﺎﺣﻮﺍ ﺑﻨﻈﺮﻫﻢ ﻋﻦ
ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺁﺛﺮﻭﺍ ﺍﻟﻨﺠﺎﺡ ﺍﻟﻔﻮﺭﻱ ﻋﻠﻰ ﻋﻨﺎﺀ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﺼﺒﻮﺭ ﻓﻲ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺟﺪﻳﺮ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎﺓ .ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﺔ
ﺍﻟﺒﺎﻫﻈﺔ ﻓﻲ ﺗﻨﺸﺌﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ،ﺑﺎﻟﺪﻋﻮﺓ ﺍﻟﺪﺍﺋﻤﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻤﺎﺱ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺍﻛﺘﺸﺎﻑ ﺭﺳﺎﻟﺘﻬﺎ ﺍﻷﺻﻴﻠﺔ
ﺍﻛﺘﺸﺎﻓﺎً ﻧﺎﺷﻄﺎﻭﻟﺬﺍ ﺷﻌﺮﺕُ ﻻ ﺑﻀﺮﻭﺭﺓ ﺍﻟﺨﻮﺽ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﻭﺣﺴﺐ ﺑﻞ ﺑﺎﻟﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﻤﻠﻘﻰ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺗﻘﻲ ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ
ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ،ﻟﻜﻲ ﺗﺘﻤﻜﻦ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ،ﻭﻫﻲ ﻋﻨﺪ ﻋﺘﺒﺔ ﺍﻷﻟﻒ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ ،ﻣﻦ ﺃﻥ ﺗﻌﻲ ﺑﻮﺿﻮﺡ ﺃﻛﺜﺮ
ﺍﻟﻄﺎﻗﺎﺕ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃُﻛﺮﻣﺖ ﺑﻬﺎ ﻭﺗﺴﻴﺮ ،ﺑﺸﺠﺎﻋﺔ ﻣﺘﺠﺪّﺩﺓ ،ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺧﻄﺔ ﺍﻟﺨﻼﺹ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﺴﺠَّﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﺎﺭﻳﺨﻬﺎ.
لوألا لصفلا
هللا ةمكح نع فشكلا
ﻳﺴﻮﻉ ﻳﻌﻠﻦ ﻟﻨﺎ ﺍﻵﺏ
.7ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻠﻖ ﻛﻞ ﻓﻜﺮ ﺗﺨﻮﺽ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ،ﻧﺠﺪ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻣﺆﺗﻤﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺗﻨﺒﻊ ﻓﻲ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻠﻪ )ﺭﺍ 2ﻗﻮ -1 ،4
.(2ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﺪﻣﻬﺎ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﻟﻴﺴﺖ ﻋﺼﺎﺭﺓ ﺗﻔﻜﻴﺮﻫﺎ ،ﻣﻬﻤﺎ ﺳﻤﺎ ،ﺑﻞ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺗﻠﻘﻴّﻬﺎ ﻛﻠﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ )ﺭﺍ
1ﻃﻴﻢ .(13 ،2ﻛﻴﺎﻧﻨﺎ ﻧﺤﻦ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻳﻨﺒﻊ ﻣﻦ ﻟﻘﺎﺀ ﻓﺮﻳﺪ ﻣﻦ ﻧﻮﻋﻪ ،ﺍﻃَّﻠﻌْﻨﺎ ﺑﻪ ﻋﻠﻰ ﺳﺮّ ﻣﻄﻮﻱ ﻣﻨﺬ ﺍﻟﺪﻫﻮﺭ )ﺭﺍ 1ﻗﻮ 7 ،2؛
ﺭﻭﻡ ،(26-25 ،16ﻭﺍﻧﻜﺸﻒ ﻟﻨﺎ ﺍﻵﻥ :»ﻟﻘﺪ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺟﻮﺩﺗﻪ ﻭﺣﻜﻤﺘﻪ ﺃﻥ ﻳﻜﺸﻒ ﻟﻨﺎ ﺫﺍﺗﻪ ﻭﻳﻄﻠﻌﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﺮّ ﻣﺸﻴﺌﺘﻪ«
)ﺭﺍ ﺃﻑ (9 ،1ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻮﺻﻞ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻰ ﻋﻨﺪ ﺍﻵﺏ ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻤﺘﺠﺴّﺪ ،ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﻘﺪﺱ ،ﻭﻳﺼﻴﺮﻭﻥ ﺑﻪ
ﺷﺮﻛﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ .[5]«ﺗﻠﻚ ﺑﺎﺩﺭﺓ ﻣﺠَّﺎﻧﻴَّﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻃﻼﻕ ،ﺗﺼﺪﺭ ﻣﻦ ﻋﻨﺪ ﺍﻵﺏ ﻟﺘﺘﺪﺍﺭﻙ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻭﺗﺨﻠﺼﻬﺎ .ﺇﻥ ﺍﻟﻠﻪ،
ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻳﻨﺒﻮﻉ ﺣﺐ ،ّﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳﻌﺮِّﻓﻨﺎ ﺫﺍﺗﻪ ،ﻭﻣﺎ ﻳﺤﺼّﻠﻪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﺴﺎﻋﺪﻩ ﻓﻲ ﺍﺳﺘﻜﻤﺎﻝ ﻛﻞ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺃﺧﺮﻯ
ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﻭﺟﻮﺩﻩ ،ﻭﺑﺈﻣﻜﺎﻥ ﻋﻘﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﺘﻮﺻَّﻞ ﺇﻟﻴﻬﺎ.
.8ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻱ »ﻛﻠﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ« ﺍﻟﺼﺎﺩﺭ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﻗﺪ ﺍﺳﺘﻌﺎﺩ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺷﺒﻪ ﺣﺮﻓﻴﺔ ﻣﺎ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ
ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻷﻭﻝ ﻓﻲ ﺩﺳﺘﻮﺭﻩ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻱ »ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻠﻪ ،«ﻛﻤﺎ ﺍﺳﺘﻌﺎﻥ ﺑﺎﻟﻤﺒﺎﺩﻯﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﺣﺪﺩﻫﺎ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﺘﺮﻳﺪﻧﺘﻴﻨﻲ
ﻟﻴﻮﺍﺻﻞ ﺍﻟﻤﺴﻴﺮﺓ ﺍﻟﻌﺮﻳﻘﺔ ﻓﻲ ﻓﻬﻢ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ،ﻭﺗﺄﻣَّﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﻓﻲ ﺿﻮﺀ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﺒﻴﺒﻠﻲ ﻭﻣﺠﻤﻞ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ﺍﻵﺑﺎﺋﻲ .ﻓﻲ
ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻷﻭﻝ ﺃﻛﺐَّ ﺍﻵﺑﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﻪ ﺑﺎﻟﻄﺎﺑﻊ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﺍﻹﻟﻬﻲ .ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﻌﻘﻼﻧﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻳﻄﻌﻦ
ﻓﻲ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺁﻧﺬﺍﻙ ،ﺍﻧﻄﻼﻗﺎً ﻣﻦ ﻃﺮﻭﺣﺎﺕ ﺧﺎﻃﺌﺔ ﻭﺷﺪﻳﺪﺓ ﺍﻻﻧﺘﺸﺎﺭ ،ﻛﺎﻥ ﻳﻬﺪﻑ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﻲ ﻛﻞ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻻ ﺗُﺠﺘﻨﻰ ﻣﻦ ﻃﺎﻗﺎﺕ
ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ .ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﺿﻄَﺮَّ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﻌﻮﺩ ﻭﻳﺆﻛﺪ ﺑﻘﻮﺓ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻫﻲ ﻣﻦ ﻣﺰﻳّﺔ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ

1.5 Page 5

▲back to top
5
ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻨﺎﺑﻌﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ،ﺍﻟﻘﺎﺩﺭ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ .ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻹﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﺗﻌﺒّﺮ ﻋﻦ
ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺗﺮﺗﻜﺰ ﻋﻠﻰ ﻭﺣﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ،ﻭﻫﻲ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻣﺆﻛﺪﺓ ﻷﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻻ ﻳﻐﻠﻂ ﻭﻻ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳﺨﺪﻉ.[6]
.9ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻷﻭﻝ ﻳﻌﻠﻤﻨﺎ ﺇﺫﻥ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺤﺼّﻠﻬﺎ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺼﺎﺩﺭﺓ ﻋﻦ
ﺍﻟﻮﺣﻲ ﻻ ﺗﺨﺘﻠﻄﺎﻥ ،ﻭﺃﻥ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ ﻻ ﺗﻐﻨﻲ ﻋﻦ ﺍﻷﺧﺮﻯ :»ﻫﻨﺎﻙ ﺻﻨﻔﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻣﺘﻤﻴﺰﺍﻥ ،ﻻ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻤﺼﺪﺭ
ﻭﺣﺴﺐ ،ﺑـﻞ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﺃﻳﻀﺎﺃﻣّﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻤﺼﺪﺭ ،ﻓﻸﻥ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺗﺘﻮﺳّﻞ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ،ﻭﺃﻣّﺎ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ
ﻓﺘﻌﺘﻤﺪ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺍﻹﻟﻬﻲ ﻟﻠﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ .ﻭﺃﻣّﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ،ﻓﻸﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺎ ﻳﺘﺨﻄﻰ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ
ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﺃﻥ ﻳﺤﺼّﻠﻬﺎ ،ﻭﻫﻮ ﻣﺠﻤﻮﻉ ﻣﺎ ﻳﻘﺪّﻣﻪ ﻟﻨﺎ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻣﻦ ﺃﺳﺮﺍﺭٍ ﻣﻄﻮﻳَّﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻧﻌﺠﺰ ﻋﻦ ﻣﻌﺮﻓﺘﻬﺎ ﺇﺫﺍ ﻟﻢ
ﻳﻜﺸﻔﻬﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻨﺎ .[7]«ﻭﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺃﻥ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﻤﺮﺗﻜﺰ ﻋﻠﻰ ﺷﻬﺎﺩﺓ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺍﻟﻤﺪﻋﻮﻡ ﺑﺎﻟﻨﻌﻤﺔ ﺍﻟﻌﻠﻮﻳﺔ ﻫﻮ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻣﺴﺘﻮﻯ
ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ؛ ﻓﻬﺬﻩ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﺍﻹﺩﺭﺍﻙ ﺍﻟﺤﺴﻲ ﻭﺍﻻﺧﺘﺒﺎﺭ ﻭﺗﻨﻤﻮ ﻓﻲ ﺿﻮﺀ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻓﻘﻂ .ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻭﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺗﺘﻘﺪّﻡ ﻋﻠﻰ
ﺻﻌﻴﺪ ﺍﻟﻌﻘﻞ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﺘﻨﻴﺮ ﻭﻳﻬﺘﺪﻱ ﺑﺎﻟﺮﻭﺡ ﻓﻬﻮ ﻳﺠﺪ ﻓﻲ ﺑﺸﺮﻯ ﺍﻟﺨﻼﺹ »ﻣﻞﺀ ﺍﻟﻨﻌﻤﺔ ﻭﺍﻟﺤﻖ« )ﺭﺍ ﻳﻮ ،1
(14ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺭﺍﺩ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﻜﺸﻔﻪ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻭﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺣﺎﺳﻤﺔ ﺑﺎﺑﻨﻪ ﻳﺴﻮﻉ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ )ﺭﺍ 1ﻳﻮ 9 ،5؛ ﻳﻮ .(32-31 ،5
.10ﺁﺑﺎﺀ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﺛﺒﺘﻮﺍ ﻧﻈﺮﻫﻢ ﻋﻠﻰ ﻳﺴﻮﻉ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺸﻒ ﻟﻨﺎ ]ﺳﺮّ ﺍﻟﻠﻪ ،[ﻓﻨﻮّﻫﻮﺍ ﺑﻤﺎ ﻳﺘﻤﻴّﺰ ﺑﻪ ﺍﻟﻜﺸﻒ
ﻋﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻣﻦ ﻃﺎﺑﻊ ﺧﻼﺻﻲ ،ﻭﻋﺒَّﺮﻭﺍ ﻋﻦ ﻓﺤﻮﻯ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﺸﻒ ﺑﺎﻟﻌﺒﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ :»ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﻤﻜﺎﺷﻔﺔ ﻫﺬﻩ
ﻳﺨﺎﻃﺐ ﺍﻟﻠﻪ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﺭ )ﻗﻮﻝ 15 ،1؛ 1ﻃﻴﻢ (17ﺟﻤﺎﻋﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮ ،ﻣـﻦ ﻓﻴﺾ ﺣﻨﺎﻧﻪ ،ﻛﻤﺎ ﻳﺨﺎﻃﺐ ﺍﻷﺣﺒﺎﺀ )ﺧﺮ 11 ،33ﻳﻮ
.(15-14 ،15ﺇﻧﻪ ﻳﺘﺤﺪﺙ ﺇﻟﻴﻬﻢ ،ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﻣﻌﻬﻢ )ﺭﺍ ﺑﺎ ،(83 ،3ﻟﻴﻄﻠﺐ ﻣﻨﻬﻢ ﺃﻥ ﻳﺸﺎﺭﻛﻮﻩ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻭﻳﻘﺒﻠﻬﻢ ﻓﻲ
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﺮﻛﺔ .ﻭﻗﺪ ﺷﺎﺀ ﺃﻥ ﺗﺘﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻜﺎﺷﻔﺔ ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺃﺟﺮﺍﻫﺎ ،ﻭﺃﻗﻮﺍﻝ ﺳﺎﻗﻬﺎ ،ﻭﻛﻼﻫﻤﺎ ﻭﺛﻴﻖ ﺍﻻﺭﺗﺒﺎﻁ:
ﻓﺎﻷﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﻤﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﺨﻼﺹ ﺃﻭﺿﺤﺖ ﺗﻌﺎﻟﻴﻤﻪ ،ﻭﻭﻃَّﺪﺕ ﻣﺪﻟﻮﻝ ﻛﻼﻣﻪ ،ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻷﻗﻮﺍﻝ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺎﻟﻬﺎ ﺃﺷﺎﺩﺕ
ﺑﺄﻋﻤﺎﻟﻪ ،ﻭﺃﻇﻬﺮﺕ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﺪﺍﺑﻴﺮ ﺗﻔﻮﻕ ﺍﻹﺩﺭﺍﻙ .ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻜﺎﺷﻔﺔ ،ﺑﺪﺃﺕ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻌﻤﻴﻘﺔ ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻛﻤﺎ
ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﺧﻼﺹ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺗﺘﺠﻠﻰ ﻟﻨﺎ ﺑﺴﻨﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻭﺳﻴﻂ ﻛﻞ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﻭﻛﻤﺎ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ.[8]«
.11ﺍﻟﻮﺣﻲ ﺍﻹﻟﻬﻲ ﻳﻨﺪﺭﺝ ﺇﺫﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ .ﻭﺣﺘﻰ ﺗﺠﺴّﺪُ ﻳﺴﻮﻉ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ﺻﺎﺭ »ﻓﻲ ﻣﻞﺀ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ« )ﻏﻞ ،4
.(4ﺃﻟﻔﻲ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪﺙ ،ﺃﺷﻌﺮ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﺍﻟﻌﻮﺩﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﺑﻘﻮﺓ »ﺃﻥ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﺔ ﻟﻪ ﺃﻫﻤﻴﺔ
ﺃﺳﺎﺳﻴﺔ .[9]«ﻓﻔـﻲ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﻳﻈﻬﺮ ﻛﻞ ﻋﻤﻞ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﻭﺍﻟﺨﻼﺹ ،ﻭﻳﺘﺠﻠﻰ ﻟﻨﺎ ﺧﺼﻮﺻﺎً ﺃﻧﻨﺎ ،ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﺗﺠﺴّﺪ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻠﻪ ،ﻧﻌﻴﺶ
ﻭﻧﺴﺘﺒﻖ ،ﻣﻨﺬ ﺍﻵﻥ ،ﻣﺎ ﺳﻮﻑ ﻳﻜﻮﻥ ﻛﻤﺎﻝ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ )ﺭﺍ ﻋﺐ .(2 ،1
ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﻛﻠﻬﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﺫﺍﺗﻪ ﻭﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺗﻨﺪﺭﺝ ﺇﺫﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ .ﻭﻣﻦ ﺍﻟﺜـﺎﺑﺖ ﺃﻥ
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻧُﻄﻖ ﺑﻬﺎ ﻣﺮﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻓﻲ ﺳﺮّ ﻳﺴﻮﻉ ﺍﻟﻨﺎﺻﺮﻱ .ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﻭﺭﺩ ﺑﻮﺿﻮﺡ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻱ »ﻛﻠﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ
»ﺇﻥ ﺍﻟﻠﻪ ،ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺗﻜﻠّﻢ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﻣﺮﺍﺭﺍً ﻋﺪﻳﺪﺓ ،ﻭﺑﺄﺳﺎﻟﻴﺐ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻛﻠَّﻤﻨﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﺑﺎﻻﺑﻦ« )ﻋﺐ -1 ،1
.(2ﻓﻠﻘﺪ ﺃﺭﺳﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﺑﻨﻪ ،ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻷﺯﻟﻲ ،ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﻴﺮ ﻛﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮ ،ﻟﻴﺴﻜﻦ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ،ﻭﻳﻄﻠﻌﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺃﻋﻤﺎﻕ ﺍﻟﻠﻪ )ﻳﻮ -1 ،1
،(18ﻓﺠﺎﺀ ﻳﺴﻮﻉ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ﻛﻠﻤﺔً ﻣﺘﺠﺴﺪﺍً ﻭﺑﺸﺮﺍً ﺭﺳﻮﻻً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﺸﺮ ،»ﻳﻨﻄـﻖ ﺑﻜﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﻠﻪ« )ﻳﻮ ،(34 ،3ﻭﻳُﺠﺮﻱ ﻋﻤﻞ
ﺍﻟﺨﻼﺹ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻋﻄﺎﻩ ﺍﻟﻠﻪُ ﺃﻥ ﻳﺘﻤّﻤﻪ .»ﻭﻷﻥ ﻣﻦ ﺭﺁﻩ ﻓﻘﺪ ﺭﺃﻯ ﺍﻵﺏ« )ﻳﻮ (9-14ﺟﺎﺀ ﻳﺴﻮﻉ ﻟﻴﻌﻴﺶ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻭﻳﻈﻬﺮ ﻟﻬﻢ
ﺫﺍﺗﻪ ،ﺑﺄﻗﻮﺍﻟﻪ ﻭﺃﻋﻤﺎﻟﻪ ﺛﻢ ﺑﺂﻳﺎﺗﻪ ﻭﻋﺠﺎﺋﺒﻪ ،ﻭﺧﺎﺻﺔ ﺑﻤﻮﺗﻪ ﻭﻗﻴﺎﻣﺘﻪ ﺍﻟﻤﺠﻴﺪﺓ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺍﻷﻣﻮﺍﺕ ﻭﺃﺧﻴﺮﺍً ﺑﺈﺭﺳﺎﻟﻪ ﺭﻭﺡ ﺍﻟﺤﻖ،
ﻭﻳُﻨﺠِﺰ ﻫﻜﺬﺍ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﻭﻳﺘﻤّﻤﻪ.[10]«
ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻓﻲ ﻧﻈﺮ ﺷﻌﺐ ﺍﻟﻠﻪ ﻫﻮ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻃﺮﻳﻖ ﻻ ﺑﺪَّ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻧﺴﻴﺮ ﻓﻴﻪ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ،ﺑﺤﻴﺚ ﺗﺼﺒﺢ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﻮﺣﺎﺓ ﻗﺎﺩﺭﺓ
ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﻣﺤﺘﻮﺍﻫﺎ ﺗﻌﺒﻴﺮﺍً ﻛﺎﻣﻼً ﺑﻔﻀﻞ ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻪ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻣﻦ ﻋﻤﻞ ﺩﺍﺋﻢ )ﺭﺍ ﻳﻮ .(13 ،16ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﻧﺠﺪﻩ ﺃﻳﻀﺎً ﻓﻲ
ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻱ »ﻛﻠﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ،«ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺆﻛﺪ :»ﺗﺴﻌﻰ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ،ﺑﻼ ﺍﻧﻘﻄﺎﻉ ،ﻭﻋﻠﻰ ﻣﺮّ ﺍﻟﻌﺼﻮﺭ ،ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺗﺒﻠﻎ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ
ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ،ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﺤﻴﻦ ﻟﻬﺎ ﺍﻟﻮﻗﺖ ،ﻓﺘﺘﺤﻘﻖ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﻗﻮﺍﻝ ﺍﻟﻠﻪ.[11]«
.12ﻳﺼﺒﺢ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺇﺫﻥ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﺘﺤﻘﻖ ﻓﻴﻪ ﻋﻤﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﺨﻴﺮ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ .ﺇﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﻼﻗﻴﻨﺎ ﻓﻲ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﺄﻟﻮﻑ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﻭﻻ
ﻳﺼﻌﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺍﻟﺘﺤﻘﻖ ﻣﻨﻪ ،ﻷﻥ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻫﻮ ﺇﻃﺎﺭ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ﺍﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ﻭﺑﺪﻭﻧﻪ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺘﻢ ﺍﻟﺘﻔﺎﻫﻢ ﺑﻴﻨﻨﺎ.

1.6 Page 6

▲back to top
6
ﺇﻥ ﺗﺠﺴّﺪ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﺘﻴﺢ ﻟﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺸﻬﺪ ﺍﻟﺤﺼﻴﻠﺔ ﺍﻟﻨﻬﺎﺋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ،ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻠﻖ ﺫﺍﺗﻪ ،ﻳﺘﺼﻮّﺭﻫﺎ ﻭﻟﻮ
ﺑﺎﻟﺨﻴﺎﻝ :ﻭﻫﻮ ﺃﻥ ﺍﻷﺑﺪﻱّ ﺍﻗﺘﺤﻢ ﺍﻟﺰﻣﻦ ،ﻭﺍﻟﻜﻞَّ ﺍﺣﺘﺠﺐ ﻭﺭﺍﺀ ﺍﻟﺠﺰﺀ ،ﻭﺍﻟﻠﻪ ﺍﺗﺨﺬ ﻭﺟﻪ ﺇﻧﺴﺎﻥ .ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﺒَّﺮ ﻋﻨﻬﺎ ﻭﺣﻲ
ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﻣﺤﺼﻮﺭﺓ ﻓﻲ ﺣﻴّﺰ ﺟﻐﺮﺍﻓﻲ ﻭﺛﻘﺎﻓﻲ ﻣﺤﺪﻭﺩ ،ﺑﻞ ﻫﻲ ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺇﻧﺴﺎﻥ ،ﺭﺟﻼً ﻛﺎﻥ ﺃﻡ ﺍﻣﺮﺃﺓ ،ﻳﺮﻳﺪ
ﺃﻥ ﻳﻘﺒﻠﻬﺎ ﻛﻠﻤﺔً ﻗﺎﺩﺭﺓ ﺑﻘﺪﺭﺓ ﺣﺎﺳﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺗﻌﻄﻲ ﻣﻌﻨﻰً ﻟﻠﻮﺟﻮﺩ .ﻭﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺃﻥ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﻳﺠﺪﻭﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ﻃﺮﻳﻘﺎً ﺇﻟﻰ
ﺍﻵﺏ :ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ،ﺑﻤﻮﺗﻪ ﻭﻗﻴﺎﻣﺘﻪ ،ﻭﻫﺐ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻷﺑﺪﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﺁﺩﻡ ﻗﺪ ﺭﻓﻀﻬﺎ )ﺭﺍ ﺭﻭﻡ .(15-12 ،5ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﻫﺬﺍ
ﺍﻟﻜﺸﻒ ﻳﺘﻠﻘﻰ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻘﺼﻮﻯ ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻭﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﻣﺼﻴﺮ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ :»ﻣﻤّﺎ ﻻ ﺷﻚ ﻓﻴﻪ ﺃﻥ ﻣﺼﻴﺮ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻻ
ﻳﺴﺘﻀﻲﺀ ﺣﻘﺎً ﺇﻻّ ﻓﻲ ﺿﻮﺀ ﺳﺮّ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻤﺘﺠﺴﺪ ،ﻋﻠﻰ ﺣﺪّ ﻣﺎ ﻳﺆﻛﺪﻩ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻱ »ﻓﺮﺡ ﻭﺭﺟﺎﺀ .[12]«ﺑﻤﻨﺄﻯً ﻋﻦ
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺅﻳﺔ ،ﻳﺒﻘﻰ ﺳـﺮَّ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻟﻐﺰﺍً ﻣﻄﺒﻘﺎ
ﺃﻳﻦ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺃﻥ ﻳﻠﻘﻰ ﺟﻮﺍﺑﺎً ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺳﺌﻠﺔ ﺍﻟﺨﻄﻴﺮﺓ ﻛﺎﻟﻌﺬﺍﺏ ﻭﻋﺬﺍﺏ ﺍﻟﺒﺮﻱﺀ ﻭﺍﻟﻤﻮﺕ ﺇﻻّ ﻓﻲ ﺍﻟﻀﻮﺀ ﺍﻟﻤﻨﺒﻌﺚ ﻣﻦ
ﺳﺮّ ﺁﻻﻡ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ﻭﻣﻮﺗﻪ ﻭﻗﻴﺎﻣﺘﻪ؟
ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﺍﻟﺴﺮّ
.13ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ،ٍّﻳﺠﺐ ﺃﻻَّ ﻳﻐﺮﺏ ﻋﻦ ﻓﻜﺮﻧﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﻳﻈﻞّ ﻣﻄﺒﻮﻋﺎً ﺑﻄﺎﺑﻊ ﺍﻟﺴﺮﻻ ﺷﻚ ﺃﻥ ﻳﺴﻮﻉ ،ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻛﻠﻬﺎ،
ﻗﺪ ﻛﺸﻒ ﻟﻨﺎ ﻋﻦ ﻭﺟﻪ ﺍﻵﺏ ،ﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﻗﺪ ﺟﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺭﺽ ﻟﻴﻌﺮّﻓﻨﺎ ﺑﺄﻋﻤﺎﻕ ﺍﻟﻠﻪ .[13]ﻭﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﻓﻤﻌﺮﻓﺘﻨﺎ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﻻ ﺗﺰﺍﻝ
ﻣﻄﺒﻮﻋﺔ ﺑﻄﺎﺑﻊ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩﻳﺔ .ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺣﺪﻩ ﻳﺘﻴﺢ ﻟﻨﺎ ﻭﻟﻮﺝ ﺍﻟﺴﺮّ ﻭﻳﺴﺎﻋﺪﻧﺎ ﻓﻲ ﺇﺩﺭﺍﻛﻪ ﺇﺩﺭﺍﻛﺎً ﻣﻨﻄﻘﻴﺎ
ﻳﺼﺮّﺡ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺑﻘﻮﻟﻪ :»ﺑﺈﺯﺍﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻮﺣﻲ ،ﻳﻘﻮﻡ ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﻄﺎﻋﺔ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ .[14]«ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﺒﺎﺭﺓ ﺍﻟﻤﻘﺘﻀﺒﺔ
ﻭﺍﻟﻤﻜﺜّﻔﺔ ﺗﻌﺒّﺮ ﻋﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺃﺳﺎﺳﻴﺔ ﻣﻦ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﺔ .ﻓﻨﺤﻦ ﻧﻘﻮﻝ ﺃﻭﻻً ﺑﺄﻥ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺟﻮﺍﺏ ﻃﺎﻋﺔ ﻟﻠﻪ.
ﻭﻳﻔﺘﺮﺽ ﻫﺬﺍ ﺃﻥ ﻧُﻘِﺮَّ ﺑﺄﻟﻮﻫﻴﺘﻪ ﻭﺳﻤﻮّﻩ ﻭﺣﺮﻳﺘﻪ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ .ﺇﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﺮّﻑ ﻋﻦ ﺫﺍﺗﻪ ﻓﻲ ﺳﻠﻄﺔ ﺳﻤﻮّﻩ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻳﺆﺗﻴﻨﺎ
ﺃﻳﻀﺎً ﻣﻦ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﻣﺎ ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﺆﻣﻦ ﺑﻮﺣﻴﻪ .ﺑﺎﻹﻳﻤﺎﻥ ﻳﺬﻋﻦ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ؛ ﻭﻳﻌﻨﻲ ﻫﺬﺍ ﺃﻧﻪ ﻳُﻘﺮّ ﺇﻗﺮﺍﺭﺍً ﻛﺎﻣﻼً
ﻭﻛﻠﻴﺎً ﺑﺤﻘﻴﻘﺔ ﻣﺎ ﻳﻮﺣﻰ ﺑﻪ ﺇﻟﻴﻨـﺎ ﻷﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻧﻔﺴﻪ ﻫﻮ ﻛﻔﻴﻞ ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻟﻪ .ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃُﻛﺮﻡ ﺑﻬﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺴﻮﻍ
ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﺃﻥ ﻳﻄﺎﻟﺐ ﺑﻬﺎ ﺗﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﻧﻄﺎﻕ ﺍﻟﻤﻜﺎﺷﻔﺔ ﺍﻟﻤﺘﺒﺎﺩﻟﺔ ،ﻭﺗﺤﻤﻞ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻳﺘﻘﺒﻠّﻬﺎ ﻭﻳﺪﺭﻙ ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ ﺍﻟﺼﻤﻴﻢ .ﻭﻟﺬﺍ
ﻓﻤﺎ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺗﻘﺪﻣﺔ ﺫﺍﺗﻪ ﻟﻠﻪ ،ﺗﻌﺘﺒﺮﻩ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻟﺤﻈﺔ ﺧﻴﺎﺭ ﺃﺳﺎﺳﻴّﺔ ﻳﻠﺘﺰﻡ ﺑﻬﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻛﻠَّﻪ .ﻭﻳﺘﻌﺎﻭﻥ ﺍﻟﻌﻘﻞ
ﻭﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﺇﻟﻰ ﺃﻗﺼﻰ ﻣﺎ ﺗﻄﻴﻘﻪ ﻃﺒﻴﻌﺘﻬﻤﺎ ﺍﻟﺮﻭﺣﻴﺔ ،ﻟﻴﺘﻴﺤﺎ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﺃﻥ ﻳﺄﺗﻲ ﺑﻌﻤﻞ ﻳُﻤﺎﺭﺱ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺤﺮّﻳﺔ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ
ﻛﺎﻣﻠﺔ .[15]ﻓﻲ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ،ﻟﻴﺴﺖ ﺍﻟﺤﺮﻳّﺔ ﺃﻣﺮﺍً ﺭﺍﻫﻨﺎً ﻭﺣﺴﺐ ،ﺑﻞ ﻫﻲ ﻣﻘﺘﻀﻰً ﻣﻦ ﻣﻘﺘﻀﻴﺎﺗﻪ .ﻻ ﺑﻞ ﺇﻥ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻴﺢ
ﻟﻜﻞ ﻣﻨﺎً ﺃﻥ ﻳﻌﺒّﺮ ﻋﻦ ﺣﺮﻳﺘﻪ ﺑﺄﻛﻤﻞ ﻭﺟﻪ .ﻭﺑﺘﻌﺒﻴﺮ ﺁﺧﺮ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﺘﺤﻘﻖ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻤﻌﺎﺩﻳﺔ ﻟﻠﻪ .ﻓﻜﻴﻒ
ﻧﺤﺴﺐ ﺭﻓﺾ ﺍﻻﻧﻔﺘﺎﺡ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺘﻴﺢ ﻟﻨﺎ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻭﺟﻬﺎً ﺻﺤﻴﺤﺎً ﻣﻦ ﻭﺟﻮﻩ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ؟ ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ،ﻫﻬﻨﺎ،
ﺗﻠﺘﻘﻲ ﻳﻘﻴﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،ﻭﺗﻘﺮّﺭ ﺍﻟﻌﻴﺶ ﻣﻌﻬﺎ.
ﺍﻟﺪﻻﻻﺕ ﺍﻟﻤﺎﺛﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﺗﺴﺎﻋﺪ ﻫﻲ ﺃﻳﻀﺎً ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻓﻲ ﺳﻌﻴﻪ ﺇﻟﻰ ﻓﻬﻢ ﺍﻟﺴﺮ ،ّﻭﺗﻔﻴﺪ ﻓﻲ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ
ﺑﻮﺟﻪ ﺃﻋﻤﻖ ﻭﺗﺨﻮّﻝ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺃﻥ ﻳﺘﻐﻠﻐﻞ ﻓﻲ ﺃﻋﻤﺎﻕ ﺍﻟﺴﺮّ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﺴﺘﻘﻠّﺔ .ﻭﻋﻠﻰ ﻛﻞ ،ٍﺇﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻻﻻﺕ ،ﻣﻦ ﺟﻬﺔ،
ﺗﻘﻮّﻳﻞ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻟﻴﺘﻤﻜّﻦ ﺑﻮﺳﺎﺋﻠﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻤﺎﺱ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﺴﺮّ ﺑﻮﺳﺎﺋﻠﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺤﺮﺹ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﻬﻲ
ﺗﺪﻋﻮﻩ ،ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ ،ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺴﺎﻣﻲ ﻓﻮﻕ ﺻﻔﺘﻬﺎ ﺍﻟﺪﻻﻟﻴﺔ ﻟﻴﺘﻠﻘّﻰ ﻣﺎ ﺗﺤﻤﻠﻪ ﻣﻦ ﻣﻌﺎﻥٍ ﻗﺼﻴﺔ .ﻓﻬﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﺇﺫﻥ ﺣﻘﻴﻘﺔ
ﻣﻄﻮﻳﺔ ﻳﻌﻮﺩ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﻻ ﻳﺴﻮﻍ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﺠﻬﻠﻬﺎ ﺑﺪﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻬﺪﻡ ﺍﻟﺪﻻﻟﺔ ﺍﻟﻤﻘﺪَّﻣﺔ ﻟﻪ.
ﺇﻥ ﻟﻨﺎ ﻫﻨﺎ ﻋﻮﺩﺓ ،ﻧﻮﻋﺎً ﻣﺎ ،ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﻣﻦ ﺯﺍﻭﻳﺘﻪ ﺍﻷﺳﺮﺍﺭﻳﺔ ،ﻭﺑﺨﺎﺻﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻼﻣﺔ ﺍﻹﻓﺨﺎﺭﺳﺘﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺠﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ
ﺍﻟﺘﺮﺍﺑﻂ ﺍﻟﻮﺛﻴﻖ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﻣﺪﻟﻮﻟﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﺴﺎﻋﺪﻧﺎ ﻓﻲ ﻓﻬﻢ ﺍﻟﺴﺮّ ﻓﻲ ﻋﻤﻘﻪ .ﻓﻲ ﺍﻹﻓﺨﺎﺭﺳﺘﻴﺎ ،ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ﺣﺎﺿﺮ ﺣﻀﻮﺭﺍً
ﺣﻘﻴﻘﻴﺎً ﻭﺣﻴﺎً ﻭﻳﻌﻤﻞ ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﺭﻭﺣﻪ؛ »ﻭﻟﻜﻨﻚ -ﻋﻠﻰ ﺣﺪّ ﻗﻮﻝ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺗﻮﻣﺎ )ﺍﻷﻛﻮﻳﻨﻲ( ، -ﻻ ﺗﻔﻬﻤﻪ ﻭﻻ ﺗﺮﺍﻩ .ﻭﻟﻜﻦ
ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﺤﻲّ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺆﻛّﺪ ﺫﻟﻚ ،ﻣﺘﻌﺎﻟﻴﺎً ﻓﻮﻑ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ .ﺗﺤﺖ ﺍﻟﺸﻜﻞ ﺍﻟﻤﺰﺩﻭﺝ ،ﻭﻫﻮ ﺫﺍﺗﻪ ﻋﻼﻣﺔ ﺷﻲﺀ ﺁﺧﺮ ،ﺗﻨﺒﺾ
ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﻘﺪَّﺳﺔ .[16]«ﻭﻳﺼﺪﻱ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﺑﺎﺳﻜﺎﻝ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺑﻘﻮﻟﻪ :»ﻛﻤﺎ ﻇﻞ ﻳﺴﻮﻉ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ﻣﻐﻤﻮﺭﺍً ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ،
ﺗﻈﻞ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ ﻣﻐﻤﻮﺭﺓ ﺑﻴﻦ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﺸﺎﺋﻌﺔ ،ﻻ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ .ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻹﻓﺨﺎﺭﺳﺘﻴﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺨﺒﺰ ﺍﻟﺸﺎﺋﻊ.[17]«

1.7 Page 7

▲back to top
7
ﺧﻼﺻﺔ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻹﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﻻ ﺗﻠﻐﻲ ﺍﻟﺴﺮ ،ّﺑﻞ ﺗﺠﻠﻮﻩ ﻭﺗﻌﻠﻨﻪ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺃﻣﺮ ﺟﻮﻫﺮﻱ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ :ﺇﻥ ﺍﻟﺮﺏّ
ﻳﺴﻮﻉ »ﻓﻲ ﻛﺸﻔﻪ ﻋﻦ ﺳﺮّ ﺍﻵﺏ ﻭﻣﺤﺒﺘﻪ ،ﻳﺒﻴّﻦ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﻭﺿﻮﺡٍ ﻛﺎﻣﻞ ،ﻭﻳﻜﺸﻒ ﻟﻪ ﻋﻦ ﺳﺮّ
ﺩﻋﻮﺗﻪ ،[18]«ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻛﺔ ﻓﻲ ﺳﺮّ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺣﻴﺎﺗﻪ ﺍﻟﺜﺎﻟﻮﺛﻴﺔ.[19]
.14ﺗﻌﻠﻴﻢ ﻣﺠﻤﻌﻲ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻥ ﻳﻔﺘﺢ ﻟﻨﺎ ﺃﻳﻀﺎً ﺭﺅﻳﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻟﻤﺴﺘﺠﺪﺍﺕ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ .ﻓﺎﻟﻮﺣﻲ ﻳُﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ
ﻣﻌْﻠﻤﺎً ﻻ ﻳﺴﻮﻍ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﺃﻥ ﻳﺠﻬﻠﻪ ،ﺇﺫﺍ ﺃﺭﺍﺩ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻛﺘﻨﺎﻩ ﺳﺮّ ﻭﺟﻮﺩﻩ .ﻭﻟﻜﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ،ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ ،ﺗﻌﻴﺪ
ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺩﻭﻣﺎً ﺇﻟﻰ ﺳﺮّ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺃﻥ ﻳﺴﺒﺮ ﻋﻤﻘﻪ ﺑﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﻘﺒﻠﻪ ﻭﻳﺘﻘﺒﻠﻪ ﻓﻲ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ .ﺿﻤﻦ ﻫﺬﻳﻦ
ﺍﻟﻤﻌﻄﻴﻴﻦ ،ﻳﺘﻤﺘﻊ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺑﺤﻴّﺰ ﺧﺎﺹ ﻳﺨﻮّﻟﻪ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻭﺍﻟﻔﻬﻢ ،ﻻ ﻳﺤﺪُّﻩ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺇﻻَّ ﻣﺤﺪﻭﺩﻳﺘﻪ ﺑﺈﺯﺍﺀ ﺳﺮّ ﺍﻟﻠﻪ
ﺍﻟﻼﻣﺤﺪﻭﺩ.
ﻳُﺪﺧﻞ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﺇﺫﻥ ﻓﻲ ﺗﺎﺭﻳﺨﻨﺎ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻭﻗﺼﻮﻯ ﺗﺤﻤﻞ ﺍﻟﺬﻫﻦ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻋﻠﻰ ﺃﻻَّ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﺃﺑﺪﺍ ،ًﻻ ﺑﻞ ﺗﺤﻔﺰﻩ ﻋﻠﻰ ﺍﻥ
ﻳﻮﺳّﻊ ﺑﻼ ﺍﻧﻘﻄﺎﻉ ﻧﻄﺎﻕ ﻋﻠﻤﻪ ،ﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﻟﻢ ﻳﻘﺘﻨﻊ ﺑﺄﻧﻪ ﺃﻧﺠﺰ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻭﺳﻌﻪ ،ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﻳﻬﻤﻞ ﺷﻴﺌﺎﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺠﺎﻝ
ﺍﻟﻔﻜﺮﻱ ﻧﺠﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺍﻧﺴﻠﻤُﺲ ﻋﻮﻧﺎً ﻭﻫﻮ ﺃﺣﺪ ﺃﺧﺼﺐ ﺍﻟﻤﻔﻜّﺮﻳﻦ ﻭﺃﺑﺮﺯﻫﻢ ﻓﻲ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ،ﻭﻣﺮﺟﻊ ﻻ ﺑﺪًّ ﻣﻨﻪ
ﻟﻠﻔﻠﺴﻔﺔ ﻛﻤﺎ ﻟﻼَّﻫﻮﺕ .ﻭﻗﺪ ﺃﻭﺭﺩ ﺭﺋﻴﺲ ﺃﺳﺎﻗﻔﺔ ﻛﺎﻧﺘﻮﺭ ﺑﺮﻱ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ »ﺍﻟﺘﻤﻬﻴﺪ« ﻣﺎ ﻳﻠﻲ :»ﻟﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﻣﺮﺍﺭﺍً ﻭﺑﺎﻧﺪﻓﺎﻉ ﺃﻭﺟّﻪ
ﻓﻜﺮﻱ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ،ﻓﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﺃﺑﺤﺚ ﻋﻨﻪ ،ﻛﻨﺖ ﺃﺗﺼﻮﺭ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﺃﻧﻪ ﺃﺻﺒﺢ ﺿﻤﻦ ﻣﺪﺍﺭﻛﻲ ،ﻭﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﺃﺧﺮﻯ ﻛﺎﻥ ﻳﻔﻠِﺖ ﻣﻦ ﻧﻈﺮ
ﻋﻘﻠﻲ؛ ﻭﺇﺫ ﺗﻮﻻّﻧﻲ ﺍﻟﻴﺄﺱ ﺃﺧﻴﺮﺍً ﻫﻤﻤﺖ ﺑﺎﻟﺘﻮﻗﻒ ،ﻭﻗﺪ ﺑﺪﺍ ﻟﻲ ﺃﻧﻲ ﺃﻻﺣﻖ ﻃﺮﻳﺪﺓ ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ ﺇﺩﺭﺍﻛﻬﺎ .ﻭﻟﻜﻦ ﻓﻴﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﻣﺼﻤّﻤﺎً
ﻛﻞ ﺍﻟﺘﺼﻤﻴﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻥ ﺃﺗﺨﻠﻰ ﻋﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﻟﺌﻼَّ ﺗﺸﻐﻞ ﺫﻫﻨﻲ ﻭﺗﺤﺒﺴﻨﻲ ﻋﻦ ﻣﺸﺎﻏﻞ ﺃﺧﺮﻯ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻲ ﺃﻥ ﺃﺗﻘﺪﻡ ﻓﻴﻬﺎ ،ﺇﺫﺍ
ﺑﻬﺎ ﺗﻌﻮﺩ ﻭﺗﺮﺍﻭﺩﻧﻲ ﺃﻛﺜﺮ ﻓﺄﻛﺜﺮ ﺣﺘﻰ ﺍﻹﺯﻋﺎﺝ ،ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺭﻓﻀﻲ ﻭﺩﻓﺎﻋﻲ ]…[ ﻭﻟﻜﻦ ﻭﻳﺤﻲ ﺃﻧﺎ ﺍﻟﺸﻘﻲ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺃﺷﻘﻴﺎﺀ
ﺁﺧﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﺣﻮّﺍﺀ ﺍﻟﺒﻌﻴﺪﻳﻦ ﻋﻦ ﺍﻟﻠﻪ ،ﻣﺎﺫﺍ ﺻﻨﻌﺖ ﻭﻣﺎﺫﺍ ﺃﻧﺠﺰﺕ؟ ﺇﻟﻰ ﺃﻳﻦ ﻛﻨﺖ ﺃﻃﻤﺢ ﻭﺇﻟﻰ ﺃﻳﻦ ﻭﺻﻠﺖ؟ ﺇﻻﻡ ﻛﻨﺖ
ﺃﺗﺸﻮّﻕ ﻭﻋﻼﻡ ﻛﻨﺖ ﺃﺗﻨﻬًّﺪ؟ ]…[ ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ،ﺭﺏ ،ّﻟﺴﺖَ ﻓﻘﻂ ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﺘﺼﻮّﺭ ﺷﻴﺌﺎً ﺃﻋﻈﻢ ﻣﻨﻚ ﻭﺣﺴﺐ ،ﺑﻞ ﺃﻧﺖ
ﺃﻋﻈﻢ ﻣﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﻌﻘﻠﻪ ]…[ ﻓﺈﺫﺍ ﻟﺴﺖ ﻫﺬﺍ ﺑﻌﻴﻨﻪ ﻓﺒﺎﻹﻣﻜﺎﻥ ﺃﻥ ﻧﻔﻌﻞ ﺷﻴﺌﺎً ﺃﻋﻈﻢ ﻣﻨﻚ ،ﻭﻫﺬﺍ ﻣُﺤﺎﻝ.[20]«
.15ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﺠﺪﻫﺎ ﻓﻲ ﻳﺴﻮﻉ ﺍﻟﻨﺎﺻﺮﻱ ﺗﺘﻴﺢ ﻟﻜﻞ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﺃﻥ ﻳﺘﻘﺒّﻞ »ﺳﺮّ« ﺣﻴﺎﺗﻪ .ﻭﻣﻊ ﻛﻮﻧﻬﺎ
ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻗﺼﻮﻯ ،ﻓﻬﻲ ﺗﺤﺘﺮﻡ ﺍﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺔ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻕ ﻭﺣﺮﻳﺘﻪ ﻭﺗﻨﺎﺷﺪﻩ ﺍﻻﻧﻔﺘﺎﺡ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻓﻮﻕ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻕ .ﻫﻨﺎ ﺗﺼﺒﺢ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ
ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺃﻣﺮﺍً ﻣﻄﻠﻘﺎ ،ًﻭﻳﺼﺒﺢ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻔﻬﻢ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﺮﺏ»ﺗﻌﺮﻓﻮﻥ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺍﻟﺤﻖ ﻳُﺤﺮِّﺭﻛﻢ« )ﻳﻮ .(32/8
ﺍﻟﻮﺣﻲ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ ﻫﻮ ﺍﻟﻨﺠﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﻪ ﻳﻬﺘﺪﻱ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺴﺎﻋﻲ ﻭﺳﻂ ﻗﺮﺍﺋﻦ ﺍﻟﺬﻫﻨﻴﺔ ﺍﻟﻤﺜﻮﻟﻴﺔ ﻭﻣﺂﺯﻕ ﺍﻟﻤﻨﻄﻖ
ﺍﻟﺘﻜﻨﻮﻗﺮﺍﻃﻲ .ﺇﻧﻬﺎ ﺍﻟﻔﺮﺻﺔ ﺍﻟﻘﺼﻮﻯ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻀﻌﻬﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺗﺼﺮﻓﻨﺎ ﻟﻨﺴﺘﻌﻴﺪ ﻛﺎﻣﻞ ﺍﻟﺨﻄﺔ ﺍﻷﺻﻠﻴﺔ ،ﺧﻄﺔ ﺍﻟﺤﺐّ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﺪﺃﻫﺎ
ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻨﺬ ﺍﻟﺨﻠﻖ .ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻮﻕ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺤﻖ ،ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻻ ﻳﺰﺍﻝ ﻗﺎﺩﺭﺍً ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺍﺑﻌﺪ ﻣﻦ ﺫﺍﺗﻪ،
ﻭﻳﺮﻓﻊ ﺑﺼﺮﻩ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺃﺳﻤﻰ ﻣﻦ ﻣﺨﻄﻄﺎﺗﻪ ،ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻳﺤﻈﻰ ﺑﻤﺎ ﻳﻤﻜّﻨﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺜﻮﺭ ﻋﻠﻰ ﻋﻼﻗﺔ ﺻﺤﻴﺤﺔ ﻣﻊ
ﺫﺍﺗﻪ ،ﺑﺎﺗﺒﺎﻋﻪ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺤﻖ .ﻛﻠﻤﺎﺕ ﺳﻔﺮ ﺗﺜﻨﻴﺔ ﺍﻻﺷﺘﺮﺍﻉ ﺗﻨﻄﺒﻖ ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺿﻊ :»ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﺻﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻧﺎ ﺁﻣﺮﻙ ﺑﻬﺎ
ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻟﻴﺴﺖ ﻓﻮﻕ ﻃﺎﻗﺘﻚ ﻭﻻ ﺑﻌﻴﺪﺓ ﻣﻨﻚ .ﻻ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻓﺘﻘﻮﻝ :ﻣﻦ ﻳﺼﻌﺪ ﻟﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻓﻴﺘﻨﺎﻭﻟﻬﺎ ﻭﻳُﺴﻤﻌﻨﺎ ﺇﻳﺎﻫﺎ
ﻓﻨﻌﻤﻞ ﺑﻬﺎ؟ ﻭﻻ ﻫﻲ ﻓﻲ ﻋﺒﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﻓﺘﻘﻮﻝ :ﻣﻦ ﻳﻘﻄﻊ ﻟﻨﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﻓﻴﺘﻨﺎﻭﻟﻬﺎ ﻭﻳُﺴﻤﻌﻨﺎ ﺇﻳﺎﻫﺎ ﻓﻨﻌﻤﻞ ﺑﻬﺎ؟ ﺑﻞ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ
ﻗﺮﻳﺒﺔ ﻣﻨﻚ ﺟﺪﺍً ﻓﻲ ﻓﻤﻚ ﻭﻓﻲ ﻗﻠﺒﻚ ﻟﺘﻌﻤﻞ ﺑﻬﺎ« )ﺗﺚ .(14-11/30ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﺺ ﺗﻮﺍﺯﻳﻪ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ
ﻭﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻲ ﺃﻭﻏﺴﻄﻴﻨﻮﺱ :»ﻻ ﺗﺨﺮﺝ ﺧﺎﺭﺟﺎ ،ًﺑﻞ ﻋُﺪ ﺇﻟﻰ ﺫﺍﺗﻚ ،ﻓﻔﻲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺒﺎﻃﻦ ﺗﻜﻤﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ.[21]«
ﻓﻲ ﺿﻮﺀ ﻫﺬﻩ ﺍﻻﻋﺘﺒﺎﺭﺍﺕ ،ﻧﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺍﻟﻤﻠﺰﻣﺔ :ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻨﻘﻠﻬﺎ ﺇﻟﻴﻨﺎ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﻫﻲ ﺍﻟﺜﻤﺮﺓ ﺍﻟﻨﺎﺿﺠﺔ
ﺃﻭ ﺍﻟﻘﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻔﻀﻲ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻓﻜﺮ ﻳﻔﺮﺯﻩ ﺍﻟﻌﻘﻞ ،ﺑﻞ ﺗﺒﺪﻭ ﻟﻨﺎ ،ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ ،ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻣﺠَّﺎﻧﻴّﺔ ﺗُﻔﻌِّﻞ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻭﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺇﻻَّ ﺃﻥ ﻧﺘﻘﺒﻠﻬﺎ
ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﻣﻦ ﺗﻌﺎﺑﻴﺮ ﺣﺐّ ﺍﻟﻠﻪ .ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﻮﺣﺎﺓ ﻫﻲ ﺍﺳﺘﺒﺎﻕ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻟﻠﺮﺅﻳﺔ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﻭﺍﻟﺤﺎﺳﻤﺔ ،ﺭﺅﻳﺔ ﺍﻟﻠﻪ
ﺍﻟﻤﺤﻔﻮﻇﺔ ﻟﻠﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺑﻪ ﻭﺍﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ ﻋﻨﻪ ﺑﻘﻠﺐ ﻣﺨﻠﺺ .ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ ﺍﻟﻘﺼﻮﻯ ﻟﻠﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﺑﺤﺚ ﻟﻠﻔﻠﺴﻔﺔ
ﻛﻤﺎ ﻟﻼﻫﻮﺕ ،ﻭﻛﻠﺘﺎﻫﻤﺎ ،ﻭﺇﻥ ﺑﻄﺮﻕ ﻭﻣﺤﺘﻮﻳﺎﺕ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻳﺘﻔﺤﺼﺎﻥ »ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ،«ﻫﺬﻩ )ﻣﺰ (11/[15] 16ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻔﻀﻲ
ﺑﻨﺎ ﺃﺧﻴﺮﺍ ،ًﻋﻠﻰ ﺣﺪّ ﻣﺎ ﻳﺆﻛﺪﻩ ﻟﻨﺎ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ،ﺇﻟﻰ ﻣﺸﺎﻫﺪﺓ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﻭﺍﻟﻤﺜﻠﺚ ﺍﻷﻗﺎﻧﻴﻢ ﻓﻲ ﻣﻞﺀ ﺍﻟﻔﺮﺡ ﻭﺩﻳﻤﻮﻣﺘﻪ.

1.8 Page 8

▲back to top
يناثلا لصفلا
مهفأل نموأ
8
« ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺗَﻌﻠَﻢ ﻭﺗَﻔﻬﻢُ ﻛﻞَّ ﺷﻲﺀ» )ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ (11 ،9
.16ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺍﻟﻌﻤﻴﻘﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺑﺎﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺑﺎﻟﻌﻘﻞ ﻳﻌﺒّﺮ ﻋﻨﻬﺎ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻤﻘﺪّﺱ ﺑﻜﻠﻤﺎﺕ ﻏﺎﻳﺔٍ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺿﻮﺡ.
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﻀﻠﺔ ﺗﻌﺎﻟﺠﻬﺎ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﺍﻟﺤﻜﻤﻴَّﺔ ﺧﺼﻮﺻﺎﻭﺍﻟﻼﻓﺖ ﻓﻲ ﻗﺮﺍﺀﺓ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻔﺤﺎﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻤﻘﺪّﺱ ،ﺑﻼ ﺗﺤﻴّﺰ ،ﻫﻮ
ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺗﺘﻀﻤﻦ ﻻ ﺇﻳﻤﺎﻥ ﺇﺳﺮﺍﺋﻴﻞ ﻭﺣﺴﺐ ،ﺑﻞ ﻛﻨـﺰ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺍﺕ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ ﺍﻟﺒﺎﺋﺪﺓ .ﻓﻤﻦ ﺧﻼﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻔﺤﺎﺕ
ﺍﻟﻐﻨﻴﺔ ﺑﺎﻟﺒﺪﺍﻫﺔ ﺍﻟﻌﻤﻴﻘﺔ ،ﻭﻟﻐﺎﻳﺔ ﻣﺤﺪّﺩﺓ ،ﺗﻌﻮﺩ ﻣﺼﺮ ﻭﺑﻼﺩ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﻬﺮﻳﻦ ﺗﺮﺩّﺩ ﺻﻮﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﻤﺎﻋﻨﺎ ،ﻭﺗﻌﻴﺪ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺇﻟﻰ
ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﻼﻣﺢ ﺍﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺛﻘﺎﻓﺎﺕ ﺍﻟﺸﺮﻕ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ.
ﻭﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﺼﺪﻓﺔ ﺃﻥ ﻳﻌﻤﺪ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﺍﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ ﺇﻟﻰ ﻭﺻﻒ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺑﺄﻧﻪ ﻳﻬﻮﻯ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﻳﻠﺘﻤﺴﻬﺎ:
»ﻃﻮﺑﻰ ﻟﻠﺮﺟﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﺄﻣﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻭﻳﺘﺤﺪّﺙ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﻘﻠﻪ ،ﻭﻳﻔﻜّﺮ ﻓﻲ ﻃﺮﻗﻬﺎ ﺑﻘﻠﺒﻪ ﻭﻳﺘﺒﺼّﺮ ﻓﻲ ﺃﺳﺮﺍﺭﻫﺎ ،ﻭﻳﻨﻄﻠﻖ
ﻓﻲ ﺇﺛﺮﻫﺎ ﻛﺎﻟﺒﺎﺣﺚ ﻭﻳﺘﺮﻗﺐ ﻋﻨﺪ ﻣﺪﺍﺧﻠﻬﺎ ﻭﻳﺘﻄﻠﻊ ﻣﻦ ﻛﻮﺍﺗﻬﺎ ﻭﻳﺘﺴﻤّﻊ ﻋﻨﺪ ﺃﺑﻮﺍﺑﻬﺎ ،ﻭﻳﺤﻞُّ ﺑﻘﺮﺏ ﺑﻴﺘﻬﺎ ﻭﻳﻀﺮﺏ ﻭﺗﺪﺍً ﻓﻲ
ﺣﺎﺋﻄﻬﺎ ﻭﻳﻨﺼﺐ ﺧﻴﻤﺘﻪ ﺑﺠﺎﻧﺒﻬﺎ ﻭﻳﻨﺰﻝ ﺑﻤﻨﺰﻝ ﺍﻟﺨﻴﺮﺍﺕ؛ ﻳﺠﻌﻞ ﺑﻨﻴﻪ ﻓﻲ ﻛﻨﻔﻬﺎ ﻭﻳﺴﻜﻦ ﺗﺤﺖ ﺃﻏﺼﺎﻧﻬﺎ ،ﻳﺴﺘﺘﺮ ﺑﻈﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺮ
ﻭﻓﻲ ﻣﺠﺪﻫﺎ ﻳﺠﺪ ﺭﺍﺣﺔ« )ﺍﺑﻦ ﺳﻴﺮﺍﺥ .(27-20 ،14
ﻧﻠﺤﻆ ﺇﺫﻥ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻮﻕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ،ﻓﻲ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﻜﺎﺗﺐ ﺍﻟﻤﻘﺪّﺱ ،ﻫﻮ ﻣﺰﻳّﺔ ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻨﺎﺱ .ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ
»ﺍﻧﺘﺸﺎﻝ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﺍﻟﻌﻤﻴﻖ« ﺃﻱ ﻣﺎﺀ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ،ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﺍﻟﻌﻘﻞ ،ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻋﻄﻴﺔ ﻳﻤّﻦ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ،ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻭﻏﻴﺮ
ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ .ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻭﻇﺎﻫﺮﺍﺗﻪ ،ﻓﻲ ﺷﻌﺐ ﺇﺳﺮﺍﺋﻴﻞ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ،ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻟﺘﺘﻢ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺗﺠﺮﻳﺪﻳﺔ ﻛﻤﺎ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ
ﺍﻻﻏﺮﻳﻘﻲ ﺃﻭ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺍﻟﻤﺼﺮﻱ .ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺍﻻﺳﺮﺍﺋﻴﻠﻲ ﺍﻟﻌﺎﺩﻱ ﻟﻴﺪﺭﻙ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻧﻄﻼﻗﺎً ﻣﻦ ﻣﻘﺎﻳﻴﺲ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﺍﻟﺬﻱ
ﻳﻨـﺰﻉ ﺇﻟﻰ ﺗﻘﺴﻴﻢ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ .ﻭﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﻓﻘﺪ ﺳﻌﻰ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺒﻴﺒﻠﻲ ﺇﻟﻰ ﺗﻮﺟﻴﻪ ﺭﻓﺪﻩ ﺍﻷﺻﻴﻞ ﻭﺟﺮّﻩ ﺇﻟﻰ ﺑﺤﺮ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ.
ﻣﺎ ﻫﻮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﻓﺪ؟ ﺇﻥ ﻣﺎ ﻳﺘﻤﻴّﺰ ﺑﻪ ﺍﻟﻨﺺّ ﺍﻟﺒﻴﺒﻠﻲ ﻫﻮ ﺍﻻﻋﺘﻘﺎﺩ ﺑﺄﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻭﺣﺪﺓ ﻋﻤﻴﻘﺔ ﻭﻣﺘﻤﺎﺳﻜﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺑﺎﻟﻌﻘﻞ
ﻭﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺑﺎﻹﻳﻤﺎﻥ .ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻭﻣﺎ ﻳﺠﺮﻱ ﻓﻴﻪ ،ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻭﺗﻘﻠﺒﺎﺕ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﻫﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻨﻈﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻌﻘﻞ
ﻭﻳﺤﻠّﻠﻬﺎ ﻭﻳﺤﻜﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻮﺳﺎﺋﻠﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ،ﻭﻟﻜﻦ ﺑﺪﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻈﻞ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﻤﻨﺄﻯً ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﻴﺎﻕ .ﻓﺎﻹﻳﻤﺎﻥ ﻻ ﻳﺘﺪﺧﻞ ﻟﻴﻘﻠّﻞ ﻣﻦ
ﺍﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺔ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺃﻭ ﻟﻴﻨﺘﻘﺺ ﻣﻦ ﺭﻗﻌﺔ ﻋﻤﻠﻪ ،ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻴُﻔﻬِﻢ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺃﻥ ﺇﻟﻪ ﺇﺳﺮﺍﺋﻴﻞ ﻳﺘﺠﻠّﻰ ﻭﻳﻌﻤﻞ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻫﺬﻩ
ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ .ﻭﻣﻦ ﺛﻢ ،ﻓﺎﻟﻮﻗﻮﻑ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﻮﺍﻝ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻭﺃﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻭﻗﻮﻓﺎً ﺭﺍﺳﺨﺎً ﻻ ﻳﺘﻢ ﺇﻻّ ﺇﺫﺍ ﺭﺍﻓﻖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ
ﺍﻋﻼﻥ ﺇﻳﻤﺎﻧﻨﺎ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﻤﻞ ﻓﻴﻬﺎ .ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻳﺮﻫﻒ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺍﻟﺒﺎﻃﻦ ﻭﻳﺘﻴﺢ ﻟﻠﻌﻘﻞ ﺃﻥ ﻳﻜﺘﺸﻒ ،ﻓﻲ ﺳﻴﺎﻕ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ،
ﻣﻼﻣﺢ ﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻭﺣﻀﻮﺭﻫﺎ ﺍﻟﻔﺎﻋﻞ .ﺇﻧﻨﺎ ﻧﺠﺪ ،ﻓﻲ ﺳﻔﺮ ﺍﻷﻣﺜﺎﻝ ،ﻛﻼﻣﺎً ﻣﻌﺒّﺮﺍً ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﺄﻥ :»ﻗﻠﺐ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻳﻔﻜّﺮ
ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﻪ ﻭﺍﻟﺮﺏ ﻳﻬﺪﻱ ﺧﻄﻮﺍﺗﻪ« 9 ،16)(؛ ﻭﻧﺮﻯ ،ﺑﺘﻌﺒﻴﺮ ﺁﺧﺮ ،ﺃﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻪ ﺃﻥ ﻳﻬﺘﺪﻱ ﻃﺮﻳﻘﻪ ﻓﻲ ﺿﻮﺀ ﺍﻟﻌﻘﻞ،
ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻳﻘﺪﺭ ﺃﻥ ﻳﺠﺘﺎﺯﻩ ﺳﺮﻳﻌﺎً ﻭﺑﻼ ﻋﺎﺋﻖ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﺇﺫﺍ ﺧﻠﺼﺖ ﻧﻴﺘﻪ ﻭﻭﺿﻊ ﺑﺤﺜﻪ ﻓﻲ ﻣﻨﻈﻮﺭ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ .ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻻ
ﻳﻤﻜﻦ ﺇﺫﻥ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺑﺪﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻔﻘﺪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻳﻌﺮﻑ ﺫﺍﺗﻪ ،ﻭﻳﻌﺮﻑ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻭﺍﻓﻴﺔ.
.17ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺘﺤﻴﻞ ﺇﺫﻥ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻡ ﺻﺮﺍﻉ ﺃﻭ ﻣﻨﺎﻓﺴﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻹﻳﻤﺎﻥ :ﻓﺎﻟﻮﺍﺣﺪ ﻳﻨﺪﻣﺞ ﻓﻲ ﺍﻵﺧﺮ ﻭﻟﻜﻞٍّ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺣﻴّﺰﻩ
ﺍﻟﺨﺎﺹ .ﻭﻫﻨﺎ ﺃﻳﻀﺎ ،ًﻧﻘﺮﺃ ﻓﻲ ﺳﻔﺮ ﺍﻷﻣﺜﺎﻝ ﻣﺎ ﻳﻮﺟّﻬﻨﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﺗﺠﺎﻩ :»ﻣﺠﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﻛﺘْﻢ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﻭﻣﺠﺪ ﺍﻟﻤﻠﻮﻙ ﻓﺤﺺ
ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ« .(2 ،25)ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ،ﻛﻞٌّ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻤﻪ ﺍﻟﺨﺎﺹ ،ﻣﺮﺗﺒﻄﺎﻥ ﺑﻌﻼﻗﺔ ﻓﺮﻳﺪﺓ .ﺍﻟﻠﻪ ﻣﺼﺪﺭ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﻛﻠﻬﺎ ﻭﻓﻴﻪ ﻳﻜﺘﻤﻞ
ﺍﻟﺴﺮ ،ّﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﻣﺠﺪﻩ .ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻌﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺑﻌﻘﻠﻪ ،ﻭﻫﺬﺍ ﺷﺮﻓﻪ .ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﺴﻴﻔﺴﺎﺀ ﻳﻨﻀﺎﻑ
ﻋﻨﺼﺮ ﺁﺧﺮ ﻧﺠﺪﻩ ﻓﻲ ﺻﻼﺓٍ ﻟﺼﺎﺣﺐ ﺍﻟﻤﺰﺍﻣﻴﺮ :»ﺍﻟﻠﻬّﻢ ﻣﺎ ﺃﺻﻌﺐ ﺃﻓﻜﺎﺭﻙ ،ﻣﺎ ﺃﻛﺜﺮ ﺃﺑﻮﺍﺑﻬﺎ ،ﺃﻋُﺪُّﻫﺎ ﻓﺘﺰﻳﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻣﺎﻝ .ﻫﻞ
ﺍﻧﺘﻬﻴﺖ؟ ﺇﻧﻲ ﻟﻢ ﺃﺑﺮﺡ ﻣﻌﻚ« .(18-17 ،[138] 139)ﺍﻟﺘﻮﻕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻫﻮ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮّﺓ ﻭﺍﻟﺪﻳﻨﺎﻣﻴﺔ ﺑﺤﻴﺚ ﺇﻥ ﻗﻠﺐ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ،
ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻣﺤﺪﻭﺩﻳﺘﻪ ﺍﻟﻤﺎﻧﻌﺔ ،ﻳﺤﻦُّ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻵﺧﺮﺓ ﻣﻦ ﺛﺮﻭﺓ ﻻ ﻣﺤﺪﻭﺩﺓ ،ﻣﺪﺭِﻛﺎً ﺑﺎﻟﺤﺪﺱ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺘﻀﻤﻦ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﺍﻟﻤﻘﻨﻊ
ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺳﺌﻠﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻌﺼﻴﺔ.
.18ﻳﺴﻮﻍ ﻟﻨﺎ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺇﺫﻥ ﺇِﻥ ﺍﺳﺮﺍﺋﻴﻞ ﺍﺳﺘﻄﺎﻉ ﺃﻥ ﻳﻔﺘﺢ ﻟﻠﻌﻘﻞ ﻃﺮﻳﻘﺎً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﺮﻟﻘﺪ ﺳﺒﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﺍﻹﻟﻬﻲ ﺳﺒﺮﺍً
ﻋﻤﻴﻘﺎً ﻛﻞ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﺴﻌﻰ ﺇﻟﻰ ﺇﺩﺭﺍﻛﻪ ﺑﺎﻟﻌﻘﻞ ،ﺩﻭﻥ ﺟﺪﻭﻯ .ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻠﻖ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻜﻞ ﺍﻷﻋﻤﻖ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ،ﺃﺩﺭﻙ ﺍﻟﺸﻌﺐ

1.9 Page 9

▲back to top
9
ﺍﻟﻤﺨﺘﺎﺭ ﺃﻥّ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺃﻥ ﻳﺮﺍﻋﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻘﻮﺍﻋﺪ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴّﺔ ﻟﻴﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﻃﺒﻴﻌﺘﻪ ﺑﺄﻓﻀﻞ ﻭﺟﻪ .ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻷﻭﻟﻰ
ﻫﻲ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻃﺮﻳﻘﺎً ﻻ ﻫﺪﻧﺔ ﻓﻴﻪ ،ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺗﻨﺒﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦ ﺑﺄﻥ ﺍﻻﻧﺴﺎﻥ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺴﻠﻚ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ
ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻭﻫﻮ ﻳﺘﺒﺠَّﺢ ﻛﻤﻦ ﻳﻈﻦّ ﺃﻥ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻫﻮ ﺛﻤﺮﺓ ﺗﺤﺼﻴﻞ ﺷﺨﺼﻲ .ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻓﺘﺮﺗﻜﺰ ﻋﻠﻰ »ﻣﺨﺎﻓﺔ ﺍﻟﻠﻪ«
ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺃﻥ ﻳﻌﺘﺮﻑ ﺑﺴﻴﺎﺩﺗﻪ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻭﺑﻤﺤﺒﺘﻪ ﺍﻟﺒﺼﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﺗﺪﺑﻴﺮ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ.
ﻛﻞ ﻣﺮﺓ ﻳﺒﺘﻌﺪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻋﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻮﺍﻋﺪ ﻳﺘﻌﺮَّﺽ ﻟﻠﻔﺸﻞ ﻭﻳﻤﺴﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ »ﺍﻟﺴﻔﻴﻪﻓﻲ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻤﻘﺪَّﺱ،
ﺗﺸﻜّﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻔﺎﻫﺔ ﺧﻄﺮﺍً ﻳﻬﺪّﺩ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ .ﻓﺎﻟﺴﻔﻴﻪ ﻳﺘﻮﻫَّﻢ ﺍﻟﻮﻗﻮﻑ ﻋﻠﻰ ﺷﻮﺅﻥ ﻛﺜﻴﺮﺓ ،ﺑﻴﺪ ﺃﻧﻪ ،ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ،ﻋﺎﺟﺰٌ ﻋﻦ ﺃﻥ
ﻳﺜﺒّﺖ ﻧﻈﺮﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻮﻫﺮﻱ ﻣﻦ ﺷﺆﻭﻥ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ،ﻭﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﻳﺤﻮﻝ ﺩﻭﻥ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﺗﻨﻈﻴﻢ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻋﻘﻠﻪ )ﺭﺍ ﺳﻔﺮ ﺍﻷﻣﺜﺎﻝ
،(7/1ﻭﺍﺗﺨﺎﺫ ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺐ ﺗﺠﺎﻩ ﺫﺍﺗﻪ ﻭﺗﺠﺎﻩ ﻣﺤﻴﻄﻪ .ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳُﻘﺪﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻮﻝ :»ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺇﻟﻪ!« )ﺭﺍ ﻣﺰ (1 ،[13]ٍ 14
ﻳﺒﺮﻫﻦ ﺑﻜﻞ ﻭﺿﻮﺡ ﺍﻥ ﻣﻌﺮﻓﺘﻪ ﻗﺎﺻﺮﺓ ﻭﻛﻢ ﻫﻲ ﺑﻌﻴﺪﺓ ﻋﻦ ﻛﻤﺎﻝ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﻭﻣﺼﺪﺭﻫﺎ ﻭﻣﺂﻟﻬﺎ.
.19ﺳﻔﺮ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻳﺘﻀﻤﻦ ﻧﺼﻮﺻﺎً ﻫﺎﻣﺔ ﺗﻠﻘﻲ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻀﻴﺔ ﺿﻮﺀﺍً ﺁﺧﺮ .ﻓﺎﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻤﻘﺪَّﺱ ﻳﺘﺤﺪَّﺙ ﻓﻴﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﻠﻪ
ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﺮّﻑ ﻋﻦ ﺫﺍﺗﻪ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺃﻳﻀﺎﻓﻲ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﻘﺪﺍﻣﻰ ﻛﺎﻥ ﺩﺭﺱ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻳﻮﺍﺯﻱ ،ﻓﻲ ﻣﻌﻈﻤﻪ ،ﺍﻟﻌﻠﻢ
ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ .ﻓﻤﻦ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻳﺆﻛﺪ ﺍﻟﻨﺺ ﺍﻟﻤﻘﺪّﺱ ﺃﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻗﺎﺩﺭ ﺑﻌﻘﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﻌﺮﻑ ﻧﻈﺎﻡ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻭﻗﻮﺓ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ… ﻭﻣﺪﺍﻭﺭ
ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ ﻭﻣﺮﺍﻛﺰ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﻭﻃﺒﺎﺋﻊ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ ﻭﺃﺧﻼﻕ ﺍﻟﻮﺣﻮﺵ« )ﺳﻔﺮ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ 17 ،7؛ ،(20-19ﻭﺃﻧﻪ ،ﺑﻮﺟﻴﺰ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ،ﺃﻫﻞ ﻷﻥ
ﻳﺘﻔﻠﺴﻒ ،ﻳﺨﻄﻮ ﺧﻄﻮﺓ ﻣﺘﻘﺪّﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺐٍ ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻷﻫﻤﻴّﺔ .ﻳﺆﻛﺪ ﺍﻟﻜﺎﺗﺐ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ ،ﺑﻌﺪ ﻭﻗﻮﻓﻪ ﻋﻠﻰ ﻓﻜﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ
ﺍﻹﻏﺮﻳﻘﻴﺔ ،ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺒﺪﻭ ﺃﻧـﻪ ﻳﺴﺘﺸﻬﺪ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺮﺍﺋﻦ ،ﺃﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺇﺫﺍ ﺃﻋﻤﻞ ﻓﻜﺮﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ،ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻪ ﺃﻥ ﻳﺮﺗﻘﻲ ﻣﻨﻬﺎ
ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ :»ﺇﻧﻪ ﺑﻌﻈﻢ ﺟﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﺒﺮﻭﺀﺍﺕ ﻳُﺒﺼﺮ ﻓﺎﻃﺮﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻤﻘﺎﻳﺴﺔ« )ﺳﻔﺮ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ .(5 ،13ﻧﺠﺪ ﺇﺫﻥ ﻫﻬﻨﺎ
ﺍﻋﺘﺮﺍﻓﺎً ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﺍﻹﻟﻬﻲ ﻫﻮ »ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ« ﻓﻲ ﺭﻭﻋﺔ ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ .ﻓﺈﺫﺍ ﻗﺮﺃﻧﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺑﻮﺳﺎﺋﻞ
ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﺃﻣﻜﻨﻨﺎ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ .ﻓﺈﺫﺍ ﻟﻢ ﻳﺘﻮﺻَّﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ،ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﻋﻘﻠﻪ ،ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﺎﺭﻯﺀ ﻛﻞ
ﺷﻲﺀ ،ﻓﻤﺎ ﺫﻟﻚ ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻧﺘﻔﺎﺀ ﺍﻟﻮﺳﻴﻠﺔ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ،ﺑﻞ ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻟﻌﻮﺍﺋﻖ ﺍﻟﻨﺎﺟﻤﺔ ﻋﻦ ﺣﺮﻳّﺔ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﻋﻦ ﺧﻄﻴﺌﺘﻪ.
.20ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻠﺤﻆ ﻳﺘﻀﺢ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻣﻘﺪّﺭ ﺣﻖ ﻗﺪﺭﻩ ،ﻻ ﻓﻮﻕ ﻗﺪﺭﻩ .ﻓﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﺼﻞ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ
ﺻﺤﻴﺤﺎ ،ًﻭﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﻜﺘﺴﺐ ﻣﻞﺀ ﻣﻌﻨﺎﻩ ﺇﻻّ ﺇﺫﺍ ﻭُﺿﻊ ﻣﺤﺘﻮﺍﻩ ﻓﻲ ﺭﺅﻳﺔ ﺃﻭﺳﻊ ،ﻫﻲ ﺭﺅﻳﺔ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ :»ﺇﻧﻤﺎ ﺧﻄﻮﺍﺕ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻣﻦ
ﺍﻟﺮﺏّ ﺃﻣّﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻔﻬﻢ ﻃﺮﻳﻘﻪ؟« )ﺳﻔﺮ ﺍﻷﻣﺜﺎﻝ .(24 ،20ﻓﻲ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﻌﻬﺪ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻳﺤﺮّﺭ ﺇﺫﻥ ﺍﻟﻌﻘﻞ ،ﻣﺘﻴﺤﺎً
ﻟﻪ ﺍﻟﺒﻠﻮﻍ ،ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﻨﻄﻘﻴﺔ ،ﺇﻟﻰ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﻣﻌﺮﻓﺘﻪ ﻭﻳﻀﻌﻪ ﻓﻲ ﺇﻃﺎﺭ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻷﺳﻤﻰ ﺣﻴﺚ ﻳﻜﺘﺴﺐ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻣﻌﻨﺎﻩ.
ﻭﺧﻼﺻﺔ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺃﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻳﺒﻠﻎ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺑﺎﻟﻌﻘﻞ ﻷﻧﻪ ﺇﺫﺍ ﺍﺳﺘﻀﺎﺀ ﺑﻨﻮﺭ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻳﻜﺘﺸﻒ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻣﻌﻨﺎﻩ ﺍﻷﻋﻤﻖ،
ﻭﺧﺼﻮﺻﺎً ﻣﻌﻨﻰ ﻭﺟﻮﺩﻩ .ﺍﻟﻜﺎﺗﺐ ﺍﻟﻤﻘﺪّﺱ ﻳﻀﻊ ﺇﺫﻥ ،ﺑﻜﻞ ﺣﻖ ،ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺨﺎﻓﺔ ﺍﻟﻠﻪ :»ﻣﺨﺎﻓﺔ ﺍﻟﺮﺏ ﺭﺃﺱ
ﺍﻟﻌﻠﻢ« )ﺳﻔﺮ ﺍﻷﻣﺜﺎﻝ 7 ،1؛ ﺭﺍ ﺍﺑﻦ ﺳﻴﺮﺍﺥ .(14 ،1
«ﺇﻛﺘﺴﺐ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ،ﺇﻛﺘﺴﺐ ﺍﻟﻔﻄﻨﺔ» )ﺳﻔﺮ ﺍﻷﻣﺜﺎﻝ (5 ،4
.21ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ،ﻓﻲ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﻌﻬﺪ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ،ﻻ ﺗﺮﺗﻜﺰ ﻓﻘﻂ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻴﻘﻆ ﻓﻲ ﻣﻼﺣﻈﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻭﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ .ﻓﻬﻲ
ﺗﻔﺘﺮﺽ ،ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ ،ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺎﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺑﻤﺤﺘﻮﻯ ﺍﻟﻮﺣﻲ .ﻭﻧﺠﺪ ﻫﻨﺎ ﺍﻟﺘﺤﺪﻳﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺿﻄﺮ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻟﻤﺨﺘﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﻣﻮﺍﺟﻬﺘﻬﺎ ﻭﻛﻴﻒ
ﺗﺼﺪّﻯ ﻟﻬﺎ .ﺇﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺒﻴﺒﻠﻲ ،ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻓﻲ ﻭﺿﻌﻪ ،ﺍﻛﺘﺸﻒ ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﻔﻬﻢ ﺫﺍﺗﻪ ﺇﻻ ﺑﺼﻔﺘﻪ »ﻛﺎﺋﻨﺎً ﺫﺍ ﻋﻼﻗﺔ:
ﺑﺬﺍﺗﻪ ﻭﺑﺎﻟﺸﻌﺐ ﻭﺑﺎﻟﻌﺎﻟﻢ ﻭﺑﺎﻟﻠﻪ .ﻫﺬﺍ ﺍﻻﻧﻔﺘﺎﺡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﺮّ ﺍﻟﺬﻱ ﺟﺎﺀﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﺃﺻﺒﺢ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻣﺼﺪﺭ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ
ﻣﻜّﻨﺖ ﻋﻘﻠﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﻟﻮﺝ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻻﺕ ﻻ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻬﺎ ﻭﺃﺗﺎﺣﺖ ﻟﻪ ﻗﺪﺭﺓ ﺍﺳﺘﻴﻌﺎﺏٍ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻴﺤﻠﻢ ﺑﻬﺎ.
ﻓﻲ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﻜﺎﺗﺐ ﺍﻟﻤﻘﺪَّﺱ ،ﺍﻟﺠﻬﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻭﺍﻟﺘﻨﻘﻴﺐ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻴﺨﻠﻮ ﻣﻦ ﻋﻨﺎﺀ ﻧﺎﺟﻢ ﻋﻦ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﻣﺤﺪﻭﺩﻳﺔ ﺍﻟﻌﻘﻞ .ﻭﻫﺬﺍ
ﻣﺎ ﻧﻠﺤﻈﻪ ،ﻣﺜﻼ ،ًﻓﻲ ﺍﻷﻗﻮﺍﻝ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻌﺒّﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﺳﻔﺮ ﺍﻷﻣﺜﺎﻝ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻨﺎﺀ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻜﺒﺪﻩ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﺳﻌﻴﻪ ﺇﻟﻰ ﺗﻔﻬﻢ ﻣﻘﺎﺻﺪ
ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺨﻔﻴﺔ )ﺭﺍ .(6-1 ،30ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ،ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺘﻜﺒﺪﻩ ﻣﻦ ﻋﻨﺎﺀ ،ﻻ ﻳﺴﺘﺴﻠﻢ ﻟﻠﻴﺄﺱ .ﺇﻥ ﻣﺎ ﻳﺤﺘﺎﺟﻪ ﻣﻦ ﻗﻮﺓ ﻟﻴﺴﺘﻤﺮّ ﻓﻲ
ﻃﺮﻳﻘﻪ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻳﺄﺗﻴﻪ ﻣﻦ ﻳﻘﻴﻨﻪ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺧﻠﻘﻪ »ﺑﺎﺣﺜﺎً« )ﺳﻔﺮ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ (13 ،1ﻣﻬﻤﺘﻪ ﺃﻻّ ﻳﺰﻫﺪ ﻓﻲ ﺃﻱ ﺑﺤﺚ ،ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ
ﻣﻤﺎ ﻳﺴﺎﻭﺭﻩ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻣﻦ ﺗﺴﺎﻭﻳﻞ ﺍﻟﺸﻚ .ﻓﺈﺫﺍ ﺍﺗﻜﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻇﻞَّ ﺷﺎﺧﺼﺎ ،ًﺩﺍﺋﻤﺎً ﻭﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ ،ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺟﻤﻴﻞ ﻭﺟﻴّﺪ
ﻭﺣﻖ.

1.10 Page 10

▲back to top
10
.22ﺍﻥ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ ،ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻷﻭﻝ ﻣﻦ ﺭﺳﺎﻟﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﻭﻣﺎﻧﻴﻴﻦ ،ﻳﺴﺎﻋﺪﻧﺎ ﻓﻲ ﺃﻥ ﻧﻘﺪّﺭ ،ﺑﻮﺟﻪ ﺃﻓﻀﻞ ،ﺇﻟﻰ ﺃﻱ
ﻣﺪﻯً ﺗﺘﻤﻴّﺰ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﺍﻟﺤﻜﻤﻴّﺔ ﺑﺄﻓﻜﺎﺭﻫﺎ ﺍﻟﻨﺎﻓﺬﺓ .ﻭﻳﻌﻤﺪ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻮﺳﻊ ﻓﻲ ﻣﺤﺎﺟّﺔ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ ﺑﻠﻐﺔ ﺷﻌﺒﻴﺔ ،ﻣﻌﺒّﺮﺍً ﻋﻦ
ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻋﻤﻴﻘﺔ :ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻕ ،ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ »ﺑﺼﻴﺮﺓ ﺍﻟﻌﻘﻞ« ﺍﻟﺘﻮﺻﻞ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻠﻪ .ﻓﺎﻟﻠﻪ ،ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﺧﻼﺋﻘﻪ ،ﻳُﻈﻬﺮ
ﻟﻠﻌﻘﻞ »ﻗﺪﺭﺗﻪ ،ﻭﺃﻟﻮﻫﻴﺘﻪ)ﺭﺍ ﺭﻭﻡ (20 ،1ﻫﺬﺍ ﺇﺫﻥ ﺇﻗﺮﺍﺭ ﺑﺄﻥ ﻟﻠﻌﻘﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻗﺪﺭﺓ ﻗﺪ ﺗﺘﺨﻄﻰّ ﺣﺪﻭﺩﻩ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ:
ﻓﺎﻟﻌﻘﻞ ﻻ ﻳﻨﺤﺼﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺤﺴﻴّﺔ ،ﻭﺫﻟﻚ ﻟﻜﻮﻧﻪ ﻗﺎﺩﺭﺍً ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻳﺘﻔﺤﺼﻬﺎ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻧﻘﺪﻳﺔ ،ﺑﻞ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻳﻀﺎ ،ًﺑﻤﻌﺎﻟﺠﺔ
ﺍﻟﻤﻌﻄﻴﺎﺕ ﺍﻟﺤﺴﻴّﺔ ،ﺃﻥ ﻳﺘﻮﺻﻞ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺼﺪﺭ ﻣﻨﻪ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻴّﺔ ﻛﻠﻬﺎ .ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﻳﺴﻮﻍ ﻟﻨﺎ ﺍﻟﻘﻮﻝ
ﺇِﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﺺ ﺍﻟﺒﻮﻟﺴﻲ ﺍﻟﻬﺎﻡّ ﻳﺆﻛﺪ ﻣﺎ ﻳﻨﻌﻢ ﺑﻪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﻗﺪﺭﺓ ﻣﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﺔ.
ﻳﺮﻯ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻗﺪ ﻭﺿﻊ ﻓﻲ ﺟﺬﻭﺭ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﻗﺪﺭﺓ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻳﺘﺨﻄﻰ ﺍﻟﻤﻌﻄﻴﺎﺕ ﺍﻟﺤﺴﻴّﺔ ﺑﻼ ﻋﻨﺎﺀ ،ﻟﻴﺪﺭﻙ ﻣﺼﺪﺭ
ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ،ﺃﻋﻨﻲ ﺑﻪ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ .ﻭﻟﻜﻦ ﻋﻠﻰ ﺃﺛﺮ ﺗﻤﺮّﺩ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺭﻏﺒﺘﻪ ﻓﻲ ﺃﻥ ﻳﺠﻌﻞ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﺳﺘﻘﻼﻝ ﻛﺎﻣﻞ
ﻭﻣﻄﻠﻖ ﻋﻤﻦ ﺧﻠﻘﻪ ،ﺯﺍﻟﺖ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻳﺮﺗﻘﻲ ﺑﻼ ﻋﻨﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ.
ﺳﻔﺮ ﺍﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻳﺼﻒ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺑﻠﻴﻐﺔ ﺟﺪﺍً ﻭﺿﻊ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻫﺬﺍ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻘﺺ ﻟﻨﺎ ﻛﻴﻒ ﻭﺿﻊ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﺟﻨﺔ ﻋﺪﻥ ،ﻭﻓﻲ
ﻭﺳﻄﻬﺎ »ﺷﺠﺮﺓ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺍﻟﺸﺮ« .(2،17)ﺍﻟﺮﻣﺰ ﻭﺍﺿﺢ :ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﻮﺳﻊ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺃﻥ ﻳﻤﻴّﺰ ﻭﻳﻘﺮّﺭ ﺑﺬﺍﺗﻪ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺨﻴﺮ
ﻭﻣﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺸﺮ ،ﺑﻞ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﺮﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﻣﺒﺪﺃ ﺃﻋﻠﻰ .ﻋﻤﻰ ﺍﻟﻜﺒﺮﻳﺎﺀ ﺃﻟﺼﻖ ﺑﺠﺪّﻳﻨﺎ ﺍﻷﻭَّﻟَﻴﻦ ﺍﻟﻮﻫﻢ ﺑﺄﻧﻬّﻤﺎ ﺳﻴِّﺪﺍﻥ
ﻭﻣﺴﺘﻘﻼﻥ ،ﻭﺃﻧﻬﻤﺎ ﻗﺎﺩﺭﺍﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﺳﺘﻐﻨﺎﺀ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺼﺎﺩﺭﺓ ﻣﻦ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻠﻪ؛ ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺟﺮﺍًّ ﻛﻞ ﺭﺟﻞٍ ﻭﻛﻞ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﺇﻟﻰ
ﻋﺼﻴﺎﻧﻬﻤﺎ ﺍﻷﻭّﻝ ﻭﺃﻟﺤﻘﺎ ﺑﺎﻟﻌﻘﻞ ﺟﺮﻭﺣﺎً ﻛﺎﻥ ﻻ ﺑﺪّ ﺃﻥ ﺗﻌﺮﻗﻠﻪ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﻪ ﺇﻟﻰ ﺗﻤﺎﻡ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ .ﻭﻣﻨﺬﺋﺬٍ ﺃﻇﻠﻤﺖ ﻗﺪﺭﺓ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ
ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،ﺑﺴﺒﺐ ﻧﻔﻮﺭﻩ ﻣﻤﻦ ﻫﻮ ﻧﺒﻊ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﻣﺼﺪﺭﻫﺎ .ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻜﺸﻒ ﻟﻨﺎ ﺃﻳﻀﺎً ﺇﻟﻰ ﺃﻱ ﻣﺪﻯً
ﺃﻣﺴﺖ ﺑﺎﻃﻠﺔً ﺃﻓﻜﺎﺭُ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ،ﻭﺍﺳﺘﺪﻻﻻﺗﻬﻢ ﻣﺒﻠﺒﻠﺔً ﻭﻣﺰﻳﻔﺔ )ﺭﺍ ﺭﻭﻡ .(22-21 ،1ﺑﺼﻴﺮﺓ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺃﻣﺴﺖ ﻋﺎﺟﺰﺓ
ﻋﻦ ﺃﻥ ﺗﺮﻯ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺑﻮﺿﻮﺡ ،ﻭﺃﻣﺴﻰ ﺍﻟﻌﻘﻞ ،ﺭﻭﻳﺪﺍً ﺭﻭﻳﺪﺍ ،ًﺳﺠﻴﻦ ﺫﺍﺗﻪ .ﻭﺟﺎﺀ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ﻓﻜﺎﻥ ﻣﺠﻴﺌﻪ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺪﺙ ﺍﻟﺨﻼﺻﻲ
ﺍﻟﺬﻱ ﺍﻓﺘﺪﻯ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻣﻦ ﺿﻌﻔﻪ ﻭﺣﺮّﺭﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻴﻮﺩ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﺎﺕ ﺳﺠﻴﻨﻬﺎ.
.23ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ ﺑﺎﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺗﻤﻴﻴﺰ ﺟﺬﺭﻱ .ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻬﺪ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ،ﻭﺑﺨﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﺭﺳﺎﺋﻞ
ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ ،ﻳﺒﺮﺯ ﺑﺄﺟﻠﻰ ﻭﺿﻮﺡ ﺍﻟﺘﻌﺎﺭﺽُ ﺑﻴﻦ »ﺣﻜﻤﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ« ﻭﺣﻜﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﺘﺠﻠﻴّﺔ ﻓﻲ ﻳﺴﻮﻉ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ .ﻋﻤﻖ
ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﺼﺎﺩﺭﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﻳﻜﺴﺮ ﻃﻮﻕ ﺃﻧﻤﺎﻃﻨﺎ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳّﺔ ﺍﻟﻤﻌﻬﻮﺩﺓ ،ﺍﻟﻌﺎﺭﻳﺔ ﻛﻞ ﺍﻟﻌﺮﺍﺀ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺃُﻫﺒﺔٍ ﻟﻠﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻨﻬﺎ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ
ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ.
ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﻮﺭﻧﺜﻴﻴﻦ ﺗﻄﺮﺡ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻀﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻬﻠّﻬﺎ ،ﻃﺮﺣﺎً ﺟﺬﺭﻳﺎﺍﺑﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﺼﻠﻮﺏ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺪﺙ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ
ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺘﺤﻄﻢ ﻋﻨﺪﻩ ﻛﻞ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﻓﻜﺮﻳّﺔ ﺗﻬﺪﻑ ﺇﻟﻰ ﺍﻻﻛﺘﻔﺎﺀ ﺑﺒﺮﺍﻫﻴﻦ ﺑﺸﺮﻳّﺔ ﻟﺒﻨﺎﺀ ﻣﺎ ﻳﺒﺮّﺭ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺗﺒﺮﻳﺮﺍً ﻛﺎﻓﻴﺎﺍﻟﻨﻘﻄﺔ
ﺍﻟﻤﺮﻛﺰﻳﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺤﺪّﻯ ﻛﻞ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻫﻲ ﻣﻮﺕ ﻳﺴﻮﻉ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﻠﻴﺐ .ﻫﻨﺎ ﻛﻞ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﻟﺘﻘﻠﻴﺺ ﺧﻄﺔ ﺍﻵﺏ
ﺍﻟﺨﻼﺻﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﺠﺮّﺩ ﻣﻨﻄﻖ ﺑﺸﺮﻱ ﻣﺂﻟﻬﺎ ﺍﻟﻔﺸﻞ .ﻭﻳﺘﺴﺎﺀﻝ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺑﺸﻲﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻔﺨﻴﻢ :»ﺃﻳﻦ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ؟ ﺃﻳﻦ ﺍﻟﻤﺜﻘَّﻒ؟ ﺃﻳﻦ
ﻣﺤﺠﺎﺝ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﻫﺮ؟ ﺃﻭَﻟﻢ ﻳﺠﻬّﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﺣﻜﻤﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ؟« 1)ﻗﻮﺭ .(20 ،1ﺇﻥ ﺣﻜﻤﺔ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻭﺣﺪﻫﺎ ﺃﻣﺴﺖ
ﻗﺎﺻﺮﺓ ﺑﺈﺯﺍﺀ ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﺤﻘﻘﻪ ،ﻭﻻ ﺑﺪّ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﺤﻮّﻝ ﺣﺎﺳﻢ ﻳﻤﻜّﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻮﻝ ﺭﺅﻳﺔ ﻣﺴﺘﺠﺪﺓ ﺟﺬﺭﻳﺎ»ﺍﺧﺘﺎﺭ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﺎ
ﻫﻮ ﺟﺎﻫﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻟﻴﺨﺰﻱ ﺍﻟﺤﻜﻤﺎﺀ [000] ،ﻭﺍﺧﺘﺎﺭ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺧﺴﻴﺲ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻭﺣﻘﻴﺮ ﻭﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩ ،ﻟﻴﻌﺪﻡ
ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩ« 1)ﻗﻮﺭ .(28-27 ،1ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳّﺔ ﺗﺄﺑﻰ ﺃﻥ ﺗﺘﻮﺳﻢ ﻓﻲ ﺿﻌﻔﻬﺎ ﺷﺮﻁ ﻗﻮﺗﻬﺎ .ﻭﺃﻣّﺎ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ ﻓﻼ ﻳﺘﺮﺩّﺩ
ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻮﻝ :»ﻣﺘﻰ ﺿﻌﻔﺖ ﻓﺤﻴﻨﺌﺬٍ ﺃﻧﺎ ﻗﻮﻱ« 2)ﻗﻮﺭ .(10 ،12ﻳﻔﻬﻢ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻳﻨﺒﻮﻉ ﺣﻴﺎﺓ
ﻭﺣﺐ؛ ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﺧﺘﺎﺭ ﻣﺎ ﻳﺤﺴﺒﻪ ﺍﻟﻌﻘﻞ »ﺟﻬﺎﻟﺔ« ﻭ»ﻋﺜﺮﺓ« ﻟﻴﻜﺸﻒ ﻟﻨﺎ ﺳﺮّ ﺗﺪﺑﻴﺮﻩ ﺍﻟﺨﻼﺻﻲ .ﻭﻳﻨﺘﺤﻞ ﺑﻮﻟﺲ ﻟﻐﺔ
ﻣﻌﺎﺻﺮﻳﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ،ﻓﻴﺒﻠﻎ ﺫﺭﻭﺓ ﺗﻌﻠﻴﻤﻪ ﻭﺫﺭﻭﺓ ﺍﻟﻤﻘﻮﻟﺔ ﺍﻟﺘﻨﺎﻗﻀﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺮﻳﺪ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻨﻬﺎ :ﻟﻘﺪ ﺍﺧﺘﺎﺭ ﺍﻟﻠﻪ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩ
ﻟﻴُﻌﺪﻡ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩ! )ﺭﺍ 1ﻗﻮﺭ (1،28ﻭﻟﻢ ﻳﺤﺠﻢ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﻋﻦ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﺠﺬﺭﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﻳﻌﺘﻤﺪﻫﺎ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻓﻲ
ﺃﺣﺎﺩﻳﺜﻬﻢ ﻋﻦ ﺍﻟﻠﻪ ،ﻟﻴﻌﺒّﺮ ﻋﻦ ﻣﺠَّﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺤﺐ ﺍﻟﻤﺘﺠﻠّﻲ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﺻﻠﻴﺐ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ .ﻻ ﻳﻘﻮﻯ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻔﺮﻳﻎ ﺳﺮّ ﺍﻟﺤﺐ ﺍﻟﻤﺎﺛﻞ
ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻠﻴﺐ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﺼﻠﻴﺐ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﻌﻄﻲ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻣﺎ ﻳﺘﻠﻤّﺴﻪ ﻣﻦ ﺟﻮﺍﺏ ﺃﺧﻴﺮ .ﺇﻥ ﻣﺎ ﻳَﻌُﺪّﻩ ﺑﻮﻟﺲ ﻣﻘﻴﺎﺳﺎً ﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ
ﻭﻟﻠﺨﻼﺹ ﻣﻌﺎً ﻟﻴﺲ ﻫﻮ ﺣﻜﻤﺔ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﺑﻞ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ.

2 Pages 11-20

▲back to top

2.1 Page 11

▲back to top
11
ﺣﻜﻤﺔ ﺍﻟﺼﻠﻴﺐ ﺗﺘﺨﻄﻰ ﺇﺫﻥ ﻛﻞ ﺍﻟﺤﺪﻭﺩ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴّﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺮﻳﺪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺃﻥ ﻳﺨﻀﻌﻮﻫﺎ ﻟﻬﺎ ،ﻭﺗﻀﻄﺮﻧﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻻﻧﻔﺘﺎﺡ ﻋﻠﻰ ﺷﻤﻮﻟﻴّﺔ
ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻠﻬﺎ .ﻓﺄﻱّ ﺗﺤﺪٍّ ﻟﻠﻌﻘﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺤﺪﻱ! ﻭﺃﻱ ﻓﺎﺋﺪﺓ ﻳﺴﺘﺨﺮﺟﻬﺎ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺤﺪﻱ ﺇﺫﺍ ﻗﺒﻠﻪ! ﺇﻥ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ
ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ،ﻣﻦ ﺗﻠﻘﺎﺀ ﺫﺍﺗﻬﺎ ،ﺃﻥ ﺗُﻘﺮَّ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﺍﻟﻤﺴﺘﻤﺮّﺓ ﻋﻠﻰ ﺗﺨﻄﻲ ﺫﺍﺗﻪ ،ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﻨﻔﺘﺢ ،ﺑﻤﻌﻮﻧﺔ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ
ﻭﺗﻘﺒﻞ ،ﻓﻲ »ﺟﻬﺎﻟﺔ« ﺍﻟﺼﻠﻴﺐ ،ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺴﻠﻴﻢ ﺍﻟﻤﻮﺟّﻪ ﺇﻟﻰ ﻛﻞ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻮﻫﻤﻮﻥ ﺍﻣﺘﻼﻙ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻭﻫﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻳﻀﻴّﻘﻮﻥ
ﻋﻠﻰ ﺧﻨﺎﻗﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺄﺯﻕ ﻧﻈﺎﻣﻬﻢ .ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺗﺠﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎﺩﺍﺓ ﺑﺎﻟﻤﺴﻴﺢ ﺍﻟﻤﺼﻠﻮﺏ ﻭﺍﻟﻨﺎﻫﺾ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺕ
ﺍﻟﺼﺨﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﺮﺗﻄﻢ ﺑﻬﺎ ﻓﺘﻐﺮﻕ ،ﻛﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﺘﺨﻄﺎﻫﺎ ﻟﺘﺮﺗﻤﻲ ﻓﻲ ﻣﺤﻴﻂ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﺣﺪﻭﺩ ﻟﻪ .ﻫﻨﺎ
ﻳﻈﻬﺮ ﺑﺠﻼﺀ ﺍﻟﺤﺪّ ﺍﻟﻔﺎﺻﻞ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ،ﻭﻟﻜﻨﻨﺎ ﻧﺮﻯ ﺃﻳﻀﺎً ﺃﻳﻦ ﻳﻤﻜﻨﻬﻤﺎ ﺍﻟﺘﻼﻗﻲ.
ثلاثلا لصفلا
نموأل مهفأ
ﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ
.24ﻳﻮﺭﺩ ﺍﻹﻧﺠﻴﻠﻲ ﻟﻮﻗﺎ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺮﺳﻞ ﺃﻥ ﺑﻮﻟﺲ ﻭﺻﻞ ﻳﻮﻣﺎً ﺇﻟﻰ ﺃﺛﻴﻨﺎ ﻓﻲ ﻏﻀﻮﻥ ﺃﺳﻔﺎﺭﻩ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻴﺔ .ﻭﻛﺎﻧﺖ
ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻣﻸﻯ ﺑﺘﻤﺎﺛﻴﻞ ﻋﺪﺩ ﻣﻦ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺍﻷﺻﻨﺎﻡ .ﻭﺍﺳﺘﺮﻋﻰ ﺍﻧﺘﺒﺎﻫﻪ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﻬﻴﺎﻛﻞ ﻓﺎﻧﺘﻬﺰ ﺍﻟﻔﺮﺻﺔ ﺣﺎﻻً ﻟﻴﺤﺪّﺩ ﻣﻨﻄﻠﻘﺎً
ﻣﺸﺘﺮﻛﺎً ﻟﻜﺮﺍﺯﺗﻪ :»ﻳﺎ ﺃﻫﻞ ﺃﺛﻴﻨﺎ ،ﺃﺭﺍﻛﻢ ﻣﻐﺎﻟﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺪﻳّﻦ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻭﺟﻪ .ﻓﺈﻧﻲ ﻭﺃﻧﺎ ﺳﺎﺋﺮ ﺃﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﺼﺎﺑﻜﻢ ﻭﺟﺪﺕ ﻫﻴﻜﻼً
ﻛﺘﺐ ﻋﻠﻴﻪ :ﺇﻟﻰ ﺍﻹﻟﻪ ﺍﻟﻤﺠﻬﻮﻝ .ﻓﻤﺎ ﺗﻌﺒﺪﻭﻧﻪ ﻭﺃﻧﺘﻢ ﺗﺠﻬﻠﻮﻧﻪ ،ﻓﺬﺍﻙ ﻣﺎ ﺃﻧﺎ ﻣﺒﺸﺮﻛﻢ ﺑﻪ« )ﺭﺳﻞ .(23-22 ،17ﻣﻦ ﻫﺬﺍ
ﺍﻟﻤﻨﻄﻠﻖ ﺃﺧﺬ ﺑﻮﻟﺲ ﻳﺤﺪﺛﻬﻢ ﻋﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﻭﺍﻟﻤﺘﻌﺎﻟﻲ ﻓﻮﻕ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻭﻭﺍﻫﺐ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻟﻜﻞ ﺧﻠﻖ .ﻭﻭﺍﺻﻞ ﺣﺪﻳﺜﻪ ﻗﺎﺋﻼ
»ﻟﻘﺪ ﺻﻨﻊ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻣﻦ ﺃﺻﻞ ﻭﺍﺣﺪ ﻟﻴﺴﻜﻨﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍﻷﺭﺽ ﻛﻠﻬﺎ ،ﻭﺟﻌﻞ ﻟﺴﻜﻨﺎﻫﻢ ﺃﺯﻣﻨﺔ ﻣﻮﻗﻮﺗﺔ ﻭﺃﻣﻜﻨﺔ
ﻣﺤﺪﻭﺩﺓ ،ﻟﻴﺒﺤﺜﻮﺍ ﻋﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻌﻠﻬﻢ ﻳﺘﺤﺴَّﺴﻮﻧﻪ ﻭﻳﻬﺘﺪﻭﻥ ﺇﻟﻴﻪ ،ﻣﻊ ﺃﻧﻪ ﻏﻴﺮ ﺑﻌﻴﺪ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻣﻨﺎ« )ﺭﺳﻞ .(27-26 ،17
ﻭﻧﻮّﻩ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺑﺤﻘﻴﻘﺔٍ ﻣﺎ ﺑﺮﺣﺖ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺗﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻨﻬﺎ ،ﻭﻫﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻗﺪ ﺯﺭﻉ ﻓﻲ ﻋﻤﻖ ﻗﻠﺐ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺘﻮﻕ ﻭﺍﻟﺤﻨﻴﻦ ﺇﻟﻰ
ﺍﻟﻠﻪ .ﻓﻲ ﻟﻴﺘﺮﺟﻴﺎ ﺍﻟﺠﻤﻌﺔ ﺍﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ ﺗﺬﻛﺮﻧﺎ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺃﻳﻀﺎً ﺑﺬﻟﻚ ﻭﺗﺸﺪّﺩ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺗﺪﻋﻮ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻷﺟﻞ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻻ
ﻳﺆﻣﻨﻮﻥ ،ﺑﻘﻮﻟﻬﺎ :»ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻹﻟﻪ ﺍﻷﺯﻟﻲ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ،ﻟﻘﺪ ﺧﻠﻘﺖ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻟﻴﺒﺤﺜﻮﺍ ﻋﻨﻚ ﺑﻜﻞ ﻗﻠﺒﻬﻢ ،ﻭﻳﺴﺘﺮﻳﺢ ﻗﻠﺒﻬﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺠﺪﻭﻧﻚ[22]«!
ﻫﻨﺎﻙ ﺇﺫﻥ ﻃﺮﻳﻖ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺃﻥ ﻳﺴﻠﻜﻪ ﺇﺫﺍ ﺃﺭﺍﺩ :ﻭﻳﻨﻄﻠﻖ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻣﻦ ﻗﺪﺭﺓ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﺭﺗﻘﺎﺀ ﻓﻮﻕ ﺍﻟﺰﺍﺋﻞ
ﻭﺍﻟﻮﺛﻮﺏ ﻧﺤﻮ ﺍﻟﻼﻣﺘﻨﺎﻫﻲ.
ﻟﻘﺪ ﺑﺮﻫﻦ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﻄﺮﻕ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ ﻭﻓﻲ ﺃﺯﻣﻨﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺃﻧﻪ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﻌﺒّﺮ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻮﻕ .ﻓﺎﻷﺩﺏ ﻭﺍﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ ﻭﺍﻟﺮﺳﻢ
ﻭﺍﻟﻨﻘﺶ ﻭﺍﻟﻬﻨﺪﺳﺔ ﻭﺳﺎﺋﺮ ﻣﻨﺘﻮﺟﺎﺕ ﻋﻘﻠﻪ ﺍﻟﺨﻼﻕ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺷﺒﻪ ﺃﻗﻨﻴﺔ ﻟﻠﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﻃﻤﻮﺣﺎﺕ ﺑﺤﺜﺔ .ﻭﻗﺪ ﺍﻋﺘﻨﻘﺖ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ
ﺧﺼﻮﺻﺎً ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻮﺟﻪ ﻭﻋﺒّﺮﺕ ﺑﻮﺳﺎﺋﻠﻬﺎ ﻭﻃﺒﻘﺎً ﻷﻧﻤﺎﻃﻬﺎ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻮﻕ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺸﻤﻞ ﻛﻞ ﺍﻟﻨﺎﺱ.
.25»ﻛﻞ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﺤﻨّﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ،[23]«ﻭﻣﻮﺿﻮﻉ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﻨﻴﻦ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ .ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺗﺒﻴّﻦ ﻟﻨﺎ ﺃﻥ ﻛﻞ
ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻳﻬﻤّﻪ ﺃﻥ ﻳﻜﺘﺸﻒ ﻣﺎﻫﻴﺔ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ،ﺑﻌﻴﺪﺍً ﻋﻤّﺎ ﻳﺘﻨﺎﻗﻠﻪ ﺍﻟﻨﺎﺱ .ﻭﻻ ﻏﺮﻭ ،ﻓﺎﻹﻧﺴﺎﻥ ﻫﻮ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺍﻟﺨﻠﻴﻘﺔ
ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﺭﺓ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﺘﻤﻴّﺰ ﻓﻘﻂ ﺑﺎﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻠﻢ ،ﺑﻞ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﻳﻀﺎً ﻛﻴﻒ ﻳﻌﻠﻢ؛ ﻭﻣﻦ ﺛﻢ ﻓﻬﻮ ﻳﻬﺘﻢ ﺑﺤﻘﻴﻘﺔ ﻣﺎ ﻳﺒﺪﻭ ﻟﻪ .
ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﺣﺪٌ ﺃﻻّ ﻳﺒﺎﻟﻲ ﺑﺤﻘﻴﻘﺔ ﻣﺎ ﻳﻌﻠﻢ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻣﺨﻠﺼﺎً ﻣﻊ ﺫﺍﺗﻪ .ﻓﺈﺫﺍ ﺍﻛﺘﺸﻒ ﺯﻳﻔﻪ ﺭﺫﻟﻪ .ﻭﺃﻣّﺎ ﺇﺫﺍ ﺍﺳﺘﻄﺎﻉ ﺃﻥ ﻳﺘﺤﻘﻖ
ﺻﻮﺍﺑﻪ ،ﻏﻤﺮﻩ ﺍﻟﺮﺿﻰ .ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﺍﻟﺪﺭﺱ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﺘﻠﻘَّﻨﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺍﻭﻏﺴﻄﻴﻨﻮﺱ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ :»ﻟﻘﺪ ﺍﻟﺘﻘﻴﺖ ﺃﻧﺎﺳﺎً ﻛﺜﻴﺮﻳﻦ
ﻳﺒﺘﻐﻮﻥ ﺍﻟﻐﺶ ﻭﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ ﺍﻟﺘﻖِ ﺃﺣﺪﺍً ﻳﺮﺿﻰ ﺑﺄﻥ ﻳُﻐَﺶ .[24]«ّﻧﻌﺘﺒﺮ ﺑﺤﻖ ﺃﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻳﺒﻠﻎ ﺳﻦّ ﺍﻟﺮﺷﺪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺼﺒﺢ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻪ
ﺃﻥ ﻳﻤﻴّﺰ ﺑﻮﺳﺎﺋﻠﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺍﻟﺒﺎﻃﻞ ،ﻭﻳﺤﻜّﻢ ﻋﻘﻠﻪ ﻓﻲ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ .ﻫﺬﺍ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﺑﺤﻮﺙ ﻛﺜﻴﺮﺓ ـ ﻭﺑﺨﺎﺻﺔ ﻓﻲ
ﻣﻀﻤﺎﺭ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ـ ﺃﺩّﺕ ﻓﻲ ﻏﻀﻮﻥ ﺍﻟﻘﺮﻭﻥ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻣﻤﻴّﺰﺓ ﺳﺎﻋﺪﺕ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺇِﺣﺮﺍﺯ ﺗﻘﺪّﻡ ﺣﻘﻴﻘﻲ.
ﺇﻥ ﻣﺎ ﺗﺤﻘﻖ ﻣﻦ ﺑﺤﻮﺙ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺎﻝ ﺍﻟﻌﻤﻠﻲ ﻳﻀﺎﻫﻲ ﻓﻲ ﺍﻷﻫﻤﻴّﺔ ﻣﺎ ﺗﺤﻘﻖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﻌﻴﺪ ﺍﻟﻨﻈﺮﻱ ،ﺃﻋﻨﻲ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ
ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻝ ﺍﻟﺨﻴﺮ .ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﺒﻊ ﺇﺭﺍﺩﺗﻪ ﺍﻟﺤﺮّﺓ ﻭﺍﻟﻘﻮﻳﻤﺔ ،ﻓﻲ ﺗﺼﺮﻓﻪ ﺍﻟﺨﻠﻘﻲ ،ﻳﻨﺘﻬﺞ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﻭﻳﺼﺒﻮ
ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ .ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﺃﻳﻀﺎ ،ًﺍﻟﻘﻀﻴﺔ ﻗﻀﻴﺔ ﺣﻘﻴﻘﺔ! ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦ ،ﻋﺒّﺮﺕُ ﻋﻨﻪ ﻓﻲ ﺭﺳﺎﻟﺘﻲ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ »ﺗﺄﻟﻖ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ
»ﻟﻴﺲ ﺛﻤﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺓ ﺧﻠﻘﻴﺔ ﺑﺪﻭﻥ ﺣﺮﻳّﺔ [000]ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﺣﻖ ﻓﻲ ﺃﻥ ﻳُﺤﺘَﺮَﻡَ ﻓﻲ ﻣﺴﻴﺮﺗﻪ ﺍﻟﺒﺎﺣﺜﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ،
ﻓﻬﻨﺎﻙ ﺃﻳﻀﺎً ﻭﻗﺒﻼً ﻭﺍﺟﺐٌ ﺍﺩﺑﻲّ ﺛﻘﻴﻞ ﻳﻠﺰﻡ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﺑﺎﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،ﻓﺈﺫﺍ ﻭﺟﺪﻭﻫﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺃﻥ ﻳﻌﺘﻨﻘﻮﻫﺎ.[25]«

2.2 Page 12

▲back to top
12
ﻻ ﺑﺪّ ﺇﺫﻥ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺨﺘَﺎﺭﻫﺎ ﻭﻧﻨﺘﻬﺠﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻗﻴﻤﺎً ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ،ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻭﺣﺪﻫﺎ ﺗﻘﺪﺭ ﺃﻥ
ﺗﺴﻮﻕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﻭﻃﺒﻴﻌﺘَﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻤﺎﻡ .ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﻫﺬﻩ ﻳﺠﺪﻫﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻻ ﺑﺎﻟﺘﻘﻮﻗﻊ ﻋﻠﻰ ﺫﺍﺗﻪ ﺑﻞ ﺑﺎﻻﻧﻔﺘﺎﺡ
ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﻗﺒﻮﻟﻬﺎ ﺃﻳﻀﺎً ﻓﻲ ﺍﻷﺑﻌﺎﺩ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺨﻄﺎﻩ .ﻫﺬﺍ ﺷﺮﻁ ﻣﻠﺰﻡ ﻟﻴﺼﺒﺢ ﻛﻞ ﻣﻨّﺎ ﺫﺍﺗﻪ ﻭﻳﻨﻤﻮ ﺷﺨﺼﺎً ﺑﺎﻟﻐﺎً
ﻭﻧﺎﺿﺠﺎ
.26ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻳﺘﻤﺜﻠﻬﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ،ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺪﺀ ،ﻓﻲ ﺻﻴﻐﺔ ﺗﺴﺎﺅﻟﻴﺔ :ﻫﻞ ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ ﻣﻌﻨﻰ؟ ﻭﻣﺎ ﻏﺎﻳﺘﻬﺎ؟ ﻗﺪ ﻳﺒﺪﻭ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ
ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ،ﻷﻭﻝ ﻭﻫﻠﺔ ،ﻭﺟﻮﺩﺍً ﻻ ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻃﻼﻕ .ﻭﻟﺴﻨﺎ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﻔﻼﺳﻔﺔ ﺍﻟﻤﺤﺎﻝ ﻭﻻ ﺑﺎﻷﺳﺌﻠﺔ
ﺍﻻﺳﺘﻔﺰﺍﺯﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﻘﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺳﻔﺮ ﺃﻳﻮﺏ ﻟﻠﺸﻚ ﻓﻲ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ .ﺧﺒﺮﺓ ﺍﻷﻟﻢ ﺍﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ،ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻭﻋﻨﺪ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ،ﻭﺭﺅﻳﺔ
ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﻌﺼﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻓﻬﻤﻬﺎ ،ﺗﻜﻔﻴﺎﻥ ﻟﺠﻌﻞ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻋﻦ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺃﻣﺮﺍً ﻻ
ﻣﻔﺮّ ﻣﻨﻪ .[26]ﻭﻻ ﺑﺪّ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻧﻀﻴﻒ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﺃﻭﻝ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻣﺒﺮﻣﺔ ،ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻭﺟﻮﺩﻧﺎ ،ﻫﻲ ﺃﻧﻨﺎ ﺳﻮﻑ ﻧﻤﻮﺕ ﻻ
ﻣﺤﺎﻟﺔ .ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﻘﻠﻘﺔ ،ﻳﺼﺒﺢ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺟﻮﺍﺏ ﺷﺎﻑٍ ﺃﻣﺮﺍً ﻣﻠﺰﻣﺎﻛﻞٌّ ﻣﻨﺎ ﻳﺮﻳﺪ ﺑﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﻌﺮﻑ
ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﺁﺧﺮﺗﻪ .ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳﻌﺮﻑ ﻫﻞ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻫﻮ ﺧﺎﺗﻤﺔ ﻭﺟﻮﺩﻩ ﺃﻡ ﻫﻨﺎﻙ ﺷﻲﺀ ﻳﺘﺨﻄَّﻰ ﺍﻟﻤﻮﺕ؛ ﻭﻫﻞ ﻳُﺘﺎﺡ ﻟﻪ ﺃﻥ
ﻳﺮﺟﻮ ﺣﻴﺎﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﺃﻡ ﻻ .ﻣﻦ ﺍﻟﻼﻓﺖ ﺃﻥ ﻣﻮﺕ ﺳﻘﺮﺍﻁ ﻗﺪ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﻓﻲ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﺣﺎﺳﻢ ،ﻭﺧﻠّﻒ ﻓﻴﻪ ﺃﺛﺮﺍً ﻻ ﻳﺰﺍﻝ
ﻗﺎﺋﻤﺎً ﻣﻨﺬ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺃﻟﻔﻲ ﺳﻨﺔ .ﻟﻴﺲ ﺇﺫﻥ ﻣﻦ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﺼﺪﻑ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ،ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﻭﺍﻗﻊ ﺍﻟﻤﻮﺕ ،ﻗﺪ ﻛﺮﺭّﻭﺍ ﻃﺮﺡ
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﻀﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﺑﻼ ﺍﻧﻘﻄﺎﻉ ،ﻭﻣﻌﻬﺎ ﻣﻌﻀﻠﺔ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺍﻟﺨﻠﻮﺩ.
.27ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﺣﺪ ﺃﻥ ﻳُﻔﻠِﺖ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺳﺌﻠﺔ ،ﻻ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﻭﻻ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻌﺎﺩﻱ .ﺑﺎﻟﺠﻮﺍﺏ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺳﺌﻠﺔ ﺗﺘﻌﻠﻖ
ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺣﺎﺳﻤﺔ ﻣﻦ ﻣﺮﺍﺣﻞ ﺍﻟﺒﺤﺚ :ﻫﻞ ﺑﺎﻹﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻭﻣﻄﻠﻘﺔ؟ ﻣﺒﺪﺋﻴﺎً ﻛﻞ ﺣﻘﻴﻘﺔ ،ﻭﺇﻥ ﺟﺰﺋﻴﺔ ،ﺇﺫﺍ
ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﺣﻘﻴﻘﺔ ،ﻫﻲ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ .ﻣﺎ ﻫﻮ ﺣﻖ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺣﻘﺎً ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ ﻭﻛﻞ ﺯﻣﺎﻥ .ﺇﻻّ ﺃﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ
ﻳﻄﻠﺐ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﺍﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﻤﻮﻟﻴّﺔ ،ﻣﻄﻠﻘﻴّﺔ ﻗﺎﺩﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺗﺆﺩّﻱ ﺟﻮﺍﺑﺎً ﻭﻣﻌﻨﻰ ﻟﻤﻄﻠﺒﻪ ،ﻭﺗﻜﻮﻥ ﺷﺒﻪ ﻣﺮﺟﻌﻴﺔ ﺃﺧﻴﺮﺓ
ﻭﻣﺮﺗﻜﺰ ﻟﻜﻞ ﺷﻲﺀ .ﺇﻥ ﻣﺎ ﻳﻄﻠﺒﻪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ – ﺑﺘﻌﺒﻴﺮ ﺁﺧﺮ – ﺗﻌﻠﻴﻞ ﻧﻬﺎﺋﻲ ﻭﻗﻴﻤﺔ ﻗﺼﻮﻯ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻭﻻ ﻳﻤﻜﻦ
ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺃﺳﺌﻠﺔ ﺃﻭ ﻣﺮﺍﺟﻊ ﺃﺧﺮﻯ .ﺍﻟﻔﺮﺿﻴﺎﺕ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﻐﺮﻳﻨﺎ ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗُﺮﻭﻱ ﻋﻄﺸﻨﺎ .ﻭﻳﺄﺗﻲ ﻳﻮﻡ
ﻻ ﺑﺪّ ﻟﻨﺎ ﻓﻴﻪ ﺟﻤﻴﻌﺎ ،ًﺷﺌﻨﺎ ﺃﻡ ﺃﺑﻴﻨﺎ ،ﻣﻦ ﺃﻥ ﻧُﺮﺳِﻲ ﻭﺟﻮﺩﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻧﻌﺘﺒﺮﻫﺎ ﻣﺮﺗﻜﺰﺍً ﻧﻬﺎﺋﻴﺎ ،ًﻭﺗﺘﻴﺢ ﻟﻨﺎ ﻳﻘﻴﻨﺎً ﻻ ﻳﺮﻗﻰ ﺇﻟﻴﻪ
ﺍﻟﺸﻚ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ.
ﻟﻘﺪ ﺳﻌﻰ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ،ﻋﻠﻰ ﻣﺮّ ﺍﻷﺟﻴﺎﻝ ،ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﺸﻒ ﻭﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ،ﻓﻌﻤﺪﻭﺍ ﺇﻟﻰ ﺇﻧﺸﺎﺀ ﻣﺬﻫﺐ ﺃﻭ
ﻣﺪﺭﺳﺔ ﻓﻜﺮﻳّﺔ .ﺑﻴﺪ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺬﺍﻫﺐ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ،ﺗﻌﺎﺑﻴﺮ ﺃﺧﺮﻯ ﻳﺴﻌﻰ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﻀﻔﻲ
ﺻﻴﻐﺔ ﻋﻠﻰ »ﻓﻠﺴﻔﺘﻪ« ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ .ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻨﺎﻋﺎﺕ ﻭﺍﻟﺨﺒﺮﺍﺕ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴّﺔ ﻭﺍﻟﺘﺮﺍﺛﺎﺕ
ﺍﻟﻌﻴﻠﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺴﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩﻳّﺔ ﻳﺘﻜﻰﺀ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻋﻠﻰ ﺳﻠﻄﺔ ﻣﻌﻠﻢ .ﻭﺇﻥ ﻣﺎ ﻳﺒﻘﻰ ﻧﺎﺑﻀﺎً ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺍﺕ ﺇﻧﻤﺎ
ﻫﻮ ﺍﻟﺘﻮﻕ ﺇﻟﻰ ﺑﻠﻮﻍ ﻳﻘﻴﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﻗﻴﻤﺘﻬﺎ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ.
ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﻭﺟﻮﻫﻬﺎ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ
.28ﻻ ﺑﺪّ ﻣﻦ ﺍﻹﻗﺮﺍﺭ ﺑﺄﻥ ﻣﻄﻠﺐ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻻ ﻳﺒﺪﻭ ﻟﻨﺎ ﺩﻭﻣﺎً ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﻔﺎﻓﻴّﺔ ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻤﺎﺳﻚ.ﻓﻤﺤﺪﻭﺩﻳّﺔ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺗﻘﻠﺐ
ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻣﺎ ﻳﻐﺸﻴﺎﻥ ﻣﺴﻴﺮﺓ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻭﻳﻨﺤﺮﻓﺎﻥ ﺑﻪ .ﻫﻨﺎﻟﻚ ﺃﻳﻀﺎً ﻣﺼﺎﻟﺢ ﺃﺧﺮﻯ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﺭ ﻗﺪ ﺗﺴﺎﻫﻢ ﻓﻲ
ﻃﻤﺲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ .ﻭﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻦ ﻳﺘﻬﺮّﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺗﻬﺮّﺑﺎً ﻣﻄﻠﻘﺎ ،ًﻣﺎ ﺇِﻥ ﺗﻠﻮﺡ ﻟﻪ ،ﻭﺫﻟﻚ ﺗﺨﻮّﻓﺎً ﻣﻦ ﺇﻟﺰﺍﻣﺎﺗﻬﺎ .ﻭﻣﻊ
ﺫﻟﻚ ﻓﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺆﺛﺮ ﺩﻭﻣﺎً ﻓﻲ ﻭﺟﻮﺩﻩ ﺣﺘﻰ ﻭﺇﻥ ﺗﻬﺮّﺏ ﻣﻨﻬﺎ .ﻓﺎﻹﻧﺴﺎﻥ ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﻭﻻ ﺑﻮﺟﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺟﻮﻩ ﺃﻥ ﻳﺒﻨﻲ
ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﻚ ﻭﺍﻟﺮﻳﺐ ﺃﻭ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺰﻳﻒ .ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻳﺒﻘﻰ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻣﻬﺪّﺩﺍً ﺑﺎﻟﺨﻮﻑ ﻭﺍﻟﻘﻠﻖ .ﻭﺧﻼﺻﺔ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺍﻧﻨﺎ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ
ﺃﻥ ﻧﻌﺮّﻑ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﺄﻧﻪ ﺍﻟﺒﺎﺣﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ.
.29ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺘﺼﻮﺭ ﺃﻥ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨـﺰﻋﺔ ﺍﻟﻤﺘﺠﺬﺭﺓ ﻋﻤﻴﻘﺎً ﻓﻲ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻋﻘﻴﻤﺔ ﻭﺑﺎﻃﻠﺔ ﻣﻦ
ﻛﻞ ﺟﻮﺍﻧﺒﻬﺎ .ﻗﺪﺭﺓ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﻃﺮﺡ ﺍﻷﺳﺌﻠﺔ ﻫﻤﺎ ،ﺑﺤﺪّ ﺫﺍﺗﻬﻤﺎ ،ﺟﻮﺍﺏ ﺃﻭﻝ .ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺄﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﺒﺤﺚ
ﻋﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻳﺠﻬﻠﻬﺎ ﺗﻤﺎﻣﺎً ﺃﻭ ﻳﺤﺴﺒﻬﺎ ﻣﺘﻌﺬﺭﺓ ﺍﻹﺩﺭﺍﻙ .ﺃﻣﻞ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺟﻮﺍﺏ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﻭﺣﺪﻩ ﺃﻥ ﻳﺪﻓﻌﻪ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﺨﻄﻮ
ﺍﻟﺨﻄﻮﺓ ﺍﻷﻭﻟﻰ .ﻭﻫﺬﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻣﺎ ﻳﺠﺮﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ .ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳُﻘﺒﻞ ﻋﺎﻟِﻢ ،ﻋﻠﻰ ﺃﺛﺮ ﺣﺪﺱ ،ٍﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ

2.3 Page 13

▲back to top
13
ﻇﺎﻫﺮﺓ ﻣﻌﻴّﻨﺔ ﻳﻔﺴّﺮﻫﺎ ﺗﻔﺴﻴﺮﺍً ﻣﻨﻄﻘﻴﺎً ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﺘﺜﺒُّﺖ ﻣﻨﻪ ،ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻋﻠﻰ ﻳﻘﻴﻦ ،ﻣﻨﺬ ﺍﻟﺒﺪﺍﻳﺔ ،ﺑﺄﻧﻪ ﺳﻮﻑ ﻳﻠﻘﻰ ﺟﻮﺍﺑﺎ ،ًﻭﻻ
ﺗﻬﺒﻂ ﻋﺰﻳﻤﺘﻪ ﺃﻣﺎﻡ ﻣﺎ ﻳﻌﺘﺮﺿﻪ ﻣﻦ ﺇﺧﻔﺎﻕ .ﺇﻧﻪ ﻻ ﻳﺤﺴﺐ ﺣﺪﺳﻪ ﺍﻷﻭﻝ ﻓﻜﺮﺓ ﻻ ﺟﺪﻭﻯ ﻣﻨﻬﺎ ﻟﻤﺠﺮّﺩ ﺃﻧﻪ ﺃﺧﻄﺄ ﺍﻟﻬﺪﻑ ،ﺑﻞ
ﻳﻌﺘﻘﺪ ﺑﺤﻖ ﺃﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺠﺪ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﺍﻟﺸﺎﻓﻲ.
ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻨﻄﻖ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺼﺢَّ ﺃﻳﻀﺎً ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻝ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﻤﺼﻴﺮﻳّﺔ .ﺍﻟﻌﻄﺶ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻫﻮ ﻣﻦ
ﺍﻟﺘﺠﺬّﺭ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺻﺮﻑ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻋﻨﻪ ﺇﻻّ ﻭﻳﺼﺒﺢ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻓﻲ ﺃﺯﻣﺔ .ﻳﻜﻔﻲ ﺃﻥ ﻧﺮﺍﻗﺐ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻴﻮﻣﻴّﺔ
ﻟﻨﺘﺜﺒّﺖ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻛﻼّ ﻣﻨﺎ ﻳﺤﻤﻞ ﻓﻲ ﺫﺍﺗﻪ ﻭﺳﻮﺍﺱ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﺳﺌﻠﺔ ﺍﻟﺠﻮﻫﺮﻳّﺔ ،ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻪ ﻳﺤﻔﻆ ﻓﻲ ﺫﻫﻨﻪ ﺃﻗﻠّﻪ ﺗﻼﻭﻳﺢ ﺍﻷﺟﻮﺑﺔ.
ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺟﻮﺑﺔ ﻧﺠﺪﻧﺎ ﻣﻘﺘﻨﻌﻴﻦ ﻣﻦ ﺻﺤﺘﻬﺎ ﻷﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻮﻫﺮ ﻋﻦ ﺍﻷﺟﻮﺑﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻮﺻَّﻞ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻛﺜﻴﺮﻭﻥ ﺁﺧﺮﻭﻥ .ﻻ ﺷﻚ
ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻤﻜﺘﺴﺒﺔ ﻻ ﺗﺘﺴﺎﻭﻯ ﻛﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻴﻤﺔ .ﺑﻴﺪ ﺃﻥ ﻗﺪﺭﺓ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﻣﺒﺪﺋﻴﺎً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻳﺆﻛﺪﻫﺎ ﻣﺠﻤﻮﻉ
ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﻤﺤﺼَّﻠﺔ.
.30ﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻔﻴﺪ ﺍﻵﻥ ﺃﻥ ﻧﺴﺘﻌﺮﺽ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ .ﺃﻛﺜﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﺗﻜﺰ ﻋﻠﻰ
ﺑﺪﻳﻬﻴﺎﺕ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﺃﻭ ﻳﺜﺒﺖ ﺑﺎﻻﺧﺘﻴﺎﺭ؛ ﻭﻳﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻄﺎﻕ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ﻭﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ .ﻓﻲ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻧﺠﺪ
ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺪﺭﻛﻬﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﻤﺎ ﻳﻤﻴّﺰ ﻋﻘﻠﻪ ﻣﻦ ﻗﺪﺭﺓ ﻓﻜﺮﻳﺔ .ﺛﻤﺔ ﺃﺧﻴﺮﺍً ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺠﺬﺭ ﻫﻲ ﺃﻳﻀﺎ،ً
ﺇﻟﻰ ﺣﺪٍ ﻣﺎ ،ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ؛ ﻭﻫﻲ ﻣﺘﻀﻤﻨﺔ ﻓﻲ ﺍﻷﺟﻮﺑﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﺘﺮﺣﻬﺎ ﺍﻷﺩﻳﺎﻥ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺳﺌﻠﺔ ﺍﻟﻤﺼﻴﺮﻳّﺔ ﺟﺮﻳﺎً ﻋﻠﻰ
ﺗﻘﺎﻟﻴﺪﻫﺎ.[27]
ﻭﺃﻣّﺎ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﻓﻼ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻧﻮﺿﺢ ﺃﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﻨﺤﺼﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻌﺎﻟﻴﻢ ﺍﻟﻮﺍﻫﻴﺔ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻨﺎﺩﻱ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ
ﺍﻟﻤﺤﺘﺮﻓﻮﻥ .ﻛﻞ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻫﻮ – ﻛﻤﺎ ﻗﻠﺖ – ﻓﻴﻠﺴﻮﻑ ﻭﻳﻤﻠﻚ ﻧﻈﺮﻳﺎﺗﻪ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻮﺟّﻪ ﺣﻴﺎﺗﻪ؛ ﻓﻬﻮ ،ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺃﻭ ﺑﺄﺧﺮﻯ،
ﻳﻜﻮّﻥ ﻟﺬﺍﺗﻪ ﺭﺅﻳﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻭﺟﻮﺍﺑﺎً ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻨﻰ ﻭﺟﻮﺩﻩ ،ﻓﻴﺘﺮﺟﻢ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴّﺔ ،ﻭﻳﻨﻈِّﻢ ﺗﺼﺮﻓﻪ ﻓﻲ ﺿﺆ ﻗﻨﺎﻋﺘﻪ .ﻫﻬﻨﺎ ﻳﺠﺐ
ﺃﻥ ﻳُﻄﺮﺡ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ – ﺍﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ ،ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﻮﺣﺎﺓ ﺑﻴﺴﻮﻉ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ .ﻭﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻧﺠﻴﺐ ﻋﻠﻰ
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﻀﻠﺔ ،ﻳﺤﺴﻦ ﺑﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺤﺴﺐ ﺣﺴﺎﺑﺎً ﻟﻤﻌﻄﻰً ﻻ ﺣﻖٍ ﻣﻦ ﻣﻌﻄﻴﺎﺕ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ.
.31ﻟﻢ ﻳُﻜَﻮَّﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻟﻴﻌﻴﺶ ﻭﺣﺪﻩ .ﻓﻬﻮ ﻳﻮﻟﺪ ﻭﻳﺘﺮﻋﺮﻉ ﻓﻲ ﺃﺳﺮﺓ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍً ﻟﻠﺪﺧﻮﻝ ﻻﺣﻘﺎً ﺑﻌﻤﻠﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ .ﻣﻨﺬ
ﻣﻮﻟﺪﻩ ﻳﻠﻔﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﺇﺫﻥ ﻣﻨﺪﻣﺠﺎً ﻓﻲ ﺗﻘﺎﻟﻴﺪ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻳﺴﺘﻤﺪّ ﻣﻨﻬﺎ ﻻ ﻟﻐﺘﻪ ﻭﺗﻨﺸﺌﺘﻪ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻭﺣﺴﺐ ﺑﻞ ﺃﻳﻀﺎً »ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ
ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻌﺘﻨﻘﻬﺎ ﺍﻋﺘﻨﺎﻗﺎً ﻏﺮﻳﺰﻳﺎً ﻧﻮﻋﺎً ﻣﺎ .ﻭﻓﻲ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ ،ﻻ ﺑﺪّ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ،ﻋﻨﺪ ﻧﻤﻮّﻩ ﻭﻧﻀﺠﻪ ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ،ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﻀﻊ
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻣﻮﺿﻊ ﺍﻟﺸﻚ ﻭﻳﺨﻀﻌﻬﺎ ﻟﻨﺸﺎﻁ ﻓﻜﺮﻩ ﺍﻟﻨﺎﻗﺪ .ﻭﻟﻜﻦ ﻫﺬﺍ ﻻ ﻳﻤﻨﻊ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ،ﺑﻌﺪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﻌﺎﺑﺮﺓ،
ﻣﻦ ﺃﻥ »ﻳﻌﻮﺩ ﻭﻳﺠﺪ« ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ،ﺍﺭﺗﻜﺎﺯﺍً ﻋﻠﻰ ﺍﺧﺘﺒﺎﺭﻩ ﻟﻬﺎ ﺃﻭ ﺍﻋـﺘﻤﺎﺩﺍً ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﻨﺘﺎﺟﺎﺕ ﻓﻜﺮﻩ .ﻭﻣﻊ ﺫﻟﻚ ،ﻓﺎﻟﺤﻘﺎﺋﻖ
ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻌﺘﻨﻘﻬﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻋﺘﻨﺎﻗﺎً ﺑﺪﻳﻬﻴﺎً ﺗﺒﻘﻰ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺍﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻜﺘﺴﺒﻬﺎ ﺑﺘﻤﺤﻴﺼﻪ ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ .ﻣﻦ ﻳﻘﺪﺭ ،ﻣﺜﻼ ،ًﺃﻥ ﻳُﺨﻀﻊ
ﻟﻠﻨﻘﺪ ﺩﻓﻖ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴّﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﺗﻜﺰ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻌﺼﺮﻳّﺔ؟ ﻣﻦ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺮﺍﻗﺐ ،ﻟﺤﺴﺎﺑﻪ ﺍﻟﺨﺎﺹ ،ﺫﺍﻙ ﺍﻟﺴﻴﻞ
ﺍﻟﻤﺘﺪﻓﻖ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺼﻞ ﺇﻟﻴﻨﺎ ،ﻳﻮﻣﺎً ﺑﻌﺪ ﻳﻮﻡ ،ﻣﻦ ﻛﻞ ﺃﻧﺤﺎﺀ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻧﻌﺪّﻫﺎ ﺻﺤﻴﺤﺔ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍﻹﺟﻤﺎﻝ؟
ﻭﻣﻦ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﺧﻴﺮﺍً ﺃﻥ ﻳﻌﻮﺩ ﻭﻳﻨﺘﻬﺞ ﺍﻟﺪﺭﻭﺏ ﺍﻻﺧﺘﺒﺎﺭﻳﺔ ﻭﺍﻟﻔﻜﺮﻳّﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺧﺘُﺰِﻧَﺖْ ﺑﻔﻀﻠﻬﺎ ﻛﻨﻮﺯُ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻭﺍﻟﺘﺪﻳّﻦ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳّﺔ؟
ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺒﺎﺣﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻫﻮ ﺇﺫﻥ ﻣﻦ ﻳﺤﻴﺎ ﺑﺎﻹﻳﻤﺎﻥ.
.32ﻛﻞ ﻣﻨّﺎ ،ﻓﻲ ﻓﻌﻞ ﺇﻳﻤﺎﻧﻪ ،ﻳﺜﻖ ﺑﺎﻟﻤﻌﺎﺭﻑ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻛﺘﺴﺒﻬﺎ ﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ .ﺑﺎﻹﻣﻜﺎﻥ ﺃﻥ ﻧﻠﺤﻆ ﻫﻨﺎ ﺗﻮﺗُّﺮﺍً ﻻﻓﺘﺎﻓﻤﻦ
ﺟﻬﺔ ﺗﺒﺪﻭ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺷﻜﻼً ﻧﺎﻗﺼﺎً ﻣﻦ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ،ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺘﻜﺎﻣﻞ ﺭﻭﻳﺪﺍً ﺭﻭﻳﺪﺍً ﺑﻤﺎ ﻧﻜﺘﺴﺒﻪ ﺷﺨﺼﻴﺎً
ﻣﻦ ﻣﻌﻄﻴﺎﺕ ﺍﻟﺒﺪﺍﻫﺔ .ﻭﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻳﺘﺠﻠّﻰ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﺸﺮﻳﺎً ﺃﺛـﺮﻯ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺪﺍﻫﺔ ﻷﻧﻪ ﻳﻔﺘﺮﺽ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺎﻵﺧﺮﻳﻦ ﻭﻳﻔﻌّﻞ ﻻ
ﺍﻟﻄﺎﻗﺎﺕ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻭﺣﺴﺐ ﺑﻞ ﺍﻷﻫﺒﺔ ﺍﻟﺠﺬﺭﻳﺔ ﻟﻠﻮﺛﻮﻕ ﺑﺄﺷﺨﺎﺹ ﺁﺧﺮﻳﻦ ﻭﺍﻟﺪﺧﻮﻝ ﻭﺇﻳﺎﻫﻢ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﺃﺷﺪّ ﻣﺘﺎﻧﺔ
ﻭﺃﻛﺜﺮ ﻭﺩﺍ
ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻔﻴﺪ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﻪ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻤﻄﻠﻮﺑﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺍﻟﻤﺘﺒﺎﺩﻟﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﺃﻭﻻً ﻋﻼﻗﺔ ﻋﻤﻼﻧﻴﺔ ﺃﻭ ﻓﻠﺴﻔﻴـﺔ .ﻣﺎ ﻫﻮ
ﻣﻄﻠﻮﺏ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﻓﻲ ﺣﺪّ ﺫﺍﺗﻬﺎ :ﻣﺎ ﻫﻲ ﻭﻣﺎﺫﺍ ﺗﻌﻜﺲ ﻣﻦ ﻣﻘﻮّﻣﺎﺕ ﻛﻴﺎﻧﻪ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ .ﻛﻤﺎﻝ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻻ ﻳﻘﻮﻡ،
ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ،ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻧﻜﺴﺒﻪ ﻣﻦ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻣﺠﺮّﺩﺓ ﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺣﺴﺐ ،ﺑﻞ ﻳﻘﻮﻡ ﺃﻳﻀﺎً ﻋﻠﻰ ﻋﻼﻗﺔ ﺣﻴّﺔ ،ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺬﻝ ﻭﻭﻓﺎﺀ ﺗﺠﺎﻩ
ﺍﻵﺧﺮ .ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﻓﺎﺀ ﺍﻟﻤﻌﻄﺎﺀ ﻳﺤﻈﻰ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﻤﻞﺀ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦ ﻭﻣﻞﺀ ﺍﻷﻣﺎﻥ .ﺑﻴﺪ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﺘﻲ

2.4 Page 14

▲back to top
14
ﺗﺮﺗﻜﺰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺜﻘﺔ ﺍﻟﻤﺘﺒﺎﺩﻟﺔ ﻻ ﺗﺨﻠﻮ ﻣﻦ ﻣﺮﺟﻌﻴّﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ :ﻓﺎﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﻳﺘﻜﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﺠﻠّﻰ ﻓﻴﻬﺎ
ﺍﻵﺧﺮ.
ﻛﻢ ﻣﻦ ﻣَﺜَﻞٍ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﺴﻮﻗﻪ ﺗﺪﻟﻴﻼً ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﻄﻴﺎﺕ .ﺇﻻّ ﺃﻧﻲ ﺃﺗﻮﺟﻪ ﺑﺎﻟﻔﻜﺮ ﺗﻮﺍً ﺇﻟﻰ ﺷﻬﺎﺩﺓ ﺍﻟﺸﻬﺪﺍﺀ .ﻓﺎﻟﺸﻬﻴﺪ ﻫﻮ،
ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ،ﺍﻟﺸﺎﻫﺪ ﺍﻷﻭﺛﻖ ﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ .ﻓﻬﻮ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﻭﺟﺪ ،ﻓﻲ ﻟﻘﺎﺋﻪ ﻳﺴﻮﻉ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ،ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺣﻴﺎﺗﻪ؛ ﻭﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺷﻲﺀ
ﻭﻻ ﻣﻦ ﻛﺎﺋﻦ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻪ ﺃﻥ ﻳﻨﺘﺰﻉ ﻣﻨﻪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦ :ﻻ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ ﻭﻻ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺍﻟﻌﻨﻴﻒ ﺑﻮﺳﻌﻬﻤﺎ ﺃﻥ ﻳﺮﺩّﺍﻩ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﺼﺎﻗﻪ ﺑﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ
ﺍﻟﺘﻲ ﻭﺟﺪﻫﺎ ﻓﻲ ﻟﻘﺎﺋﻪ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ؛ ﻭﻟﺬﺍ ﻻ ﺗﺰﺍﻝ ﺷﻬﺎﺩﺓ ﺍﻟﺸﻬﺪﺍﺀ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺗﺨﻠﺐ ﺍﻷﺫﻫﺎﻥ ﻭﺗﺒﻌﺚ ﺍﻟﺮﺿﻰ ،ﻭﺗﺤﻈﻰ
ﺑﺎﻻﺻﻐﺎﺀ ﻭﺍﻻﺣﺘﺬﺍﺀ .ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﻳﺤﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺛﻮﻕ ﺑﻜﻼﻣﻬﻢ .ﻓﻨﺤﻦ ﻧﻜﺘﺸﻒ ﻓﻴﻬﻢ ﺑﺪﺍﻫﺔ ﺣﺐ ﻻ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺗﺪﻟﻴﻼﺕ ﻃﻮﻳﻠﺔ
ﻟﻴﻜﻮﻥ ﻣﻘﻨﻌﺎ ،ًﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺐ ﻳﺤﺪّﺙ ﻛﻼً ﻣﻨﺎ ﻋﻤﺎ ﻳﺤﺴﺒﻪ ﻓﻲ ﻋﻤﻖ ﺫﺍﺗﻪ ﺣﻘﻴﻘﺔً ﻳﻔﺘﺶ ﻋﻨﻬﺎ ﻣﻨﺬ ﺃﻣﺪٍ ﺑﻌﻴﺪ .ﻭﻗﺼﺎﺭﻯ
ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺃﻥ ﺍﻟﺸﻬﻴﺪ ﻳﻮﻗﻆ ﻓﻴﻨﺎ ﺛﻘﺔ ﻋﻤﻴﻘﺔ ﻷﻧﻪ ﻳﻨﻄﻖ ﺑﻤﺎ ﻧﺸﻌﺮ ﺑﻪ ،ﻭﻳﻌﺒّﺮ ﺑﻮﺿﻮﺡ ﻋﻤﺎ ﻧﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻧﺠﺪ ﺍﻟﺠﺮﺃﺓ ﻟﻠﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻨﻪ.
.33ﻧﺮﻯ ﻫﻨﺎ ﺃﻥ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺗﺘﻜﺎﻣﻞ ﺭﻭﻳﺪﺍً ﺭﻭﻳﺪﺍً :ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ،ﺑﻄﺒﻴﻌﺘﻪ ،ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ .ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻻ ﻳﻬﺪﻑ ﻓﻘﻂ
ﺇﻟﻰ ﺗﺤﺼﻴﻞ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺟﺰﺋﻴﺔ ﺃﻭ ﺍﺧﺘﺒﺎﺭﻳﺔ ﺍﻭ ﻋﻠﻤﻴﺔ .ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻻ ﻳﻠﺘﻤﺲ ﻓﻘﻂ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻟﻜﻞٍ ﻣﻦ ﻗﺮﺍﺭﺍﺗﻪ… ﺇﻧﻪ ﻳﻨـﺰﻉ
ﺑﺒﺤﺜﻪ ﺍﻟﻰ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺃﺑﻌﺪ ﺗﻤﻜّﻨﻪ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﻟﻤﻌﻨﻰ ﺣﻴﺎﺗﻪ؛ ﺑﺤﺜﻪ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺇﺫﻥ ﺃﻥ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﺇﻻّ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ .[28]ﺑﻔﻀﻞ
ﻣﺆﻫﻼﺕ ﺍﻟﻔﻜﺮ ،ﺑﺎﺳﺘﻄﺎﻋﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺃﻥ ﻳﻈﻔﺮ ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﻳﻌﺘﺮﻑ ﺑﻬﺎ .ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺣﻴﻮﻳﺔ
ﻭﺟﻮﻫﺮﻳﺔ ﻟﻮﺟﻮﺩﻩ ،ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺃﻥ ﻳﺤﺼّﻠﻬﺎ ﻻ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺣﺴﺐ ،ﺑﻞ ﺃﻳﻀﺎً ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻮﺛﻮﻕ ﺑﺄﺷﺨﺎﺹ
ﺁﺧﺮﻳﻦ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻬﻢ ﺃﻥ ﻳﻀﻤﻨﻮﺍ ﻟﻪ ﻳﻘﻴﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺳﻼﻣﺘﻬﺎ .ﻗﺪﺭﺓ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻳﻜﻞ ﺫﺍﺗﻪ ﻭﺣﻴﺎﺗﻪ ،ﺑﻔﻌﻞ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ ﺣﺮ ،ّﺇﻟﻰ
ﺷﺨﺺ ﺁﺧﺮ ،ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻣﻦ ﺃﻫﻢ ﻭﺃﺑﻠﻎ ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺃﻓﻌﺎﻝٍ ﺍﻧﺘﺮﻭﺑﻮﻟﻮﺟﻴّﺔ.
ﻳﺠﺐ ﺃﻻّ ﻳﻐﻴﺐ ﻋﻦ ﺫﻫﻨﻨﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﻈﻞّ ﻣﺪﻋﻮﻣﺎً ﻓﻲ ﺳﻌﻴﻪ ،ﺑﻔﻌﻞ ﺣﻮﺍﺭٍ ﻭﺍﺛﻖ ﻭﺻﺪﺍﻗﺔ ﻣﺨﻠﺼﺔ .ﺟﻮّ
ﺍﻟﺮﻳﺒﺔ ﻭﺍﻟﺤﺬﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﻴﻂ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﺑﺎﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﻔﻜﺮﻱ ﻳﺬﻫﻞ ﻋﻦ ﺗﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺍﻷﻗﺪﻣﻴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﺤﺴﺒﻮﻥ ﺍﻟﺼﺪﺍﻗﺔ ﻗﺮﻳﻨﺔ
ﻣﻦ ﺃﻫﻢ ﺍﻟﻘﺮﺍﺋﻦ ﻹﺟﺎﺩﺓ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ.
ﻳﻨﺘﺞ ﻣﻤﺎ ﻗﻠﺖ ﺇﻟﻰ ﺍﻵﻥ ﺃﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻳﻨﺘﻬﺞ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻃﺮﻳﻘﺎً ﻻ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻪ ﺑﺸﺮﻳﺎﺑﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺑﺤﺚ ﻋﻦ ﺷﺨﺺٍ ﻳﻀﻊ
ﻓﻴﻪ ﺛﻘﺘﻪ .ﻭﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ ﺃﻥ ﻳﺴﺎﻋﺪﻩ ﻭﻳﺆﻫﻠﻪ ﻋﻤﻠﻴﺎً ﻟﻴُﻔﻠﺢ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺚ .ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ ﻳﺘﺨﻄﻰَّ ﻣﺠﺮّﺩ
ﺍﻟﺘﺼﺪﻳﻖ ﻭﻳُﺪﺧﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﻧﻈﺎﻡ ﺍﻟﻨﻌﻤﺔ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﻜﻨّﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻛﺔ ﻓﻲ ﺳﺮّ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺨﻮّﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﻌﺮﻑ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺍﺣﺪﺍً
ﻓﻲ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﻗﺎﻧﻴﻢ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺭﺍﻫﻨﺔ ﻭﻣﺘﺮﺍﺻّﺔ .ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﻜﺘﺸﻒ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥُ ﻓﻲ ﻳﺴﻮﻉ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ – ﺍﻹﻟﻪ ﺍﻟﺤﻖ – ﺍﻟﺪﻋﻮﺓَ ﺍﻟﻘﺼﻮﻯ
ﺍﻟﻤﻮﺟّﻬﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ،ﻟﺘﺘﻤﻜّﻦ ﻣﻦ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻣﺎ ﺗﻮﺟﺴﻪ ﻣﻦ ﺷﻮﻕ ﻭﺣﻨﻴﻦ.
.34ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻜﺸﻔﻬﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﻳﺴﻮﻉ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ﻻ ﺗﻨﺎﻗﺾ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺪﺭﻛﻬﺎ ﺑﺎﻟﻔﻠﺴﻔﺔ .ﻓﻜﻼ ﻫﺎﺗﻴﻦ
ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺘﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺗﻘﻮﺩﻧﺎ ،ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ ،ﺇﻟﻰ ﻛﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ .ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻫﻲ ﻣﻦ ﺃﺳﺲ ﻣﺴﻠّﻤﺎﺕ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ،
ﻳﻌﺒّﺮ ﻋﻨﻬﺎ ﻣﺒﺪﺃ ﺍﻟﻼﺗﻨﺎﻗﺾ .ﻭﻧﺠﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﻳﻘﻴﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺆﻛﺪ ﻟﻨﺎ ﺃﻥ ﺍﻹﻟﻪ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﻫﻮ ﺃﻳﻀﺎً ﺇﻟﻪ ﺗﺎﺭﻳﺦ
ﺍﻟﺨﻼﺹ .ﺍﻹﻟﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺃﺳﺎﺱ ﻭﺿﻤﺎﻧﺔ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﺗﻜﺰ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺑﻜﻞ ﺛﻘﺔ [29]ﻫﻮ ﻧﻔﺴﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺸﻒ
ﻟﻨﺎ ﺫﺍﺗﻪ ﺃﺑﺎ ﺭﺑﻨﺎ ﻳﺴﻮﻉ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ .ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻫﺬﻩ ،ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﻨـﺰﻟﺔ ،ﺗﺠﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ﺗﻨﺎﻏﻤﻬﺎ ﺍﻟﺤﻲ ﻭﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ،ﻋﻠﻰ
ﺣﺪّ ﻣﺎ ﻳﺬﻛّﺮ ﺑﻪ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ :»ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻲ ﻳﺴﻮﻉ« )ﺃﻑ 21 ،4؛ ﺭﺍ ﻗﻮﻝ .(20-15 ،1ﺇﻧﻪ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻷﺑﺪﻱ ،ﺍﻟﺬﻱ ﺑﻪ ﻛﻞ
ﺷﻲﺀ ﻛﻮِّﻥ ،ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﺁﻥٍ ﻭﺍﺣﺪ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻤﺘﺠﺴّﺪ ،ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺸﻔﻪ ﺍﻵﺏ ﻓﻲ ﻣﻞﺀ ﺷﺨﺼﻪ )ﺭﺍ ﻳﻮ .[30](18-14 ،1ﺇﻥ ﻣﺎ ﻳﺒﺤﺚ
ﻋﻨﻪ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ »ﻭﻫﻮ ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻪ« )ﺭﺍ ﺭﺳﻞ ،(17،23ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺠﺪﻩ ﺇﻻّ ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ :ﻷﻥ ﻣﺎ ﻳﺘﺠﻠّﻰ ﻓﻴﻪ ﺇﻧﻤﺎ
ﻫﻮ »ﻣﻞﺀ ﺣﻘﻴﻘﺔ« )ﺭﺍ ﻳﻮ (16-14 ،1ﻛﻞّ ﻛﺎﺋﻦ ﻛُﻮِّﻥَ ﻓﻴﻪ ﻭﺑﻪ ،ﻭﻳﺠﺪ ﻓﻴﻪ ﻣﻞﺀ ﻛﻴﺎﻧﻪ )ﺭﺍ ﻗﻮﻝ .(17 ،1
.35ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻠﻖ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﻌﻤﻮﻣﻴّﺔ ،ﻻ ﺑﺪّ ﺍﻵﻥ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻧﺪﻗِّﻖ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﻮﺣﺎﺓ ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ.
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺗﻔﺮﺽ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭﺍً ﻣﺰﺩﻭﺟﺎ ،ًﻭﺫﻟﻚ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺎﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﻫﻲ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺪﺭﻛﻬﺎ ﻓﻲ
ﺿﺆ ﺍﻟﻌﻘﻞ .ﻭﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺃﻧﻪ ﻳﺘﻌﺬّﺭ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺴﺘﻮﺿﺢ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﻠﻬﻤﺔ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﺇﻻّ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ
ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻤﺰﺩﻭﺝ .ﻭﺳﻮﻑ ﻧﺘﻨﺎﻭﻝ ﺃﻭﻻً ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺑﻴﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ،ﻭﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻨﻄﻠﻖ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ﺃﻥ
ﻧﺴﺘﻮﺿﺢ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﻯﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ﺍﻋﺘﻤﺎﺩﻫﺎ ﻭﺍﻟﺮﺟﻮﻉ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻹﻗﺎﻣﺔ ﺍﻟﺼﻠﺔ ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ﺑﻴﻦ ﻫﺎﺗﻴﻦ ﺍﻟﻤﻨـﺰﻟﺘﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ.

2.5 Page 15

▲back to top
عبارلا لصفلا
لقعلاو ناميإلا نيب تالصلا
15
ﺍﻟﻤﺤﻄﺎﺕ ﺍﻟﻼﻓﺘﺔ ﻓﻲ ﻣﻠﺘﻘﻴﺎﺕ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ
.36ﻳﺮﻭﻱ ﻟﻨﺎ ﻛﺘﺎﺏ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺮﺳﻞ ﻛﻴﻒ ﺍﺻﻄﺪﻡ ﺍﻟﺒﻼﻍ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ ﻣﻨﺬ ﺍﻟﺒﺪﺍﻳﺔ ﺑﺎﻟﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﺍﻟﺴﺎﺋﺪﺓ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ
ﺍﻟﻌﻬﺪ .ﻭﻳﻮﺭﺩ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻨﻘﺎﺵ ﺍﻟﺬﻱ ﺟﺮﻯ ﻓﻲ ﺃﺛﻴﻨﺎ ﺑﻴﻦ ﺑﻮﻟﺲ ﻭ»ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺍﻹﺑﻴﻘﻮﺭﻳﻴﻦ ﻭﺍﻟﺮﻭﺍﻗﻴﻴﻦ« ،17)
.(18ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮﻱ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺔ ﺍﻷﺭﻳﻮﺑﺎﻏﺲ ﻳﺒﻴّﻦ ﻟﻨﺎ ﺑﻮﺿﻮﺡ ﺗﻠﻤﻴﺤﺎﺕ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺘﻘﺪﺍﺕ ﺷﻌﺒﻴﺔ
ﻣﻌﻈﻤﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺼﺪﺭ ﺭﻭﺍﻗﻲ .ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﺼﺪﻑ .ﻓﺎﻟﻤﺴﻴﺤﻴﻮﻥ ﺍﻷﻭَّﻟﻮﻥ ﻟﻢ ﻳَﻘْﺼُﺮﻭﺍ ﺍﺳﺘﺸﻬﺎﺩﺍﺗﻬﻢ ﻋﻠﻰ
»ﻣﻮﺳﻰ ﻭﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ،«ﻓﻲ ﺧﻄﺒﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺛﻨﻴﻴﻦ ،ﻟﻴﻔﻬﻤﻮﺍ ﻣﻀﻤﻮﻥ ﻛﻼﻣﻬﻢ ،ﺑﻞ ﻋﻤﺪﻭﺍ ﺃﻳﻀﺎً ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ،ﻭﺇﻟﻰ
ﺻﻮﺕ ﺍﻟﻀﻤﻴﺮ ﺍﻷﺩﺑﻲ ﻋﻨﺪ ﻛﻞ ﺇﻧﺴﺎﻥ )ﺭﺍ ﺭﻭﻡ 21-19 ،1؛ 15-14 ،2؛ ﺭﺳﻞ .(17-16 ،14ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ
ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ،ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻳﺎﻧﺔ ﺍﻟﻮﺛﻨﻴﺔ ،ﻗﺪ ﻫﻮﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻨﻤﻴّﺔ )ﺭﺍ ﺭﻭﻡ (32-21 ،1ﻓﻘﺪ ﺭﺃﻯ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﻣﻦ ﺩﻭﺍﻋﻲ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺃﻥ ﻳﻨﻴﻂ
ﺧﻄﺎﺑﻪ ﺑﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮﺍ ،ﻣﻨﺬ ﺍﻟﺒﺪﺍﻳﺔ ،ﻗﺪ ﺟﺎﺑﻬﻮﺍ ﺍﻟﺪﻳﺎﻧﺎﺕ ﺍﻷﺳﻄﻮﺭﻳﺔ ﻭﺍﻟﻄﻘﻮﺱ ﺍﻷﺳﺮﺍﺭﻳّﺔ ﺑﻨﻈﺮﻳﺎﺕ ﺗﺮﺍﻋﻲ
ﺍﻟﺴﻤﻮّ ﺍﻹﻟﻬﻲ.
ﻣﻦ ﺃﻫﻢ ﺍﻟﺠﻬﻮﺩ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﺬﻟﺘﻬﺎ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻜﻼﺳﻴﻜﻴﺔ ﺗﻤﺤﻴﺼُﻬﺎ ﻟﻠﻤﻌﺘﻘﺪﺍﺕ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻣﻦ ﺃﺩﺭﺍﻧﻬﺎ ﺍﻟﻤﻴﺘﻮﻟﻮﺟﻴّﺔ .ﻭﻧﻌﺮﻑ ﺃﻥ ﺍﻟﺪﻳﺎﻧﺔ
ﺍﻹﻏﺮﻳﻘﻴﺔ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ،ﻫﻲ ﺃﻳﻀﺎ ،ًﻟﺘﺨﺘﻠﻒ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻋﻦ ﻣﻌﻈﻢ ﺍﻟﺪﻳﺎﻧﺎﺕ ﺍﻟﻜﻮﻧﻴﺔ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﻓﻲ ﺍﻋﺘﻨﺎﻗﻬﺎ ﺍﻟﺸﺮﻙ ﻭﺗﺄﻟﻴﻪ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ
ﻭﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺍﺕ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ .ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺤﺎﻭﻻﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﺬﻟﻬﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻟﻴﺪﺭﻙ ﺃﺻﻞ ﺍﻵﻟﻬﺔ ﻭﺃﺻﻞ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﺗﺤﻘﻘﺖ ﺃﻭﻻً ﻓﻲ
ﺍﻟﺸﻌﺮ .ﻓﺎﻟﻤﻠﺤﻤﺎﺕ ﺍﻟﺜﻴﻮﻏﻮﻧﻴﺔ )ﺍﻟﺒﺎﺣﺜﺔ ﻓﻲ ﺃﺻﻮﻝ ﺍﻵﻟﻬﺔ ﻭﺃﻧﺴﺎﺑﻬﻢ( ﻻ ﺗﺰﺍﻝ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺃﻭﻟﻰ ﺩﻻﺋﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﻌﻲ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ.
ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻟﺮﺑﺎﻁ ﺍﻟﻘﺎﺋﻢ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﺪﻳﻦ ﻓﻴﻌﻮﺩ ﺍﻟﻔﻀﻞ ﻓﻲ ﺇﻇﻬﺎﺭﻩ ﺇﻟﻰ ﺁﺑﺎﺀ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ .ﻟﻘﺪ ﺭﻓﻌﻮﺍ ﻧﻈﺮﻫﻢ ﺇﻟﻰ ﺃﺑﻌﺪ ﻣﻦ
ﺫﻟﻚ ،ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﻯﺀ ﺍﻟﺸﺎﻣﻠﺔ ،ﻭﻟﻢ ﻳﻜﺘﻔﻮﺍ ﺑﺎﻷﺳﺎﻃﻴﺮ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﺑﻞ ﺃﺭﺳَﻮﺍ ﻣﻌﺘﻘﺪﻫﻢ ﻓﻲ ﺍﻷﻟﻮﻫﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﺗﻜﺰٍ ﻋﻘﻠﻲ.
ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺍﻧﺘﻬﺠﻮﺍ ﻃﺮﻳﻘﺎً ﺗﺤﻮّﻟﺖ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻭﺃﻓﻀﺖ ﺇﻟﻰ ﺗﻄﻮّﺭ ﻓﻜﺮﻱ ﻳﺘﻼﺀﻡ ﻭﻣﻘﺘﻀﻴﺎﺕ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺸﺎﻣﻞ.
ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻄﻮّﺭ ﺇﺧﻀﺎﻉ ﺍﻟﻤﻌﺘﻘﺪ ﻟﺤﻜﻢ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﺍﻟﻨﺎﻗﺪ .ﻭﻛﺎﻥ ﺃﻭﻝ ﻣﻦ ﺍﺳﺘﻔﺎﺩ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﻴﺮﺓ ﺍﻟﻨﻘﺪﻳﺔ
ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻷﻟﻮﻫﺔ .ﻓﺄُﻗِﺮَّﺕ ﺧُﺮﺍﻓﻴﺔ ﺍﻷﺳﺎﻃﻴﺮ ﻭﻃُﻬِّﺮﺕ ﺍﻟﺪﻳﺎﻧﺔ ،ﻭﺇﻥ ﺟﺰﺋﻴﺎ ،ًﺑﻔﻀﻞ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ﺍﻟﻌﻘﻼﻧﻲ .ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﺳﺎﺱ ﺳﻌﻰ
ﺁﺑﺎﺀ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺇﻟﻰ ﺇﻗﺎﻣﺔ ﺣﻮﺍﺭ ﻣﺜﻤﺮ ﻣﻊ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺍﻟﻘﺪﺍﻣﻰ ،ﻣﻔﺴﺤﻴﻦ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺒﺸﻴﺮ ﺑﺈﻟﻪ ﻳﺴﻮﻉ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ﻭﺗﻘﺮﻳﺒﻪ ﻣﻦ
ﺍﻷﺫﻫﺎﻥ.
.37ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻠﻤﺢ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺮّﺑﺖ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ،ﻻ ﺑﺪّ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻧﺬﻛّﺮ ﺃﻳﻀﺎً ﺑﺎﻟﻤﻮﺍﻗﻒ ﺍﻟﻔﻄﻴﻨﺔ ﺍﻟﺘﻲ
ﺩﻓﻌﺘﻬﻢ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﺃﺧﺮﻯ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﺍﻟﻮﺛﻨﻲ ،ﻛﺎﻟﻐﻨﻮﺻﻴﺔ ﻣﺜﻼﻟﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻴﺴﻴﺮ ﺃﻥ ﻳﻘﻊ ﺍﻟﺘﺒﺎﺱ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ
ﺑﺼﻔﺘﻬﺎ ﺣﻜﻤﺔ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻭﻣﺪﺭﺳﺔ ﺣﻴﺎﺓ ،ﻭﻧﻤﻂٍ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺮﺍﻗﻴﺔ ﻭﺍﻟﺒﺎﻃﻨﻴّﺔ ،ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻟﻤﺢ ،ﻭﻻ ﺷﻚ ،ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ
ﻓﻲ ﺭﺳﺎﻟﺘﻪ ﺍﻟﺘﺤﺬﻳﺮﻳﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻫﻞ ﻗﻮﻟﻮﺳﻲ :»ﺇﻳﺎﻛﻢ ﻭﺃﻥ ﻳﺨﻠﺒﻜﻢ ﺃﺣﺪ ﺑﺎﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ،ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﻐﺮﻭﺭ ﺍﻟﺒﺎﻃﻞ ﺍﻟﻘﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ ﺳُﻨّﺔ
ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺃﺭﻛﺎﻥ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﻻ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ« )ﻗﻮﻝ .(8 ،2ﻛﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﻫﺬﻩ ﺗﺒﺪﻭ ﻟﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﻴﺔ ﺇﺫﺍ
ﻗﺎﺭﻧَّﺎﻫﺎ ﺑﻤﺨﺘﻠﻒ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﺒﺎﻃﻨﻴﺔ ﺍﻟﺮﺍﺋﺠﺔ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺃﻭﺳﺎﻁ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﻤﻠﻜﻮﻥ ﺃﺩﻧﻰ ﻗﺪﺭٍ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺲ
ﺍﻟﻨﻘﺪﻱ .ﺛﻤﺔ ﻛُﺘّﺎﺏ ﺁﺧﺮﻭﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﻭﻥ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻣﻦ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺇﻳﺮﻳﻨﺎﻭﺱ ﻭﺗﺮﺗﻠﻴﺎﻧﺲ ،ﺳﺎﺭﻭﺍ ﻓﻲ ﺧﻄﻰ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ
ﻓﺄﺑﺪﻭﺍ ﺗﺤﻔﻈﺎﺗﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾٍ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺍﻗﻒ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺍﻟﻤﺪّﻋﻴﺔ ﺇﺧﻀﺎﻉ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﻨـﺰﻟﺔ ﻟﺘﺄﻭﻳﻞ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ.
.38ﻣﻠﺘﻘﻰ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺇﺫﻥ ﻓﻮﺭﻳّﺎً ﻭﻻ ﻫﻴّﻨﺎﻭﻟﻘﺪ ﺍﻋﺘﺒﺮ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﻮﻥ ﺍﻷﻭﻟﻮﻥ ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ
ﻭﻣﺨﺎﻟﻄﺔ ﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺱ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳّﺔ ﻣﺒﻌﺚ ﻗﻠﻖٍ ﻻ ﺳﺎﻧﺤﺔ ﺣﻆ .ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﺍﻷﻭﻝ ﻭﺍﻟﻤُﻠِﺢ ،ّﻓﻲ ﻧﻈﺮﻫﻢ ،ﺍﻟﻤﻨﺎﺩﺍﺓ ﺑﺎﻟﻤﺴﻴﺢ
ﺍﻟﻨﺎﻫﺾ ﻭﺫﻟﻚ ﺿﻤﻦ ﻟﻘﺎﺀ ﺷﺨﺼﻲ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﺩ ﺍﻟﻤﺨﺎﻃَﺐ ﺇﻟﻰ ﺗﻮﺑﺔ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﻃﻠﺐ ﺍﻟﻤﻌﻤﻮﺩﻳﺔ .ﻭﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﻫﺬﺍ ﺃﻧﻬﻢ
ﺗﺨﻠّﻮﺍ ﻋﻦ ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﺘﻌﻤﻖ ﻓﻲ ﻓﻬﻢ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺣﻮﺍﻓﺰﻩ ،ﺑﻞ ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ .ﻭﻣﻦ ﺛﻢ ﻓﺎﻟﺤﻤْﻠﺔ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺷﻨﻬَّﺎ ﺷﻠﺴﻴﻮﺱ ﻋﻠﻰ
ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﻴﻦ ﺑﺘﻬﻤﺔ ﺃﻧﻬﻢ ﻗﻮﻡ »ﺃﻣﻴّﻮﻥ ﻭﺃﻓﻈﺎﻅ [31]«ﺗﺒﺪﻭ ﻟﻨﺎ ﺟﺎﺋﺮﺓ ﻭﺑﻼ ﺃﺳﺎﺱ .ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻼﻣﺒﺎﻻﺓ ﻓﻲ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺍﻟﻌﻬﺪ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ،
ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﻌﺰﻭﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﺳﺒﺐ ﺁﺧﺮ .ﻭﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺃﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺍﻟﺘﻘﻮﺍ ﺍﻹﻧﺠﻴﻞ ﺃﺻﺎﺑﻮﺍ ﻓﻴﻪ ﺟﻮﺍﺑﺎً ﻣﻘﻨﻌﺎً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻋﻦ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ،
ﻭﻛﺎﻥ ﻗﺪ ﺑﻘﻲ ﺣﻴﻨﺌﺬٍ ﺑﻼ ﺟﻮﺍﺏ ،ﻓﺒﺪﺕ ﻟﻬﻢ ﻣﺨﺎﻟﻄﺔ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺷﺄﻧﺎً ﺑﻌﻴﺪﺍً ﺗﺨﻄَّﺎﻩ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﺇﻟﻰ ﺣﺪٍّ ﻣﺎ.

2.6 Page 16

▲back to top
16
ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﻳﺒﺪﻭ ﻟﻨﺎ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺃﻛﺜﺮ ﻭﺿﻮﺣﺎً ﺇﺫﺍ ﻓﻜّﺮﻧﺎ ﻓﻲ ﻣﺴﺎﻫﻤﺔ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﺔ ﻓﻲ ﺗﺄﻛﻴﺪ ﺍﻟﺤﻖ ﺍﻟﺸﺎﻣﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ.
ﻓﺎﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﺔ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻧﻘﻀﺖ ﺍﻟﺤﻮﺍﺟﺰ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮﻳﺔ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴّﺔ ﻭﺍﻟﺠﻨﺴﻴّﺔ ،ﻣﻨﺬ ﻣﻄﻠﻊ ﺗﺎﺭﻳﺨﻬﺎ ،ﻫﺒَّﺖ ﺗﻨﺎﺩﻱ ﺑﻤﺴﺎﻭﺍﺓ ﺟﻤﻴﻊ
ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻠﻪ .ﻭﺃﻭﻝ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻣﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﻛﺎﻥ ﻟﻬﺎ ﺻﻠﺔ ﺑﻘﻀﻴّﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ .ﻟﻘﺪ ﺗﺨﻄّﺖ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﺔ ﺑﻼ ﺭﺟﻌﺔ ﺍﻟﻄﺎﺑﻊ
ﺍﻟﻨﺨﺒﻮﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺗﺨﺬﻩ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻘﺪﺍﻣﻰ :ﻓﻤﺎ ﺩﺍﻡ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻣﻨﺤﺔً ﺗﺨﻮّﻝ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ،
ﻓﺎﻟﺠﻤﻴﻊ ﻣﺨﻮّﻟﻮﻥ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ .ﺍﻟﻤﺴﺎﻟﻚ ﺍﻟﻤﺆﺩﻳّﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻣﺘﻨﻮّﻋﺔ ﻭﻛﺜﻴﺮﺓ :ﻭﻟﻜﻦ ،ﺑﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ
ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﺔ ﺗﺘﻤﻴّﺰ ﺑﻘﺪﺭﺗﻬﺎ ﺍﻟﺨﻼﺻﻴﺔ ،ﻓﻜﻞٌّ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺪﺭﻭﺏ ﺗﺼﺒﺢ ﺳﺎﻟﻜﺔ ،ﻣﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﺗﻔﻀﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻮﺣﻲ
ﺑﻴﺴﻮﻉ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ.
ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺭﻭّﺍﺩ ﺍﻟﻠﻘﺎﺀ ﺍﻟﻤﺜﻤﺮ ﺑﺎﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ،ﻭﺇﻥ ﺗﻤﻴّﺰ ﺑﺸﻲﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﻤﺘﺤﻔﻆ ،ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻧﺬﻛﺮ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﻳﻮﺳﺘﻴﻨﻮﺱ:
ﻓﻤﻊ ﺍﺣﺘﻔﺎﻇﻪ ،ﺣﺘﻰ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﺍﻫﺘﺪﺍﺋﻪ ،ﺑﻘﺪﺭ ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻘﺪﻳﺮ ﻟﻠﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ ،ﻛﺎﻥ ﻳﺆﻛّﺪ ﺑﻘﻮﺓ ﻭﻭﺿﻮﺡ ﺃﻧﻪ ﻭﺟﺪ ﻓﻲ
ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﺔ »ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪﺓ ﺍﻵﻣﻨﺔ ﻭﺍﻟﻤﻔﻴﺪﺓ .[32]«ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺇﻛﻠﻴﻤﻨﻀﺲ ﺍﻹﺳﻜﻨﺪﺭﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻳﺘﻮﺳّﻢ ﻓﻲ
ﺍﻹﻧﺠﻴﻞ »ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ [33]«ﻭﻳﺸﺒّﻪ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ،ﻣﻦ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﻘﻴﺎﺱ ،ﺑﺎﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍﻟﻤﻮﺳﻮﻳّﺔ ،ﻭﻳﺮﻯ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻌﻠﻴﻤﺎً ﻣﻤﻬِّﺪﺍً
ﻟﻺﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ [34]ﻭﻣﺪﺧﻼً ﺇﻟﻰ ﺍﻹﻧﺠﻴﻞ .[35]ﺑﻤﺎ ﺃﻥ »ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺗﻄﻠﺐ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﻮﺍﻣﻬﺎ ﺍﺳﺘﻘﺎﻣﺔ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻭﺍﻟﻜﻼﻡ
ﻭﻧﻘﺎﻭﺓ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ،ﻓﻬﻲ ﺗﻤﻠﻚ ﻣﺆﻫﻼﺕ ﺣﺐ ﻭﺻﺪﺍﻗﺔ ﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻭﺗﺴﻌﻰ ﻛﻞ ﺟﻬﺪﻫﺎ ﻟﻠﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻴﻬﺎ .ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻫﻢ
ﺍﻟﻤﻐﺮﻣﻮﻥ ﺑﺎﻟﺤﻜﻤﺔ ﺧﺎﻟﻘﺔ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻭﻣﺮﺑﻴّﺘﻪ ،ﺃﻱ ﺍﻟﻤﻐﺮﻣﻮﻥ ﺑﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻠﻪ .[36]«ﻓﻲ ﻧﻈﺮ ﺍﻹﺳﻜﻨﺪﺭﻱ ،ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴّﺔ
ﻻ ﺗﻬﺪﻑ ﺃﻭﻻً ﺇﻟﻰ ﺇﻛﻤﺎﻝ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ﻭﺩﻋﻤﻬﺎ :ﻣﻬﻤﺘﻬﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﻋﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ :»ﺗﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﻤﺨﻠّﺺ ﻳﻜﻔﻲ ﺫﺍﺗﻪ ﻭﻟﻴﺲ
ﺑﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻱ ﺷﻲﺀ ﺁﺧﺮ ،ﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﻫﻮ »ﻗﻮﺓ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺣﻜﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ«؛ ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻨﻀﺎﻑ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴّﺔ ،ﻓﻬﻲ ﻻ ﺗﺠﻌﻞ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ
ﺃﻛﺜﺮ ﻗﻮﺓ ،ﺑﻞ ﺗﻮﻫﻲ ﻫﺠﻤﺎﺕ ﺍﻟﺼﻔﺼﻄﺎﺋﻴّﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﺗﺤﺒﻂ ﻓﺨﺎﺧﻬﺎ ،ﻭﻟﺬﺍ ﺳﻤﻴّﺖ ﺑﺤﻖ ﺳﻴﺎﺝ ﺍﻟﻜﺮﻡ ﻭﺳﻮﺭﻩ.[37]«
.39ﻓﻲ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻄﻮّﺭ ،ﻧﻠﺤﻆ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻔﻜﺮﻳﻦ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﻴﻦ ﻗﺪ ﺍﻋﺘﻤﺪﻭﺍ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻧﻘﺪﻳّﺔ .ﻣﻦ ﺃﻭﺍﺋﻞ
ﺍﻷﻣﺜﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻣﺜﻞ ﺃﻭﺭﻳﺠﻴﻨﻮﺱ ،ﻭﻫﻮ ﺑﻼ ﺭﻳﺐ ﻣﺜﻞ ﻻﻓﺖ .ﻓﻬﻮ ﻳﺮﺩّ ﻋﻠﻰ ﻫﺠﻤﺎﺕ ﺷﻠﺴﻴﻮﺱ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ،ﻣﺴﺘﻌﻤﻼً
ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻷﻓﻼﻃﻮﻧﻴﺔ ﻟﻠﺪﻓﺎﻉ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ؛ ﻭﻓﻲ ﺭﻛﻮﻧﻪ ﺇﻟﻰ ﻋﺪﺩ ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻷﻓﻼﻃﻮﻧﻴﺔ ،ﻧﺮﺍﻩ ﻳﺒﺪﺃ ﻓﻲ
ﺗﻜﻮﻳﻦ ﺃﻭﻝ ﻧﻮﺍﺓ ﻓﻲ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ .ﻟﻔﻈﺔ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻭﻣﻔﻬﻮﻣﻬﺎ ﻛﺨﻄﺎﺏ ﻋﻘﻼﻧﻲ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ،ﻛﺎﻧﺎ ﺣﺘﻰ
ﺫﺍﻙ ﻣﺮﺗﺒﻄﻴﻦ ﺑﺠﺬﻭﺭﻫﻤﺎ ﺍﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ .ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻷﺭﺳﻄﻮﻃﺎﻟﻴﺔ ﻣﺜﻼ ،ًﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﻔﻈﺔ ﺗﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍﻷﺷﺮﻑ ﺑﻞ ﺇﻟﻰ
ﺫﺭﻭﺓ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ .ﻭﺃﻣﺎ ﻓﻲ ﺿﺆ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ ،ﻓﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻳُﻌﺘﺒﺮ ﺃﻭﻻً ﺗﻌﻠﻴﻤﺎً ﻋﺎﻣﺎً ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﺍﻷﻟﻮﻫﺔ ،ﺑﺪﺃ ﻳﻜﺘﺴﺐ
ﻣﻌﻨﻰً ﺟﺪﻳﺪﺍً ﺟﺪﺍ ،ًﻭﺫﻟﻚ ﺑﻤﻘﺪﺍﺭ ﻣﺎ ﺃﺻﺒﺢ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﻫﻮ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻪ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﻟﻠﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻓﻲ
ﺷﺄﻥ ﺍﻟﻠﻪ .ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﺍﻟﻤﺘﻄﻮّﺭ ﻛﺎﻥ ﻳﺴﺘﻌﻤﻞ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﺴﻌﻰ ،ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ،ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻤﻴّﺰ
ﻋﻨﻬﺎ ﺗﻤﻴّﺰﺍً ﻭﺍﺿﺤﺎﻭﻳﺒﻴّﻦ ﻟﻨﺎ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺃﻥ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻷﻓﻼﻃﻮﻧﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺳﺘﻌﺎﻥ ﺑﻪ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ،ﻗﺪ ﺧﻀﻊ ﻟﺘﻐﻴّﺮﺍﺕ ﻋﻤﻴﻘﺔ،
ﻭﺑﺨﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻧﻄﺎﻕ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﻘﻮﻻﺕ ﻛﺨﻠﻮﺩ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻣﺜﻼً ﻭﺗﺄﻟﻴﻪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﻣﺼﺪﺭ ﺍﻟﺸﺮ
.40ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﻌﻰ ﺇﻟﻰ ﻣﺴﺤﻨﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻷﻓﻼﻃﻮﻧﻲ ﻭﺍﻷﻓﻼﻃﻮﻧﻲ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ،ﻻ ﺑﺪّ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻧﺬﻛﺮ ﺧﺼﻮﺻﺎً ﺍﻵﺑﺎﺀ
ﺍﻟﻜﺎﺑﺎﺩﻭﻛﻴﻴﻦ ﻭﺩﻳﻮﻧﻴﺴﻴﻮﺱ ﺍﻷﺭﻳﻮﺑﺎﻏﻲ ﻭﺧﺼﻮﺻﺎً ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺃﻭﻏﺴﻄﻴﻨﻮﺱ؛ ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﻠﻔﺎﻥ ﺍﻟﻐﺮﺑﻲ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﻗﺪ ﺑﺎﺕ ﻋﻠﻰ
ﺍﺗﺼﺎﻝ ﺑﻤﺪﺍﺭﺱ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﺧﻴّﺒﺖ ﻛﻠﻬﺎ ﻇﻨﻪ .ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻣﺜﻠﺖ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ﺃﻣﺎﻣﻪ ﺗﻤﻜّﻦ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﺘﻮﺏ ﺗﻮﺑﺔ
ﺟﺬﺭﻳّﺔ ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻄﻊ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻟﺘﻘﺎﻫﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﺗﻘﻮﺩﻩ ﺇﻟﻴﻬﺎ .ﻭﻗﺪ ﺃﻓﺼﺢ ﻫﻮ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻦ ﺳﺒﺐ ﺫﻟﻚ :»ﺁﺛﺮﺕ ﻣﻨﺬﺋﺬٍ
ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﺍﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ ،ﻭﺷﻌﺮﺕ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﻄﻠﺐ ﺑﺎﻋﺘﺪﺍﻝ ﻭﺑﺪﻭﻥ ﻏﺶ ﺃﻥ ﻳﺆﻣﻦ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻘﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺒﺮﻫﺎﻥ
– ﺳﻮﺍﺀ ﺃﻛﺎﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺩﻟﻴﻞ ﻭﻇَﻞَّ ﻣﺴﺘﻐﻠﻘﺎً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﺃﻭ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﺩﻟﻴﻞ ﺍﻟﺒﺘﺔ – ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻥ ]ﺍﻟﻤﺎﻧﻴﻮﻥ[ ﻳَﻌِﺪﻭﻥ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ
ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﺘﻬﻮّﺭﺓ ﻭﻻ ﻳﺒﺎﻟﻮﻥ ﺑﺈﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﻳﻔﺮﺿﻮﻥ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﺴﻠﻴﻢ ﺑﻤﺎ ﻻ ﻳﺤﺼﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺮﺍﻓﺎﺕ ﻭﺍﻟﺴﺨﺎﻓﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ
ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﺎﻹﻣﻜﺎﻥ ﺇﻗﺎﻣﺔ ﺍﻟﺪﻟﻴﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ .[38]«ﻭﻛﺎﻥ ﺃﻭﻏﺴﻄﻴﻨﻮﺱ ﻳﻮﺟّﻪ ﺍﻟﻤﻼﻣﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﻓﻼﻃﻮﻧﻴﻴﻦ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻥ ﻳﺮﻛﻦ
ﺇﻟﻴﻬﻢ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﻤﻴّﺰﺓ ،ﻷﻧﻬﻢ ﻋﺮﻓﻮﺍ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺠﺐ ﺍﻟﻨـﺰﻭﻉ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻭﻟﻜﻨﻬﻢ ﺟﻬﻠﻮﺍ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﻤﺆﺩﻳّﺔ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ
ﺍﻟﻤﺘﺠﺴّﺪ .[39]ﻟﻘﺪ ﺃَﻓﻠﺢ ﺃﺳﻘﻒ ﻫﻴﺒﻮﻧﺔ ﻓﻲ ﺃﻥ ﻳﻀﻊ ﺃﻭﻟﻰ ﻛﺒﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﺨﻼﺻﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﻭﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺟﺒﺖ
ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺭﻭﺍﻓﺪ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻲ ﻭﺍﻟﻼﺗﻴﻨﻲ .ﻭﻧﺠﺪ ﻋﻨﺪﻩ ﺃﻳﻀﺎً ﺃﻥ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﺍﻟﻤﺮﺗﻜﺰﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﺒﻴﺒﻠﻲ ﻗﺪ ﻟﻘﻴﺖ
ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻨﻈﺮﻱ ﺗﺜﺒﻴﺘﺎً ﻭﺩﻋﻤﺎﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﻼﺻﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺣﻘﻘﻬﺎ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺃﻭﻏﺴﻄﻴﻨﻮﺱ ﺳﻮﻑ ﺗﻈﻞّ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺮﺏ ،ﻋﻠﻰ ﻣﺪﻯ

2.7 Page 17

▲back to top
17
ﺃﺟﻴﺎﻝ ،ﺃﺭﻗﻰ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﻭﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻲ .ﻭﻟﻘﺪ ﺗﻤﻜَّﻦ ﺃﻳﻀﺎ ،ًﺑﻔﻀﻞ ﺗﺎﺭﻳﺨﻪ ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ،ﻭﺑﺪﻋﻢ ﻣﻦ ﻗﺪﺍﺳﺔ ﺣﻴﺎﺗﻪ
ﺍﻟﻌﺠﻴﺒﺔ ،ﺃﻥ ﻳُﺪﺧِﻞ ﻓﻲ ﻣﺆﻟﻔﺎﺗﻪ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻣﺴﺘﻮﺣﺎﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺒﺮﺓ ،ﻣﻬَّﺪﺕ ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻻ ﺑﺪّ ﺃﻥ ﻳﺠﺮﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻣﻦ
ﺗﻄﻮﺭﺍﺕ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ.
.41ﻟﻘﺪ ﺑﺎﺕ ﺇﺫﻥ ﻵﺑﺎﺀ ﺍﻟﺸﺮﻕ ﻭﺍﻟﻐﺮﺏ ﻃﺮﻕ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﻓﻲ ﺍﻻﺗﺼﺎﻝ ﺑﺎﻟﻤﺪﺍﺭﺱ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ .ﻭﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﺫﻟﻚ ﺃﻧﻬﻢ ﻟﺒّﺴﻮﺍ
ﻣﺤﺘﻮﻯ ﺇﻳﻤﺎﻧﻬﻢ ﺑﺎﻟﻤﺬﺍﻫﺐ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻋﺘﻨﻘﺘﻬﺎ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺱ .ﻭﻗﺪ ﺗﺴﺎﺀﻝ ﺗﺮﺗﻠﻴﺎﻧﻮﺱ ﻗﺎﺋﻼ»ﺃﻱ ﺷﺮﻛﺔ ﺑﻴﻦ ﺃﺛﻴﻨﺎ ﻭﺃﻭﺭﺷﻠﻴﻢ؟ ﺑﻴﻦ
ﺍﻷﻛﺎﺩﻳﻤﻴﺔ ﻭﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ؟ [40]«ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺴﺎﺅﻝ ﻫﻮ ﺩﻟﻴﻞ ﻭﺍﺿﺢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﺍﻟﻨﻘﺪﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻤﻴّﺰ ﺑﻪ ﺍﻟﻤﻔﻜﺮﻭﻥ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﻮﻥ ،ﻣﻨﺬ
ﻓﺠﺮ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ ،ﻟﻤﻌﺎﻟﺠﺔ ﻣﻌﻀﻠﺔ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺑﻴﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ،ﻭﻗﺪ ﻧﻈﺮﻭﺍ ﺇﻟﻴﻬﺎ ،ﺑﺎﻹﺟﻤﺎﻝ ،ﻓﻲ ﻣﻼﻣﺤﻬﺎ
ﺍﻹﻳﺠﺎﺑﻴﺔ ﻭﻓﻲ ﻣﺤﺪﻭﺩﻳﺘﻬﺎ .ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﻣﻦ ﻃﺮﺍﺯ ﺍﻟﻤﻔﻜّﺮﻳﻦ ﺍﻟﺴﺬﺝ ،ﻭﻷﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻌﻴﺸﻮﻥ ﻣﺤﺘﻮﻯ ﺇﻳﻤﺎﻧﻬﻢ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﺪﻳّﺔ،
ﺗﻤﻜﻨﻮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺃﻋﻤﻖ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻨﻈﺮﻱ .ﻓﻤﻦ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﻭﺍﻟﺘﺨﻔﻴﺾ ﺃﻻّ ﻧﺮﻯ ﻓﻲ ﻣﺆﻟﻔﺎﺗﻬﻢ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ
ﻋﻦ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﻤﻘﻮﻻﺕ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ .ﻟﻘﺪ ﺣﻘًّﻘﻮﺍ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻓﺄﻓﻠﺤﻮﺍ ﻓﻲ ﺇﺑﺮﺍﺯ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻀﻤﺮﺍً ﻭﺟﺮﺛﻮﻣﻴﺎً ﻓﻲ ﻓﻜﺮ
ﻛﺒﺎﺭ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺍﻷﻗﺪﻣﻴﻦ ﻭﺃﺿﻔﻮﺍ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﻠﺘﻪ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﺔ .[41]ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺍﺗﺨﺬﻭﺍ ﻟﻬﻢ ﺭﺳﺎﻟﺔ – ﻛﻤﺎ ﻗﻠﺖ – ﺃﻥ ﻳﺒﻴِّﻨﻮﺍ ﺇﻟﻰ
ﺃﻱ ﻣﺪﻯ ﺑﻮﺳﻊ ﺍﻟﻌﻘﻞ ،ﺇﺫﺍ ﺗﺨﻠَّﺺ ﻣﻦ ﻗﻴﻮﺩﻩ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴّﺔ ،ﺃﻥ ﻳﺨﺮﺝ ﻣﻦ ﻧﻔﻖ ﺍﻷﺳﺎﻃﻴﺮ ﻭﻳﻨﻔﺘﺢ ﻋﻠﻰ ﺳﻤﻮّ ﺍﻷﻟﻮﻫﺔ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ
ﺃﻣﺜﻞ .ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺇﺫﺍ ﺗﻄﻬّﺮ ﻭﺍﺳﺘﻘﺎﻡ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻪ ﺇﺫﻥ ﺃﻥ ﻳﺮﻗﻰ ﺇﻟﻰ ﺃﻋﻠﻰ ﺩﺭﺟﺎﺕ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻭﻳﺠﺪ ﻣﺮﺗﻜﺰﺍً ﻣﺘﻴﻨﺎً ﻹﺩﺭﺍﻙ ﺍﻟﻜﻴﺎﻥ ﻭﺍﻟﻮﺻﻮﻝ
ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻠﻮﻱّ ﻭﺍﻟﻤﻄﻠﻖ.
ﻫﻨﺎ ﺗﻜﻤﻦ ،ﺑﺎﻟﺘﺤﺪﻳﺪ ،ﺟﺪّﺓ ﺍﻵﺑﺎﺀ .ﻟﻘﺪ ﺭﺣَّﺒﻮﺍ ﺗﺮﺣﻴﺒﺎً ﻛﺎﻣﻼً ﺑﺎﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﻤﻨﻔﺘﺢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻭﺭﻓﺪﻭﻩ ﺑﺎﻟﺜﺮﻭﺓ ﺍﻟﺼﺎﺩﺭﺓ ﻋﻦ
ﺍﻟﻮﺣﻲ .ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻠﻘﺎﺀ ﻟﻢ ﻳﺘﻢّ ﻓﻘﻂ ﻋﻠﻰ ﺻﻌﻴﺪ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻧﻬﺎﺭﺕ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ ﻣﺨﻠﻮﺑﺔ ﺑﺎﻷﺧﺮﻯ .ﻟﻘﺪ ﺗﺤﻘﻖ ﻓﻲ ﻋﻤﻖ
ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ ﻭﺇﺫﺍ ﺑﻪ ﻟﻘﺎﺀ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺨﻠﻴﻘﺔ ﻭﺧﺎﻟﻘﻬﺎ .ﻫﻜﺬﺍ ﺍﺳﺘﻄﺎﻉ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺃﻥ ﻳﺪﺭﻙ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﺍﻷﺳﻤﻰ ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻘﺼﻮﻯ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ
ﺍﻟﻤﺘﺄﻧﺲ ،ﻣﺘﺨﻄﻴﺎً ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﻳﻨـﺰﻉ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺑﻔﻌﻞ ﻃﺒﻴﻌﺘﻪ ﻭﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻻ ﺷﻌﻮﺭﻳﺔ .ﻭﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﺨﺶَ ﺍﻵﺑﺎﺀ ،ﻓﻲ
ﻣﻮﺍﺣﻬﺔ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ،ﻣﻦ ﺍﻹﻗﺮﺍﺭ ﺑﺎﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ ﻛﻤﺎ ﺑﺎﻟﻔﻮﺍﺭﻕ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﻮﺣﻲ .ﺇﺩﺭﺍﻙ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﻟﻢ
ﻳﻜﻦ ﻟﻴﻮﻫﻲ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﺍﻻﻋﺘﺮﺍﻑ ﺑﺎﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﻔﺎﺭﻗﺔ.
.42ﻓﻲ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﻲ ﻧﺮﻯ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﻤﺜﻘّﻒ ﺑﺎﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻳﺘﻌﺎﻇﻢ ﺷﺄﻧﻪ ﺃﻛﺜﺮ ﻓﺄﻛﺜﺮ ﺑﺤﺎﻓﺰٍ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺄﻭﻳﻞ ﺍﻷﻧﺴﻠﻤﻲ ﻓﻲ
ﻗﻀﻴّﺔ ﻓﻬﻢ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ .ﻓﻔﻲ ﻧﻈﺮ ﺭﺋﻴﺲ ﺃﺳﺎﻗﻔﺔ ﻛﻨﺘﺮﺑﺮﻱ ﺃﻭَّﻟﻴﺔ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻻ ﺗﺘﻌﺎﺭﺽ ﻣﻊ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﻌﻘﻼﻧﻲ .ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻟﻴﺲ ﻣﺪﻋﻮﺍً
ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﺤﻜﻢ ﻓﻲ ﻣﺤﺘﻮﻯ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ .ﺇﻧﻪ ﻋﺎﺟﺰ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﻷﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﺃﻫﻼً ﻟﻪ .ﻣﻬﻤﺔ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺃﻥ ﻳﺠﺪ ﻣﻌﻨﻰً ﻭﻳﻜﺘﺸﻒ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ
ﺍﻟﺘﻲ ﺗُﺘﻴﺢ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﻓﻬﻢ ﻣﺤﺘﻮﻯ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ .ﻭﻳﻠﺢّ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺃﻧﺴﻠﻤﻮﺱ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺴﻌﻰ
ﻭﺭﺍﺀ ﻣﺎ ﻳﺤﺒّﻪ .ﻛﻠّﻤﺎ ﺍﺯﺩﺍﺩ ﺣﺒﻪ ﺍﺯﺩﺍﺩ ﺷﻐﻔﻪ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮﻓﺔ .ﻣﻦ ﻳﺤﻲَ ﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ ﻳَﺘُﻖْ ﺇﻟﻰ ﺷﻜﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻳﺘﺄﺟﺞ ﺃﻛﺜﺮ ﻓﺄﻛﺜﺮ ﺣﺒﺎً
ﻟﻤﺎ ﻳﻌﺮﻓﻪ ،ﻣﻊ ﺇﻗﺮﺍﺭﻩ ﺑﺄﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺒﺬﻝ ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺮﻏﺐ ﻓﻲ ﺃﻥ ﻳﺒﺬﻟﻪ :»ﻟﻘﺪ ﻭُﺟﺪﺕُ ﻷﺭﺍﻙ ﻭﻟﻢ ﺃﺣﻘﻖ ﺑﻌﺪُ ﻣﺎ ﻭُﺟﺪﺕ
ﻷﺟﻠﻪ .[42]«ﺍﻟﺸﻮﻕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻳﺤﻔﺰ ﺇﺫﻥ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﺬﻫﺐ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺇﻟﻰ ﺃﺑﻌﺪ ﻣﻤّﺎ ﻭﺻﻞ ﺇﻟﻴﻪ؛ ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻳﺸﻖُّ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥ
ﻳﻠﺤﻆ ﺃﻥ ﻟﻪ ﻣﻦ ﻃﺎﻗﺔ ﺍﻹﺩﺭﺍﻙ ﻣﺎ ﻳﺘﺨﻄَّﻰ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺃﻛﺜﺮ ﻓﺄﻛﺜﺮ ﻣﺎ ﻳﺪﺭﻛﻪ .ﻭﻣﻊ ﺫﻟﻚ ،ﻓﺒﺈﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺃﻥ ﻳﻠﺤﻆ ﻫﻨﺎ ﻛﻤﺎﻝ
ﻣﺴﻴﺮﺗﻪ :»ﺇﻧﻲ ﺃﺭﻯ ﺃﻥ ﺍﻟﺒﺎﺣﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﻼَّﻣﺪﺭﻙ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﺘﻔﻲ ﺑﺎﻟﺘﻮﺻﻞ ،ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻌﻘﻞ ،ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﻼﻣﺪﺭﻙ،
ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦ ،ﺣﺘﻰ ﻭﺇﻥ ﻋﺠﺰ ﻋﻦ ﺃﻥ ﻳﺪﺭﻙ ﺑﻌﻘﻠﻪ ﻛﻴﻒ ﻫﻮ [000]ﻭﻟﻜﻦ ﻫﻞ ﻫﻨﺎﻙ ﺷﻲﺀ ﺃﺑﻌﺪ ﻋﻦ ﺍﻹﺩﺭﺍﻙ ﻭﺃﺑﻌﺪ
ﻋﻦ ﺍﻟﻮﺻﻒ ﻣﻤّﺎ ﻫﻮ ﻓﻮﻕ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ؟ ﻓﺈﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺠﺎﺩﻟﻨﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺍﻵﻥ ،ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﺍﻟﻤﺎﻫﻴّﺔ ﺍﻹﻟﻬﻴّﺔ ،ﻣﺒﻨﻴَّﺔ
ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﻣﻮﺟﺒﺔ ،ﻓﻠﻦ ﻳﺘﺰﻋﺰﻉ ﻳﻘﻴﻨﻨﺎ ﻓﻲ ﺷﺄﻧﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻮﻋﺒﻬﺎ ﺃﻭ ﺃﻥ ﻳﻔﺴﺮّﻫﺎ ﻋﺒﺮ ﺍﻷﻟﻔﺎﻅ.
ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻗﺪ ﺃﺩﺭﻙ ،ﺑﺎﺳﺘﺪﻻﻝ ﺳﺎﺑﻖ ،ﻣﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﻼﻣﺪﺭﻙ ،ﻓﺎﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗَﻌْﻠَﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﺖ ﻫﻲ
ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻔﺴّﺮ ﻛﻴﻒ ﺗﻌﻠﻢ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﻭﺗﻌﺒّﺮ ﻋﻦ ﺫﺍﺗﻬﺎ ،ﻣﻊ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﺄﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﻌﺮﻑ ﻣﻨﻬﺎ ﺷﻴﺌﺎً ﺃﻭ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً ﻻ
ﺷﻲﺀ.[43]«
ﺍﻟﺘﻨﺎﻏﻢ ﺍﻷﺳﺎﺳﻲ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺑﺎﻹﻳﻤﺎﻥ ،ﻳﺠﺪ ﻫﻨﺎ ﺇﺛﺒﺎﺗﺎً ﺟﺪﻳﺪﺍﻓﺎﻹﻳﻤﺎﻥ ﻳﻄﻠﺐ ﺃﻥ ﻳُﺪﺭﻙَ ﻣﻮﺿﻮﻋﻪ
ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻌﻘﻞ ،ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ ،ﻓﻲ ﺫﺭﻭﺓ ﺑﺤﺜﻪ ،ﻳﺮﺿﻰ ﺑﻀﺮﻭﺭﺓ ﻣﺤﺘﻮﻯ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ.
ﻓﻜﺮ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺗﻮﻣﺎ ﺍﻷﻛﻮﻳﻨﻲ ﻭﺟِﺪَّﺗﻪ ﺍﻟﺪﺍﺋﻤﺔ

2.8 Page 18

▲back to top
18
.43ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﻴﺮﺓ ﺍﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ،ﻳﺸﻐﻞ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺗﻮﻣﺎ ﻣﻜﺎﻧﺎً ﻓﺎﺭﻗﺎً ﺟﺪﺍ ،ًﻭﻟﻴﺲ ﻟﺠﻬﺔ ﻣﺤﺘﻮﻯ ﺗﻌﻠﻴﻤﻪ ﻭﺣﺴﺐ ،ﺑﻞ ﺃﻳﻀﺎً
ﻟﺠﻬﺔ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﻋﻘﺪﻩ ﻣﻊ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﻭﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩﻱ ﻓﻲ ﺯﻣﺎﻧﻪ .ﻓﻲ ﺯﻣﻦ ﻋﺎﺩ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻤﻔﻜﺮﻭﻥ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﻮﻥ ﺇﻟﻰ
ﺍﻛﺘﺸﺎﻑ ﻛﻨﻮﺯ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻷﺭﺳﻄﻮﻃﺎﻟﻴﺔ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ،ﻛﺎﻥ ﻟﻪ ﺍﻟﻔﻀﻞ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻨﺎﻏﻢ
ﺍﻟﻘﺎﺋﻢ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻹﻳﻤﺎﻥ .ﻧﻮﺭ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﻧﻮﺭ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻛﻼﻫﻤﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ،ﻋﻠﻰ ﺣﺪّ ﺗﻔﺴﻴﺮﻩ ،ﻭﻟﺬﺍ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﺎﻥ ﺃﻥ
ﻳﺘﻨﺎﻗﻀﺎ.[44]
ﻭﻳﺮﻯ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺗﻮﻣﺎ ،ﻓﻲ ﻧﻈﺮﺓ ﺟﺬﺭﻳّﺔ ،ﺃﻥ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ،ﻭﻫﻲ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ،ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﺴﺎﻫﻢ ﻓﻲ ﻓﻬﻢ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﺍﻹﻟﻬﻲ.
ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻻ ﻳﺨﺸﻰ ﺇﺫﻥ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺑﻞ ﻳﻠﺘﻤﺴﻪ ﻭﻳﺜﻖ ﺑﻪ .ﻭﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﻌﻤﺔ ﺗﻔﺘﺮﺽ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻭﺗﻜﻤّﻠﻬﺎ ،[45]ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻳﻔﺘﺮﺽ
ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﻳﻜﻤّﻠﻪ .ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﻤﺴﺘﻨﻴﺮ ﺑﺎﻹﻳﻤﺎﻥ ﻳﺘﺤﺮّﺭ ﻣﻦ ﺍﻷﻭﻫﺎﻥ ﻭﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩﻳﺎﺕ ﺍﻟﻨﺎﺟﻤﺔ ﻋﻦ ﻋﺼﻴﺎﻥ ﺍﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ،ﻭﻳﺠﺪ ﺍﻟﻘﻮّﺓ
ﺍﻟﻼﺯﻣﺔ ﻟﻼﺭﺗﻘﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺳﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﻭﺍﻟﺜﺎﻟﻮﺙ .ﺍﻟﻤﻠﻔﺎﻥ ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﻲ ،ﻣﻊ ﺗﻨﻮﻳﻬﻪ ﺑﻤﺎ ﻳﺘﺼﻒ ﺑﻪ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻣﻦ ﻃﺎﺑﻊ
ﻳﺘﺨﻄﻰّ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ،ﻟﻢ ﻳُﻐﻔِﻞ ﻣﺎ ﻳﺘﻤﻴّﺰ ﺑﻪ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺃﻳﻀﺎً ﻣﻦ ﻃﺎﺑﻊ ﻋﻘﻼﻧﻲ ،ﺑﻞ ﻋﺮﻑ ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻘﺼﻲ ﻣﻌﻨﻰ ﻫﺬﻩ
ﺍﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ ﻭﻳﺴﺘﺠﻠﻴﻬﺎ .ﻭﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺃﻥ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻫﻮ ،ﻧﻮﻋﺎً ﻣﺎ ،»ﺭﻳﺎﺿﺔ ﻟﻠﻔﻜﺮ«؛ ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻻ ﻳﺘﻼﺷﻰ ﻭﻻ ﻳُﻘﻬﺮ
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺬﻋﻦ ﻟﻤﺤﺘﻮﻯ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ .ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺤﺘﻮﻯ ﺇﻧﻤﺎ ﻧﺪﺭﻛﻪ ﺑﻔﻌﻞ ﺧﻴﺎﺭ ﺣﺮّ ﻭﻣﺴﺆﻭﻝ.[46]
ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺩﺃﺑﺖ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺑﺤﻖ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺗﻘﺘﺮﺡ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺗﻮﻣﺎ ﻣﻌﻠّﻢ ﻓﻜﺮ ﻭﻧﻤﻮﺫﺟﺎً ﺻﺤﻴﺤﺎً ﻣﻦ ﻧﻤﺎﺫﺝ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻲ.
ﻭﻳﻄﻴﺐ ﻟﻲ ﺃﻥ ﺃﺫﻛّﺮ ،ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﻴﺎﻕ ،ﺑﻤﺎ ﻛﺘﺒﻪ ﺳﻠﻔﻲ ﺧﺎﺩﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻮﻟﺲ ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ ﺑﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﺍﻟﺬﻛﺮﻯ ﺍﻟﻤﺌﻮﻳﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻌﺔ ﻟﻮﻓﺎﺓ
ﺍﻟﻤﻠﻔﺎﻥ ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﻲ :»ﻻ ﺷﻚ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺗﻮﻣﺎ ﻗﺪ ﺗﺤﻠّﻰ ﺑﺄﻋﻠﻰ ﺩﺭﺟﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺠﺎﻋﺔ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﺔ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺣﺮّﻳﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻓﻲ
ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﺍﻟﻤﻌﻀﻼﺕ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ ،ﻭﺍﻟﻨـﺰﺍﻫﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳّﺔ ﻓﻲ ﺭﻓﺾ ﻛﻞ ﺗﻠﻮﺙ ﻟﻠﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ﺑﺎﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳّﺔ ،ﻭﻟﻜﻦ ﺑﺪﻭﻥ ﺭﻓﺾ
ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺭﻓﻀﺎً ﺍﻋﻄﺒﺎﻃﻴﺎﻭﻟﺬﺍ ﻓﻬﻮ ﻳُﻌﺪُّ ﻓﻲ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ »ﻣﻦ ﺭﻭّﺍﺩ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ
ﺍﻟﺸﺎﻣﻠﺔ .ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍﻟﻤﺮﻛﺰﻳﺔ ﻭﻧﻮﺍﺓ ﺍﻟﺤﻞّ ﺍﻟﺬﻱ ﻋﺎﻟﺞ ﺑﻪ ،ﺑﺤﺪﺳﻪ ﺍﻟﻨﺒﻮﻱ ﻭﺍﻟﻌﺒﻘﺮﻱ ،ﻣﻌﻀﻠﺔ ﺍﻟﺘﻮﺍﺟﻪ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ
ﻭﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ،ﻫﻲ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﺍﻟﺘﻮﻓﻴﻖ ﺑﻴﻦ ﺩﻧﻴﻮﻳﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻭﺟﺬﺭّﻳﺔ ﺍﻹﻧﺠﻴﻞ ،ﻓﺘﺠﻨّﺐ ﺑﺬﻟﻚ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨـﺰﻋﺔ ﺍﻟﻼﻃﺒﻴﻌﻴّﺔ ﺍﻟﻤﺘﻨﻜﺮّﺓ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ
ﻭﻗﻴﻤﻪ ،ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳُﺨِﻞَّ ﺑﺎﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻌﻠﻮﻱ ﻭﻣﻘﺘﻀﻴﺎﺗﻪ ﺍﻟﺼﺎﺭﻣﺔ.[47]«
.44ﻣﻦ ﺍﻟﻮﻣﻀﺎﺕ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﻴّﺰ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺗﻮﻣﺎ ﺩﻭﺭُ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﻘﺪﺱ ﻓﻲ ﺇﻧﻀﺎﺝ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳّﺔ
ﻭﺍﻻﺭﺗﻘﺎﺀ ﺑﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ .ﻓﻔﻲ ﺃﻭﻟﻰ ﺻﻔﺤﺎﺕ ﺍﻟﺨﻼﺻﺔ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻴﺔ ،[48]ﺃﺭﺍﺩ ﺍﻷﻛﻮﻳﻨﻲ ﺃﻥ ﻳﻨﻮّﻩ ﺑﺄﻭَّﻟﻴّﺔ
ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﻮﻫﺒﺔ ﻣﻦ ﻣﻮﺍﻫﺐ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﻘﺪﺱ ،ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗُﺪﺧِﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ .ﻻﻫﻮﺕ ﺍﻷﻛﻮﻳﻨﻲ
ﻳُﻤﻜِّﻦ ﻣﻦ ﻓﻬﻢ ﺧﺼﻮﺻﻴﺔ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻲ ﺍﺭﺗﺒﺎﻃﻬﺎ ﺍﻟﻮﺛﻴﻖ ﺑﺎﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺑﺎﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ .ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺗﺘﻤﻴّﺰ ﺑﻤﻌﺮﻓﺔ ﻓﻄﺮﻳّﺔ،
ﻭﺗﻔﺘﺮﺽ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺗﺘﻮﺻﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﺳﺘﻨﺒﺎﻁ ﺣﻜﻢ ﺻﺎﺋﺐ ﺍﻧﻄﻼﻗﺎً ﻣﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻧﻔﺴﻪ :»ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﻤﻌﺪﻭﺩﺓ ﻣﻮﻫﺒﺔ ﻣﻦ ﻣﻮﺍﻫﺐ
ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﻘﺪﺱ ﻫﻲ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﻤﻌﺪﻭﺩﺓ ﻓﻀﻴﻠﺔ ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻣﻜﺘﺴﺒﺔ :ﻓﻬﺬﻩ ﻳﻜﺘﺴﺒﻬﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﺠﻬﺪﻩ ﻭﺃﻣﺎ ﺗﻠﻚ »ﻓﺘﻨﺤﺪﺭ ﻣﻦ
ﺍﻟﻌﻼﺀ« ﻋﻠﻰ ﺣﺪّ ﻗﻮﻝ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﻳﻌﻘﻮﺏ .ﻭﻫﻲ ﻟﺬﻟﻚ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ،ﻷﻥ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻳﺬﻋﻦ ﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻓﻲ ﺣﺪّ ﺫﺍﺗﻬﺎ،
ﻭﺃﻣّﺎ ﻣﻮﻫﺒﺔ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻤﺰﻳﺘﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﺤﻜﻢ ﻃﺒﻘﺎً ﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ.[49]«
ﺍﻋﺘﺮﺍﻑ ﺍﻟﻤﻠﻔﺎﻥ ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﻲ ﺑﺄﻭّﻟﻴﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻻ ﻳﻨﺴﻴﻪ ﻭﺟﻮﺩ ﺷﻜﻠﻴﻦ ﻣﺘﻜﺎﻣﻠﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ :ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ
ﺗﺮﺗﻜﺰ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﺭﺓ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻤﺎﺱ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺿﻤﻦ ﺣﺪﻭﺩﻩ ﺍﻟﻔﻄﺮﻳﺔ ،ﻭ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻴّﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﺗﻜﺰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺣﻲ
ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﻔﺤﺺ ﻣﺤﺘﻮﻯ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻟﺘﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﺳﺮّ ﺍﻟﻠﻪ ﺫﺍﺗﻪ.
ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺗﻮﻣﺎ ﻣﻘﺘﻨﻌﺎً ﻛﻞ ﺍﻻﻗﺘﻨﺎﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺍﻟﻤﺄﺛﻮﺭ :»ﻛﻞ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺃﻳّﺎً ﻛﺎﻥ ﻗﺎﺋﻠﻬﺎ ،ﻫﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﻘﺪﺱ،[50]«
ﻓﻜﺎﻥ ﻫﺎﻭﻳﺎً ﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﺠﺮّﺩﺓ ،ﻭﺑﺤﺚ ﻋﻨﻬﺎ ﺃﻳﻨﻤﺎ ﺗﺠﻠّﺖ ﻭﺑﺬﻝ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻭﺳﻌﻪ ﻟﻠﺘﻨﻮﻳﻪ ﺑﺸﻤﻮﻟﻴﺘﻬﺎ .ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ
ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺃﻗﺮّﺕ ﻭﺃﻋﺠﺒﺖ ﺑﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻟﺪﻳﻪ ﻣﻦ ﺷﻐﻒ ﺑﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ؛ ﻭﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺃﻧﻪ ﻗﺪ ﺗﻮﺻﻞ ﺑﻔﻜﺮﻩ ﺇﻟﻰ ﺫﺭﻯً ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ
ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻟﻴﺤﻠﻢ ﺑﺎﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻴﻬﺎ ،ﻭﺫﻟﻚ ﻷﻧﻪ ﺍﺳﺘﻤﺮّ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻓﻲ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺸﺎﻣﻠﺔ ﻭﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ51]«[؛ ﻭﻷﻧﻪ ﻛﺎﻥ
ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺑﺪﻭﻥ ﺗﺤﻔﻆ ،ﻋﺮﻑ ،ﻓﻲ ﻧﻈﺮﺗﻪ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﻴﺔ ،[52]ﺃﻥ ﻳﻌﺘﺮﻑ ﺑﻤﺎ ﻳﻤﻴّﺰﻫﺎ ﻣﻦ ﻃﺎﺑﻊٍ ﻣﻮﺿﻮﻋﻲٍ؛ ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ
ﻓﻔﻠﺴﻔﺘﻪ ﻫﻲ ،ﺑﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،ﻓﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﻻ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ.
ﻣﺄﺳﺎﺓ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺑﻴﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ

2.9 Page 19

▲back to top
19
.45ﻣﻊ ﻇﻬﻮﺭ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺎﺕ ﺍﻷﻭﻟﻰ ،ﻛﺎﻥ ﻻ ﺑﺪّ ﻟﻼﻫﻮﺕ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﻮﺍﺟﻪ ،ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ،ﺃﺷﻜﺎﻻً ﺃﺧﺮﻯ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺤﺚ
ﻭﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ .ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺃﻟﺒﺮﺗﺲ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﻭﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺗﻮﻣﺎ ﻓﻲ ﻃﻠﻴﻌﺔ ﺍﻟﻤﻌﺘﺮﻓﻴﻦ ﺑﻀﺮﻭﺭﺓ ﺍﻟﺘﺴﻠﻴﻢ ﺑﺎﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺔ
ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻻﺕ ﺃﺑﺤﺎﺛﻬﻤﺎ ،ﻣﻊ ﺍﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺍﻟﻌﻀﻮﻳﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ .ﻭﻟﻜﻦ ﻣﻊ ﻧﻬﺎﻳﺔ
ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﻮﺳﻴﻂ ،ﺃﺧﺬ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺍﻟﺸﺮﻋﻲ ﺑﻴﻦ ﻋﻠﻤﻲ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻳﺘﺤﻮّﻝ ﺷﻴﺌﺎً ﻓﺸﻴﺌﺎً ﺇﻟﻰ ﺍﻧﻔﺼﺎﻝ ﻣﺸﺆﻭﻡ .ﻓﺒﺴﺒﺐ ﻣﺎ
ﻛﺎﻥ ﻫﻨﺎﻟﻚ ﻣﻦ ﺭﻭﺡ ﻋﻘﻼﻧﻴﺔ ﻣﺘﺸﺪّﺩﺓ ﻋﻨﺪ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﻔﻜﺮﻳﻦ ،ﺗﺤﺠّﺮﺕ ﺍﻟﻤﻮﺍﻗﻒ ﺇﻟﻰ ﺣﺪّ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ،ﻓﻌﻠﻴﺎ ،ًﺇﻟﻰ ﻓﻠﺴﻔﺔ
ﻣﻌﺰﻭﻟﺔ ﻭﻣﺴﺘﻘﻠّﺔ ﻣﻄﻠﻘﺎً ﻋﻦ ﻣﺤﺘﻮﻯ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ :ﻭﺑﺪﺃﺕ ﺗﻨﻤﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ ﺃﻳﻀﺎ ،ًﺑﻨﺘﻴﺠﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﻧﻔﺼﺎﻡ ،ﻋﺎﻃﻔﺔ ﻣﺘﻨﺎﻣﻴﺔ ﻣﻦ
ﺍﻟﺤﺬﺭ ﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺫﺍﺗﻪ ،ﻓﺄﺧﺬ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﻳﻨﺎﺩﻭﻥ ﺑﻤﻮﻗﻒ ﺷﺎﻣﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺬﺭ ﻭﺍﻟﺮﻳﺒﺔ ﻭﺍﻟﻼﺃﺩﺭﻳﺔ ،ﻭﺫﻟﻚ ﺇﻣّﺎ ﻟﻴﻔﺴﺤﻮﺍ ﻟﻺﻳﻤﺎﻥ
ﻣﺠﺎﻻً ﺃﻭﺳﻊ ﻭﺇﻣّﺎ ﻟﻴﻨﺪّﺩﻭﺍ ﺑﻜﻞِّ ﻣﺮﺟﻌﻴّﺔ ﻋﻘﻼﻧﻴﺔ ﻟﻺﻳﻤﺎﻥ.
ﻭﺧﻼﺻﺔ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺃﻥ ﻣﺎ ﺗﻮﺻّﻞ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻵﺑﺎﺋﻲ ﻭﺍﻟﻮﺳﻴﻄﻲ ﻣﻦ ﺇﻗﺎﻣﺔ ﻭﺣﺪﺓ ﻋﻤﻴﻘﺔ ﻭﻓﺎﻋﻠﺔ ﺗُﻮﻟِّﺪ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻗﺎﺩﺭﺓ ﻋﻠﻰ
ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺃﺭﻗﻰ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻨﻈﺮﻱ ،ﻫﺬﺍ ﻛﻠﻪ ﻗﺪ ﺍﻧﻬﺎﺭ ،ﻋﻤﻠﻴﺎ ،ًﺗﺤﺖ ﻭﻃﺄﺓ ﺍﻟﻤﺬﺍﻫﺐ ﺍﻟﻤﻨﺎﺩﻳﺔ ﺑﻤﻌﺮﻓﺔ ﻋﻘﻠﻴّﺔ ﻣﻔﺼﻮﻟﺔ
ﻋﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺗﺤﻞّ ﻣﺤﻠّﻪ.
.46ﺃﻛﺜﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﺼﻠﺒﺎﺕ ﻫﻴﻤﻨﺔً ﺑﺎﺗﺖ ﻣﻌﺮﻭﻓﺔ ﻭﻇﺎﻫﺮﺓ ،ﻭﺑﺨﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻐﺮﺏ .ﻭﻻ ﻧﻐﺎﻟﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺇﻥ ﻣﻌﻈﻢ
ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﻗﺪ ﺗﻄﻮّﺭ ﻣﺘﺒﺎﻋﺪﺍً ﺷﻴﺌﺎً ﻓﺸﻴﺌﺎً ﻋﻦ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ ﺇﻟﻰ ﺣﺪّ ﻣﻌﺎﺭﺿﺘﻪ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺳﺎﻓﺮﺓ .ﻭﻫﺬﺍ
ﺍﻟﺘﻴﺎﺭ ﺑﻠﻎ ﺷﺄﻭﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﻔﺎﺋﺖ .ﺑﻌﺾ ﻣﻤﺜﻠﻲ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻴﺔ ﺳﻌﻮﺍ ،ﺑﻜﻞ ﺍﻟﻄﺮﻕ ،ﺇﻟﻰ ﺗﺤﻮﻳﻞ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﻣﺤﺘﻮﺍﻩ ،ﺑﻤﺎ
ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺳﺮّ ﻣﻮﺕ ﻳﺴﻮﻉ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ﻭﻗﻴﺎﻣﺘﻪ ،ﺇﻟﻰ ﻣﻘﻮﻻﺕ ﺟﺪﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺘﻨﺎﻭﻝ ﺍﻹﺩﺭﺍﻙ ﺍﻟﻌﻘﻠﻲ .ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺗﺼﺪّﺕ ﻟﻬﺎ ﺑﻌﺾ
ﺃﺷﻜﺎﻝٍ ﻣﻦ ﺍﻷﻧﺴِﻴﺔ ﺍﻟﻤﻠﺤﺪﺓ ﺍﻟﻤﺒﻨﻴّﺔ ﻓﻠﺴﻔﻴﺎً ﺍﻟﺘﻲ ﺻﻮّﺭﺕ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﺨﻄﺮ ﺍﻟﻮﺑﻴﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻬﺪّﺩ ﺍﻟﻌﻘﻼﻧﻴّﺔ ﻓﻲ ﺗﻄﻮّﺭﻫﺎ
ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ .ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﻟﻢ ﺗﺨﺶ ﺍﻟﻈﻬﻮﺭ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﺑﻤﻈﻬﺮ ﺩﻳﺎﻧﺎﺕ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﺃﻣﺴﺖ ﻣﺮﺗﻜﺰﺍﺕ ﻟﺨﻄﻂٍ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺃﺩّﺕ
ﺇﻟﻰ ﻗﻴﺎﻡ ﺃﻧﻈﻤﺔ ﺗﻮﺗﺎﻟﻴﺔ ﺧﻠّﻔﺖ ﻟﻠﺒﺸﺮﻳﺔ ﺻﺪﻣﺔ ﻋﻨﻴﻔﺔ.
ﻓﻲ ﺇﻃﺎﺭ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﺗﻮﺻّﻠﺖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺬﺍﻫﺐ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﻓﺮﺽ ﺫﻫﻨﻴﺔ ﻭﺿﻌﻴّﺔ ﻟﻢ ﺗﻜﺘﻒِ ﺑﺎﻻﺑﺘﻌـﺎﺩ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻧﻈﺮﺓ
ﻣﺴﻴﺤﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﺑﻞ ﺃﻫﻤﻠﺖ ﺃﻳﻀﺎً ﻭﺧﺼﻮﺻﺎً ﻛﻞ ﻣﺮﺟﻌﻴّﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻱ ﺭﺅﻳﺔ ﻣﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﺔ ﻭﺃﺧﻼﻗﻴﺔ .ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ،ﻓﻬﻨﺎﻙ ﻗﺒﻀﺔ
ﻣﻦ ﺭﺟﺎﻝ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻓﻘﺪﻭﺍ ﻛﻞ ﻣﺮﺟﻌﻴّﺔ ﺃﺩﺑﻴّﺔ ﻓﻠﻢ ﻳﻌﺪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﻣﺠﻤﻞ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻣﺤﻮﺭ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣﻬﻢ .ﻭﻳﻨﻀﺎﻑ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﺑﻌﻀﺎً
ﻣﻨﻬﻢ ،ﻟﻌﻠﻤﻬﻢ ﺑﺎﻟﻄﺎﻗﺎﺕ ﺍﻟﻤﺨﺰﻭﻧﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻄﻮّﺭ ﺍﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻲ ،ﺃﺧﺬﻭﺍ ﻳﻨﻘﺎﺩﻭﻥ ﻻ ﻟﻤﻘﺘﻀﻴﺎﺕ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﺑﻞ ﻟﻤﺎ ﺗﺴﻮّﻟﻪ ﻟﻬﻢ
ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ﻣﻦ ﺗﺴﻠّﻂ ﻣﻘﺘﺪﺭ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻧﻔﺴﻪ.
ﻫﻨﺎﻙ ﺃﺧﻴﺮﺍً ﺍﻟﻌﺪﻣﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺟﺎﺀﺕ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺃﺯﻣﺔ ﺍﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ .ﻭﻗﺪ ﺃﻓﻠﺤﺖ ،ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻌﺪﻡ ،ﻓﻲ ﺃﻥ ﺗﺨﻠﺐ ﺃﺫﻫﺎﻥ
ﻣﻌﺎﺻﺮﻳﻨﺎ .ﻭﻳﻌﺘﻨﻖ ﻣﻨﺎﺻﺮﻭﻫﺎ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻷﺟﻞ ﺍﻟﺒﺤﺚ ،ﺑﺪﻭﻥ ﺃﻣﻞٍ ﻭﺑﺪﻭﻥ ﺃﻱ ﺇﻣﻌﺎﻥ ﻟﻠﺘﻮﺻﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ .ﻓﻲ ﻧﻈﺮ
ﺍﻟﺘﺄﻭﻳﻞ ﺍﻟﻌﺪﻣﻲ ،ﻟﻴﺲ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺳﻮﻯ ﺳﺎﻧﺤﺔ ﻳﺨﺘﺒﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻷﺣﺎﺳﻴﺲ ﻭﺍﻟﺨﺒﺮﺍﺕ ﻣﺎ ﻳﺠﻌﻞ ﻟﻠﻔﺎﻧﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ
ﺍﻷﻭﻝ .ﺍﻟﻌﺪﻣﻴﺔ ﻫﻲ ﻣﺼﺪﺭ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﺍﻟﺸﺎﺋﻌﺔ ﻭﺍﻟﻘﺎﺿﻴﺔ ﺑﺄﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺃﻻّ ﻳﺘﻘﻴّﺪ ﺑﺎﻟﺘﺰﺍﻡ ﺩﺍﺋﻢ .ﻭﻻ ﻏﺮﻭ ﻓﻜﻞ ﺷﻲﺀ ﻋﺎﺑﺮ
ﻭﻭﻗﺘﻲ.
.47ﻭﻳﺠﺐ ﺃﻻّ ﻧﻨﺴﻰ ،ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ ،ﺃﻥ ﺩﻭﺭ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻧﻔﺴﻪ ﻗﺪ ﺗﻐﻴّﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﺓ؛ ﻓﻤﻦ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺣﻜﻤﺔ
ﻭﻋﻠﻤﺎً ﺷﺎﻣﻼً ﺍﻧﺤﺪﺭﺕ ﺷﻴﺌﺎً ﻓﺸﻴﺌﺎً ﻟﺘﻤﺴﻲ ﻣﺠﺮّﺩ ﺣﻴّﺰ ﻣﻦ ﺣﻴّﺰﺍﺕ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ،ﻻ ﺑﻞ ﻗُﺼِﺮﺕ ﻣﻬﻤﺘﻬﺎ ،ﻓﻲ
ﺑﻌﺾ ﻭﺟﻮﻫﻬﺎ ،ﺇﻟﻰ ﻣﺠﺮّﺩ ﺩﻭﺭ ﻫﺎﻣﺸﻲ .ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺛﻨﺎﺀ ،ﺗﺮﺳَّﺨﺖ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺃﺧﺮﻯ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﺍﻟﻌﻘﻼﻧﻲ ﺑﻘﻮﺓ ﻣﺘﺰﺍﻳﺪﺓ،
ﻭﻫﺪﻓﻬﺎ ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺰ ﻋﻠﻰ ﻫﺎﻣﺸﻴﺔ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ .ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ ﺗﻨـﺰﻉ ﺃﻭ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﻨـﺰﻉ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ »ﻭﺳﻴﻠﺔ
ﻭﻇﻴﻔﻴﺔ« ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻷﻫﺪﺍﻑ ﺍﻟﻤﻨﻔﻌﻴﺔ ،ﺃﻫﺪﺍﻑ ﺍﻻﻣﺘﻼﻙ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺴﻠﻂ ،ﺑﺪﻻً ﻣﻦ ﺃﻥ ﺗﺘﺠﻪ ﺇﻟﻰ ﺗﺄﻣﻞ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ
ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﻭﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ.
ﻓﻲ ﺃﻭﻟﻰ ﺭﺳﺎﺋﻠﻲ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻔﺖُّ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺧﻄﺮ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺃﻣﺮﺍً ﻣﻄﻠﻘﺎ ،ًﻭﻛﺘﺒﺖ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﺄﻥ :»ﺇﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻴﻮﻡ
ﻳﺒﺪﻭ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻣﻬﺪّﺩﺍً ﺑﻤﺎ ﻳﺼﻨﻌﻪ ،ﺃﻱ ﺑﻨﺘﻴﺠﺔ ﻋﻤﻞ ﻳﺪﻳﻪ ،ﻭﺑﺎﻷﻛﺜﺮ ﺑﻌﻤﻞ ﺫﻫﻨﻪ ﻭﻧﺰﻋﺎﺕ ﺇﺭﺍﺩﺗﻪ .ﺛﻤﺎﺭ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﺸﺎﻃﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﻨﻮّﻋﺔ
ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻬﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻻ ﺗُﻨﺘﺰﻉ ﻓﻘﻂ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻪ ،ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺳﺮﻳﻌﺔ ﻭﻏﻴﺮ ﻣﻨﺘﻈﺮﺓ ،ﺑﻞ ﺗﺮﺗﺪّ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﺑﻨﺘﺎﺋﺠﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ
ﻧﻔﺴﻪ ﻭﻟﻮ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺟﺰﺋﻴﺔ ﻭﻏﻴﺮ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ،ﻓﺘﺘﻮﺟﻪ ﺃﻭ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﺘﻮﺟﻪ ﺿﺪﻩ .ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﻳﻘﻮﻡ ﺭﺑﻤﺎ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻷﺳﺎﺳﻲ ﻣﻦ

2.10 Page 20

▲back to top
20
ﻣﺄﺳﺎﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻓﻲ ﺑﻌﺪﻩ ﺍﻷﻭﺳﻊ ﻭﺍﻷﺷﻤﻞ .ﻓﺎﻹﻧﺴﺎﻥ ﻳﻌﻴﺶ ﺃﻛﺜﺮ ﻓﺄﻛﺜﺮ ﻓﻲ ﺩﻭﺍﻣﺔ ﺍﻟﺨﻮﻑ؛ ﺇﻧﻪ ﻳﺨﺸﻰ ﺃﻥ
ﺗﺮﺗﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻨﺘﻮﺟﺎﺗﻪ ،ﻻ ﻛﻠﻬﺎ ﻃﺒﻌﺎً ﻭﻻ ﻣﻌﻈﻤﻬﺎ ﺑﻞ ﺑﻌﻀﻬﺎ ،ﻭﺑﺨﺎﺻﺔ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻀﻤﻦ ﺟﺰﺀﺍً ﻣﻠﺤﻮﻇﺎً ﻣﻦ ﻋﺒﻘﺮﻳﺘﻪ ﻭﻗﺪﺭﺗﻪ
ﺍﻟﺨﻼﻗﺔ.[53]«
ﻣﻦ ﺟﺮﺍﺀ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﻐﻴّﺮﺍﺕ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴّﺔ ،ﺃﻋﺮَﺽ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﻤﺎﺱ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻓﻲ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﻭﺍﺗﺨﺬﻭﺍ ﻟﻬﻢ ﻫﺪﻓﺎً ﻭﺣﻴﺪﺍً
ﺍﻟﺤﺼﻮﻝ ﻋﻠﻰ ﻳﻘﻴﻦ ﺷﺨﺼﻲ ﺃﻭ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻔﻌﺔ ﻋﻤﻠﻴﺔ؛ ﻓﻨﺘﺞ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﺩﻟﻬﻤﺎﻡ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻓﻲ ﻛﺮﺍﻣﺘﻪ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻭﻋﺠﺰُﻩ ﻋﻦ
ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ.
.48ﺇﻥ ﻣﺎ ﻳﺘﺒﻴّﻦ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﺒﺔ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻫﻮ ﺍﻟﻔﺼﺎﻡ ﺍﻟﻤﺘﺰﺍﻳﺪ ﺑﻴﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ .ﻭﻣﻊ
ﺫﻟﻚ ﻻ ﻳﺨﻔﻰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺮﺍﻗﺐ ﺍﻟﻤﺘﻨﺒّﻪ ﻣﺎ ﻳﺒﺪﻭ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ،ًﺣﺘﻰ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺳﺎﻫﻤﻮﺍ ﻓﻲ ﺗﻮﺳﻴﻊ ﺍﻟﻬﻮّﺓ ﺑﻴﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ
ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ ،ﻣﻦ ﺑﺬﻭﺭ ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻧﻔﻴﺴﺔ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﺴﺎﻋﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،ﺇﺫﺍ ﻣُﺤِّﺼﺖ ﻭﻃُﻮِّﺭﺕ ﺑﺎﺳﺘﻘﺎﻣﺔ ﺫﻫﻦ
ﻭﻧﺰﺍﻫﺔ ﻗﻠﺐ .ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺒﺬﻭﺭ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻧﻘﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻣﺜﻼ ،ًﻓﻲ ﺍﻟﺘﺤﺎﻟﻴﻞ ﺍﻟﻌﻤﻴﻘﺔ ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﺍﻹﺩﺭﺍﻙ ﻭﺍﻟﺨﺒﺮﺓ ﻭﺍﻟﻤﺨﻴّﻠﺔ ﻭﺍﻟﻼﻭﻋﻲ
ﻭﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﺒﺎﺩﻝ ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ،ﻭﺍﻟﺤﺮﻳّﺔ ﻭﺍﻟﻘﻴﻢ ،ﻭﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﻭﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ .ﻭﺣﺘﻰ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﺼﺒﺢ ﻟﻜﻞ ﻣﻔﻜّﺮ ﻧﺪﺍﺀً
ﻣﻠﺤﺎً ﻟﻠﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﻣﻄﺎﻭﻱ ﺫﺍﺗﻪ .ﻭﻟﻜﻦ ﻫﺬﺍ ﻻ ﻳﻤﻨﻊ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺍﻟﺮﺍﻫﻨﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ ﻻ ﺗﺰﺍﻝ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﺟﻬﺪﺍً
ﺗﻤﺤﻴﺼﻴّﺎً ﻣﺘﻴﻘﻈﺎ ،ًﻷﻥ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻛﻼﻫﻤﺎ ﻗﺪ ﺍﻓﺘﻘﺮﺍ ﻭﺿﻌُﻔﺎ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺗﺠﺎﻩ ﺍﻵﺧﺮ .ﻓﺎﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺣُﺮِﻡ ﺭِﻓﺪ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﺭﺍﺡ
ﻳﺨﺒﻂ ﻓﻲ ﺩﺭﻭﺏ ﺟﺎﻧﺒﻴﺔ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﺜﻨﻴﻪ ﻋﻦ ﺭﺅﻳﺔ ﻫﺪﻓﻪ ﺍﻷﺧﻴﺮ .ﻭﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ،ﺑﺪﻭﻥ ﺍﻟﻌﻘﻞ ،ﺃﺧﺬ ﻳﺮﻛّﺰ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺣﺴﺎﺱ
ﻭﺍﻻﺧﺘﺒﺎﺭ ،ﻣﺘﻌﺮّﺿﺎً ﻷﻥ ﺗﺴﻘﻂ ﻋﻨﻪ ﻣﻴﺰﺗﻪ ﺍﻟﺸﻤﻮﻟﻴﺔ .ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺒﺚ ﺇﺫﻥ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﺑﺄﻥ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻳﻘﻮﻯ ﺑﺈﺯﺍﺀ ﻋﻘﻞ ﺿﻌﻴﻒ؛ ﺑﻞ ﻫﻮ
ﻳﺘﻌﺮﺽ ،ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ ،ﻷﻥ ﻳﻤﺴﻲ ﻣﺠﺮّﺩ ﺃﺳﻄﻮﺭﺓ ﺃﻭ ﺧﺮﺍﻓﺔ .ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﻌﻘﻞ ،ﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﻳﻮﺍﻛﺒﻪ ﺇﻳﻤﺎﻥ ﺑﺎﻟﻎ ،ﻻ ﻳﻌﻮﺩ ﻳﻬﺘﻢ ﻟﻤﺎ ﻫﻮ
ﺟﺪﻳﺪ ﻭﺟﺬﺭﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ.
ﻳﺠﺐ ﺃﺫﻥ ﺃﻻّ ﻳُﻌﺘﺒﺮ ﻧﺎﻓﻼً ﺃﻥ ﺃﻃﻠﻖ ﻧﺪﺍﺀً ﻗﻮﻳﺎً ﻭﻣﻠِﺤﺎًّ ﻟﻴﻌﻮﺩ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ ﺇﻟﻰ ﺳﺎﺑﻖ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﻭﺣﺪﺓ ﻋﻤﻴﻘﺔ
ﺗﺠﻌﻠﻬﻤﺎ ﻣﺘﻨﺎﻏﻤﻴﻦ ﻣﻊ ﻃﺒﻴﻌﺘﻴﻬﻤﺎ ﻣﻊ ﺍﺣﺘﺮﺍﻡ ﺍﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺔ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ .»ﺩﺍﻟّﺔ« ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺗﻮﺍﺯﻳﻬﺎ ﺟﺮﺃﺓ ﺍﻟﻌﻘﻞ.
سماخلا لصفلا
ﺗﺪﺧﻼﺕ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ
ﻓﻲ ﻧﻄﺎﻕ -ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ
ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ
.49ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻻ ﺗﻘﺘﺮﺡ ﻓﻠﺴﻔﺘﻬﺎ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻭﻻ ﺗﻜﺮّﺱ ﺃﻱ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎﺏ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺎﺕ ﺍﻷﺧﺮﻯ .[54]ﺇﻥ ﻣﺎ ﻳﻌﻠّﻞ ﻓﻲ
ﺍﻟﻌﻤﻖ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺤﻔّﻆ ﻫﻮ ﺃﻥ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ،ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﻼﻫﻮﺕ ،ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻭﺳﺎﺋﻠﻬﺎ ﻭﻗﻮﺍﻋﺪﻫﺎ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ؛ ﻭﺇﻻّ ﻟﻢ
ﻳﺒﻖ ﻟﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﻀﻤﻦ ﺷﺨﻮﺻﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﻧﺰﻭﻋﻬﺎ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺑﺄﺳﻠﻮﺏ ﻋﻘﻼﻧﻲ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﺘﺤﻘﻖ ﻣﻨﻪ .ﻛﻞ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻻ ﺗﺴﻴﺮ ﻓﻲ ﺿﺆ
ﺍﻟﻌﻘﻞ ،ﻃﺒﻘﺎً ﻟﻤﺒﺎﺩﺋﻬﺎ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻭﺃﺳﺎﻟﻴﺒﻬﺎ ﺍﻟﻤﻤﻴّﺰﺓ ،ﻻ ﺗﺠﺪﻱ ﻧﻔﻌﺎً ﻛﺜﻴﺮﺍﻭﻗﺼﺎﺭﻯ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺃﻥ ﺍﻻﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﻌﻢ ﺑﻬﺎ
ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻣﺼﺪﺭﻫﺎ ﻛﻮﻥ ﺍﻟﻌﻘﻞ ،ﺑﻄﺒﻴﻌﺘﻪ ،ﻣﺸﺪﻭﺩﺍً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،ﻭﻳﻤﻠﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻨّﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻴﻬﺎ .ﻛﻞ
ﻓﻠﺴﻔﺔ ﺗﻌﻲ »ﻧﻈﺎﻣﻬﺎ ﺍﻟﺘﻜﻮﻳﻨﻲ« ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ ﺇﻻّ ﺃﻥ ﺗﺤﺘﺮﻡ ﺃﻳﻀﺎً ﻣﻘﺘﻀﻴﺎﺕ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﻮﺣﺎﺓ ﻭﻣﺴﻠﻤﺎﺗﻬﺎ.
ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺃﻇﻬﺮ ﻣﺎ ﺍﺭﺗﻄﻢ ﺑﻪ ﻣﺮﺍﺭﺍً ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ،ﻭﺑﺨﺎﺻﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ،ﻣﻦ ﺍﻧﺤﺮﺍﻓﺎﺕ ﻭﺃﺧﻄﺎﺀ .ﻟﻴﺲ ﻣﻦ
ﻣﻬﻤﺎﺕ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴّﺔ ﻭﻻ ﻣﻦ ﺻﻼﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﺮﺩﻡ ﺛﻐﺮﺍﺕ ﺧﻄﺎﺏ ﻓﻠﺴﻔﻲ ﻣﺘﻌﺜﺮ .ﺇﻻّ ﺃﻥ ﻣﻦ ﻭﺍﺟﺒﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﺘﺼﺪﻯ ﺑﻘﻮّﺓ
ﻭﻭﺿﻮﺡ ﻟﻜﻞ ﻃﺮﺡ ﻓﻠﺴﻔﻲ ﻣﺸﺒﻮﻩ ﻳﻬﺪّﺩ ﻓﻬﻢ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﺑﻮﺟﻪ ﺻﺤﻴﺢ ﻭﻟﻜﻞ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﻣﺰﻳَّﻔﺔ ﻭﻣﻨﺤﺎﺯﺓ ﺗﻨﺸﺮ ﻣﻦ ﺍﻷﺿﺎﻟﻴﻞ
ﺍﻟﺨﻄﻴﺮﺓ ﻣﺎ ﻳﺒﻠﺒﻞ ﺇﻳﻤﺎﻥ ﺷﻌﺐ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻳﻌﻜّﺮ ﺻﻔﻮﻩ ﻭﺑﺴﺎﻃﺘﻪ.
.50ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻬﺎ ﺇﺫﻥ ﺑﻞ ﻣﻦ ﻭﺍﺟﺒﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﻤﺎﺭﺱ ،ﻓﻲ ﺿﺆ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ،ﻣﺎ ﺃﻭﺗﻴﺖ ﻣﻦ ﺳﻠﻄﺔ

3 Pages 21-30

▲back to top

3.1 Page 21

▲back to top
21
ﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﻭﺍﻟﻨﻘﺪ ،ﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺎﺕ ﻭﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺎﻗﺾ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ .[55]ﻣﻦ ﺣﻖ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ﺃﻥ ﺗﺤﺪّﺩ ،ﻗﺒﻞ
ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ،ﻣﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﻤﻔﺘﺮﺿﺎﺕ ﻭﻣﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﺨﻼﺻﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺘﻨﺎﻏﻢ ﻣﻊ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﻮﺣﺎﺓ ،ﻭﺗﻮﺿﺢ ،ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ،ﺍﻟﻤﻘﺘﻀﻴﺎﺕ
ﺍﻟﺘﻲ ﺗُﻠﺰﻡ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻣﻦ ﻭﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ .ﻭﻳﻨﻀﺎﻑ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﻣﺎ ﻇﻬﺮ ،ﻓﻲ ﺗﻄﻮّﺭ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ،ﻣﻦ ﻣﺪﺍﺭﺱ ﻓﻜﺮﻳﺔ
ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ .ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﻌﺪّﺩﻳﺔ ﺗﻀﻊ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ﺗﺠﺎﻩ ﻣﺴﺆﻭﻟﻴﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﺣﻜﻤﻬﺎ ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺎﺕ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ
ﺗﻌﺘﻤﺪﻫﺎ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺱ ﻭﻣﺪﻯ ﺗﻨﺎﻏﻤﻬﺎ ﺃﻭ ﺗﻨﺎﻓﺮﻫﺎ ﻣﻊ ﻣﻘﺘﻀﻴﺎﺕ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻲ.
ﻣﻦ ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺃﻥ ﺗﺒﻴّﻦ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺒﺪﻭ ﻣﻨﺎﻓﻴﺎً ﻟﻺﻳﻤﺎﻥ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻧﻈﺎﻡ ﻓﻠﺴﻔﻲ .ﻫﻨﺎﻙ ﻗﻀﺎﻳﺎ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻛﻘﻀﻴﺔ
ﺍﻟﻠﻪ ﻣﺜﻼً ﻭﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﺣﺮﻳﺘﻪ ﻭﻣﺴﻠﻜﻴﺘﻪ ﺗﻤﺲّ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﺑﺴﺒﺐ ﻋﻼﻗﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﻮﺣﺎﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻗﻴﻤﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﻛﻴﻠﺔ.
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻀﻄﻠﻊ ﺑﻮﺍﺟﺐ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ،ﻧﺤﻦ ﺍﻷﺳﺎﻗﻔﺔ ،ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻜﻮﻥ »ﺷﻬﻮﺩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ« ﻓﻲ ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﺧﺪﻣﺔ ﻣﺘﻮﺍﺿﻌﺔ
ﻭﺣﺎﺯﻣﺔ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻓﻴﻠﺴﻮﻑ ﺃﻥ ﻳﻘﺪّﺭﻫﺎ ﺣﻖ ﻗﺪﺭﻫﺎ ﻟﻔﺎﺋﺪﺓ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺴﻮﻱ ﺃﻱ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﻘﻞ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ
ﺻﺤﻴﺤﺔ.
.51ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﻳﺠﺐ ﺃﻻّ ﻳُﻔﻬﻢ ﺃﻭﻻًّ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺗﻪ ﺍﻟﺴﻠﺒﻴﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻴﺔ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴّﺔ ﺃﻥ ﺗﻠﻐﻲ ﺃﻭ ﺃﻥ ﺗﻘﻠّﺺ ﻛﻞ
ﻭﺳﺎﻃﺔ ﻣﻤﻜﻨﺔ .ﺗﺪﺧﻼﺗﻬﺎ ﺗﻬﺪﻑ ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ ﻭﺃﻭّﻻً ﺇﻟﻰ ﺣﺚ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﻭﺗﻌﺰﻳﺰﻩ ﻭﺗﺸﺠﻴﻌﻪ .ﺛﻢ ﺇﻥ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻫﻢ ﺃﻭﻝ
ﻣﻦ ﻳﺘﻔﻬﻢ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻭﺗﺼﺤﻴﺢ ﻣﺎ ﻫﻨﺎﻟﻚ ﻣﻦ ﺃﺧﻄﺎﺀ ،ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﺗﺨﻄﻲ ﺍﻟﺤﺪﻭﺩ ﺍﻟﻀﻴﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻧﺼﻬﺮ ﻓﻴﻬﺎ
ﻓﻜﺮﻫﻢ .ﻭﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻧﺪﺭﻙ ،ﺑﻮﺟﻪ ﺧﺎﺹ ،ّﺃﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻭﺇﻥ ﺗﺄﺛﺮﺕ ﺗﻌﺎﺑﻴﺮﻫﺎ ﺑﺒﺼﻤﺎﺕ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ،ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ
ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ،ﻣﻦ ﺻﻨﻊ ﻋﻘﻞ ﺑﺸﺮﻱ ﺟﺮﺣﺘﻪ ﺍﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ﻭﺃﺿﻌﻔﺘﻪ .ﻭﻳﻨﺘﺞ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﻟﻴﺲ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻦ ﺷﻜﻞ ﺗﺎﺭﻳﺨﻲ ﻣﻦ ﺃﺷﻜﺎﻝ
ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﺪّﻋﻲ ﺍﻹﺣﺎﻃﺔ ﺑﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﻭﻻ ﺃﻥ ﻳﻔﺴّﺮ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻭﺍﻓﻴﺔ ﺳﺮّ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻭﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ
ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﺍﻟﻠﻪ.
ﻭﺍﻟﻴﻮﻡ ،ﺑﺴﺒﺐ ﺗﻌﺪّﺩ ﺍﻟﻤﺬﺍﻫﺐ ﻭﺍﻷﻧﻤﺎﻁ ﻭﺍﻟﻤﻘﻮﻻﺕ ﻭﺍﻟﺘﺪﻟﻴﻼﺕ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﻘّﺪﺓ ﺇﻟﻰ ﺁﺧﺮ ﺣﺪﻭﺩ ﺍﻟﺘﻌﻘﻴﺪ ،ﺃﺻﺒﺢ ﻣﻦ
ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﺍﻟﻤﻠﺤﺔ ﺇﺟﺮﺍﺀ ﺗﻤﻴﻴﺰ ﻧﺎﻗﺪ ﻓﻲ ﺿﺆ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ .ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻷﻣﺮ ﺍﻟﺴﻬﻞ؛ ﻓﻠﺌﻦ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻌﺐ ﺍﻹﻗﺮﺍﺭ ﺑﻤﺎ
ﻳﻤﻠﻜﻪ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻣﻦ ﻃﺎﻗﺎﺕ ﻓﻄﺮﻳﺔ ﺭﺍﻫﻨﺔ ،ﻭﻣﺤﺪﻭﺩﻳﺎﺕ ﺗﻜﻮﻳﻨﻴﺔ ﻭﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺸﻜﻞ ﺃﻛﺜﺮ ﺃﻥ ﻧﻤﻴّﺰ ﻣﺎ ﺗﻘﺘﺮﺣﻪ
ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻣﻦ ﻃﺮﻭﺣﺎﺕ ﻗﻴّﻤﺔ ﻭﻧﺎﻓﻌﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ،ﺃﻭ ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ ،ﻣﻦ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ ﺧﻄﻴﺮﺓ ﻭﺯﺍﺋﻔﺔ.
ﻭﻋﻠﻰ ﻛﻞ ،ٍﻓﺎﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺗﻌﻠﻢ ﺃﻥ »ﻛﻨﻮﺯ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻭﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ« ﻣﻜﻨﻮﻧﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ )ﻗﻮﻝ ،(4 ،2ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﻳﺪﻓﻌﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺣﺚ
ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﻭﺗﺸﺠﻴﻌﻪ ،ﻟﺌﻼَّ ﻳُﺴﺪَّ ﻓﻲ ﻭﺟﻬﻪ ﻃﺮﻳﻖ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺴﺮّ ﺍﻹﻟﻬﻲ.
.52ﻭﻟﻴﺲ ﺑﺪﻋﺎً ﺃﻥ ﺗﺘﺪﺧﻞ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ﻟﻠﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﺭﺃﻳﻬﺎ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺘﻌﺎﻟﻴﻢ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﺍﻟﻤﺤﺪّﺩﺓ .ﺣﺴﺒﻨﺎ ﺍﻟﺘﺬﻛﻴﺮ
ﺑﺒﻌﺾ ﺍﻷﻣﺜﻠﺔ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﻘﺮﻭﻥ ،ﻛﺎﻟﻤﻮﺍﻗﻒ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺗﺨﺬﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﻘﺎﺋﻠﺔ ﺑﺎﻟﻨﻔﻮﺱ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ [56]ﺃﻭ ﻣﻦ ﻣﺨﺘﻠﻒ
ﺃﺷﻜﺎﻝ ﻋﺒﺎﺩﺓ ﺍﻷﺻـﻨﺎﻡ ﻭﺍﻟﺒﺎﻃﻨﻴـﺔ ﺍﻟﺨﺮﺍﻓﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﻀﻤﻨـﺔ ﻓﻲ ﻃﺮﻭﺣﺎﺕ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻔﻠﻚ ،[57]ﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﻋﺪﺍ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺍﻟﻤﻨﻬﺠﻴﺔ ﺿﺪ
ﺑﻌﺾ ﻃﺮﻭﺣﺎﺕ ﺍﻟﺮﺷﺪﻳﺔ ﺍﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ ،ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺘﻤﺎﺷﻰ ﻣﻊ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ.[58]
ﻟﺌﻦ ﺳُﻤﻊ ﺻﻮﺕ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ﺃﻛﺜﺮ ،ﻣﻨﺬ ﻣﻨﺘﺼﻒ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻷﺧﻴﺮ ،ﻓﺬﻟﻚ ﺑﺄﻥ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ ،ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﺒﺔ،
ﺷﻌﺮﻭﺍ ﺑﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﺘﺼﺪﻱ ﻟﻤﺨﺘﻠﻒ ﺗﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﻭﻣﻮﺍﺟﻬﺘﻬﺎ ﺑﻔﻠﺴﻔﺘﻬﻢ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ .ﻋﻨﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪ ،ّﺃﺻﺒﺢ ﻣﻦ ﻭﺍﺟﺐ
ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺃﻥ ﺗﺴﻬﺮ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺎﺕ ﻭﺗﺤﻮﻝ ﺩﻭﻥ ﺍﻧﺤﺮﺍﻓﻬﺎ ،ﻫﻲ ﺃﻳﻀﺎ ،ًﻓﻲ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺯﺍﺋﻔﺔ ﻭﺳﻠﺒﻴﺔ.
ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻧﺪّﺩﺕ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﺘﻮﺍﺯﻳﺔ :ﺑﺎﻹﻳﻤﺎﻧﻴﺔ [59]ﻭﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳّﺔ ﺍﻟﺠﺬﺭﻳﺔ ،[60]ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ،ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺴﺒﺐ ﺍﺭﺗﻴﺎﺑﻬﻤﺎ ﺑﻘﺪﺭﺍﺕ
ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ؛ ﻭﺑﺎﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ [61]ﻭﺍﻷﻧﻄﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ،[62]ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ ،ﻷﻧﻬﻤﺎ ﻳﻨﺴﺒﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ
ﻣﻌﺮﻓﺘﻪ ﺇﻻّ ﻓﻲ ﺿﺆ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ .ﺇﻥ ﻣﺎ ﺗﺮﺳّﺐ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﺪﻝ ﻣﻦ ﻣﺤﺘﻮﻯ ﺇﻳﺠﺎﺑﻲ ﻛﺎﻥ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﺑﻴﺎﻥ ﻋﻀﻮﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ
ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻱ »ﺍﺑﻦ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ« ﺍﻟﺬﻱ ﻋﺎﻟﺞ ﻓﻴﺔ ﻷﻭﻝ ﻣﺮﺓ ،ﻭﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺭﺳﻤﻴﺔ ،ﻣﺠﻤﻊٌ ﻣﺴﻜﻮﻧﻲٌ – ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻷﻭﻝ
– ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻹﻳﻤﺎﻥ .ﺇﻥ ﻣﺎ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﺺ ﻣﻦ ﺗﻌﻠﻴﻢ ﻗﺪ ﺩﻓﻊ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ،ﻟﺪﻯ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ ﻣﻦ
ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ،ﺩﻓﻌﺎً ﻗﻮﻳﺎً ﻭﺇﻳﺠﺎﺑﻴﺎ ،ًﻭﻻ ﻳﺰﺍﻝ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻣﺮﺟﻌﺎً ﻭﻗﺎﻋﺪﺓ ﻟﻜﻞ ﻓﻜﺮ ﻣﺴﻴﺤﻲ ﺳﻠﻴﻢ ﻭﻧﻈﻴﻢ ،ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻀﻤﺎﺭ
ﺍﻟﺨﺎﺹ.
.53ﺗﺼﺮﻳﺤﺎﺕ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ﻟﻢ ﺗﻬﺘﻢ ﺑﻄﺮﻭﺣﺎﺕ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻘﺪﺭ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣﻬﺎ ﺑﻀﺮﻭﺭﺓ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ،ﻭﻣﻦ ﺛﻢ

3.2 Page 22

▲back to top
22
ﺑﻀﺮﻭﺭﺓ ﺍﻟﺴﻌﻲ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﺇﻟﻰ ﻣﻔﻬﻮﻣﻴﺔ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ .ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻷﻭﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﺟَﻤَﻊَ ﻭﺛﺒَّﺖ ﺭﺳﻤﻴﺎً ﺍﻟﺘﻌﺎﻟﻴﻢ ﺍﻟﺘﻲ
ﻋﺮﺿﺘﻬﺎ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺤﺒﺮﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ،ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻋﺎﺩﻳﺔ ﻭﻣﺴﺘﻤﺮﺓ ،ﻗﺪ ﻧﻮّﻩ ﺑﺄﻥ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻭﺍﻟﻮﺣﻲ ﻭﻛﺬﻟﻚ
ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻫﻤﺎ ﺃﻣﺮﺍﻥ ﻣﺘﻼﺯﻣﺎﻥ ﻭﻣﺘﻤﺎﻳﺰﺍﻥ ﻓﻲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ .ﻟﻘﺪ ﺍﻧﻄﻠﻖ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﻣﻦ ﻣﻘﺘﻀﻰ ﺃﺳﺎﺳﻲ ﻳﻔﺘﺮﺿﻪ ﺍﻟﻮﺣﻲ
ﻧﻔﺴﻪ ،ﻭﻫﻮ ﻗﺪﺭﺓ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻠﻪ ،ﻣﺒﺪﺃ ﻭﻏﺎﻳﺔ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ،ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ،[63]ﻭﺧﻠﺺ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﻋﻼﻥ
ﺍﻟﺮﺳﻤﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻭﺭﺩﻧﺎﻩ ﺳﺎﺑﻘﺎ»ﺛﻤﺔ ﻣﺮﺗﺒﺘﺎﻥ ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ ﻣﺘﻤﻴﺰﺗﺎﻥ ﻻ ﺑﺎﻟﻤﺼﺪﺭ ﻭﺣﺴﺐ ﺑﻞ ﺑﺎﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﺃﻳﻀﺎ .[64]«ًﻛﺎﻥ ﻻ ﺑﺪّ
ﺇﺫﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ،ﺧﻼﻓﺎً ﻟﻜﻞ ﺷﻜﻞ ﻣﻦ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ ،ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﺃﺳﺮﺍﺭ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻜﺸﻮﻑ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ،ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻋﻠﻰ
ﺳﻤﻮّ ﻭﺗﻘﺪّﻡ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ .ﻭﻛﺎﻥ ﻻ ﺑﺪ ،ّﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ ،ﻣﻦ ﺃﻥ ﺗُﺆَﻛَّﺪ َ،ﺿﺪ ﺍﻹﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﻄﺮﻓﺔ ،ﻭﺣﺪﺓُ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ،
ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺍﻟﻤﺴﺎﻫﻤﺔ ﺍﻹﻳﺠﺎﺑﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﺈﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ،ﺑﻞ ﻣﻦ ﻭﺍﺟﺒﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﺮﻓﺪ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻹﻳﻤﺎﻧﻴﺔ :»ﻭﻟﻜﻦ ،ﻣﻊ ﺃﻥ
ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻳﻌﻠﻮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻘﻞ ،ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺍﻟﺒﺘﺔ ﺧﻼﻑ ﺣﻘﻴﻘﻲ ﺑﻴﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ ،ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻫﻮ ﻧﻔﺴﻪ
ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻮﺣﻲ ﺍﻷﺳﺮﺍﺭ ﻭﻳﻬﺐ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨـﺰﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻧﻮﺭ ﺍﻟﻌﻘﻞ :ﻓﺎﻟﻠﻪ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻨﻜﺮ ﺫﺍﺗﻪ ،ﻭﻻ ﺍﻟﺤﻖ
ﺃﻥ ﻳﻨﻜﺮ ﺍﻟﺤﻖ.[65]«
.54ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻧﺎ ﺃﻳﻀﺎ ،ًﻋﺎﺩﺕ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ﻣﺮﺍﺭﺍً ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﻓﺤﺬَّﺭﺕ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻣﻦ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﺍﻟﻮﻗﻮﻉ
ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ .ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺮﺍﺋﻦ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﺪﺭﺝ ﺗﻌﺎﻟﻴﻢ ﺍﻟﺒﺎﺑﺎ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺑﻴﻮﺱ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﻴّﻦ ﺑﻮﺿﻮﺡ ﺍﺭﺗﻜﺎﺯ
ﺍﻟﻌﺼﺮﺍﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻘﻮﻻﺕ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﺍﻟﺴﺎﺋﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﻈﻬﺮﺍﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻼﺃﺩﻳّﺔ ﻭﺍﻟﺤﻠﻮﻟﻴﺔ .[66]ﻭﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﻨﺴﻰ ﺃﻳﻀﺎً
ﺭﻓﺾ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺍﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ ﻟﻠﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺮﻛﺴﻴﺔ ﻭﺍﻟﺸﻴﻮﻋﻴﺔ ﺍﻟﻤﻠﺤﺪﺓ.[67]
ﻭﻗﺪ ﺃﺳﻤﻊ ﺍﻟﺒﺎﺑﺎ ﺑﻴﻮﺱ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﺸﺮ ﺃﻳﻀﺎً ﺻﻮﺗﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺣﺬّﺭ ،ﻓﻲ ﺭﺳﺎﻟﺘﻪ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ »ﺍﻟﺠﻨﺲ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ،«ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺂﻭﻳﻞ ﺍﻟﺰﺍﺋﻔﺔ
ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﻄﺮﻭﺣﺎﺕ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭﻳّﺔ ﻭﺍﻟﻮﺟﻮﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﺎﻧﻴﺔ .ﻭﺃﻭﺿﺢ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻄﺮﻭﺣﺎﺕ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﻦ ﺻﻮﻍ ﻭﻻ ﻣﻦ ﻃﺮﺡ ﺭﺟﺎﻝ
ﻻﻫﻮﺗﻴﻴﻦ ،ﺑﻞ ﺗﺴﺮَّﺑﺖ ﻣﻦ »ﺧﺎﺭﺝ ﺣﻈﻴﺮﺓ ﺍﻟﻤﺴـﻴﺢ68]«[؛ ﻭﺃﺿﺎﻑ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻻﻧﺤﺮﺍﻓﺎﺕ ﻻ ﻳﻜﻔﻲ ﺍﻧﺘﺒﺎﺫﻫﺎ ،ﺑﻞ ﻳﺠﺐ ﻓﺤﺼﻬﺎ
ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻧﻘﺪﻳﺔ :»ﺇﻥ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻴﻴﻦ ﻭﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺍﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺤﻤﻠﻮﻥ ﻋﺐﺀ ﺍﻟﺬﻭﺩ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻭﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ
ﺃﻥ ﻳﺠﻬﻠﻮﺍ ﻭﻻ ﺃﻥ ﻳُﻬﻤﻠﻮﺍ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺄﻯ ﻗﻠﻴﻼً ﺃﻭ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻋﻦ ﺍﻟﺴﺮﺍﻁ ﺍﻟﻘﻮﻳﻢ .ﻻ ﺑﻞ ﻋﻠﻴﻬﻢ ،ﻓﻀﻼً ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ،ﺃﻥ
ﻳﻌﺮﻓﻮﻫﺎ ﺣﻖ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ،ﻭﺫﻟﻚ ﺃﻭﻻً ﻷﻥ ﺍﻷﻣﺮﺍﺽ ﻻ ﺗُﻌﺎﻟَﺞ ﺇﻻً ﺇﺫﺍ ﻭُﻗِﻒ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﺮﻫﺎ ﻭﻗﻮﻓﺎً ﻣﺤﻜﻤﺎ ،ًﻭﺛﺎﻧﻴﺎً ﻷﻥ ﺍﻟﻤﻘﻮﻻﺕ
ﺍﻟﺰﺍﺋﻔﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺗﻨﻄﻮﻱ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾٍ ﻣﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ ،ﻭﺃﺧﻴﺮﺍً ﻷﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻘﻮﻻﺕ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺗﺪﻋﻮ ﺍﻟﺬﻫﻦ ﺇﻟﻰ ﺗﻔﺤّﺺ ﺑﻌﺾ
ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﻭﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻴﺔ ﻭﺗﺄﻣُّﻠﻬﺎ ﺑﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺔ.[69]«
ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﺒﺔ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ،ﺍﺿﻄُﺮ ﻣﺠﻤﻊ ﻋﻘﻴﺪﺓ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ،ﺑﺤﺎﻓﺰٍ ﻣﻦ ﻣﺴﺆﻭﻟﻴﺘﻪ ﺍﻟﻤﻤﻴّﺰﺓ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ﺍﻟﺸﺎﻣﻠﺔ
ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻨﻌﻢ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺤﺒﺮ ﺍﻟﺮﻭﻣﺎﻧﻲ ،[70]ﺃﻥ ﻳﻌﻤﺪ ﺃﻳﻀﺎً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺤﺬﻳﺮ ﻣﻦ ﺧﻄﺮ ﺍﻟﺘﺴﻠﻴﻢ ،ﺑﻼ ﻧﻘﺪ ،ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺑﻌﺾ ﻻﻫﻮﺗﻴّﻲ
ﺍﻟﺘﺤﺮﻳﺮ ،ﺑﺎﻟﻄﺮﻭﺣﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﻨﻬﺠﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﻨﺒﺜﻘﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺮﻛﺴﻴﺔ.[71]
ﻟﻘﺪ ﻣﺎﺭﺳﺖ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ﺇﺫﻥ ،ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ،ﻣﺮﺍﺭﺍً ﻭﺗﻜﺮﺍﺭﺍ ،ًﻭﺑﺄﺳﺎﻟﻴﺐ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ،ﻭﺍﺟﺒﻬﺎ ﺍﻟﺘﻤﺤﻴﺼﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺎﻝ
ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ .ﻭﻛﻞ ﻣﺎ ﺻﺪﺭ ﻋﻦ ﺃﺳﻼﻓﻲ ﺍﻷﺟﻼﺀ ،ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﺄﻥ ،ﻫﻮ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻣﺴﺎﻫﻤﺔ ﻧﻔﻴﺴﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﻨﺴﺎﻫﺎ.
.55ﺇﺫﺍ ﺗﻔﺤَّﺼﻨﺎ ﻭﺿﻌﻨﺎ ﺍﻟﺮﺍﻫﻦ ،ﺍﺗﻀﺢ ﻟﻨﺎ ﺃﻥ ﻣﻌﻀﻼﺕ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﺗﺘﻜﺮّﺭ ،ﻭﻟﻜﻦ ﻓﻲ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺟﺪﻳﺪﺓ .ﻓﻨﺤﻦ ﻟﻢ ﻧﻌﺪ ﺑﺈﺯﺍﺀ
ﻣﻌﻀﻼﺕ ﻣﺤﺼﻮﺭﺓ ﻓﻲ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﺃﻭ ﻓﺌﺎﺕ ﻣﻌﻴّﻨﻴﻦ ،ﺑﻞ ﺑﺈﺯﺍﺀ ﻳﻘﻴﻨﻴﺎﺕ ﻣﺒﺜﻮﺛﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﻓﻲ ﺷﺒﻪ ﺫﻫﻨﻴّﺔ ﻣﻨﺘﺸﺮﺓ .ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ
ﺫﻟﻚ ﻣﺜﻼً ﻣﺎ ﻧﻠﺤﻈﻪ ﻣﻦ ﺍﺭﺗﻴﺎﺏ ﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﻌﻘﻞ ،ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻄﻮّﺭﺍﺕ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻓﻲ ﺍﻷﺑﺤﺎﺙ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ .ﻭﻗﺪ ﺑﺪﺃ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ،ﻣﻦ
ﺟﻬﺎﺕ ﻣﺘﻌﺪّﺩﺓ ،ﻋﻦ »ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﺎﺀﻭﻛﺄﻥ ﺍﻟﻤﻄﻠﻮﺏ ﺃﻥ ﺗﻜﺘﻔﻲ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺑﺎﻟﻤﻬﻤﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﻮﺍﺿﻌﺔ ،ﺃﻱ ﺑﻤﺠﺮّﺩ ﺗﺄﻭﻳﻞ
ﺍﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ،ﻭﻣﺠﺮّﺩ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﻧﻄﺎﻗﺎﺕ ﻣﺤﺪّﺩﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺃﻭ ﻓﻲ ﺑﻨﻴﺎﺗﻬﺎ.
ﻭﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﻧﻄﺎﻕ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ،ﺑﺪﺃﺕ ﺗﻄﻔﻮ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﺴﻮّﻻﺕ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ .ﻓﻔﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﺓ ،ﻣﺜﻼ ،ًﺃﺧﺬ
ﻳﺘﻄﻮّﺭ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﺷﻜﻞ ﻣﻦ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ ،ﻭﺧﺼﻮﺻﺎً ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺃﺧﺬﺕ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﻘﻮﻻﺕ ﺍﻟﻤﺤﺴﻮﺑﺔ ﺭﺍﺳﺨﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺟﻬﺔ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ
ﺗُﻌﺘﺒﺮ ﻣﻦ ﻗﻮﺍﻋﺪ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻲ .ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﻳﺤﺪﺙ ﺃﻭﻻً ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺴﺘﺴﻠﻢ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻲ ،ﺑﺴﺒﺐ ﺧﻠﻞٍ ﻓﻲ ﻛﻔﺎﻳﺘﻪ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ،
ﻭﺑﻤﻨﺄﻯ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻧﻈﺮﺓ ﻧﻘﺪﻳّﺔ ،ﻟﻤﺰﺍﻋﻢ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺟﺰﺀﺍً ﻻ ﻳﺘﺠﺰﺃ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﺴﺎﺋﺪﺗﻴﻦ ،ﻣﻊ ﻛﻮﻧﻬﻤﺎ ﺑﺮﺍﺀ ﻣﻦ ﻛﻞ
ﺃﺳﺎﺱ ﻋﻘﻠﻲ ﻛﺎﻑ.[72]ٍ

3.3 Page 23

▲back to top
23
ﻭﻧﻠﺤﻆ ﺃﻳﻀﺎً ﺃﺧﻄﺎﺭ ﺍﻻﻧﻀﻮﺍﺀ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ،ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﻜﺮ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻌﻘﻼﻧﻴّﺔ ﻭﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﻟﻔﻬﻢ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ،
ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﻹﻣﻜﺎﻥ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﺎﻟﻠﻪ .ﻭﻣﻦ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨـﺰﻋﺔ ﺍﻹﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﻨﺘﺸﺮﺓ ﺍﻟﻴﻮﻡ ،ﺍﻟﺒﻴﺒﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻌﻰ ﺇﻟﻰ ﺟﻌﻞ ﻗﺮﺍﺀﺓ
ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ ﺃﻭ ﺗﻔﺴﻴﺮﻩ ﺍﻟﻤﺮﺟﻊ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ﺍﻷﻭﺣﺪ .ﻭﻳﺼﺒﺢ ﻫﻜﺬﺍ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﺤﺼﻮﺭﺍً ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻤﻘﺪّﺱ ،ﻭﻳﺴﻘﻂ
ﺑﺬﻟﻚ ﺗﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺍﻟﺬﻱ ﺛﺒَّﺘﻪ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺻﺮﻳﺤﺔ .ﻓﻤﻦ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺫﻛّﺮ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺑﺄﻥ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻠﻪ
ﻣﺘﻀﻤّﻦ ،ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻮﺍﺀ ،ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺍﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ،[73]ﻋﺎﺩ ﻭﺃﻛﺪ ﺑﻘﻮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻱ »ﻛﻠﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ
»ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ﺍﻟﻤﻘﺪّﺱ ﻭﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻤﻘﺪّﺱ ﻫﻤﺎ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﺩﻉ ﺍﻟﻤﻘﺪّﺱ ﺍﻷﻭﺣﺪ ﻟﻜﻼﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﻮﻛﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ؛ ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻳﻌﺘﻨﻘﻪ
ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻟﻤﻘﺪّﺱ ﺑﺮﻣّﺘﻪ ﻣﺘﺤﺪﺍً ﺑﺮﻋﺎﺗﻪ ﻓﻬﻮ ﻳﻌﺒّﺮ ﺑﺬﻟﻚ ﻋﻦ ﺧﺎﻟﺺ ﺗﻌﻠّﻘﻪ ﺑﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﺮﺳﻞ .[74]«ﻓﺎﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻤﻘﺪّﺱ ،ﻓﻲ ﻧﻈﺮ
ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ،ﻟﻴﺲ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺮﺟﻊ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ .»ﻓﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ [75]«ﺗﺴﺘﻤﺪﻫﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺣﻘﻘﻬﺎ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪ
ﺍﻟﻤﻘﺪّﺱ ﻭﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ ﻭﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ،ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻷﻱٍ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺍﺟﻊ ﺍﻟﺜﻼﺛﺔ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻤﺮّ
ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ.[76]«
ﻭﻳﺠﺐ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ،ﺃﻻّ ﻧﻘﻠّﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻄﺮ ﺍﻟﻜﺎﻣﻦ ﻓﻲ ﺍﺳﺘﺨﺮﺍﺝ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻣﻨﻬﺠﻴّﺔ ﻣﻔﺮﺩﺓ
ﺑﺼﺮﻑ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﺍﻋﺘﻤﺎﺩ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺗﻔﺴﻴﺮﻳّﺔ ﺃﻭﺳﻊ ﺗﻤﻜّﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ،ﻣﻊ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻛﻠﻬﺎ ،ﺇﻟﻰ ﻣﻞﺀ ﻣﻌﻨﻰ
ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ .ﺇﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻔﺮﻏﻮﻥ ﻟﺪﺭﺱ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﺍﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ ،ﻳﺠﺐ ﺃﻻّ ﻳﻐﻴﺐ ﻋﻦ ﺫﻫﻨﻬﻢ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻨﻬﺠﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺗﺮﺗﻜﺰ
ﻫﻲ ﺃﻳﻀﺎً ﻋﻠﻰ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﻣﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ،ﻳﺤﺴﻦ ﻓﺤﺼﻬﺎ ﻭﺗﻤﺤﻴﺼﻬﺎ ﻗﺒﻞ ﺗﻄﺒﻴﻘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺍﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ.
ﺛﻤﺔ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺃﺧﺮﻯ ﻣﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﺴﺘﺮﺓ ،ﺗُﻌﺮﻑ ﺑﻘﻠﺔ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ ﻟﻼﻫﻮﺕ ﺍﻟﻨﻈﺮﻱ ،ﻛﻤﺎ ﺗُﻌﺮﻑ ﺃﻳﻀﺎً ﺑﺎﺯﺩﺭﺍﺋﻬﺎ ﻟﻠﻔﻠﺴﻔﺔ
ﺍﻟﻜﻼﺳﻴﻜﻴﺔ ،ﻣﻊ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﺍﻟﻨﻈﺮﻱ ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻜﻼﺳﻴﻜﻴﺔ ﻫﻤﺎ ﺍﻟﻨﺒﻊ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺳﺘﻘﺖ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻣﻔﺮﺩﺍﺗﻬﺎ ﻟﻠﺘﻌﺒﻴﺮ
ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻳﺔ ﺍﻟﻤﻌﺘﻤﺪﺓ ﻓﻲ ﻓﻬﻢ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ .ﺍﻟﺒﺎﺑﺎ ﺑﻴﻮﺱ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﺸﺮ ﺍﻟﻤﻄﻮّﺏ ﺍﻟﺬﻛﺮ ﻗﺪ ﺣﺬّﺭ ﻣﻦ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ
ﺍﻹﻏﻀﺎﺀ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﻛﻤﺎ ﺣﺬّﺭ ﻣﻦ ﻣﻐﺒّﺔ ﺍﻟﺘﺨﻠﻲ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﻌﺎﺑﻴﺮ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ.[77]
.56ﺧﻼﺻﺔ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺃﻧﻨﺎ ﻧﻠﺤﻆ ﺣﺬﺭﺍً ﻣﺘﻮﺍﺗﺮﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻘﻮﻻﺕ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﻭﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ،ﻭﺧﺼﻮﺻﺎً ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﺘﻘﺪﻭﻥ ﺃﻥ
ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺍﻹﺟﻤﺎﻉ ﻻ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺍﻟﺘﻄﺎﺑﻖ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﻐﺮﺽ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻲ .ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ،ﻭﻻ ﺷﻚ ،ﺃﻥ ﻧﻠﻘﻰ ﺷﻴﺌﺎً
ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻌﻮﺑﺔ ،ﻭﺳﻂ ﻋﺎﻟﻢ ﺣﺎﻓﻞ ﺑﺎﻟﺘﺨﺼﺼﺎﺕ ،ﻓﻲ ﺍﻹﻗﺮﺍﺭ ﺑﻤﺎ ﺗﺘﻤﻴّﺰ ﺑﻪ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻣﻦ ﻣﻌﻨﻰً ﻛﺎﻣﻞ ﻭﺃﺧﻴﺮ ،ﺑﺎﺕ ﻫﻮ ﺍﻟﻐﺮﺽ
ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻮﺧَّﺘﻪ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻓﻲ ﺳﻌﻴﻬﺎ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻱ .ﻭﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﻻ ﻳﺴﻌﻨﻲ ،ﻓﻲ ﺿﺆ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻮﺳّﻢ ﻓﻲ ﻳﺴﻮﻉ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ﻫﺬﺍ
ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻷﺧﻴﺮ ،ﺇﻻّ ﺃﻥ ﺃﺷﺠِّﻊ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ،ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﻴﻦ ﻭﻏﻴﺮﻫﻢ ،ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻳﺜﻘﻮﺍ ﺑﻘﺪﺭﺍﺕ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻭﺃﻻّ ﻳﻜﺘﻔﻮﺍ ﺑﺄﻫﺪﺍﻑ
ﻣﺘﻮﺍﺿﻌﺔ ﻓﻲ ﺗﻔﻜﻴﺮﻫﻢ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ .ﺃﻣﺜﻮﻟﺔ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻟﻒ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﺸﺮﻑ ﻋﻠﻰ ﻧﻬﺎﻳﺘﻪ ﺗﺸﻬﺪ ﺑﺄﻥ ﻫﺬﻩ ﻫﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ
ﻳﺠﺐ ﺍﻧﺘﻬﺎﺟﻬﺎ :ﻳﺠﺐ ﺃﻻّ ﻧﻔﻘﺪ ﺍﻟﺸﻐﻒ ﺑﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻘﺼﻮﻯ ﻭﺍﻻﻧﺪﻓﺎﻉ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻣﻘﺮﻭﻧﻴﻦ ﺑﺎﻟﺠﺮﺃﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﺭﺗﻴﺎﺩ ﻃﺮﻕ ﺟﺪﻳﺪﺓ.
ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﺚ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻳﺨﺮﺝ ﻣﻦ ﻋﺰﻟﺘﻪ ﻭﻳﻐﺎﻣﺮ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻭﺍﻟﺠﻮﺩﺓ ﻭﺍﻟﺤﻖ .ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﺼﺒﺢ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ
ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺤﺎﻣﻲ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻣﻘﺘﻨﻌﺎً ﻭﻣﻘﻨﻌﺎ
ﺍﻫﺘﻤﺎﻡ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺑﺎﻟﻔﻠﺴﻔﺔ
.57ﻓﻲ ﻛﻞ ﺍﻷﺣﻮﺍﻝ ،ﻟﻢ ﺗﻜﺘﻒ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺑﺎﻟﺘﻨﺒﻴﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺧﻄﺎﺀ ﻭﺍﻻﻧﺤﺮﺍﻓﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻌﺎﻟﻴﻢ
ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ،ﺑﻞ ﺃﺭﺍﺩﺕ ،ﺑﻨﻔﺲ ﺍﻻﻫﺘﻤﺎﻡ ،ﺃﻥ ﺗُﻌﻴﺪ ﺍﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﻯﺀ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻹﺟﺮﺍﺀ ﺗﺠﺪﻳﺪ ﺻﺤﻴﺢ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ،
ﻣﻊ ﺍﻹﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻄﺮﻕ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺠﺐ ﺍﻧﺘﻬﺎﺟﻬﺎ .ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺠﺎﻝ ﺃﻧﺠﺰ ﺍﻟﺒﺎﺑﺎ ﻻﻭﻥ ﺍﻟﺜـﺎﻟﺚ ﻋﺸﺮ ،ﻓﻲ ﺭﺳﺎﻟﺘﻪ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ
»ﺍﻵﺏ ﺍﻷﺯﻟﻲ ،«ﺧﻄﻮﺓ ﺑﺎﺕ ﻟﻬﺎ ﺃﺛﺮ ﺗﺎﺭﻳﺨﻲ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ .ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﺺّ ﻻ ﻳﺰﺍﻝ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻫﻮ ﺍﻟﻮﺛﻴﻘﺔ ﺍﻟﺤﺒﺮﻳّﺔ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪﺓ،
ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ،ﺍﻟﻤﻜﺮّﺳﺔ ﻛﻠﻴّﺎً ﻟﻠﻔﻠﺴﻔﺔ .ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺒﺮ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﺍﺳﺘﻌﺎﺩ ﻭﻃﻮّﺭ ﻣﺎ ﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻷﻭﻝ ﻓﻲ ﺷﺄﻥ
ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺑﻴﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ ،ﻣﺒﻴّﻨﺎً ﺃﻥ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺭﺍﻓﺪ ﺃﺳﺎﺳﻲ ﻟﻺﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻲ .[78]ﺑﻌﺪ ﺃﻛﺜﺮ
ﻣﻦ ﻗﺮﻥ ،ﻻ ﺗﺰﺍﻝ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﻣﺤﺘﻮﻳﺎﺕ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﺺ ﻣﺤﺘﻔﻈﺔ ﺑﻜﻞ ﺃﻫﻤﻴﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺣﻴﺔ
ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ؛ ﻭﺃﻫﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠّﻖ ﺑﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺗﻮﻣﺎ )ﺍﻷﻛﻮﻳﻨﻲ .(ﻟﻘﺪ ﺑﺪﺍ ﻟﻠﺒﺎﺑﺎ ﻻﻭﻥ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﺸﺮ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻮﺩﺓ ﺇﻟﻰ
ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﻪ ﺑﻔﻜﺮ ﺍﻟﻤﻠﻔﺎﻥ ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﻲ ﻫﻲ ﺃﻣﺜﻞ ﻃﺮﻳﻖ ﻟﻨﻌﻮﺩ ﻭﻧﻜﺘﺸﻒ ﻧﻤﻄﺎً ﻓﻲ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻳﺘﻼﺀﻡ ﻭﻣﻘﺘﻀﻴﺎﺕ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ.
ﻓﺎﻟﻘﺪﻳﺲ ﺗﻮﻣﺎ – ﻋﻠﻰ ﺣﺪّ ﻣﺎ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ -»ﻓﻲ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻤﻴّﺰ ﻓﻴﻬﺎ ،ﻛﻤﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ،ﺑﻴﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ ﺗﻤﻴﻴﺰﺍً

3.4 Page 24

▲back to top
24
ﻛﺎﻣﻼ ،ًﻧﺮﺍﻩ ﻳﺮﺑﻄﻬﻤﺎ ﺑﺮﺑﻂ ﺻﺪﺍﻗﺔ ﻣﺘﺒﺎﺩﻟﺔ ،ﻓﻴﺤﻔﻆ ﻟﻜﻞٍ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺣﻘﻮﻗﻪ ﻭﻳﺴﻬﺮ ﻋﻠﻰ ﻛﺮﺍﻣﺘﻪ.[79]«
.58ﻧﻌﻠﻢ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﺪﺍﺀ ﺍﻟﺤﺒﺮﻱ ﻗﺪ ﺣﻈﻲ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﻤﻮﻓّﻘﺔ .ﻓﺎﻷﺑﺤﺎﺙ ﻓﻲ ﻓﻜﺮ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺗﻮﻣﺎ ﻭﺑﻘﻴّﺔ ﺍﻟﻤﺆﻟﻔﻴﻦ
ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﻴﻴﻦ ﻋﺮﻓﺖ ﻧﻬﻀﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ .ﻭﺍﻟﺒﺤﻮﺙ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﺗﺤﺮﻛّﺖ ﺑﻘﻮّﺓ ،ﻣﺴﺘﺘﺒﻌﺔ ﺍﻟﻌﻮﺩﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻛﺘﺸﺎﻑ ﺛﺮﻭﺍﺕ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻮﺳﻴﻂ
ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺘﻰ ﺫﺍﻙ ﻣﻐﻤﻮﺭﺓ ﻓﻲ ﻣﻌﻈﻢ ﺍﻷﻭﺳﺎﻁ؛ ﻛﻤﺎ ﺃﺩّﺕ ﺇﻟﻰ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﻣﺪﺍﺭﺱ ﺗﻮﻣﺎﻭﻳﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ .ﺍﻋﺘﻤﺎﺩ ﺍﻟﻤﻨﻬﺠﻴﺔ
ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﺃﻓﻀﻰ ﺇﻟﻰ ﺗﻘﺪّﻣﺎﺕ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺁﺛﺎﺭ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺗﻮﻣﺎ ،ﻭﻛﺜﺮ ﻋﺪﺩ ﺍﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺗﺠﺮﺃﻭﺍ ﻭﺃﺩﺧﻠﻮﺍ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪ
ﺍﻟﺘﻮﻣﺎﻭﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺤﻮﺙ ﺍﻟﺠﺎﺭﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻌﻀﻼﺕ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﻭﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻴﺔ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﻬﺪ .ﺇﻥ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻴﻴﻦ ﺍﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ ﻧﻔﻮﺫﺍً
ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻧﺎ ﻫﺬﺍ ،ﻭﺍﻟﺬﻳﻦ ﺳﺎﻫﻤﻮﺍ ﻣﺴﺎﻫﻤﺔ ﺟُﻠﻰَّ ﻓﻲ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﺑﺄﻓﻜﺎﺭﻫﻢ ﻭﺑﺤﻮﺛﻬﻢ ،ﻫﻢ ﻣﻦ ﺃﺑﻨﺎﺀ
ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺠﺪّﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﺘﻮﻣﺎﻭﻳﺔ .ﻟﻘﺪ ﺍﺳﺘﻄﺎﻋﺖ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ،ﻓﻲ ﻏﻀﻮﻥ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ،ﺃﻥ ﺗﻌﻮّﻝ ﻫﻜﺬﺍ ﻋﻠﻰ ﺭﻫﻂ ﻛﺒﻴﺮ
ﻣﻦ ﺃﻓﺬﺍﺫ ﺍﻟﻤﻔﻜﺮﻳﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺗﺮﺑﻮﺍ ﻓﻲ ﻣﺪﺭﺳﺔ ﺍﻟﻤﻠﻔﺎﻥ ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﻲ.
.59ﻣﻬﻤﺎ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ ﺃﻣﺮ ،ٍﻓﺎﻟﺘﺠﺪﺩ ﺍﻟﺘﻮﻣﺎﻭﻱ ﻭﺍﻟﺘﻮﻣﺎﻭﻱ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺍﻟﺪﻻﻟﺔ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ
ﻓﻲ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻠﻬﻤﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﺔ .ﻓﻘﺒﻞ ﺫﻟﻚ ،ﻭﻓﻲ ﻣﻮﺍﺯﺍﺓ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻃﻠﻘﻬﺎ ﻻﻭﻥ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﺸﺮ ،ﻇﻬﺮ ﻋﺪﺩ ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ
ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺍﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺍﻟﺘﺤﻘﻮﺍ ﺑﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﻓﻜﺮﻳﺔ ﺣﺪﻳﺜﺔ ،ﻭﻭﺿﻌﻮﺍ ﻣﺆﻟﻔﺎﺕ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ ﺑﺎﺕ ﻟﻬﺎ ﺃﺛﺮ ﻛﺒﻴﺮ ﻭﻗﻴﻤﺔ ﺧﺎﻟﺪﺓ ،ﻣﺘﺒّﻌﻴﻦ
ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻣﻨﻬﺠﻴّﺔ ﺧﺎﺻﺔ .ﻭﻗﺪ ﻭﺿﻊ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺧﻼﺻﺎﺕ ﻣﻮﺻﻮﻓﺔ ﻻ ﺗﻘﻞُّ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺬﺍﻫﺐ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻴﺔ.
ﻭﺃﺭﺳﻰ ﺁﺧﺮﻭﻥ ﺍﻷﺳﺲ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﻴّﺔ ﻓﻲ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻟﻤﻘﺎﺭﺑﺔ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻓﻲ ﺿﺆ ﺗﺼﻮّﺭ ﻣﺘﺠﺪّﺩ ﻟﻠﻀﻤﻴﺮ ﺍﻷﺩﺑﻲ .ﻭﻫﻨﺎﻙ ﻣﻦ
ﻭﺿﻌﻮﺍ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﺗﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ ﺗﺤﻠﻴﻞ ﻣﺒﺪﺃ ﺍﻟﻤﺜﻮﻟﻴﺔ ﻟﻠﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﻟﻌﻠﻮﻱﻭﻫﻨﺎﻙ ﺃﺧﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﺣﺎﻭﻟﻮﺍ ﺍﻟﺘﺄﻟﻴﻒ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ
ﻣﻘﺘﻀﻴﺎﺕ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻣﻦ ﺯﺍﻭﻳﺔ ﺍﻟﻤﻨﻬﺠﻴّﺔ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺍﻧﻴّﺔ .ﺇﻥ ﻣﺎ ﺟﺮﻯ ،ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ،ﻣﻦ ﻣﻼﺣﻆ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺜﺎﺑﺮﺓ ﻓﻲ
ﺍﻋﺘﻨﺎﻕ ﻧﻤﺎﺫﺝ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﻏﺎﻳﺘﻬﺎ ﺍﺳﺘﻤﺮﺍﺭﻳﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ ﻓﻲ ﺗﺄﻛﻴﺪ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﺑﻴﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ ،ﻭﻫﻮ ﺗﻘﻠﻴﺪ
ﻣﺴﻴﺤﻲ ﻛﺒﻴﺮ.
.60ﻭﻗﺪ ﺃﻭﺭﺩ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻤﺴﻜﻮﻧﻲ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﻣﻦ ﺟﻬﺘﻪ ،ﺗﻌﻠﻴﻤﺎً ﺛﺮﻳﺎً ﻭﺧﺼﻴﺒﺎً ﺟﺪﺍ ،ًﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ .ﻭﻻ
ﻳﺴﻌﻨﻲ ﺃﻥ ﺃﻧﺴﻰ ،ﻭﺑﺨﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﺿﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ،ﺃﻥ ﻓﺼﻼً ﻛﺎﻣﻼً ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻱ »ﻓﺮﺡ ﻭﺭﺟﺎﺀ« ﻳﺘﻀﻤﻦ
ﺷﺒﻪ ﻣﻠﺨﺺٍ ﻟﻸﻧﺘﺮﻭﺑﻮﻟﻮﺟﻴّﺔ ﺍﻟﺒﻴﺒﻠﻴﺔ ﻧﺠﺪ ﻓﻴﻪ ﺃﻳﻀﺎً ﻣﺼﺪﺭ ﺇﻟﻬﺎﻡ ﻟﻠﻔﻠﺴﻔﺔ .ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻔﺤﺎﺕ ﺗﻌﺎﻟﺞ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ
ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻕ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﻠﻪ ،ﻭﺗﺒﻴّﻦ ﻛﺮﺍﻣﺘﻪ ﻭﺳﻤﻮّﻩ ﻋﻠﻰ ﺑﺎﻗﻲ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﻭﺗُﻈﻬِﺮ ﻣﺎ ﻳﺘﻤﻴّﺰ ﺑﻪ ﻋﻘﻠﻪ ﻣﻦ ﻗﺪﺭﺓ ﺳﺎﻣﻴﺔ .[80]ﻭﻗﺪ
ﺃﺗﻰ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻱ »ﻓﺮﺡ ﻭﺭﺟﺎﺀ« ﻋﻠﻰ ﺫﻛـﺮ ﻣﻌـﻀﻠﺔ ﺍﻹﻟﺤﺎﺩ ﻭﺣﺪّﺩ ﻣﻌﺎﻟﻤﻬﺎ ،ﻭﺑﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﺘﻤﺘﻊ ﺑﻪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ
ﻣﻦ ﻛﺮﺍﻣﺔ ﻭﺣﺮﻳّﺔ ﻻ ﻳﺮﻗﻰ ﺇﻟﻴﻬﻤﺎ ﻣﺴﺎﺱ .[81]ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻔﺤﺎﺕ ﺗﻜﺘﺴﻲ ،ﻭﻻ ﺷﻚ ،ﻓﻲ ﻗﻤﺔ ﻣﻀﺎﻣﻴﻨﻬﺎ ،ﻣﻌﻨﻰً ﻓﻠﺴﻔﻴﺎً
ﻋﻤﻴﻘﺎ ،ًﺍﺳﺘﻌَﺪﺗُﻪ ﻓﻲ ﺭﺳﺎﻟﺘﻲ ﺍﻷﻭﻟﻰ »ﻓﺎﺩﻱ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ« ﻭﺍﻋﺘﺒﺮﻩ ﻣﻦ ﺛﻮﺍﺑﺖ ﻣﺮﺍﺟﻌﻲ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴّﺔ :»ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻥ ﺳﺮَّ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻻ
ﻳﺴﺘﻀﻲﺀ ﺣﻘﺎً ﺇﻻّ ﻓﻲ ﺳﺮّ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻤﺘﺠﺴﺪ .ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺄﻥ ﺁﺩﻡ ،ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻷﻭﻝ ،ﻛﺎﻥ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻵﺗﻲ ،ﺃﻱ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ﺍﻟﺮﺏ.
ﺇﻥ ﺁﺩﻡ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﺃﻱ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻜﺸﻒ ﻟﻨﺎ ﺳﺮّ ﺍﻵﺏ ﻭﻣﺤﺒﺘﻪ ،ﺇﻧﻤﺎ ﻳﻈﻬﺮ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﻣﻞﺀ ﺫﺍﺗﻪ ﻭﻳﻜﺸﻒ ﻟﻪ ﺩﻋﻮﺗﻪ
ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ.[82]«
ﻭﻗﺪ ﺍﻫﺘﻢ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺃﻳﻀﺎً ﺑﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺘﻔﺮّﻍ ﻟﻪ ﺍﻟﻤﺮﺷﺤﻮﻥ ﻟﻠﻜﻬﻨﻮﺕ .ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﻮﺻﻴﺎﺕ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﺸﻤﻞ
ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ ﻓﻲ ﻣﺠﻤﻠﻪ .ﻭﻗﺪ ﺻﺮّﺡ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ :»ﺗﺪﺭّﺱ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﺗﺪﺭﻳﺴﺎً ﻳﻘﻮﺩ ﺍﻟﻄﻼﺏ ﺃﻭﻻً ﺇﻟﻰ
ﺗﺤﺼﻴﻞ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻋﻤﻴﻘﺔ ﻭﻣﺘﻼﺣﻤﺔ ﺍﻷﺟﺰﺍﺀ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻭﺍﻟﻠﻪ ،ﻣﻌﺘﻤﺪﻳﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﺫﻱ ﺍﻟﻘﻴﻤﺔ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪﺓ ،ﻭﻻ
ﺗُﻐﻔﻞ ﺍﻟﺒﺤﻮﺙ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﺓ.[83]«
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﻮﺟﻴﻬﺎﺕ ﺟﺮﻯ ﺗﺜﺒﻴﺘﻬﺎ ﻭﺗﻮﺿﻴﺤﻬﺎ ﻣﺮﺍﺭﺍً ﻓﻲ ﻭﺛﺎﺋﻖ ﺃﺧﺮﻯ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ،ﻟﻀﻤﺎﻥ ﺗﻨﺸﺌﺔ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ ﻣﺘﻴﻨﺔ
ﻭﺑﺨﺎﺻﺔ ﻟﻠﻤﺴﺘﻌﺪﻳﻦ ﻟﻠﺪﺭﻭﺱ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻴﺔ .ﻭﺃﻣﺎ ﺃﻧﺎ ﻓﻘﺪ ﻧﻮّﻫﺖ ﻣﺮﺍﺭﺍً ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺑﺄﻫﻤﻴﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﻨﺸﺌﺔ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﻟﻤﻦ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ
ﻳﻮﻣﺎ ،ًﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺮﻋﻮﻳّﺔ ،ﺃﻥ ﻳﻮﺍﺟﻬﻮﺍ ﺃﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﻭﻳﻔﻬﻤﻮﺍ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺘﺼﺮﻓﺎﺕ ﻟﻠﺮﺩّ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ
ﻣﻴﺴّﺮﺓ.[84]
.61ﻟﺌﻦ ﻭﺟﺐ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ،ﻓﻲ ﻇﺮﻭﻑ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻣﻊ ﺍﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻋﻠﻰ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﻃﺮﺣﻬﺎ
ﺍﻟﻤﻠﻔﺎﻥ ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﻲ ،ﻭﺿﺮﻭﺭﺓ ﺍﻗﺘﺒﺎﺱ ﻓﻜﺮﻩ ،ﻓﻘﺪ ﺍﺭﺗﺒﻂ ﺫﻟﻚ ﻏﺎﻟﺒﺎً ﺑﻌﺪﻡ ﺍﻟﺘﻘﻴﺪ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺑﺘﻮﺟﻴﻬﺎﺕ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ﺑﺎﻟﻄﻮﺍﻋﻴﺔ

3.5 Page 25

▲back to top
25
ﺍﻟﻤﺮﺟﻮﺓ .ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺱ ﺍﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ ،ﻓﻲ ﻏﻀﻮﻥ ﺍﻟﺴﻨﻮﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﻘﺒﺖ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﻟﻮﺣﻆ ،ﻓﻲ
ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﺄﻥ ،ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺬﺑﻮﻝ ﺍﻟﻨﺎﺟﻢ ﻋﻦ ﺗﺮﺍﺟﻊ ﻻ ﻓﻲ ﺗﻘﺪﻳﺮ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﻴﺔ ﻭﺣﺴﺐ ،ﺑﻞ ﺑﻮﺟﻪ ﺃﺷﻤﻞ ،ﻓﻲ ﺗﻘﺪﻳﺮ
ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﺣﻖ ﻗﺪﺭﻫﺎ .ﻻ ﺑﺪّ ﻟﻲ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺃﻟﺤﻆ ،ﺑﺸﻲﺀ ﻣﻦ ﺍﻻﺳﺘﻐﺮﺍﺏ ﻭﺍﻷﺳﻒ ،ﺃﻥ ﻋﺪﺩﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻴﻴﻦ
ﻳﻨﺘﺤﻠﻮﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻼﻣﺒﺎﻻﺓ ﺑﺪﺭﺱ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ.
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻼﻣﺒﺎﻻﺓ ﺗﻌﻠّﻠﻬﺎ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ،ﻻ ﺑﺪّ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻧﺬﻛﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﺃﻭﻻً ﻣﺎ ﻳُﺒﺪﻳﻪ ﺟﺰﺀ ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﺓ ﻣﻦ ﺣﺬﺭٍ ﺗﺠﺎﻩ
ﺍﻟﻌﻘﻞ ،ﻣﻬﻤﻼً ﺇﻫﻤﺎﻻً ﺫﺭﻳﻌﺎً ﻛﻞ ﺑﺤﺚ ﻣﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﻘﺼﻮﻯ ،ﻣﻊ ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻌﻀﻼﺕ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺃﻭ
ﺍﻟﻤﺤﻠﻴﺔ ﻭﺣﺘﻰ ﺍﻟﺸﻜﻠﻴّﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎﻭﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﻀﻴﻒ ،ﻋﻼﻭﺓ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ،ﻣﺎ ﺣﺼﻞ ﺧﺼﻮﺻﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺒﺎﺱ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ
»ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔﻟﻘﺪ ﺫﻛّﺮ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻏﻴﺮ ﻣﺮﺓ ﺑﺎﻟﻘﻴﻤﺔ ﺍﻹﻳﺠﺎﺑﻴّﺔ ﺍﻟﻨﺎﺟﻤﺔ ﻋﻦ ﻛﻞ ﺑﺤﺚ ﻋﻠﻤﻲ ﻳﺘﻮﺧﻰ
ﺍﻟﺘﻌﻤﻖ ﻓﻲ ﺳﺮّ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ .[85]ﺇﻥ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﺍﻟﻤﻮﺟﻬﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻴﻴﻦ ﻟﻴﻘﻔﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﻭﻳﻄﺒّﻘﻮﻫﺎ ،ﻋﻨﺪ ﺍﻗﺘﻀﺎﺀ
ﺍﻷﻣﺮ ،ﺗﻄﺒﻴﻘﺎً ﺻﺤﻴﺤﺎً ﻓﻲ ﺑﺤﻮﺛﻬﻢ ،ﻳﺠﺐ ﺃﻻّ ﺗﻔﺴّﺮ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺗﺮﺧﻴﺺ ﺿﻤﻨﻲ ﺑﺘﻬﻤﻴﺶ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺃﻭ ﺑﺎﻻﺳﺘﻌﺎﺿﺔ ﻋﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻨﺸﺌﺔ
ﺍﻟﺮﻋﻮﻳّﺔ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺘﻤﻬﻴﺪ ﻟﻺﻳﻤﺎﻥ .ﻭﻻ ﻳﺴﻮﻍ ﻟﻨﺎ ﺃﺧﻴﺮﺍً ﺃﻥ ﻧﻨﺴﻰ ﻣﺎ ﺟﺪّ ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻧﺎ ﻣﻦ ﺍﻫﺘﻤﺎﻡٍ ﺑﺎﻧﺜﻘﺎﻑ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ .ﻭﻗﺪ ﺃﺗﺎﺣﺖ
ﻟﻨﺎ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﻜﻨﺎﺋﺲ ﺍﻟﻔﺘﻴﺔ ،ﺑﻮﺟﻪ ﺧﺎﺹ ،ﺃﻥ ﻧﻜﺘﺸﻒ ﻻ ﺃﺷﻜﺎﻻً ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻣﺘﻄﻮّﺭﺓ ﻭﺣﺴﺐ ،ﺑﻞ ﻭﺟﻮﺩ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺗﻌﺎﺑﻴﺮ
ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ،ﺗﻜﻮّﻥ ﺗﺮﺍﺛﺎً ﺣﻘﻴﻘﻴﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ ﻭﺍﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ .ﺑﻴﺪ ﺃﻥ ﺍﻹﻛﺒﺎﺏ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻋﺮﺍﻑ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺘﻤﺎﺷﻰ ﻣﻊ
ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﻜّﻨﻨﺎ ﻣﻦ ﺇﺑﺮﺍﺯ ﺍﻟﻤﻼﻣﺢ ﺍﻹﻳﺠﺎﺑﻴّﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺴﻢ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻭﺧﻠﻖ ﺭُﺑُﻂٍ ﻣﻠﺰﻣﺔ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻭﺑﻴﻦ
ﺍﻟﺒﺸﺎﺭﺓ ﺑﺎﻹﻧﺠﻴﻞ.[86]
.62ﺃﻭﺩ ﺃﻥ ﺃﺫﻛِّﺮ ﺑﺤﺰﻡٍ ﺃﻥ ﺩﺭﺱ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻳﻜﺘﺴﻲ ﻃﺎﺑﻌﺎً ﺃﺳﺎﺳﻴﺎً ﻭﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﺴﻮﻍ ﺇﻟﻐﺎﺅﻩ ﻣﻦ ﺑﻨﻴﺔ ﺍﻟﺪﺭﻭﺱ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻴﺔ
ﻭﺗﻨﺸﺌﺔ ﺍﻟﻤﺮﺷﺤﻴﻦ ﻟﻠﻜﻬﻨﻮﺕ .ﻭﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﺼﺪﻓﺔ ﺃﻥ ﺗﺴﺒﻖ ﺩﻭﺭﺓَ ﺍﻟﺪﺭﻭﺱ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻴﺔ ﻓﺘﺮﺓٌ ﻳﻨﺼﺮﻑ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻹﻛﻠﻴﺮﻳﻜﻴﻮﻥ
ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺱ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺧﺼﻮﺻﺎﻫﺬﺍ ﺍﻟﺨﻴﺎﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﺛﺒّﺘﻪ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻼﺗﺮﺍﻧﻲ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ ،[87]ﺗﻤﺘﺪ ﺟﺬﻭﺭﻩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﺒﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﻀﺠﺖ
ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﻮﺳﻴﻂ ،ﺣﻴﺚ ﺗﺒﻴّﻨﺖ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺇﻗﺎﻣﺔ ﺑﻨﻴﺔ ﻣﺘﻨﺎﻏﻤﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻲ .ﻧﻈﺎﻡ
ﺍﻟﺪﺭﻭﺱ ﻫﺬﺍ ﻗﺪ ﻃﺒﻊ ﻭﺳﻬّﻞ ﻭﺣﻔﺰ ،ﻭﺇﻥ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ،ﺟﺰﺀﺍً ﻛﺒﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﺗﻄﻮّﺭ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﺓ .ﻭﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ
ﻣﺜﺎﻝ ﺑﻠﻴﻎ ﻓﻲ ﺍﻷﺛﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺧﻠّﻔﺘﻪ »ﺍﻟﻤﻨﺎﻇﺮﺍﺕ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﺔ« ﻟﻔﺮﻧﺸﺴﻜﻮﺍ ﺳﻮﺍﺭﻳﺰ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﺟﺪﺕ ﻟﻬﺎ ﻣﻜﺎﻧﺎً ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺎﺕ
ﺍﻟﻠﻮﺛﺮﻳﺔ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻴﺔ؛ ﻭﺑﺎﻟﻌﻜﺲ ،ﻓﻘﺪ ﺃﺣﺪﺙ ﺍﻻﺳﺘﻐﻨﺎﺀ ﻋﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻨﻬﺠﻴﺔ ﺛﻐﺮﺍﺕٍ ﺧﻄﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻨﺸﺌﺔ ﺍﻟﻜﻬﻨﻮﺗﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ
ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻲ .ﻭﻳﻜﻔﻲ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ،ﻣﺜﻼ ،ًﺑﺎﻟﻼﻣﺒﺎﻻﺓ ﺑﺎﻟﻔﻜـﺮ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮَﻳﻦ ﻭﻣﺎ ﺃﺩّﺕ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﺍﻧﻐﻼﻕ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻜﻞ
ﻣﻦ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ ﺃﻭ ﻣﻦ ﺍﺳﺘﺴﻼﻡ ﻟﻜﻞ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﺑﺪﻭﻥ ﺗﻤﺤﻴﺺ.
ﺇﻧﻲ ﺁﻣﻞ ﻣﻦ ﺻﻤﻴﻢ ﻗﻠﺒﻲ ﺃﻥ ﻧﺘﺨﻄﻰّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻘﺒﺎﺕ ﺑﻔﻀﻞ ﺗﻨﺸﺌﺔ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ ﻭﻻﻫﻮﺗﻴﺔ ﻭﺍﻋﻴﺔ ﻳﺠﺐ ﺃﻻّ ﺗﻨﺤﺠﺐ ﺍﻟﺒﺘّﺔ ﻋﻦ
ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ.
.63ﻧﻈﺮﺍً ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻭﺭﺩﺗﻬﺎ ،ﺃﺭﻯ ﻣﻦ ﺍﻟﻤُﻠِﺢِّ ﺃﻥ ﺃﺫﻛّﺮ ،ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ،ﺑﻤﺎ ﺗﺨﺺّ ﺑﻪ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻣﻦ
ﺍﻫﺘﻤﺎﻡ ﻛﺒﻴﺮ ،ﻛﻤﺎ ﺃﻭﺩّ ﺃﻥ ﺃﺫﻛّﺮ ﺃﻳﻀﺎ ً،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ،ﺑﺎﻟﺮﺑﺎﻁ ﺍﻟﻌﻤﻴﻖ ﺍﻟﻘﺎﺋﻢ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻲ ﻭﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ
ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ .ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ﺃﻥ ﺗﺤﺪّﺩ ﻭﺗﺸﺠﻊ ﻧﻤﻄﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﻻ ﻳﻨﺎﻓﻲ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ .ﻋﻠﻲَّ ﺃﻥ
ﺃﻗﺘﺮﺡ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﻯﺀ ﻭﺍﻟﻀﻮﺍﺑﻂ ﻣﺎ ﺃﺭﺍﻩ ﺿﺮﻭﺭﻳﺎً ﻹﻗﺎﻣﺔ ﻋﻼﻗﺔ ﻣﺘﻨﺎﻏﻤﺔ ﻭﻓﺎﻋﻠﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ .ﻓﻲ ﺿﺆ ﻫﺬﻩ
ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﻯﺀ ﻭﺍﻟﻀﻮﺍﺑﻂ ﻳﺼﺒﺢ ﺑﺎﻹﻣﻜﺎﻥ ﺃﻥ ﻧﻮﺿّﺢ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﻭﻣﺨﺘﻠﻒ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﻘﻮﻻﺕ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﺍﻟﻤﻄﺮﻭﺣﺔ
ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ،ﻭﻛﻴﻒ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ.
سداسلا لصفلا
ةفسلفلاو توهاللا نيب لعافتلا
ﻋﻠﻢ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﻣﻘﺘﻀﻴﺎﺕ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ
.64ﺇﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﺘﻮﺟﻪ ﺑﻜﻼﻣﻪ ﺇﻟﻰ ﻛﻞ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺯﻣﻦ ﻭﻓﻲ ﻛﻞ ﺍﻷﺭﺽ؛ ﻓﺎﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻴﻠﺴﻮﻑ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ .ﻭﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ
ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ،ﻣﻦ ﺟﻬﺘﻪ ،ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻫﻮ ﺻﻴﺎﻏﺔ ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻭﻋﻠﻤﻴﺔ ﻟﻔﻬﻢ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺿﺆ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ،ﺃﻥ ﻳﻘﻄﻊ ﻋﻼﻗﺘﻪ ﺑﺎﻟﻔﻠﺴﻔﺎﺕ
ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻜﻮّﻧﺖ ﻓﻌﻠﻴﺎً ﻋﻠﻰ ﻣﺪﻯ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ،ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺑﻌﺾ ﺗﻄﻮّﺭﺍﺗﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺃﻫﺪﺍﻓﻬﺎ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ .ﻻ ﺃﺑﻐﻲ ﺃﻥ

3.6 Page 26

▲back to top
26
ﺃﻋﺮﺽ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻴﻴﻦ ﻣﻨﻬﺠﻴﺎﺕ ﺧﺎﺻﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻦ ﺻﻼﺣﻴﺎﺕ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ؛ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺃﻭﺩّ ﺃﻥ ﺃﺫﻛﺮ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﻬﻤّﺎﺕ
ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﺔ ﻓﻲ ﺻﻠﺐ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ،ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﺍﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﺎﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ،ﺑﺪﺍﻋﻲ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﺍﻟﻤﻮﺣﻰ ﻧﻔﺴﻪ.
.65ﻳﻨﺘﻈﻢ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ،ﺑﺼﻔﺘﻪ ﻋﻠﻢ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ،ﻓﻲ ﺿﺆ ﻣﺒﺪﺇ ﻣﻨﻬﺠﻲّ ﻣﺰﺩﻭﺝ :ﺳﻤﺎﻉ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﻓﻬـﻢ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ .ﺗﻄﺒﻴﻘﺎً ﻟﻠﻤﺒﺪﺃ
ﺍﻷﻭﻝ ،ﻳﺘﻨﺎﻭﻝ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﻣﺤﺘﻮﻯ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﻛﻤﺎ ﺗﻄﻮّﺭ ﺷﻴﺌﺎً ﻓﺸﻴﺌﺎً ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ﺍﻟﻤﻘﺪّﺱ ﻭﺍﻟﻜﺘﺐ ﺍﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ ﻭﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﺤﻲّ ﻓﻲ
ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ .[88]ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻠﻖ ﺍﻟﻤﺒﺪﺇ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﻳﻬﺪﻑ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﺇﻟﻰ ﺗﻠﺒﻴﺔ ﻣﻘﺘﻀﻴﺎﺕ ﺍﻟﻌﻘﻞ ،ﺑﺎﻟﻠﺠﺆ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻨﻈﺮﻱ.
ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﺍﻹﻋﺪﺍﺩ ﻟﺴﻤﺎﻉ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ،ﺗﺆﺩﻱّ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻟﻼَّﻫﻮﺕ ﻣﺴﺎﻫﻤﺘﻬﺎ ﺍﻟﻤﻤﻴّﺰﺓ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺘﻔﺤّﺺ ﺟﻬﺎﺯ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻭﺍﻟﺘﺒﺎﺩﻝ
ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ،ﻭﺑﺨﺎﺻﺔ ﻟﻐﺔ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻓﻲ ﺃﺷﻜﺎﻟﻬﺎ ﻭﻭﻇﺎﺋﻔﻬﺎ ﺍﻟﻤﺘﻨﻮّﻋﺔ .ﺭﻓﺪ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻻ ﻳﻘﻞّ ﺃﻫﻤﻴّﺔ ﻓﻲ ﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠّﻖ ﺑﺎﻟﺘﻘﻠﻴﺪ
ﺍﻟﻜﻨﺴﻲ ﻭﺍﻟﻮﻗﻮﻑ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻗﻮﻓﺎً ﻣﺘﻤﺎﺳﻜﺎ ،ًﻭﻓﻲ ﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠّﻖ ﻛﺬﻟﻚ ﺑﺘﺼﺮﻳﺤﺎﺕ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ﻭﺃﺣﻜﺎﻡ ﻛﺒﺎﺭ ﻣﻌﻠّﻤﻲ
ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ :ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ ﻳُﻌﺒَّﺮ ﻋﻨﻬﺎ ﻏﺎﻟﺒﺎً ﺑﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﻭﺃﺷﻜﺎﻝ ﻓﻜﺮﻳّﺔ ﻣﺄﺧﻮﺫﺓ ﻣﻦ ﺗﻘﻠﻴﺪ ﻓﻠﺴﻔﻲ ﻣﻌﻴّﻦ .ﻓﻲ ﻫﺬﻩ
ﺍﻟﺤﺎﻝ ،ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻲ ﺃﻻّ ﻳﻜﺘﻔﻲ ﺑﺄﻥ ﻳﻌﺮﺽ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ ﻭﺗﻌﺎﺑﻴﺮ ﺗﺮﻛﻦ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻓﻲ ﺗﻔﻜﻴﺮﻫﺎ ﻭﺗﻜﻮﻳﻦ ﺗﻌﻠﻴﻤﻬﺎ ،ﺑﻞ
ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻳﻀﺎً ﺃﻥ ﻳﺤﻴﻂ ﺇﺣﺎﻃﺔ ﻋﻤﻴﻘﺔ ﺑﺎﻟﻤﺬﺍﻫﺐ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻗﺪ ﺃﺛﺮﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﻭﺍﻷﻟﻔﺎﻅ.
.66ﺃﻣﺎ ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﻓﻬﻢ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ،ﻓﻴﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﻠﺤﻆ ﻗﺒﻞ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺍﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ »ﺍﻟﻤﺘﻀﻤﻨﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﺍﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ
ﻭﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻣﺔ ﻓﻬﻤﺎً ﺻﺤﻴﺤﺎ ،ًﺣﺴﺐ ﺗﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ،[89]«ﺗﺘﻤﺘﻊ ﺑﻤﻔﻬﻮﻣﻴﺔ ﺧﺎﺻﺔ ،ﻭﺑﺘﻤﺎﺳﻚ ﻣﻨﻄﻘﻲ ﻳﺠﻌﻼﻧﻬﺎ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻋﻠﻢ
ﺣﻘﻴﻘﻲ .ﻓﻬﻢ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻳﺸﺮﺡ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ﺑﺎﻟﻮﻗﻮﻑ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﻨﻰ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﺼﻮّﺭﻳﺔ ﻟﻠﻄﺮﻭﺣﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ
ﺗﻌﺘﻤﺪﻫﺎ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻓﻲ ﺗﻌﻠﻴﻤﻬﺎ ،ﺑﻞ ﺃﻳﻀﺎً ﻭﺧﺼﻮﺻﺎً ﺑﺈﻇﻬﺎﺭ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺨﻼﺻﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺘﻀﻤﻨﻪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻄﺮﻭﺣﺎﺕ ﻟﻔﺎﺋﺪﺓ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ
ﻭﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ .ﺇﻧﻄﻼﻗﺎً ﻣﻦ ﻣﺠﻤﻮﻉ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻄﺮﻭﺣﺎﺕ ،ﻳﺘﻮﺻﻞ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﺨﻼﺹ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺒﻠﻎ ﺫﺭﻭﺗﻪ ﻓﻲ ﺷﺨﺺ
ﻳﺴﻮﻉ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ﻭﻓﻲ ﺳﺮّﻩ ﺍﻟﻔﺼﺤﻲ ،ﻭﻳﺸﺘﺮﻙ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮّ ﺑﺈﺫﻋﺎﻧﻪ ﻟﻺﻳﻤﺎﻥ.
ﻭﺃﻣّﺎ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻱ ﻓﻌﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﺘﻤﻜّﻦ ﻣﻦ ﻓﻬﻢ ﺳﺮّ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﻭﺍﻟﺜﺎﻟﻮﺙ ﻓﻲ ﻣﻌﻨﺎﻩ ﺍﻟﺸﺎﻣﻞ ،ﻭﻓﻬﻢ ﺍﻟﺘﺪﺑﻴﺮ ﺍﻟﺨﻼﺻﻲ،
ﺇﻣّﺎ ﺑﺎﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺴﺮﺩﻳّﺔ ﻭﺇﻣّﺎ ﺧﺼﻮﺻﺎً ﺑﺎﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺒﺮﻫﺎﻧﻴﺔ .ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻱ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ ﻋﺒﺮ ﺗﻮﺳﻌﺎﺕ
ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻳﺼﻮﻏﻬﺎ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻧﻘﺪﻳّﺔ ﻭﺗﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﻣﺘﻨﺎﻭﻝ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ .ﺑﺪﻭﻥ ﺭﻓﺪ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ ﺍﻟﺨﻮﺽ ﻓﻲ ﻗﻀﺎﻳﺎ ﻻﻫﻮﺗﻴﺔ
ﻛﺎﻟﻜﻼﻡ ﻋﻦ ﺍﻟﻠﻪ ،ﻣﺜﻼ ،ًﺃﻭ ﻛﺎﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﺜﺎﻟﻮﺙ ،ﻭﻋﻤﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺨﻼﻕ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﻭﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻠﻪ
ﻭﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ،ﻭﻫﻮﻳﺔ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ﺍﻹﻟﻪ ﺍﻟﺘﺎﻡ ﻭﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺘﺎﻡ .ﻫﺬﻩ ﺍﻻﻋﺘﺒﺎﺭﺍﺕ ﺗﺼِﺢُّ ﺃﻳﻀﺎً ﻓﻲ ﻏﻴﺮ ﻗﻀﻴﺔ ﻣﻦ ﻗﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ
ﺍﻷﺩﺑﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﺘﻀﻲ ﺍﻟﺮﻛﻮﻥ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ ﺗﺘﻌﻠّﻖ ﺑﺎﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍﻷﺧﻼﻗﻴﺔ ﻭﺍﻟﻀﻤﻴﺮ ﻭﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ
ﻭﺍﻟﺨﻄﻴﺌﺔ… ﻭﻛﻠﻬﺎ ﺗﺘﺤﺪّﺩ ﻋﻠﻰ ﺻﻌﻴﺪ ﺍﻟﻤﻨﺎﻗﺒﻴﺔ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ.
ﻻ ﺑﺪّ ﺇﺫﻥ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﺘﺰﻭّﺩ ﻋﻘﻞ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﺑﻤﻌﺮﻓﺔ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻭﻣﺘﻤﺎﺳﻜﺔ ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﺍﻟﺨﻼﺋﻖ ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻭﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ،ﻭﻫﻲ ﻛﻠﻬﺎ
ﻣﻮﺿﻮﻉ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﺍﻹﻟﻬﻲ .ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻘﻞ ،ﻋﻼﻭﺓ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ،ﺃﻥ ﻳﺘﻤﻜّﻦ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﻌﺒّﺮ ﻋﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺫﻫﻨﻴﺔ ﻭﺑﺸﻜﻞ
ﺑﺮﻫﺎﻧﻲ .ﻭﻣﻦ ﺛﻢ ،َّﻓﺎﻟﻼﻫﻮﺕ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻱ ﺍﻟﻨﻈﺮﻱ ﻳﻔﺘﺮﺽ ﻭﻳﺴﺘﻠﺰﻡ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻣﺒﻨﻴّﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻴّﺔ ،ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ
ﻳﺘﻌﻠّﻖ ﺑﺎﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻭﺍﻟﻜﻴﺎﻥ.
.67ﺑﺴﺒﺐ ﻣﺎ ﻳﺘﻤﻴّﺰ ﺑﻪ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﺍﻷﺳﺎﺳﻲ ﻣﻦ ﻣﻬﻤّﺔ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﻋﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ 1)ﺑﻂ (15 ،3ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﺒﺬﻝ ﺟﻬﺪﻩ ﻓﻲ ﺗﺒﺮﻳﺮ
ﻭﺗﻮﺿﻴﺢ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ .ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻷﻭﻝ ﻗﺪ ﻧﺒّﻪ ﻓﻲ ﺣﻴﻨﻪ ،ﻣﺴﺘﺸﻬﺪﺍً ﺑﺎﻟﻘﺪﻳﺲ
ﺑﻮﻟﺲ ،)ﺭﺍ ﺭﻭﻡ (20-19 ،1ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻌﺮﻓﺘﻪ ﻃﺒﻴﻌﻴﺎً ﻭﻣﻦ ﺛﻢّ ﻓﻠﺴﻔﻴﺎﻣﻌﺮﻓﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ
ﺷﺮﻁ ﻻ ﺑﺪّ ﻣﻨﻪ ﻟﺘﻘﺒﻞ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﺍﻹﻟﻬﻲ .ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳُﻘﺒﻞ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﺍﻷﺳﺎﺳﻲ ﻋﻠﻰ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﻭﻣﺼﺪﺍﻗﻴﺘﺔ ﻣﺘﻼﺯﻣﺔ ﻣﻊ ﻓﻌﻞ
ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻮﺍﺯﻳﻪ ،ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﺒﻴّﻦ ﻛﻴﻒ ﺗﻈﻬﺮ ،ﻓﻲ ﺿﺆ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻹﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ،ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺪﺭﻛﻬﺎ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﺔ
ﺑﺤﺜﻪ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﻠﺔ .ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻳﻔﺮﻍ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻛﺎﻣﻞ ﻣﻌﺎﻧﻴﻬﺎ ﻭﻳﻮﺟّﻬﻬﺎ ﻧﺤﻮ ﺛﺮﻭﺓ ﺍﻟﺴﺮّ ﺍﻟﻤﻮﺣﻲ ﺣﻴﺚ ﺗﺼﻴﺐ ﻏﺎﻳﺘﻬﺎ
ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ .ﺣﺴﺒﻨﺎ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻣﺜﻼً ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ،ﻭﺇﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﺍﻹﻟﻬﻲ ﻭﻣﺎ ﻫﻨﺎﻟﻚ ﻣﻦ ﻇﺎﻫﺮﺍﺕ ﺃﺧﺮﻯ،
ﻭﺍﻟﺘﺤﻘُّﻖ ﻣﻦ ﻣﺼﺪﺍﻗﻴﺔ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﻭﻗﺪﺭﺓ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ،ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺑﻠﻴﻐﺔ ﻭﺻﺤﻴﺤﺔ ،ﺣﺘﻰ ﻋﻦ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺨﻄﻰ
ﺍﻟﺨﺒﺮﺓ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ .ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻛﻠﻬﺎ ﻳﺘﻮﺻّﻞ ﺍﻟﺬﻫﻦ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺤﻘﻖ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺗﺆﻫﺐ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺣﻘﺎً ﻟﻘﺒﻮﻝ
ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ،ﻭﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻔﻀﻲ ﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﻗﺒﻮﻝ ﺍﻟﻮﺣﻲ ،ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻨﺎﻗﺾ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻣﺒﺎﺩﺋﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻭﺍﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺘﻪ ﺍﻟﻤﻤﻴّﺰﺓ.[90]

3.7 Page 27

▲back to top
27
ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﺍﻷﺳﺎﺳﻲ ﺃﻥ ﻳﺒﺮﻫﻦ ،ﺑﻨﻔﺲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ،ﻋﻦ ﺍﻟﺘﻨﺎﻏﻢ ﺍﻟﻌﻤﻴﻖ ﺑﻴﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﻣﺎ ﻳﻘﺘﻀﻴﻪ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻣﻦ ﺗﻔﺴﻴﺮ
ﻭﺗﻮﺿﻴﺢ ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﺍﻟﻌﻘﻞ ،ﻟﻴﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﺬﻋﻦ ﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ ﺑﻤﻞﺀ ﺣﺮﻳﺘﻪ .ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺃﻥ »ﻳﺒﻴّﻦ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺟﻠﻴﺎً
ﻟﻜﻞ ﻋﻘﻞ ﻣﺨﻠﺺٍ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ .ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﺘﻀﺢ ﺃﻳﻀﺎً ﺃﻥ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ – ﻭﻫﻮ ﻋﻄﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ – ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﺮﺗﻜﺰ ﻋﻠﻰ
ﺍﻟﻌﻘﻞ ،ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻐﻨﻲ ﻋﻨﻪ .ﻭﻳﺘﻀﺢ ،ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ،ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻨﺪ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ
ﻟﻴﺴﺘﺸﺮﻑ ﺍﻵﻓﺎﻕ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺑﺠﻬﺪﻩ ﺍﻟﺨﺎﺹ.[91]«
.68ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﺍﻷﺩﺑﻲ ﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﺃﺷﺪّ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﻓﺪ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ .ﻭﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ،ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻬﺪ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ،ﻟﻢ
ﺗﻨﻈّﻢ ﺑﻤﺮﺍﺳﻴﻢ ،ﺑﻤﺜﻞ ﻣﺎ ﻧﻈﻤﺖ ﺑﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻬﺪ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ .ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺗﻘﻮﺩ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺇﻟﻰ ﺣﺮﻳّﺔ ﻭﻣﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﺗﺘﺨﻄَّﻴﺎﻥ
ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺫﺍﺗﻬﺎ .ﺑﻴﺪ ﺃﻥ ﺍﻹﻧﺠﻴﻞ ﻭﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻴﺔ ﺗﻮﺍﻓﻴﻨﺎ ﺇﻣّﺎ ﺑﻤﺒﺎﺩﻯﺀ ﻋﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﻠﻜﻴﺔ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ﻭﺇﻣّﺎ ﺑﻮﺻﺎﻳﺎ
ﻣﺤﺪّﺩﺓ .ﻟﻜﻲ ﻳﺘﻤﻜﻦ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﻄﺒّﻘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ،ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺍﻟﻔﺮﺩﻳﺔ ﺃﻭ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﺤﻜّﻢ
ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻞ ﺿﻤﻴﺮﻩ ﻭﻛﻞ ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻩ ﻣﻦ ﻃﺎﻗﺎﺕ ﺍﻟﻔﻜﺮ .ﻭﻳﻌﻨﻲ ﺫﻟﻚ ،ﺑﺘﻌﺒﻴﺮ ﺁﺧﺮ ،ﺃﻥ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﺍﻷﺩﺑﻲ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻌﻴﻦ ﺑﻨﻈﺮﻳﺔ
ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ ﺳﻠﻴﻤﺔ ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﻯﺀ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺤﺘﻜﻢ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺍﻟﻘﺮﺍﺭ
ﺍﻷﺧﻼﻗﻲ.
.69ﺭُﺏّ ﻣﻌﺘﺮﺽٍ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻲ ،ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺍﺋﻦ ﺍﻟﺮﺍﻫﻨﺔ ،ﺑﺪﻻً ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﺤﺘﻜﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ،ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻌﻴﻦ ﺑﺄﺷﻜﺎﻝ
ﺃﺧﺮﻯ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻛﺎﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻣﺜﻼً ﻭﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﺘﻲ ﻳُﺠﻤﻊ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻋﺠﺎﺏ ﺑﻤﺎ ﺣﻘﻘﺘﻪ ،ﻓﻲ ﺃﻳﺎﻣﻨﺎ ،ﻣﻦ ﺗﻄﻮﺭﺍﺕ
ﺧﺎﺭﻗﺔ .ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻦ ﻳﺆﻛﺪ ،ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻠﻖ ﺗﺤﺴّﺲ ﻣﺘﺰﺍﻳﺪ ﻟﻠﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ،ﺃﻥ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻲ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳُﺆْﺛِﺮ ﺍﻟﺘﻮﺟﻪَ ﺇﻟﻰ
ﺍﻟﺘﺮﺍﺛﺎﺕ ﺍﻟﺤﻜﻤﻴﺔ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﺼﺎﺩﺭﺓ ﻣﻦ ﺑﻼﺩ ﺍﻹﻏﺮﻳﻖ ﺃﻭ ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ ﺍﻟﻮﺳﻄﻰ .ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺃﻳﻀﺎً ﻣﻦ
ﻳﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ ﺗﺼﻮّﺭ ﺧﺎﻃﻰﺀ ﻟﺘﻌﺪّﺩﻳﺔ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ ﻓﻴﻨﻜﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﺍﻟﻤﻌﺘَﻤَﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻛﻞ ﻗﻴﻤﺔ ﺷﻤﻮﻟﻴﺔ.
ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﺣﺪّﺩﻧﺎﻫﺎ ﺳﺎﺑﻘﺎً ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺍﻭﺭﺩﻫﺎ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﻤﺠﻤﻌﻲ [92]ﺗﺘﻀﻤّﻦ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ .ﺍﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﺎﻟﻌﻠﻮﻡ ﻣﻊ
ﻓﺎﺋﺪﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﻇﺮﻭﻑ ﻛﺜﻴﺮﺓ ،ﻟﻜﻮﻧﻬﺎ ﺗﺘﻴﺢ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺃﻛﻤﻞ ﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﺍﻟﺪﺭﺱ ،ﻳﺠﺐ ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﺃﻻّ ﺗﺬﻫﻠﻨﺎ ﻋﻤﺎ ﻻ ﺑﺪّ ﻣﻨﻪ ﻣﻦ ﻭﺳﺎﻃﺔ
ﻓﻜﺮٍ ﻓﻠﺴﻔﻲ ﻣﺤﺾ ﻧﺎﻗﺪ ﻭﺷﺎﻣﻞ ،ﻳﺠﺐ ﺍﻟﺮﻛﻮﻥ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺍﻷﺣﻮﺍﻝ ،ﻟﺘﺒﺎﺩﻝٍ ﻣﺜﻤﺮ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ .ﻭﺃﻭﺩّ ﺃﻥ ﺃﺷﺪّﺩ ﻋﻠﻰ
ﺿﺮﻭﺭﺓ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﺘﻮﻗﻒ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻮﺍﺣﻲ ﺍﻟﻔﺮﺩﻳّﺔ ﻭﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ ،ﻣﻊ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﺘﺒﻊ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻐﺎﺿﻲ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻭﻫﻲ ﺗﺒﻴﺎﻥ
ﺍﻟﻄﺎﺑﻊ ﺍﻟﺸﻤﻮﻟﻲ ﻟﻤﺤﺘﻮﻯ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ .ﻭﻳﺠﺐ ﺃﻻ ﻧﻨﺴﻰ ﺃﻳﻀﺎً ﺃﻥ ﺍﻟﺮﻓﺪ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﺠﺪﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﻳﻤﻜّﻨﻨﺎ ﻣﻦ ﺃﻥ
ﻧﻤﺤِّﺺ ،ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺭﺅﻯ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ ،»ﻻ ﻣﺎ ﻳﺘﺼﻮّﺭﻩ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﻞ ﻣﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻴﺔ.[93]«
ﻓﻠﻴﺴﺖ ﺍﻵﺭﺍﺀ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳّﺔ ﺍﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻮﺩ ﺑﺎﻟﻔﺎﺋﺪﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ،ﺑﻞ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻟﻴﺲ ﺇﻻ
.70ﻣﻮﺿﻮﻉ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﺎﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ ﺟﺪﻳﺮ ﺑﺄﻥ ﻳُﺪﺭﺱ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﻤﻴّﺰﺓ ،ﺣﺘﻰ ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻮﻑ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﺭﺱ ﺣﺘﻤﺎً ﻏﺮﺿﻪ،
ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺴﺒﺐ ﻣﺎ ﻳﻨﺠﻢ ﻋﻦ ﺩﺭﺱ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﻣﻦ ﻟﻮﺍﺣﻖ ﻋﻠﻰ ﺻﻌﻴﺪ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻛﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﻌﻴﺪ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ .ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻠﻘﺎﺀ
ﻭﺍﻟﺘﻮﺍﺟﻪ ﻣﻊ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ ﺍﺧﺘﺒﺎﺭ ﻋﺎﺷﺘﻪ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻣﻨﺬ ﺑﺪﺀ ﻣﻨﺎﺩﺍﺗﻬﺎ ﺑﺎﻹﻧﺠﻴﻞ .ﺃﻣﺮ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ﺇﻟﻰ ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ ﺑﺄﻥ ﻳﺬﻫﺒﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﻛﻞ
ﻣﻜﺎﻥ »ﻭﺣﺘﻰ ﺃﻗﺎﺻﻲ ﺍﻷﺭﺽ« )ﺭﺳﻞ (8 ،1ﻟﻴﻨﻘﻠﻮﺍ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﻮﺣﺎﺓ ﺑﻮﺍﺳﻄﺘﻪ ،ﺃﺗﺎﺡ ﻟﻠﺠﻤﺎﻋﺔ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ﺃﻥ ﺗﺘﺤﻘﻖ
ﺳﺮﻳﻌﺎً ﺟﺪﺍً ﻣﻦ ﺷﻤﻮﻟﻴﺔ ﺍﻟﺒﺸﺎﺭﺓ ﻭﺍﻟﻌﻮﺍﺋﻖ ﺍﻟﻨﺎﺟﻤﺔ ﻋﻦ ﺗﻌﺪّﺩﻳﺔ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ .ﺛﻤﺔ ﻧﺺ ﻓﻲ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ ﺇﻟﻰ
ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﻴﻦ ﻓﻲ ﺃﻓﺴﺲ ﻳﻤﻜّﻨﻨﺎ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻧﻔﻬﻢ ﻛﻴﻒ ﻭﺍﺟﻬﺖ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﻀﻠﺔ .ﻛﺘﺐ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ :»ﺃﻣّﺎ
ﺍﻵﻥ ،ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ﻳﺴﻮﻉ ،ﻓﺄﻧﺘﻢ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻗﺒﻼّ ﺑﻌﻴﺪﻳﻦ ﻗﺪ ﺻﺮﺗﻢ ﻗﺮﻳﺒﻴﻦ ﺑﺪﻡ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ،ﻷﻧﻪ ﻫﻮ ﺳﻼﻣﻨﺎ ،ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺟﻌﻞ
ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻌﺒﻴﻦ ﻭﺍﺣﺪﺍً ﺇﺫ ﻧﻘﺾ ﺍﻟﺤﺎﺋﻂ ﺍﻟﺤﺎﺟﺰ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ،ﺃﻱ ﺍﻟﻌﺪﺍﻭﺓ« .(14-13 ،2)
ﻓﻲ ﺿﺆ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﺺ ،ﻳﻤﺘﺪ ﺗﻔﻜﻴﺮﻧﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺤﻮّﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﺟﺮﻯ ﻓﻲ ﺍﻷﻣﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺒﻠﻮﺍ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ .ﺑﺈﺯﺍﺀ ﻏِﻨﻰ ﺍﻟﺨﻼﺹ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﻘﻘﻪ
ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ،ﺳﻘﻄﺖ ﺍﻟﺤﻮﺍﺟﺰ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﺑﻴﻦ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ .ﻭﻋﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ﺃﺻﺒﺢ ﺍﻵﻥ ﻋﻄﻴﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ :ﻓﻬﻮ ﻟﻢ ﻳﻌﺪ
ﻣﺤﺼﻮﺭﺍً ﻓﻲ ﺧﺼﻮﺻﻴﺔ ﺷﻌﺐ ﻭﻟﻐﺘﻪ ﻭﺃﻋﺮﺍﻓﻪ ﺑﻞ ﺍﻣﺘﺪّ ﻟﻴﺸﻤﻞ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ،ﻭﺃﺻﺒﺢ ﻣﺜﻞ ﺗﺮﺍﺙ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﻛﻞ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﺃﻥ ﻳﻐﺮﻑ
ﻣﻨﻪ ﻛﻤﺎ ﻳﺸﺎﺀ .ﻣﻦ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺍﻷﻣﻜﻨﺔ ﻭﺍﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ،ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﻣﺪﻋﻮﻭﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻛﺔ ﻓﻲ ﻭﺣﺪﺓ ﺃﺳﺮﺓ ﺃﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ.
ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺗﺎﺡ ﻟﻠﺸﻌﺒﻴﻦ ﺃﻥ ﻳﺼﻴﺮﺍ »ﻭﺍﺣﺪﺍ .«ًﻣﻦ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻫﻢ »ﺍﻟﺒﻌﻴﺪﻳﻦ« ﺃﺻﺒﺤﻮﺍ ﻫﻢ »ﺍﻟﻘﺮﻳﺒﻴﻦ« ﺑﻔﻀﻞ ﺍﻟﺠﺪّﺓ ﺍﻟﺘﻲ
ﺗﺤﻘﻘﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺮّ ﺍﻟﻔﺼﺤﻲ .ﻟﻘﺪ ﻫﺪﻡ ﻳﺴﻮﻉ ﺣﻮﺍﺟﺰ ﺍﻟﺘﻔﺮﻗﺔ ﻭﺣﻘَّﻖ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﺒﺘﻜﺮﺓ ﻭﺭﺍﻗﻴﺔ ،ﺑﺎﻟﻤﺸﺎﺭﻛﺔ ﻓﻲ

3.8 Page 28

▲back to top
28
ﺳﺮّﻩ .ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﻫﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﻖ ﺑﺤﻴﺚ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺃﻥ ﺗﺮﺩّﺩ ﻗﻮﻝ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ :»ﻟﺴﺘﻢ ﺑﻌﺪ ﻏﺮﺑﺎﺀ ﻭﻻ ﻧﺰﻻﺀ ﺑﻞ
ﺃﻧﺘﻢ ﻣﻦ ﺃﺑﻨﺎﺀ ﻭﻃﻦ ﺍﻟﻘﺪﻳﺴـﻴﻦ ،ﻭﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺑﻴﺖ ﺍﻟﻠﻪ« )ﺃﻑ .(19 ،2
ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﺍﻟﺒﺴﻴﻂ ﻋﺒّﺮ ﺑﻮﻟﺲ ﻋﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻛﺒﺮﻯ :ﺍﻟﻠﻘﺎﺀ ﺑﻴﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﻣﺨﺘﻠﻒ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ ﻗﺪ ﻭﻟّﺪ ،ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،ﻭﺍﻗﻌﺎً
ﺟﺪﻳﺪﺍﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ ﻋﻤﻴﻘﺔ ﺍﻟﺘﺄﺻّﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ،ﻓﻬﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﺩﻻﻟﺔ ﻣﺎ ﻳﺘﻤﻴّﺰ ﺑﻪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻧﻔﺘﺎﺡ
ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﻤﻮﻟﻴﺔ ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻷﻟﻮﻫﻴﺔ .ﺑﻴﺪ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ ﻫﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﻓﺎﺕ ﻣﺘﻔﺎﻭﺗﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻳﺘﺠﻠّﻰ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﻌﻮﺩ
ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﻓﺎﺋﺪﺓ ﻻ ﺭﻳﺐ ﻓﻴﻬﺎ ،ﻭﻣﺎ ﺗُﻘﺪِّﻡ ﻟﻪ ﻣﻦ ﻗﻴﻢٍ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﺠﻌﻞ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺃﻛﺜﺮ ﺇﻧﺴﺎﻧﻴﺔ .[94]ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ
ﺍﻟﻤﺘﺼﻠﺔ ﺑﻘﻴﻢ ﺍﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ – ﺑﻄﺮﻳﻘـﺔ ﺿﻤﻨﻴـﺔ ﻭﻟﻜﻦ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ – ﺑﺘﺠﻠّﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ،ﻋﻠﻰ ﺣﺪّ ﻣﺎ ﺫﻛﺮﻧﺎﻩ
ﺳﺎﺑﻘﺎ ،ًﻓﻲ ﻛﻼﻣﻨﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺍﻟﺤﻜﻤﻴﺔ ﻭﺗﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ.
.71ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ ،ﺑﺴﺒﺐ ﻋﻼﻗﺘﻬﺎ ﺍﻟﻮﺛﻘﻰ ﺑﺎﻟﻨﺎﺱ ﻭﺑﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ،ﺗﺸﺎﺭﻙ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻳﻨﺎﻣﻴّﺎﺕ ﺍﻟﻤﻨﻌﻜﺴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺰﻣﻦ
ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ .ﻫﻨﺎﻙ ﺇﺫﻥ ﺗﺤﻮﻻﺕ ﻭﺗﻄﻮّﺭﺍﺕ ﻣﺼﺪﺭﻫﺎ ﺍﻟﻠﻘﺎﺀﺍﺕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻭﺍﻟﺘﺒﺎﺩﻻﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺤﻘﻘﻮﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﻃﺮﺍﺋﻖ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ .ﻭﻫﻜﺬﺍ
ﺗﺘﻐﺬﻯ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ ﺑﺎﻟﻤﺸﺎﺭﻛﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻴﻢ ،ﻭﺗﻈﻞ ﺣﻴّﺔ ﻭﻣﺴﺘﻤﺮّﺓ ﺑﻤﻘﺪﺍﺭ ﺍﻧﻔﺘﺎﺣﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﺪﺍﺛﺔ .ﻛﻴﻒ ﻧﻔﺴّﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻳﻨﺎﻣﻴﺎﺕ؟
ﻛﻞ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻳﻨﺘﻤﻲ ﺇﻟﻰ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻣﺎ ،ﻳﺨﻀﻊ ﻟﻬﺎ ﻭﻳﺆﺛﺮ ﻓﻴﻬﺎ؛ ﻓﺎﻹﻧﺴﺎﻥ ﻫﻮ ،ﻓﻲ ﺁﻥٍ ﻭﺍﺣﺪ ،ﻣﻮﻟِّﺪ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻨﺘﻤﻲ ﺍﻟﻴﻬﺎ
ﻭﻭﻟﻴﺪﻫﺎ .ﻭﻓﻲ ﻛﻞ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﻣﻦ ﺗﻌﺎﺑﻴﺮ ﺣﻴﺎﺗﻪ ،ﻳﺤﻤﻞ ﻓﻲ ﺫﺍﺗﻪ ﻣﺎ ﻳﻤﻴّﺰﻩ ﻭﺳﻂ ﺍﻟﺨﻠﻴﻘﺔ ،ﻭﻫﻮ ﺍﻧﻔﺘﺎﺣﻪ ﺍﻟﺪﺍﺋﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﺮّ
ﻭﻋﻄﺸﻪ ﺍﻟﻤﺘﻮﻗﺪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ .ﻭﻣﻦ ﺛﻢ ،ﻓﻜﻞ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺗﺤﻤﻞ ﻧﺰﻋﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻻﻛﺘﻤﺎﻝ ﻣﻄﺒﻮﻋﺔ ﻓﻲ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﻭﺷﻔّﺎﻓﺔ .ﻳﺴﻮﻍ ﺇﺫﻥ
ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺍﻥ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺗﻨﻄﻮﻱ ﻋﻠﻰ ﺃﻫﺒﺔ ﺍﻻﻧﻔﺘﺎﺡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﺍﻹﻟﻬﻲ.
ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﻮﻥ ﺇﻳﻤﺎﻧﻬﻢ ﻣﺸﺒﻌﺔ ،ﻫﻲ ﺃﻳﻀﺎ ً،ﺑﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ،ﻭﺗﺴﺎﻫﻢ ﺑﺪﻭﺭﻫﺎ ﻓﻲ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﻣﻴﺰﺍﺗﻬﺎ
ﺷﻴﺌﺎً ﻓﺸﻴﺌﺎﻳﺠﻠﺐ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﻛﻞ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻭﺣﻰ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻭﻓﻲ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻛﻞ ﺷﻌﺐ .ﺍﻟﺤﺪﺙ
ﺍﻟﺬﻱ ﺷﺎﻫﺪﻩ ﺍﻟﺤﺠّﺎﺝ ﺍﻟﻮﺍﻓﺪﻭﻥ ﻋﻠﻰ ﺃﻭﺭﺷﻠﻴﻢ ،ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮﺓ ،ﻻ ﻳﺰﺍﻝ ﻳﺘﻜﺮّﺭ ﻋﺒﺮ ﺍﻷﺟﻴﺎﻝ .ﻟﻘﺪ ﺗﺴﺎﺀﻟﻮﺍ ،ﺑﻌﺪ ﺳﻤﺎﻋﻬﻢ
ﺍﻟﺮﺳﻞ :»ﺃﻟﻴﺲ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻟﻤﺘﻜﻠﻤﻮﻥ ﺟﻤﻴﻌﻬﻢ ﺟﻠﻴﻠﻴﻴﻦ؟ ﻓﻜﻴﻒ ﻧﺴﻤﻊ ﻛﻞٌّ ﻣﻨﺎ ﻟﻐﺘﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﻭُﻟﺪَ ﻓﻴﻬﺎ؟ ﻧﺤﻦ ﺍﻟﻔﺮﺛﻴﻴﻦ ﻭﺍﻟﻤﺎﺩّﻳﻴﻦ
ﻭﺍﻟﻌﻴﻼﻣﻴﻴﻦ ﻭﺳﻜﺎﻥ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﻬﺮﻳﻦ ﻭﺍﻟﻴﻬﻮﺩﻳﺔ ﻭﻛﺒﺎﺫﻭﻛﻴﺔ ﻭﺍﻟﺒﻨﻄﺲ ﻭﺁﺳﻴـﺔ ﻭﻓﺮﻳﺠﻴﺔ ﻭﺑﻤﻔﻴﻠﻴﺔ ﻭﻣﺼﺮ ﻭﻧﻮﺍﺣﻲ ﻟﻴﺒﻴﺔ ﻋﻨﺪ
ﺍﻟﻘﻴﺮﻭﺍﻥ ﻭﺍﻟﺮﻭﻣﺎﻧﻴﻴﻦ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻃﻨﻴﻦ ﻫﻬﻨﺎ ﻭﺍﻟﻴﻬﻮﺩ ﻭﺍﻟﺪﺧﻼﺀ ﻭﺍﻟﻜﺮﻳﺘﻴﻴﻦ ﻭﺍﻟﻌﺮﺏ ،ﻧﺴﻤﻌﻬﻢ ﻳﻨﻄﻘﻮﻥ ﺑﺄﻟﺴﻨﺘﻨﺎ ﺑﻌﻈﺎﺋﻢ ﺍﻟﻠﻪ«
)ﺭﺳﻞ .(11-7 ،2ﺇﻋﻼﻥ ﺍﻹﻧﺠﻴﻞ ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ ،ﻭﺇﻥ ﺍﻗﺘﻀﻰ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺑﻬﺎ ﺍﻋﺘﻨﺎﻕ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ،ﺇﻻّ ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﻤﻨﻌﻬﻢ ﻣﻦ
ﺍﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﻫﻮﻳﺘﻬﻢ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ؛ ﻭﻫﺬﺍ ﻻ ﻳﺴﺒّﺐ ﺃﻱ ﺍﻧﻘﺴﺎﻡ ﻷﻥ ﺷﻌﺐ ﺍﻟﻤﻌﻤّﺪﻳﻦ ﻳﺘﻤﻴّﺰ ﺑﺸﻤﻮﻟﻴﺔ ﻣُﺸﺮْﻋﺔٍ ﻋﻠﻰ
ﻛﻞ ﺛﻘﺎﻓﺔ ،ﻭﺗﺴﺎﻋﺪ ﻓﻲ ﺗﻄﻮﻳﺮ ﻣﺎ ﺗﺘﻀﻤﻨﻪ ﻛﻞ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻣﻦ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﺗﻘﻮﺩ ﺿﻤﻨﻴﺎً ﺇﻟﻰ ﻣﻞﺀ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ.
ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ،ﻟﻴﺲ ﺛﻤﺔ ﻣﻦ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ ﻣﻘﻴﺎﺳﺎً ﻟﻠﺤﻜﻢ ،ﻭﺑﺄﻭﻟﻰ ﺣﺠﺔ ﻣﻘﻴﺎﺳﺎً ﺃﺧﻴﺮﺍً ﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﺍﻟﻮﺣﻲ
ﺍﻹﻟﻬﻲ .ﺍﻹﻧﺠﻴﻞ ﻻ ﻳﺘﻌﺎﺭﺽ ﻭﺃﻳّﺎً ﻣﻦ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺃﻫﺪﺍﻓﻪ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻠﺘﻘﻴﻬﺎ ،ﺃﻥ ﻳﻨﺘﺰﻉ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﺗﻤﺘﻠﻜﻪ،
ﻭﻳﺮﻏﻤﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻋﺘﻨﺎﻕ ﺃﺷﻜﺎﻝِ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺎﺭﺝ ﻻ ﺗﻼﺋﻤﻬﺎ :ﺑﻞ ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ! ﻓﺎﻟﺒﺸﺎﺭﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺤﻤﻠﻬﺎ ﺍﻟـﻤﺆﻣﻦ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻭﺇﻟﻰ
ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺍﺕ ﻫﻲ ﺍﻟﺸﻜﻞ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻟﺘﺤﺮﻳﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻓﻮﺿﻰ ﺍﻗﺤﻤﺘﻬﺎ ﺍﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ،ﻭﻫﻲ ،ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ،ﺩﻋﻮﺓ ﺇﻟﻰ
ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺑﺮﻣﺘﻬﺎ .ﻣﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻠﻘﺎﺀ ﺃﻥ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ ﻻ ﺗُﺤﺮﻡ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﻤﺎ ﻟﺪﻳﻬﺎ ،ﺑﻞ ﺗﺠﺪ ﻓﻴﻪ ﻣﺎ ﻳﺤﻔﺰﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﻧﻔﺘﺎﺡ ﻋﻠﻰ ﺟﺪّﺓ
ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻹﻧﺠﻴﻠﻴﺔ ﻟﺘﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻄﻮّﺭ ﻻﺣﻘﺎ
.72ﻻ ﺷﻚ ﺃﻥ ﻣﻬﻤﺔ ﺍﻟﺒﺸﺎﺭﺓ ﻗﺪ ﺍﻟﺘﻘﺖ ﺃﻭﻻ ،ًﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ ،ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻹﻏﺮﻳﻘﻴﺔ .ﻭﻟﻜﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻠﻘﺎﺀ ﻻ ﻳﺴﺘﺘﺒﻊ ،ﻭﻻ ﺑﻮﺟﻪ
ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺟﻮﻩ ،ﺣُﺠﺔ ﻻﺳﺘﺒﻌﺎﺩ ﺍﻟﻤﻘﺎﺭﺑﺎﺕ ﺍﻷﺧﺮﻯ .ﻓﺎﻟﻴﻮﻡ ،ﺑﻤﻘﺪﺍﺭ ﻣﺎ ﻳﺘﺼﻞ ﺍﻹﻧﺠﻴﻞ ﺑﻤﺴﺎﺣﺎﺕٍ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﺑﻘﻴﺖ ﺣﺘﻰ ﺍﻵﻥ ﺧﺎﺭﺝ
ﻧﻄﺎﻕ ﺍﻹﺷﻌﺎﻉ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ ،ﺗﻨﻔﺘﺢ ﻣﺠﺎﻻﺕ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻟﻼﻧﺜﻘﺎﻑ .ﺍﻟﻤﻌﻀﻼﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﺍﺟﻬﺘﻬﺎ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﻭﻥ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻣﻦ
ﺗﺎﺭﻳﺨﻬﺎ ﺗﻮﺍﺟﻪ ﻣﺜﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺃﻳﺎﻣﻨﺎ.
ﺇﻧﻲ ﺃﺗﻮﺟﻪ ﺑﺎﻟﻔﻜﺮ ﻋﻔﻮﻳﺎً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﺍﻟﺸﺮﻗﻴﺔ ﺍﻟﻐﻨﻴﺔ ﺑﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ﺩﻳﻨﻴﺔ ﻭﻓﻠﺴﻔﻴﺔ ﻋﺮﻳﻘﺔ .ﺑﻼﺩ ﺍﻟﻬﻨﺪ ﻟﻬﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻣﻜﺎﻧﺔ ﺧﺎﺻﺔ .ﻳﺒﺤﺚ
ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻬﻨﺪﻱ ،ﺑﺤﺎﻓﺰٍ ﺭﻭﺣﻲ ﻛﺒﻴﺮ ،ﻋﻦ ﺍﺧﺘﺒﺎﺭٍ ﻳﺤﺮّﺭ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻣﻦ ﻗﻴﻮﺩ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﻭﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ،ﻭﻳﺘﻤﺘﻊ ﺑﻘﻴﻤﺔ ﻣﻄﻠﻘﺔ .ﻓﻲ ﺩﻳﻨﺎﻣﻴﺔ ﻫﺬﺍ
ﺍﻟﺴﻌﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺤﺮّﺭ ﺗﻨﺪﺭﺝ ﻧﻈﺮﻳﺎﺕ ﻣﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ.

3.9 Page 29

▲back to top
29
ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﻴﻦ ﺍﻟﻴﻮﻡ ،ﻭﺑﺨﺎﺻﺔ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻬﻨﺪ ،ﺃﻥ ﻳﺴﺘﺨﺮﺟﻮﺍ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ ﺍﻟﺜﺮﻱ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻨﺎﻏﻢ ﻣﻊ
ﺇﻳﻤﺎﻧﻬﻢ ،ﻓﻴﺜﺮﻱ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ .ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺘﻤﺤﻴﺼﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻠﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﻴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺠﻤﻌﻲ ﻓﻲ »ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺑﺎﻷﺩﻳﺎﻥ
ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ« ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﻴﻦ ﺃﻥ ﻳﺘﻘﻴﺪﻭﺍ ﺑﻌﺪﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻘﺎﻳﻴﺲ :ﺍﻟﻤﻘﻴﺎﺱ ﺍﻷﻭﻝ ﻫﻮ ﺷﻤﻮﻟﻴﺔ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﺍﻟﺬﻱ
ﻧﺠﺪ ﻣﻘﺘﻀﻴﺎﺗﻪ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻣﺘﺸﺎﺑﻬﺔ ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ .ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺠﻢ ﻋﻦ ﺍﻷﻭﻝ ﻗﻮﺍﻣﻪ ﻣﺎ ﻳﻠﻲ :ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺘﺼﻞ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ
ﺑﺎﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻠﺘﻘﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،ﻻ ﻳﺴﻌﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﺘﺨﻠّﻰ ﻋﻤﺎ ﺍﻛﺘﺴﺒﺘﻪ ﺑﺎﻧﺜﻘﺎﻓﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻹﻏﺮﻳﻘﻲ-ﺍﻟﻼﺗﻴﻨﻲ .ﺍﻟﺘﻨﻜﺮ
ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ ﻳﻨﺎﻗﺾ ﻗﺼﺪ ﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮﺩ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻓﻲ ﺩﺭﻭﺏ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﻭﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ .ﻭﻋﻠﻰ ﻛﻞ ،ٍﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﻴﺎﺱ ،ﻓﻲ
ﻧﻈﺮ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ،ﻳﺼﺢُّ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺯﻣﺎﻥ ،ﻭﺳﻮﻑ ﻳﺼﺢ ﻓﻲ ﻛﻨﻴﺴﺔ ﺍﻟﻐﺪ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﻮﻑ ﺗﻘﺪّﺭ ﺛﺮﻭﺓ ﺍﻟﻤﻜﺎﺳﺐ ﺍﻟﻤﺤﻘﻘﺔ ﺑﻔﻀﻞ ﻣﺎ
ﻳﺠﺮﻱ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻣﻦ ﺗﻘﺎﺭﺏ ﻣﻊ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ ﺍﻟﺸﺮﻗﻴﺔ ،ﻭﺗﺠﺪ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻟﻠﺪﺧﻮﻝ ﻓﻲ ﺣﻮﺍﺭٍ ﻣﺜﻤﺮ ﻣﻊ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ
ﺍﻟﺘﻲ ﺳﺘﻔﺮﺯﻫﺎ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ ﻧﺤﻮ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ .ﻭﻳﺠﺐ ﺍﻻﺣﺘﺮﺍﺯ ،ﺛﺎﻟﺜﺎ ،ًﻣﻦ ﺍﻟﺨﻠﻂ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﻄﺎﻟﺒﺔ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﺑﻤﺎ ﻳﺘﻤﺘﻊ ﺑﻪ
ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻬﻨﺪﻱ ﻣﻦ ﻓﺮﺍﺩﺓ ﻭﺃﺻﺎﻟﺔ ،ﻭﺍﻟﻤﺒﺪﺃ ﺍﻟﻘﺎﺋﻞ ﺑﺄﻥ ﻛﻞ ﺗﻘﻠﻴﺪ ﺛﻘﺎﻓﻲ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻨﻐﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﻣﺰﻳّﺘﻪ ﻭﻳﺜﺒّﺖ ﻫﻮﻳﺘﻪ ﺑﺘﻌﺎﺭﺿﻪ ﻣﻊ
ﺍﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ﺍﻷﺧﺮﻯ ،ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻨﺎﻗﺾ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻓﻲ ﺻﻤﻴﻢ ﻃﺒﻴﻌﺘﻪ.
ﻭﻣﺎ ﻧﻘﻮﻟﻪ ﻫﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻬﻨﺪ ﻳﺼﺢ ﺃﻳﻀﺎً ﻓﻲ ﺗﺮﺍﺙ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻴﻦ ﻭﺍﻟﻴﺎﺑﺎﻥ ﻭﺳﺎﺋﺮ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﺍﻵﺳﻴﻮﻳﺔ ﺍﻷﺧﺮﻯ ،ﻛﻤﺎ
ﻳﺼﺢ ﺃﻳﻀﺎً ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺛﺮﻭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ﺍﻹﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ،ﻭﺑﺨﺎﺻﺔ ﺍﻟﻤﻨﻘﻮﻟﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﺷﻔﻬﻴﺎ
.73ﻓﻲ ﺿﺆ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ،ﻳﺘﻀﺢ ﻟﻨﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﻘﻴﻤﻬﺎ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﻼﺋﻤﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ،ﻻ ﺑﺪّ ﻣﻦ
ﺃﻥ ﺗﺨﻀﻊ ﻟﻤﺒﺪﺃ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﻳﺔ .ﻓﺒﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﻧﻌﻠﻢ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻨﻄﻠﻖ ﻭﺍﻟﻤﺼﺪﺭ ﺍﻷﺻﻴﻞ ﻫﻤﺎ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﻮﺣﻰ ﻓﻲ
ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﻬﺪﻑ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻓﻬﻢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻭﺍﻛﺘﻨﺎﻫﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺪﻯ ﺍﻷﺟﻴﺎﻝ .ﻭﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ ،ﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﻫﻮ
ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ )ﺭﺍ ﻳﻮ ،(17 ،17 ،ﻓﻠﻜﻲ ﻧُﺤﺴﻦ ﻓﻬﻢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻼﻡ ،ﻻ ﻳﺴﻌﻨﺎ ﺃﻻّ ﺃﻥ ﻧﺴﺘﻌﻴﻦ ﺑﺎﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،ﺃﻱ
ﺑﺎﻟﻤﺴﻌﻰ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﺑﺸﺮﻁ ﺃﻥ ﻳﺘﻢ ﻓﻲ ﺍﺣﺘﺮﺍﻡ ﻗﻮﺍﻧﻴﻨﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻّﺔ .ﻭﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﻧﺴﺘﻌﻴﻦ ﻓﻘﻂ ،ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻲ،
ﺑﺒﻌﺾ ﻣﻘﻮﻻﺕ ﺍﻟﺒﻨﻴﺔ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﺃﻭ ﺑﻌﺾ ﺃﺟﺰﺍﺋﻬﺎ :ﻓﺈﻧﻪ ﻣﻦ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﺍﻟﺠﻮﻫﺮﻳﺔ ﺃﻥ ﻳﻤﺎﺭﺱ ﻋﻘﻞ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﻃﺎﻗﺎﺗﻪ
ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،ﺿﻤﻦ ﺣﺮﻛﺔ ﺗﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺗﺴﻌﻰ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻮﺻﻞ ﺇﻟﻰ ﻓﻬﻤﻪ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺃﻓﻀﻞ .ﻭﻣﻦ
ﺍﻟﻮﺍﺿﺢ ،ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ ،ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻓﻲ ﺗﻨﻘﻠﻪ ﺑﻴﻦ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﻘﻄﺒﻴﻦ – ﺃﻱ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻣﻌﺮﻓﺘﻪ ﺑﻮﺟﻪ ﺃﻓﻀﻞ – ﻳﺤﻈﻰ ﺑﺸﺒﻪ
ﺗﻨﺒﻴﻪ ﻭﺗﻮﺟﻴﻪ ،ﻟﻴﺘﺤﺎﺷﻰ ﺩﺭﻭﺑﺎً ﺗﻨﺤﺮﻑ ﺑﻪ ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﻮﺣﺎﺓ ،ﻭﻓﻲ ﺁﺧﺮ ﺍﻟﻤﻄﺎﻑ ،ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺑﺴﺎﻃﺘﻬﺎ.
ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ ﻣﺪﻋﻮّ ﺃﻳﻀﺎً ﺇﻟﻰ ﺭﻳﺎﺩﺓ ﻃﺮﻕ ﻟﻴﺲ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻪ ﺃﻥ ﻳﺘﺼﻮّﺭ ﺍﺟﺘﻴﺎﺯﻫﺎ ﻭﺣﺪﻩ .ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﻳﺔ ﺑﻜﻼﻡ ﺍﻟﻠﻪ ،ﺗﺨﺮﺝ
ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺛﺮﻳّﺔ ،ﻷﻥ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻳﻜﺘﺸﻒ ﺑﻔﻀﻠﻬﺎ ﺁﻓﺎﻗﺎً ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻴﺤﻠﻢ ﺑﻬﺎ.
.74ﺩﻟﻴﻞ ﻣﺎ ﺗﺆﺗﻴﻪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﻣﻦ ﺛﻤﺎﺭ ،ﻧﺠﺪﻩ ﻓﻲ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺑﻌﺾ ﻋﻈﻤﺎﺀ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻴﻴﻦ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﻴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﺃﻳﻀﺎً ﻣﻦ
ﻃﺮﺍﺯ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺍﻟﻌﻈﺎﻡ ،ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺄﻧﻬﻢ ﺧﻠَّﻔﻮﺍ ﺁﺛﺎﺭﺍً ﺗﺘﻤﻴّﺰ ﺑﻘﻴﻤﺔ ﻓﻜﺮﻳّﺔ ﺭﺍﻗﻴﺔ ﺗﺠﻌﻠﻬﻢ ،ﺑﺤﻖ ،ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺃﻗﻄﺎﺏ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ
ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ .ﻭﻳﺼﺢ ﻫﺬﺍ ﻓﻲ ﺁﺑﺎﺀ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻭﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﻢ ،ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻗﻞ ،ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﻏﻮﺭﻳﻐﻮﺭﻳﻮﺱ ﺍﻟﻨـﺰﻳﻨـﺰﻱ ﻭﺍﻟﻘﺪﻳﺲ
ﺃﻭﻏﺴﻄﻴﻨﻮﺱ ،ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻣﻼﻓﻨﺔ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﻮﺳﻴﻂ ﻭﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺧﺼﻮﺻﺎً ﺍﻟﺜﻼﺛﻲ ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺭ :ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺃﻧﺴﻠﻤﻮﺱ ،ﻭﺍﻟﻘﺪﻳﺲ
ﺑﻮﻧﺎﻓﻨﺘﻮﺭﺍ ﻭﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺗﻮﻣﺎ ﺍﻷﻛﻮﻳﻨﻲ .ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺍﻟﻤﺜﻤﺮﺓ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻭﻛﻼﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻈﻬﺮ ﺃﻳﻀﺎً ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﺠﺮﻱﺀ ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺎﻡ ﺑﻪ
ﻣﻔﻜﺮﻭﻥ ﺣﺪﻳﺜﻮﻥ ،ﻳﻄﻴﺐ ﻟﻲ ﺃﻥ ﺃﺫﻛﺮ ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﻢ ،ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺮﺏ ،ﺷﺨﺼﻴﺎﺕ ﻣﻦ ﻣﺜﻞ ﺟﻮﻥ ﻫﻨﺮﻱ ﻧﻴﻮﻣﻦ ،ﻭﺃﻧﻄﻮﻧﻴﻮ ﺭﻭﺯﻣﻴﻨﻲ،
ﻭﺟﺎﻙ ﻣﺎﺭﻳﺘﺎﻥ ،ﻭﺇﺗﻴﺎﻥ ﺟﻠﺴﻮﻥ ﻭﺇﺩﻳﺚ ﺷﺘﻴﻦ؛ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺸﺮﻕ ﻣﻔﻜﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﻃﺮﺍﺯ ﻓﻼﺩﻳﻤﻴﺮ ﺱ .ﺳﻮﻟﻮﻓﻴﻴﻒ ،ﻭﺑﺎﻓﻞ ﺃ.
ﻓﻠﻮﺭﻧﺴﻜﻲ ،ﻭﺑﻴﺘﺮ ﺝ .ﺯﺍﺩﺍﺋﻴﻒ ،ﻭﻓﻼﺩﻳﻤﻴﺮ ﻥ .ﻟﻮﺳﻜﻲ .ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻮﺍﺿﺢ ﺃﻧﻨﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺃﺫﻛﺮ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ – ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ
ﺃﺿﻴﻒ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﺁﺧﺮﻳﻦ – ﻻ ﺃﺭﻳﺪ ﺃﻥ ﺃﻭﺍﻓﻖ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻼﻣﺢ ﻓﻜﺮﻫﻢ ،ﺑﻞ ﺃﻥ ﺃﻭﺭﺩ ﻓﻘﻂ ﻧﻤﺎﺫﺝ ﺑﻠﻴﻐﺔ ﻓﻲ ﻧﻤﻂ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺤﺚ
ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﺍﺳﺘﻔﺎﺩ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﻣﻘﺎﺭﻧﺘﻪ ﺑﻤﻌﻄﻴﺎﺕ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ .ﻫﻨﺎﻙ ﺃﻣﺮ ﺃﻛﻴﺪ :ﺍﻟﺘﻨﺒّﻪ ﻟﻠﻤﺴﻴﺮﺓ ﺍﻟﺮﻭﺣﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺣﻘﻘﻬﺎ ﻫﺆﻻﺀ
ﺍﻟﻤﻌﻠﻤﻮﻥ ،ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺇﻻّ ﺃﻥ ﻳﺪﻋﻢ ﺍﻟﺘﻘﺪّﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﻓﻲ ﺗﻄﻮﻳﻊ ﻧﺘﺎﺋﺠﻬﺎ ﻟﺨﺪﻣﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ .ﻭﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﺄﻣﻞ ﺃﻥ
ﻳﺠﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ-ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻲ ،ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻭﻏﺪﺍ ،ًﺃﺷﺨﺎﺻﺎً ﻳﻮﺍﺻﻠﻮﻧﻪ ﻭﻳﺴﺘﺜﻤﺮﻭﻧﻪ ﻟﺨﻴﺮ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻭﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ.
ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺃﻭﺿﺎﻋﻬﺎ
.75ﺑﻨﺘﻴﺠﺔ ﻣﺎ ﺃﺗﻴﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺫﻛﺮﻩ ،ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﻘﺘﻀﺒﺔ ،ﻣﻦ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺑﻴﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ،ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻤﻴّﺰ ﺑﻌﺾ

3.10 Page 30

▲back to top
30
ﺃﻭﺿﺎﻉ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ .ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍﻷﻭﻝ ﻫﻮ ﻭﺿﻊ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﻠﺔ ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻋﻦ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﺍﻹﻧﺠﻴﻠﻲ.
ﻫﻮ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻜﻮّﻧﺖ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺎً ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﺐ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﺒﻘﺖ ﻣﻴﻼﺩ ﺍﻟﻔﺎﺩﻱ ،ﻭﺗﺎﻟﻴﺎ ،ًﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳﺼﻞ ﺇﻟﻴﻬﺎ
ﺍﻹﻧﺠﻴﻞ ﺑﻌﺪ .ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺿﻊ ،ﻧﺠﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺗﻮﻗﺎً ﺷﺮﻋﻴﺎً ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﻓﻲ ﻣﺴﻌﺎﻫﺎ ،ﺃﻱ ﺃﻥ ﺗﺠﺮﻱ ﺑﻤﻮﺟﺐ
ﻗﻮﺍﻧﻴﻨﻬﺎ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻭﻻ ﺗﺴﺘﻌﻴﻦ ﺇﻻّ ﺑﻘﺪﺭﺍﺕ ﺍﻟﻌﻘﻞ .ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻮﻕ ﻳﺤﺴﻦ ﺃﻥ ﻧﺪﻋﻤﻪ ﻭﻧﻌﺰّﺯﻩ ﻣﻊ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩﻳﺔ ﺍﻟﺨﻄﻴﺮﺓ
ﺍﻟﻨﺎﺟﻤﺔ ﻋﻦ ﺿﻌﻒ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻓﻲ ﻓﻄﺮﺗﻪ .ﻭﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺴﻌﻰ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ،ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،ﻳﺒﻘﻰ
ﺿﻤﻨﻴﺎً ﻣﺸﺮﻋﺎً ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻓﻮﻕ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ.
ﻭﺣﺘﻰ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺴﺘﻌﻴﻦ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻲ ﺑﻤﻘﻮﻻﺕ ﻭﺃﺩﻟّﺔ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ ،ﻻ ﺑﺪّ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻧﺤﺘﺮﻡ ﻣﺎ ﻳﺘﻄﻠﺒﻪ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻣﻦ ﺍﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺔ
ﺻﺤﻴﺤﺔ .ﻓﺎﻟﺘﺪﻟﻴﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻢّ ﺑﻤﻮﺟﺐ ﺿﻮﺍﺑﻂ ﻋﻘﻠﻴﺔ ﺻﺎﺭﻣﺔ ﻫﻮ ،ﻭﻻ ﺷﻚ ،ﺿﻤﺎﻧﺔ ﻟﻠﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻣﻘﺒﻮﻟﺔ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ.
ﻭﻫﻨﺎ ﻳﺘﺤﻘﻖ ﺃﻳﻀﺎً ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ ﺍﻟﻘﺎﺋﻞ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻨﻌﻤﺔ ﻻ ﺗﻠﻐﻲ ﺑﻞ ﺗﻜﻤّﻞ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ :ﺍﻹﺫﻋﺎﻥ ﺍﻹﻳﻤﺎﻧﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻠﺰﻡ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻻ
ﻳﻠﻐﻲ ﺑﻞ ﻳﻜﻤّﻞ ﺣﺮﻳّﺔ ﺍﻟﺨﻴﺎﺭ ﻋﻨﺪ ﻛﻞ ﻣﺆﻣﻦ ﻳﻘﺒﻞ ﺍﻟﻮﺣﻲ.
ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻓﺔ ﺑﺎﻟﻔﻠﺴﻔﺔ »ﺍﻟﻤﻔﺼﻮﻟﺔ« ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﺒﻨﺎﻫﺎ ﻋﺪﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﻳﻦ ،ﺗﺒﺘﻌﺪ ﺍﺑﺘﻌﺎﺩﺍً ﻭﺍﺿﺤﺎً
ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺘﻀﻰ ﺍﻟﺴﻠﻴﻢ .ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﻻ ﺗﻜﺘﻔﻲ ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺔ ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ﻟﻜﻞٍ ﻣﺴﻌﻰ ﻓﻠﺴﻔﻲ ،ﺑﻞ ﺗﻄﺎﻟﺐ
ﺑﺄﻥ ﻳﺘﻤﺘﻊ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺑﺎﻻﻛﺘﻔﺎﺀ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ،ﻭﻫﻲ ﻣﻄﺎﻟﺒﺔ ﻻ ﺷﺮﻋﻴﺔ ﻭﺍﺿﺤﺔ :ﻓﻜﻞ ﺭﻓﺾٍ ﻟﻤﺎ ﺗﺰﻭّﺩﻧﺎ ﺑﻪ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻨﺎﺑﻌﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺣﻲ
ﺍﻹﻟﻬﻲ ﻳﻌﻨﻲ ﺍﻟﺤﺆﻭﻝ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﻣﺰﻳﺪٍ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﻖ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،ﻭﺫﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎﺏ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ.
.76ﺛﻤﺔ ﻭﺿﻊ ﺁﺧﺮ ﻣﻦ ﺃﻭﺿﺎﻉ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺼﻔﻪ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻭﻥ ﺑﺎﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ .ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﺴﻤﻴﺔ ﻣﺸﺮﻭﻋﺔ ﻓﻲ ﺣﺪّ
ﺫﺍﺗﻬﺎ ،ﻋﻠﻰ ﺃﻻّ ﻳﻘﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻻﻟﺘﺒﺎﺱ :ﻓﻬﻲ ﻻ ﺗﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻭﺟﻮﺩ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﺭﺳﻤﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ،ﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ،ﻓﻲ ﺣﺪّ ﺫﺍﺗﻪ،
ﻟﻴﺲ ﻓﻠﺴﻔﺔ .ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﺴﻤﻴﺔ ﺗﻌﻨﻲ ﺇﺫﻥ ﻧﻬﺠﺎً ﻓﻠﺴﻔﻴﺎً ﻣﺴﻴﺤﻴﺎً ﻭﺗﻨﻈﻴﺮﺍً ﻓﻠﺴﻔﻴﺎً ﻣﺮﺗﺒﻄﺎً ﺍﺭﺗﺒﺎﻃﺎً ﻭﺛﻴﻘﺎً ﺑﺎﻹﻳﻤﺎﻥ .ﻧﺤﻦ ﻟﺴﻨﺎ ﺇﺫﻥ
ﺑﺈﺯﺍﺀ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻣﻦ ﻭﺿﻊ ﻓﻼﺳﻔﺔ ﻣﺴﻴﺤﻴﻴﻦ ﻟﻢ ﻳﺸﺎﺅﻭﺍ ﺍﻟﺘﻌﺮّﺽ ﻟﻺﻳﻤﺎﻥ ﻓﻲ ﺑﺤﺜﻬﻢ .ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻧﺘﻜﻠﻢ ﻋﻦ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻣﺴﻴﺤﻴﺔ،
ﻧﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻧﺸﻤﻞ ،ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻌﺒﺎﺭﺓ ،ﻣﺎ ﺃﺣﺮﺯﻩ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﻣﻦ ﺗﻄﻮّﺭﺍﺕ ﻫﺎﻣﺔ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﺎﻹﻣﻜﺎﻥ ﺃﻥ ﺗﺘﺤﻘﻖ ﻟﻮﻻ ﻣﺎ ﺭﻓﺪﻫﺎ ﺑﻪ
ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ ،ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﺃﻭ ﻏﻴﺮ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ.
ﺛﻤﺔ ﺇﺫﻥ ﻭﺟﻬﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ :ﻭﺟﻪ ﺫﺍﺗﻲ ﻗﻮﺍﻣﻪ ﺗﻨﻘﻴﺔ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺑﺎﻹﻳﻤﺎﻥ .ﻓﺎﻹﻳﻤﺎﻥ ،ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻫﻮ ﻓﻀﻴﻠﺔ ﺇﻟﻬﻴﺔ،
ﻳﺤﺮّﺭ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻫﻮ ،ﻭﻫﻮ ﻧﻘﻴﺼﺔ ﻧﻤﻮﺫﺟﻴﺔ ﻳﺘﻌﺮﺽ ﻟﻬﺎ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻛﺜﻴﺮﺍ ،ًﻭﻗﺪ ﻧﺪّﺩ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ ﻓﻲ ﺃﻳﺎﻣﻪ ﻭﺃﺑﺎﺀ
ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻭﻓﻼﺳﻔﺔ ﺁﺧﺮﻭﻥ ﺃﻗﺮﺏ ﻣﻨﺎ ،ﻣﻦ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﺑﺎﺳﻜﺎﻝ ﻭﻛﻴﺮﻛﻴﻐﺎﺭﺩ .ﺑﺎﻟﺘﻮﺍﺿﻊ ﻳﺤﺮﺯ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﻣﺎ ﻳﺤﺘﺎﺟﻪ ﻣﻦ ﺟﺮﺃﺓ
ﻟﻴﺠﺎﺑﻪ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺴﻌﻪ ﺃﻥ ﻳﺤﻠّﻬﺎ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ،ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﺮﺍﻋﻲ ﻣﻌﻄﻴﺎﺕ ﺍﻟﻮﺣﻲ .ﺣﺴﺒﻨﺎ ،ﻣﺜﻼ ،ًﺃﻥ ﻧﻔﻜّﺮ
ﺑﻤﻌﻀﻼﺕ ﺍﻟﺸﺮ ﻭﺍﻟﻌﺬﺍﺏ ﻭﻫﻮّﻳﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻭﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺃﻭ ،ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ،ﺍﻟﻤﻌﻀﻠﺔ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﺔ ﺍﻟﺠﺬﺭﻳﺔ:
»ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺛﻤﺔ ﺷﻲﺀ؟
ﻫﻨﺎﻙ ﺃﻳﻀﺎً ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻲ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻖ ﺑﻤﺤﺘﻮﻯ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ :ﻓﺎﻟﻮﺣﻲ ﻳﻌﺮﺽ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺑﻮﺿﻮﺡ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﺘﻲ
ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﺈﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺃﻥ ﻳﻜﺘﺸﻔﻬﺎ ﻭﺣﺪﻩ ،ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﻃﺒﻴﻌﺘﻬﺎ ﻏﻴﺮ ﻣﺴﺘﻌﺼﻴﺔ ﻋﻠﻴﻪ .ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺅﻳﺔ ﻧﺠﺪ ﺑﻌﺾ
ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻣﻦ ﻣﺜﻞ ﻭﺟﻮﺩ ﺇﻟﻪ ﺷﺨﺼﻲ ﺣﺮّ ﻭﺧﺎﻟﻖ ،ﻭﻗﺪ ﺑﺎﺕ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﻛـﺒﺮﻯ ﻓﻲ ﺗﻄﻮﻳﺮ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ،
ﻭﺑﺨﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﺗﻄﻮﻳﺮ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻜﻴﻨﻮﻧﺔ .ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻄﺎﻕ ﻳﺪﺧﻞ ﺃﻳﻀﺎً ﻭﺍﻗﻊ ﺍﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ﻛﻤﺎ ﻳﺒﺪﻭ ﻓﻲ ﺿﺆ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﺎﻋﺪﻧﺎ
ﻓﻲ ﻃﺮﺡ ﻣﻌﻀﻠﺔ ﺍﻟﺸﺮ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ .ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﻛﻜﺎﺋﻦ ﺭﻭﺣﻲ ﻫﻲ ﺃﻳﻀﺎً ﻣﻦ ﻣﺒﺘﻜﺮﺍﺕ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ :ﻓﺎﻟﻤﻨﺎﺩﺍﺓ
ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ﺑﻜﺮﺍﻣﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻭﻣﺴﺎﻭﺍﺗﻬﻢ ﻭﺣﺮﻳﺘﻬﻤﻢ ﻗﺪ ﺃﺛﺮﺕ ،ﺑﺪﻭﻥ ﺭﻳﺐ ،ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﻋﻨﺪ ﺃﺑﻨﺎﺀ ﻋﺼﺮﻧﺎ .ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻨﺎ ﺃﻥ
ﻧﺬﻛﺮ ،ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﻘﺮﻳﺒﺔ ﻣﻨﺎ ،ﺍﻛﺘﺸﺎﻑ ﺍﻷﻫﻤﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﻤﻴّﺰ ﺑﻬﺎ ،ﻓﻲ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺃﻳﻀﺎ ،ًﺍﻟﻮﺣﻲ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ ،ﺑﻮﺻﻔﻪ
ﺍﻟﺤﺪﺙ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﺍﻟﻤﺮﻛﺰﻱ .ﻭﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﺼﺪﻓﺔ ﺃﻥ ﻳﺼﺒﺢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪﺙ ﻣﺤﻮﺭ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﺃﺻﺒﺢ ﺷﺒﻪ ﻓﺼﻞ ﺟﺪﻳﺪ ﻣﻦ
ﻓﺼﻮﻝ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ.
ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ﻧﺠﺪ ﺃﻳﻀﺎً ﺿﺮﻭﺭﺓ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﻣﻌﻘﻮﻟﻴﺔ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺓ ﻓﻲ
ﺍﻟﻜﺘﺐ ﺍﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ ،ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﺎ ،ﻣﺜﻼ ،ًﻣﺎ ﺃُﻛﺮِﻡ ﺑﻪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺩﻋﻮﺓ ﺗﻔﻮﻕ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ،ﻭﻗﻀﻴﺔُ ﺍﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ﺍﻷﺻﻠﻴﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ .ﻫﺬﻩ
ﺍﻟﻤﻬﻤّﺎﺕ ﺗﺤﺚ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﻋﺘﺮﺍﻑ ﺑﻮﺟﻮﺩ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺣﻖُّ ﻭﻋﻘﻼﻧﻲ ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﺤﺪﻭﺩ ﺍﻟﺤﺼﺮﻳّﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﻳﻨـﺰﻭﻱ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻌﻘﻞ.

4 Pages 31-40

▲back to top

4.1 Page 31

▲back to top
31
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ ﺗﻮﺳّﻊ ،ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ،ﻧﻄﺎﻕ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﺍﻟﻌﻘﻼﻧﻲ.
ﻟﻢ ﻳﺼﺒﺢ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻻﻫﻮﺗﻴﻴﻦ ﻓﻲ ﺗﻨﻈﻴﺮﻫﻢ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ،ﻭﺫﻟﻚ ﺑﻤﻘﺪﺍﺭ ﻣﺎ ﺗﺤﺎﺷﻮﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﻓﻬﻢ ﻭﺷﺮﺡ ﺣﻘﺎﺋﻖ
ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺍﻧﻄﻼﻗﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺣﻲ .ﻟﻘﺪ ﺍﺳﺘﻤﺮُّﻭﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺿﻤﻦ ﻧﻄﺎﻗﻬﻢ ﺍﻟﺨﺎﺹّ ﻭﺑﻤﻨﻬﺠﻴﺘﻬﻢ ﺍﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ ﺍﻟﺒﺤﺖ ،ﻭﻟﻜﻨﻬﻢ ﻭﺳّﻌﻮﺍ
ﺃﺑﺤﺎﺛﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﻣﺴﺎﺣﺎﺕ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ .ﻭﻳﺴﻮﻍ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺇِﻥ ﺟﺰﺀﺍً ﻛﺒﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﺓ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ
ﻟﻴﺘﺤﻘﻖ ﻟﻮﻻ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺃﺛﺮﻩ ﺍﻟﺤﺎﻓﺰ .ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻳﺤﺘﻔﻆ ﺑﻜﺎﻣﻞ ﺻﺪﻗﻴﺘﻪ ،ﺣﺘﻰ ﺗﺠﺎﻩ ﻣﺎ ﻧﻠﺤﻈﻪ ،ﺑﺨﻴﺒﺔ ﺃﻣﻞ ،ﻣﻦ ﺇﻋﺮﺍﺽ
ﻋﺪﺩٍ ﻣﻦ ﻣﻔﻜﺮّﻱ ﺍﻟﻘﺮﻭﻥ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﻋﻦ ﺍﻷﺭﺛﻮﺫﻛﺴﻴّﺔ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﺔ.
.77ﻧﺠﺪ ﻟﻠﻔﻠﺴﻔﺔ ﻭﺿﻌﺎً ﻻﻓﺘﺎً ﺁﺧﺮ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺮﻛﻦ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﻧﻔﺴﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ .ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺃﻥ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﻗﺪ ﺍﺣﺘﺎﺝ ﻭﻻ ﻳﺰﺍﻝ
ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﻓﺪ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ .ﻓﺎﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻲ ،ﺑﺼﻔﺘﻪ ﻧﺸﺎﻃﺎً ﻣﻦ ﻧﺸﺎﻃﺎﺕ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﻨﺎﻗﺪ ﻓﻲ ﺿﺆ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ،ﻳﻔﺘﺮﺽ
ﻭﻳﻘﺘﻀﻲ ،ﻓﻲ ﻛﻞ ﺳﻌﻴﻪ ،ﻋﻘﻼً ﻣﺪﺭّﻳﺎً ﻭﻣﺜﻘﻔﺎً ﻋﻠﻰ ﺻﻌﻴﺪ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻄﺮﺍﺋﻖ ﺍﻟﺒﺮﻫﺎﻧﻴﺔ .ﺛﻢ ﺇﻥ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﺑﺤﺎﺟﺔ
ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻛﻄﺮﻑٍ ﻣﺤﺎﻭﺭٍ ﻟﻠﺘﺤﻘﻖ ﻣﻦ ﻣﻔﻬﻮﻣﻴﺔ ﺗﺄﻛﻴﺪﺍﺗﻪ ﻭﺣﻘﻴﻘﺘﻬﺎ ﺍﻟﺸﺎﻣﻠﺔ .ﻭﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﺼﺪﻓﺔ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺁﺑﺎﺀ
ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻭﻻﻫﻮﺗﻴﻮُّ ﺍﻟﻘﺮﻭﻥ ﺍﻟﻮﺳﻄﻰ ﻗﺪ ﺍﺳﺘﻌﺎﻧﻮﺍ ﺑﻔﻼﺳﻔﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺴﻴﺤﻴﻴﻦ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮﻳﺔ .ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ
ﻳﻨﻮّﻩ ﺑﻘﻴﻤﺔ ﺍﻻﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺘﻔﻆ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ،ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻳﻠﻔﺘﻨﺎ ﺃﻳﻀﺎً ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﺨﻀﻊ ﻟﻪ
ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻣﻦ ﺗﻄﻮﻳﺮﺍﺕ ﻋﻤﻴﻘﺔ.
ﺇﻥ ﻣﺎ ﺃﺩﺗﻪ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻟﻼﻫﻮﺕ ﻣﻦ ﺭﻓﺪٍ ﺿﺮﻭﺭﻱ ﻭﺭﻓﻴﻊ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺳﺘﺤﻖ ﻟﻬﺎ ،ﻣﻨﺬ ﺯﻣﻦ ﺍﻵﺑﺎﺀ ،ﻟﻘﺐ »ﺧﺎﺩﻣﺔ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕﺑﻴﺪ
ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻠﻘﺐ ﻟﻢ ﻳﻄﺒَّﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻟﻠﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﺧﻀﻮﻉ ﺫﻟﻴﻞ ﺃﻭ ﻋﻦ ﺩﻭﺭ ﻭﻇﻴﻔﻲ ﺑﺤﺖ ﻟﻠﻔﻠﺴﻔﺔ ﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ،ﻭﻟﻜﻨﻪ ﺍﺳﺘُﻌﻤﻞ
ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻮﺧّﺎﻩ ﺃﺭﺳﻄﻮ ﻓﻲ ﺣﺪﻳﺜﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻻﺧﺘﺒﺎﺭﻳﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻌﻤﻠﺔ ﻓﻲ »ﺧﺪﻣﺔ« »ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰﻫﺬﺍ
ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺼﻌﺐ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻪ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺑﺴﺒﺐ ﻣﺒﺎﺩﻯﺀ ﺍﻻﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺗﻴﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺫﻛﺮﻫﺎ ﻗﺪ ﺍﺳﺘُﺨﺪﻡ ،ﻋﻠﻰ ﻣﺪﻯ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ،
ﻟﻠﺪﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﻦ ﻭﺍﺳﺘﺤﺎﻟﺔ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ.
ﺇﺫﺍ ﺃﺑﻰ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻲ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻌﻴﻦ ﺑﺎﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺘﻌﺮّﺽ ﻷﻥ »ﻳﺘﻔﻠﺴﻒ« ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﻳﺪﺭﻱ ،ﻭﻳﻨﺤﺼﺮ ﺿﻤﻦ ﺑﻨﻴﺎﺕ ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻻ
ﺗﺴﺎﻋﺪ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻓﻲ ﻓﻬﻢ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ .ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﺇﺫﺍ ﻧﻔﻰ ﻛﻞ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺎﻟﻼﻫﻮﺕ ،ﻇﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻠﺰﻣﺎً ﺑﺄﻥ ﻳﺤﺘﻜﺮ ﻟﺬﺍﺗﻪ ﻣﺤﺘﻮﻯ
ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ ،ﻛﻤﺎ ﺟﺮﻯ ﻟﺒﻌﺾٍ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﻴﻦ .ﻓﻲ ﻛﻼ ﺍﻟﺤﺎﻟﺘﻴﻦ ﻳﺘﺮﺍﺀﻯ ﺧﻄﺮ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﻯﺀ
ﺍﻷﺳﺎﺳﻴّﺔ ﺍﻟﻤﻄﺎﻟﺒﺔ ﺑﺎﻻﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺘﻤﺴَّﻚ ﺑﻬﺎ ﻛﻞٌّ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻭﺍﻟﻼﻫﻮﺕ.
ﻭﺿﻊ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﺒﺤﺚ ﻓﻴﻪ ﺍﻵﻥ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺨﻀﻊ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ،ﻣﻊ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ،ﻹﺷﺮﺍﻑ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ﻭﺭﻗﺎﺑﺘﻬﺎ ،ﻛﻤﺎ
ﺃﺷﺮﺕ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﻗﺒﻼ ،ًﻭﺫﻟﻚ ﺑﺴﺒﺐ ﻣﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻧﻌﻜﺎﺳﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﻴﻌﺎﺏ ﺍﻟﻮﺣﻲ .ﻓﻬﻨﺎﻙ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺇﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﺗﻨﺒﺜﻖ ﻣﻦ
ﺍﻟﻤﻘﺘﻀﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﺤﺪّﺩﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺃﻥ ﺗﺮﺍﻋﻴﻬﺎ ﻛﻞ ﻣﺮّﺓ ﺗﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ.
.78ﺑﻨﺘﻴﺠﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻻﻋﺘﺒﺎﺭﺍﺕ ﻧﻔﻬﻢ ،ﺑﻼ ﻋﻨﺎﺀ ،ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺃﺛﻨﺖ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ﻣﺮﺍﺭﺍً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻮﺍﺋﺪ ﺍﻟﻨﺎﺑﻌﺔ ﻣﻦ ﻓﻜﺮ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ
ﺗﻮﻣﺎ ﻭﺟﻌﻠﺖ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺩﻟﻴﻼً ﻭﻧﻤﻮﺫﺟﺎً ﻟﻠﺪﺭﻭﺱ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻴﺔ .ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﺍﻫﺘﻤﺎﻡ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺃﻥ ﺗﺘﺨﺬ ﻣﻮﻗﻔﺎً ﻣﻦ
ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﺍﻟﺒﺤﺘﺔ ﻭﻻ ﺃﻥ ﺗﻔﺮﺽ ﺍﻋﺘﻨﺎﻕ ﻗﻀﺎﻳﺎ ﻓﻜﺮﻳﺔ ﺧﺎﺻﺔ .ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﻫﺪﻑ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ﻭﻻ ﻳﺰﺍﻝ ﺃﻥ ﺗﺠﻌﻞ
ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺗﻮﻣﺎ ﻧﻤﻮﺫﺟﺎً ﺻﺤﻴﺤﺎً ﻟﻜﻞِ ﻣﻦ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ .ﻭﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺃﻥ ﻣﻘﺘﻀﻰ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﻗﻮﺓ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻗﺪ ﻭﺟﺪﺍ ﻓﻲ
ﻓﻜﺮ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺗﻮﻣﺎ ﺃﺭﻗﻰ ﺧﻼﺻﺔ ﺍﺳﺘﻄﺎﻉ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺃﻥ ﻳﺤﻘﻘﻬﺎ ،ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺄﻧﻪ ﻋﺮﻑ ﻛﻴﻒ ﻳﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺟﺎﺀ ﺑﻪ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﻣﻦ ﺑَﺪْﻉٍ
ﺟﺬﺭﻱّ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻘﻠّﻞ ﻣﻦ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻨﻬﺞ ﺍﻟﻌﻘﻼﻧﻲ.
.79ﺃﻭﺩّ ﺃﻥ ﺃﺗﻮﺳّﻊ ﻓﻲ ﻣﺎ ﺳﻠﻒ ﻣﻦ ﻣﻀﻤﻮﻥ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﻜﻨﺴﻲ ،ﻭﺃﺑﻴّﻦ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﻘﺘﻀﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ
ﻳﻄﺮﺣﻬﺎ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﻓﻲ ﺃﻳﺎﻣﻨﺎ _ ﻭﻣﺎ ﻳﻄﺮﺣﻪ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻭﻻً _ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺎﺕ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﺓ .ﻋﻠﻰ
ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﺃﻥ ﻳﻌﻮّﻝ _ ﻛﻤﺎ ﺃﻛﺪّﺕ ﺫﻟﻚ ﺁﻧﻔﺎً _ ﻋﻠﻰ ﻗﻮﺍﻋﺪ ﺧﺎﺻﺔ ﻭﺃﻥ ﻳﺮﺗﻜﺰ ﻋﻠﻰ ﻣﺒﺎﺩﺋﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ .ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ
ﺇﻻّ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻭﺍﺣﺪﺓ .ﻭﻣﻦ ﺛﻢ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﺃﺑﺪﺍ ،ًﻣﻊ ﻣﻀﻤﻮﻧﻪ ،ﺃﻥ ﻳﻨﺘﻘﺺ ﻣﻦ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻓﻲ ﺍﻛﺘﺸﺎﻓﺎﺗﻪ ﻭﻓﻲ
ﺍﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺘﻪ ﺍﻟﻤﺸﺮﻭﻋﺔ .ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ ،ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ،ﻳﺠﺐ ﺃﻻ ﻳﻔﻘﺪ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺴﺎﺅﻝ ﻭﻃﺮﺡ ﺍﻷﺳﺌﻠﺔ ،ﻋﺎﺭﻓﺎً ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ
ﻳﺤﺴﺐ ﺫﺍﺗﻪ ﻗﻴﻤﺔ ﻣﻄﻠﻘﺔ ﻭﻓﺮﻳﺪﺓ .ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﻮﺣﺎﺓ ﺗﻀﻊ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﻓﻲ ﻭﺿﺢ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺍﻟﻨﺎﺑﻊ ﻣﻦ ﺳﻨﻰ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﻷﺳﻤﻰ ﺍﻟﻘﺎﺋﻢ

4.2 Page 32

▲back to top
32
ﺑﺬﺍﺗﻪ ،ﻭﺗﻨﻴﺮ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ .ﻭﺧﻼﺻﺔ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺃﻥ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ ﻫﻮ ،ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،ﻧﻘﻄﺔ ﺍﻟﺘﻼﻗﻲ
ﻭﺍﻟﺘﻮﺍﺟﻪ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﻭﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻲ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺎﺗﻬﻤﺎ ﺍﻟﻤﺘﺒﺎﺩﻟﺔ .ﻣﺎ ﻧﺘﻤﻨﺎﻩ ﺇﺫﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻴﻴﻦ ﻭﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺃﻥ
ﻳﻬﺘﺪﻭﺍ ﺑﻬﺪﻱ ﺳﻠﻄﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ ،ﻓﻴﺼﻮﻏﻮﺍ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﺗﺘﺠﺎﻧﺲ ﻣﻊ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻠﻪ .ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺗﻜﻮﻥ ﻫﻲ ﻓﺴﺤﺔ ﺍﻟﻠﻘﺎﺀ
ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ ﻭﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ ،ﻭﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﺘﻮﺍﻓﻖ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻭﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ،ﻭﻳﻜﻮﻥ ﺫﻟﻚ ﺩﻋﻤﺎً ﻟﻠﻤﺴﻴﺤﻴﻴﻦ ﻟﻴﻘﺘﻨﻌﻮﺍ
ﺍﻗﺘﻨﺎﻋﺎً ﺃﻋﻤﻖ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻋﻤﻖ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺳﻼﻣﺘﻪ ﻳﻘﻮﻳﺎﻥ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﻔﻜﺮ ﻻ ﻳﺘﺨﻠّﻰ ﻋﻨﻪ .ﻭﺃﻭﻛّﺪ ،ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ،ﺃﻥ ﺁﺑﺎﺀ
ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻫﻢ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻮﺟﻬﻮﻧﻨﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦ :»ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻴﺲ ﺳﻮﻯ ﻓﻜﺮ ﻳﻌﺒّﺮ ﻋﻦ ﺇﺫﻋﺎﻥ . . .ﻣﻦ ﻳﺆﻣﻦ ﻳﻌﻘﻞ
ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻌﻘﻞ ﻳﺆﻣﻦ . . .ﻓﺈﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻻ ﻳﺮﺗﻜﺰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻘﻞ ،ﻓﻠﻴﺲ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺷﻴﺌﺎ .[95]«ًﻭﺃﻳﻀﺎ»ﺇﺫﺍ ﺣﺬﻓﻨﺎ ﺍﻹﺫﻋﺎﻥ،
ﺣﺬﻓﻨﺎ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ،ﻓﺒﺪﻭﻥ ﺍﻹﺫﻋﺎﻥ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺇﻳﻤﺎﻥ.[96]«
عباسلا لصفلا
انمايأ يف تايلوؤسملاو تايضتقملا
ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻣﻘﺘﻀﻴﺎﺗﻪ ﺍﻟﻤﻠﺰﻣﺔ
.80ﻳﺤﺘﻮﻱ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻤﻘﺪّﺱ ،ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﺃﻭ ﻣﺘﻀﻤﻨﺔ ،ﻋﻠﻰ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺗﻤﻜّﻨﻨﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺗﺼﻮّﺭ
ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻳﺘﻤﻴّﺰ ﺑﻜﺜﺎﻓﺔ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ .ﻟﻘﺪ ﺃﺩﺭﻙ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﻮﻥ ﺷﻴﺌﺎً ﻓﺸﻴﺌﺎً ﻏﻨﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺍﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ .ﻭﻣﺎ
ﻳﺘﻀﺢ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﺨﺘﺒﺮﻩ ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻷﻣﺮ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ :ﻓﻼ ﻫﻮ ﻏﻴﺮ ﻣﺨﻠﻮﻕ ،ﻭﻻ ﻳﺘﻮﻟّﺪ ﻣﻦ ﺫﺍﺗﻪ .ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺣﺪﻩ ﻣﻄﻠﻖ .ﺛﻢ
ﺇﻥ ﺻﻔﺤﺎﺕ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻤﻘﺪّﺱ ﺗﺮﺳﻢ ﻟﻨﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎً ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﻠﻪ ،ﻣﻊ ﻣﺎ ﺗﺘﻀﻤﻨﻪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺅﻳﺔ ﻣﻦ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﻣﺤﺪّﺩﺓ
ﺗﺘﻨﺎﻭﻝ ﻛﻴﺎﻧﻪ ﻭﺣﺮّﻳﺘﻪ ﻭﺧﻠﻮﺩ ﺭﻭﺣﻪ .ﻭﺑﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢَ ﻻ ﻳﺤﻈﻰ ﺑﺎﻛﺘﻔﺎﺀ ﺫﺍﺗﻲ ﻓﻜﻞ ﻭﻫﻢ ﺍﺳﺘﻘﻼﻟﻲ ﻳﺘﺠﺎﻫﻞ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ
ﺍﻟﺠﻮﻫﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﻴﻂ ﻛﻞ ﺧﻠﻴﻘﺔ ﻭﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﻟﻠﻪ ،ﻳﻔﻀﻲ ﺣﺘﻤﺎً ﺇﻟﻰ ﺃﻭﺿﺎﻉ ﻣﺄﺳﺎﻭﻳّﺔ ﺗﻠﻐﻲ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﻌﻘﻼﻧﻲ ﻋﻤّﺎ ﻳﻤﻴﺰ
ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻣﻦ ﺗﻨﺎﻏﻢ ﻭﻣﻌﻨﻰ.
ﻣﻌﻀﻠﺔ ﺍﻟﺸﺮّ ﺍﻷﺩﺑﻲ ـ ﻭﻫﻲ ﺃﺗﻌﺲ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﺸﺮ _ ﻳﻌﺎﻟﺠﻬﺎ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻤﻘﺪّﺱ ﺃﻳﻀﺎ ،ًﻣﺆﻛﺪﺍً ﺃﻥ ﺍﻟﺸﺮّ ﻻ ﻳﻨﺠﻢ ﻋﻦ ﻧﻘﺺٍ ﻓﻲ
ﺍﻟﻤﺎﺩّﺓ ﺑﻞ ﻋﻦ ﺟﺮﺡٍ ﻓﻲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﺼﺪﺭﻩ ﺍﻧﺤﺮﺍﻑ ﻓﻲ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺍﻟﺤﺮﻳّﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ .ﻭﻧﺠﺪ ﻓﻲ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﺧﻴﺮﺍً ﺇﻳﻀﺎﺣﺎً ﻟﻤﻌﻨﻰ
ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻭﺟﻮﺍﺑﺎً ﻳﻮﺟﻪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﻳﺴﻮﻉ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ﻛﻠﻤﺔِ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﺘﺠﺴّﺪ ،ﻭﻓﻴﻪ ﻣﻞﺀ ﻛﻤﺎﻝ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ .ﺛﻤﺔ ﻧﻮﺍﺡٍ ﺃﺧﺮﻯ
ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻔﺴﻴﺮﻫﺎ ﺍﻧﻄﻼﻗﺎً ﻣﻦ ﻗﺮﺍﺀﺓ ﺍﻟﻨﺺ ﺍﻟﻤﻘﺪّﺱ .ﻭﻋﻠﻰ ﻛﻞ ،ﻓﻤﺎ ﻳﻨﺘﺞ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﻛﻠﻪ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺭﻓﺾ ﻛﻞ ﺷﻜﻞ ﻣﻦ
ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﻨﺴﺒﻮﻳّﺔ ﻭﺍﻟﻤﺎﺩﻳّﺔ ﻭﺍﻟﺤﻠﻮﻟﻴﺔ.
ﺍﻟﻘﻨﺎﻋﺔ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴّﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺘﻀﻤﻨﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻤﻘﺪّﺱ ﻫﻮ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻟﻬﻤﺎ ﻣﻌﻨﻰ ﻭﺗﻮﺟُّﻪٌ
ﻧﺤﻮ ﺍﻛﺘﻤﺎﻟﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﻳﺴﻮﻉ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ .ﻭﺳﻴﺒﻘﻰ ﺳﺮّ ﺍﻟﺘﺠﺴّﺪ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺤﻮﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﺘﺨﺬﻩ ﻣﻨﻄﻠﻘﺎً ﻟﻔﻬﻢ ﻟﻐﺰ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ
ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻕ ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻧﻔﺴﻪ .ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮّ ﻻ ﺑﺪّ ﻟﻠﻔﻠﺴﻔﺔ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺗﻮﺍﺟﻪ ﺗﺤﺪﻳّﺎﺕ ﻗﺼﻮﻯ ،ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻌﻘﻞ
ﻣﺪﻋﻮّ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﻌﺘﻨﻖ ﻣﻨﻄﻘﺎً ﻳﺘﺨﻄﻰ ﺍﻟﺤﺪﻭﺩ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﻳﻨﺤﺼﺮ ﺿﻤﻨﻬﺎ .ﻭﻟﻜﻦ ﺗﻠﻚ ﻫﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻔﻀﻲ ﺑﻨﺎ ﺇﻟﻰ
ﻗﻤﺔ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ .ﻭﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺃﻥ ﺻﻤﻴﻢ ﺟﻮﻫﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺻﻤﻴﻢ ﺟﻮﻫﺮ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻳﺼﺒﺤﺎﻥ ﻓﻲ ﻣﺘﻨﺎﻭﻝ ﺍﻟﻌﻘﻞ :ﻓﻔﻲ ﺳﺮّ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ
ﺍﻟﻤﺘﺠﺴّﺪ ﺗُﺼﺎﻥ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻭﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ،ﻭﺗﺒﻘﻰ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻣﻊ ﺍﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺘﻬﺎ ،ﻭﺗﺘﺠﻠّﻰ ،ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ،
ﺍﻟﺼﻠﺔ ﺍﻟﻔﺮﻳﺪﺓ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺘﻬﻤﺎ ﺍﻟﻤﺘﺒﺎﺩﻟﺔ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺍﺧﺘﻼﻁ ﻭﻻ ﺗﺸﻮﻳﺶ.[97]
.81ﻻ ﺑﺪّ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻧﻠﺤﻆ ﺃﻥ ﻭﺟﻬﺎً ﻣﻦ ﺃﺑﺮﺯ ﻭﺟﻮﻩ ﻭﺿﻌﻨﺎ ﺍﻟﺮﺍﻫﻦ ﻫﻮ »ﺃﺯﻣﺔ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰﺇﻥ ﻭﺟﻬﺎﺕ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ
ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ _ ﻭﺃﻛﺜﺮﻫﺎ ﺫﻭ ﻃﺎﺑﻊ ﻋﻠﻤﻲ _ ﻗﺪ ﺗﻜﺎﺛﺮﺕ ﺑﺤﻴﺚ ﻧﺸﻬﺪ ﺗﻔﺎﻗﻤﺎً ﻓﻲ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﺗﺼﺪّﻉ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ .ﻭﻫﺬﺍ ،ﺑﺎﻟﺘﺤﺪﻳﺪ ،ﻣﺎ
ﻳﻌﺴّﺮ ﻭﻳﺠﻬﺾ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ .ﻭﻫﻨﺎﻙ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺃﺧﻄﺮ :ﻓﻔﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺸﺎﺑﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﻄﻴﺎﺕ ﻭﺍﻷﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﻌﻴﺶ
ﻓﻴﻪ ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﺒﺪﻭ ﻛﺄﻧﻪ ﻳﻜﻮّﻥ ﻧﺴﻴﺞ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ،ﻛﺜﻴﺮﻭﻥ ﻳﺘﺴﺎﺀﻟﻮﻥ :ﻫﻞ ﻫﻨﺎﻙ ﺑﻌﺪ ﻣﻦ ﻣﻌﻨﻰً ﻟﻠﺘﺴﺎﺅﻝ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ .ﺇﻥ ﺗﻌﺪّﺩ
ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﻓﺴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﻭﺍﺧﺘﻼﻑ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺎﺕ ﻓﻲ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻭﺣﻴﺎﺓ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻳﺜﻴﺮﺍﻥ ﺍﻟﺸﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ

4.3 Page 33

▲back to top
33
ﻭﻳﻔﻀﻴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﻗﻮﻉ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﻳﺒﻴﺔ ﻭﺍﻟﻼﻣﺒﺎﻻﺓ ﺃﻭ ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﻌﺪﻣﻴﺔ .ﻭﻳﻨﺠﻢ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﻛﻠﻪ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ
ﻳﻐﺸﺎﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻠَّﺒﺲ ﻭﺍﻟﻐﻤﻮﺽ ﻓﻲ ﻧﻤﻂ ﺗﻔﺎﺳﻴﺮﻩ ﻣﺎ ﻳﺪﻓﻌﻪ ﺇﻟﻰ ﻣﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻘﻮﻗﻊ ﻋﻠﻰ ﺫﺍﺗﻪ ،ﺿﻤﻦ ﺣﺪﻭﺩ ﺩﺍﺧﻠﻴّﺔ ،ﺑﻤﻌﺰﻝِ
ﻋﻦ ﻛﻞ ﻣﺮﺟﻌﻴّﺔ ﻋُﻠْﻮﻳّﺔ .ﻛﻞ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻻ ﺗﺘﺴﺎﺀﻝ ﻋﻦ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺗﺘﻌﺮﺽ ﻟﺨﻄﺮ ﺗﺤﺠﻴﻢ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺣﺼﺮﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻇﺎﺋﻒ
ﺍﻷﺩﺍﺗﻴﺔ ﺑﻤﻨﺄﻯً ﻋﻦ ﻛﻞ ﺷﻐﻒٍ ﺑﺎﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ.
ﻟﻜﻲ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻓﻲ ﺗﻨﺎﻏﻢ ﻣﻊ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻠﻪ ،ﻻ ﺑﺪّ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﺘﺴﺐ ،ﻗﺒﻞ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ،ﺑُﻌﺪَﻫﺎ ﺍﻟﺤﻜﻤﻲ ،ﻭﻗﺪﺭﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ
ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺑﻤﻌﻨﺎﻫﺎ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﻭﺍﻟﺸﺎﻣﻞ .ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺘﻀﻰ ﺍﻷﻭﻝ ﻫﻮ ،ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻔﺤﺺ ﻭﺍﻻﺳﺘﻘﺼﺎﺀ ،ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺣﺎﻓﺰ ﻣﻔﻴﺪ ﺟﺪﺍً
ﻟﻠﻔﻠﺴﻔﺔ ،ﻟﺘﻜﻮﻥ ﻣﻨﺴﺠﻤﺔ ﻣﻊ ﻃﺒﻴﻌﺘﻬﺎ .ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻻ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻣﺠﺮّﺩ ﻣﺤﻜﻤﺔ ﻧﻘﺪﻳّﺔ ﺣﺎﺳﻤﺔ ﺗﺒﻴّﻦ ﻟﻤﺨﺘﻠﻒ
ﻣﺠﺎﻻﺕ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻣﺮﺗﻜﺰﺍﺗﻬﺎ ﻭﺣﺪﻭﺩﻫﺎ ،ﺑﻞ ﺗﻜﻮﻥ ﺃﻳﻀﺎً ﺍﻟﻤﺮﺟﻌﻴّﺔ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ
ﻭﺗﻮﺟﻴﻬﻬﻤﺎ ﻧﺤﻮ ﻫﺪﻑ ﻭﻣﻌﻨﻰً ﺃﺧﻴﺮﻳﻦ .ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﻌﺪ ﺍﻟﺤﻜﻤﻲ ﻫﻮ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﻠﺰﻭﻡ ﻟﻤﺎ ﻧﻠﺤﻈﻪ ﻣﻦ ﺗﻔﺎﻗﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ
ﺍﻟﺘﻘﻨﻴﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳّﺔ ﻳﺘﻄﻠﺐ ﻭﻋﻴﺎً ﻣﺘﻴﻘﻈﺎً ﻭﻣﺘﺠﺪﺩﺍً ﻟﻠﻘﻴﻢ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ .ﻓﺈﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﺘﻘﻨﻴﺔ ﻻ ﺗﺘﻮﺧﻰ ﺇﻻّ ﺍﻷﻏﺮﺍﺽ
ﺍﻟﻤﻨﻔﻌﻴﺔ ﺍﻟﺒﺤﺘﺔ ،ﻓﺴﺮﻋﺎﻥ ﻣﺎ ﺗﻈﻬﺮ ﺑﺮﺑﺮﻳﺘﻬﺎ ﻭﺗﺘﺤﻮّﻝ ﺇﻟﻰ ﻃﺎﻗﺔ ﻫﺪﺍﻣّﺔ ﻟﻠﺠﻨﺲ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ.[98]
ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﻜﺸﻒ ﻟﻨﺎ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﻭﻳﻀﻔﻲ ﻋﻠﻰ ﺗﺼﺮﻓﺎﺗﻪ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻌﻨﻰً ﺷﺎﻣﻼﻭﻣﻦ ﺛﻢ ﻓﻬﻮ ﻳﺪﻋﻮ
ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻄﻮّﻉ ﻟﻠﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻓﻲ ﻣﺮﺗﻜﺰﻩ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺘﻮﻕ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻜﻮّﻥ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ .ﻭﻛﻞ
ﻓﻠﺴﻔﺔ ﺗﺮﻓﺾ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﻭﺟﻮﺩ ﻣﻌﻨﻰً ﺃﺧﻴﺮ ﻭﺷﺎﻣﻞ ،ﻓﻬﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻧﺎﺑﻴﺔ ﻭﺣﺴﺐ ،ﺑﻞ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﺿﺎﻟﺔ.
.82ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﻭﺭ ﺍﻟﺤﻜﻤﻲ ،ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﻀﻄﻠﻊ ﺑﻪ ﺃﻱ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻫﻲ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻋﻠﻤﺎً ﺣﻘﻴﻘﻴﺎً ﻭﺻﺤﻴﺤﺎً ﻳﻌﺎﻟﺞ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ
ﻓﻲ ﺟﻮﺍﻧﺒﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻭﺍﻟﻨﺴﺒﻴﺔ _ ﺳﻮﺍﺀ ﺃﻛﺎﻧﺖ ﻭﻇﻴﻔﻴﺔ ﺃﻡ ﺷﻜﻠﻴّﺔ ﺃﻡ ﻣﻨﻔﻌﻴّﺔ _ ﻭﻻ ﻳﺘﻨﺎﻭﻝ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻭﺍﻟﻨﻬﺎﺋﻴﺔ ،ﺃﻱ
ﻣﻮﺿﻮﻉ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻓﻲ ﺻﻤﻴﻤﻪ .ﻫﺬﺍ ﺇﺫﻥ ﻣﻘﺘﻀﻰً ﺛﺎﻥﻭﻫﻮ ﺃﻥ ﻧﺘﺜﺒَّﺖ ﻣﻦ ﻗﺪﺭﺓ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ
ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺗﺒﻠﻎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻴّﺔ ،ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻠﻖ ﻣﺒﺪﺃ ﺍﻟﻤﻌﺎﺩﻟﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺭﺗﻜﺰ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻼﻓﻨﺔ
ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﻴﺔ .[99]ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺘﻀﻰ _ ﻭﻫﻮ ﻣﻦ ﺧﺼﺎﺋﺺ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ _ ﻗﺪ ﺛﺒَّﺘﻪ ﺻﺮﺍﺣﺔ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ :»ﻻ
ﻳﻘﺘﺼﺮ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺍﺕ ﺑﻞ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺘﻌﺪﺍﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻤﻌﻘﻮﻟﺔ ،ﻳﺪﺭﻛﻬﺎ ﺇﺩﺭﺍﻛﺎً ﺛﺎﺑﺘﺎً ﻭﻟﻮ ﺍﻋﺘﺮﺿﻪ،
ﻓﻲ ﺇﺩﺭﺍﻛﻪ ،ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻐﻤﻮﺽ ﻭﺍﻟﻀﻌﻒ ،ﻣﻦ ﺟﺮﺍﺀ ﺁﺛﺎﺭ ﺍﻟﺨﻄﻴﺌﺔ.[100]«
ﻛﻞ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻣﻤﻌﻨﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺍﻧﻴﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺴﺒﻮﻳﺔ ﻟﻦ ﺗﺴﺎﻋﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻌﻤّﻖ ﻓﻲ ﻏﻨﻰ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻠﻪ .ﻓﺎﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻤﻘﺪّﺱ ﻳﻔﺘﺮﺽ
ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺃﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ،ﻭﺇﻥ ﺛﺒﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻨﻔﺎﻕ ﻭﺍﻟﺒﻬﺘﺎﻥ ،ﻗﺎﺩﺭ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻳﺪﺭﻙ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻓﻲ ﺻﻔﺎﺋﻬﺎ ﻭﺑﺴﺎﻃﺘﻬﺎ .ﻭﺇﻧﻨﺎ ﻧﺠﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺘﺐ
ﺍﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ ﻭﺑﺨﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻬﺪ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﻧﺼﻮﺻﺎً ﻭﻣﻘﻮﻻﺕ ﺫﺍﺕ ﻃﺎﺑﻊ ﺃﻭﻧﻄﻮﻟﻮﺟﻲ ﺑﺤﺖ .ﻓﺎﻟﻜﺘّﺎﺏ ﺍﻟﻤﻠﻬﻤﻮﻥ ﺃﺭﺍﺩﻭﺍ ﺃﻥ ﻳﻌﺒّﺮﻭﺍ
ﻋﻦ ﻣﻘﻮﻻﺕ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻗﺎﺩﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺃﺩﺍﺀ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻴﺔ .ﻭﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺇﻥ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ﺍﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲ ﻗﺪ ﺣﺎﺩ ﻋﻦ ﺍﻟﺼﻮﺍﺏ
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻓﻬﻢ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺓ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﺎﺕ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﻳﻮﺣﻨﺎ ﻭﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﻘﻮﻻﺕ ﻓﻲ ﻛﻴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ
ﻧﻔﺴﻪ .ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺴﻌﻰ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﺇﻟﻰ ﻓﻬﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻘﻮﻻﺕ ﻭﺷﺮﺣﻬﺎ ﻓﻬﻮ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺭﻓﺪ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻻ ﺗﻨﻜﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺇﻣﻜﺎﻥ
ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺗﺘﻤﻴّﺰ ﺑﺤﻘﻴﻘﺘﻬﺎ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻴﺔ ،ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﺩﻭﻣﺎً ﻟﻼﻛﺘﻤﺎﻝ .ﻭﻣﺎ ﺟﺌﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺫﻛﺮﻩ ﺍﻵﻥ ﻳﺼﺢُّ ﺃﻳﻀﺎً ﻓﻲ ﺃﺣﻜﺎﻡ
ﺍﻟﻀﻤﻴﺮ ﺍﻷﺩﺑﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻔﺘﺮﺽ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻤﻘﺪّﺱ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﻤﻠﻚ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻣﻮﺿﻮﻋﻴّﺔ.[101]
.83ﺍﻟﻤﻘﺘﻀﻴﺎﻥ ﺍﻟﻠﺬﺍﻥ ﺃﺗﻴﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺫﻛﺮﻫﻤﺎ ﻳﻠﺤﻘﻬﻤﺎ ﻣﻘﺘﻀﻰً ﺛﺎﻟﺚ :ﺿﺮﻭﺭﺓ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﺗﺘَّﺴﻢ ﺑﻘﻴﻤﺔ ﻣﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ،
ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﺘﺨﻄﻰ ﺍﻟﻤﻌﻄﻴﺎﺕ ﺍﻻﺧﺘﺒﺎﺭﻳﺔ ﻟﻠﻮﺻﻮﻝ ،ﻓﻲ ﺳﻌﻴﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﻄﻠﻖ ﻭﻧﻬﺎﺋﻲ ﻭﺃﺳﺎﺳﻲ .ﺫﻟﻚ
ﻣﻘﺘﻀﻰً ﺿﻤﻨﻲ ﺳﻮﺍﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺮﻭﺣﻴّﺔ ﺃﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻠﻴﺔ .ﻭﻫﻮ ،ﺧﺼﻮﺻﺎ ،ًﻣﻦ ﻣﺰﺍﻳﺎ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﺍﻷﺩﺑﻲ
ﺍﻟﺬﻱ ﻣﺮﺗﻜﺰﻩ ﻫﻮ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﺍﻷﺳﻤﻰ ﺃﻱ ﺍﻟﻠﻪ ﻧﻔﺴﻪ .ﻟﻴﺲ ﺑﻮﺩﻱّ ﺃﻥ ﺃﺗﺤﺪّﺙ ﻫﻨﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻫﻲ ﻣﺪﺭﺳﺔ
ﻣﺤﺪّﺩﺓ ﺃﻭ ﺗﻴﺎﺭ ﺗﺎﺭﻳﺨﻲ ﺧﺎﺹ .ﺃﻭﺩّ ﻓﻘﻂ ﺃﻥ ﺃﺻﺮّﺡ ﺃﻥ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻳﺘﺨﻄﻴﺎﻥ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﺤﺪﺛﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻻﺧﺘﺒﺎﺭﻳﺔ ،ﻭﺃﺗﻤﻨّﻰ ﺃﻥ
ﺃﺛﺒِّﺖ ﻗﺪﺭﺓ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﻌﺪ ﺍﻟﻌﻠﻮﻱ ﻭﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺻﺤﻴﺤﺔ ﻭﺛﺎﺑﺘﺔ ،ﻭﺇﻥ ﻧﺎﻗﺼﺔ ﻭﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ
ﺍﻟﻘﻴﺎﺱ .ﻭﻳﺠﺐ ،ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ ،ﺃﻻّ ﻧﺤﺴﺐ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﺔ ﺑﺪﻳﻼً ﻣﻦ ﺍﻻﻧﺘﺮﻭﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ،ﻷﻥ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻴﺢ ﺇﺭﺳﺎﺀ
ﻣﻔﻬﻮﻡ ﻛﺮﺍﻣﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻧﻄﻼﻗﺎً ﻣﻦ ﻃﺒﻴﻌﺘﻪ ﺍﻟﺮﻭﺣﻴﺔ .ﻭﻻ ﺷﻚ ﺃﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺨﻮّﻝ ،ﻓﻲ ﺍﻟﻄﻠﻴﻌﺔ ﻭﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺧﺎﺻﺔ ،ﺃﻥ
ﻳﺪﺭﻙ ﻣﺎﻫﻴﺔ ﺍﻟﻜﻴﺎﻥ ﻭﻳﻨﺼﺮﻑ ﻣﻦ ﺛﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻲ.

4.4 Page 34

▲back to top
34
ﺣﻴﺜﻤﺎ ﻳﻮﺟﺲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻧﺪﺍﺀً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻭﺍﻟﻌﻠﻮﻱ ،ﻳﺘﺮﺍﺀﻯ ﻟﻪ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻓﻲ ﺑﻌﺪﻩ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻲ :ﺃﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻝ
ﻭﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻷﺧﻼﻗﻴّﺔ ﻭﻓﻲ ﺷﺨﺺ ﺍﻟﻐﻴﺮ ،ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻴﺎﻥ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻠﻪ .ﺛﻤﺔ ﺗﺤﺪٍّ ﻛﺒﻴﺮ ﻧﻮﺍﺟﻬﻪ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻟﻒ ،ﻭﻫﻮ
ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻝ _ ﻭﻫﻮ ﺃﻣﺮ ﺿﺮﻭﺭﻱ ﻭﻣﻠﺢ _ ﻣﻦ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺳﺎﺱ .ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻹﻣﻜﺎﻥ ﺃﻥ ﻧﺘﻮﻗﻒ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﺧﺘﺒﺎﺭ
ﻭﺣﺴﺐ ،ﺣﺘﻰ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻌﺒّﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﺧﺘﺒﺎﺭ ﻭﻳﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﺑﺎﻃﻦ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﺭﻭﺣﻴّﺘﻪ؛ ﻻ ﺑﺪّ ﻟﻠﻌﻘﻞ ﺍﻟﻤﻔﻜﺮ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﺒﻠﻎ ﺍﻟﺠﻮﻫﺮ
ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻲ ﻭﺍﻷﺳﺎﺳﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﺳﻮ ﻋﻠﻴﻪ .ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﻓﺾ ﻛﻞ ﺍﻧﻔﺘﺎﺡ ﻣﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻲ ﻟﻴﺲ ﻣﺆﻫﻼً ﺍﻟﺒﺘﺔ ﻷﻥ ﻳﻀﻄﻠﻊ
ﺑﻤﻬﻤﺔ ﺍﻟﻮﺳﺎﻃﺔ ﻓﻲ ﻓﻬﻢ ﺍﻟﻮﺣﻲ.
ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﺩﺍﺋﻤﺔ ﻣﻊ ﻣﺎ ﻳﺘﺨﻄّﻰ ﺍﻻﺧﺘﺒﺎﺭ ﻭﺣﺘﻰ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻧﻔﺴﻪ .ﻭﻟﻜﻦ ﻫﺬﺍ »ﺍﻟﺴﺮّ« ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳُﻜﺸﻒ ﻭﻻ
ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻪ ﺃﻥ ﻳﺨﻮّﻟﻨﺎ ﺑﻌﺾ ﻓﻬﻤﻪ ،[102]ﺇﺫﺍ ﺍﻗﺘﺼﺮﺕ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳّﺔ ﻗﻄﻌﺎً ﻋﻠﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻻﺧﺘﺒﺎﺭ ﺍﻟﺤﺴّﻲ .ﺍﻟﺒﺤﺚ
ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻲ ﻳﻈﻬﺮ ﺇﺫﻥ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻭﺳﺎﻃﺔ ﻣﻤﻴّﺰﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻲ .ﻛﻞ ﻻﻫﻮﺕ ﺧﺎﻝٍ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻈﺮﺓ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﺃﻥ
ﻳﺬﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﺃﺑﻌﺪ ﻣﻦ ﺗﺤﻠﻴﻞ ﺍﻻﺧﺘﺒﺎﺭ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ،ﻭﻻ ﻳﺘﻴﺢ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ،ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﻨﻄﻘﻴﺔ ،ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﻮﺣﺎﺓ ﻭﻣﺎ ﺗﺘﻤﻴّﺰ ﺑﻪ ﻣﻦ ﻗﻴﻤﺔ
ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻭﻋﻠﻮّﻳﺔ.
ﺇﺫﺍ ﻛﻨﺖُ ﺃُﻟﺢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻲ ﻓﻸﻧﻲ ﻣﻘﺘﻨﻊ ﻣﻦ ﺃﻧﻪ ﻫﻮ ﺍﻟﻮﺳﻴﻠﺔ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺔ ﻟﻠﺘﻐﻠّﺐ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﺘﺄﺯﻡ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﺘّﺪ
ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺇﻟﻰ ﻗﻄﺎﻋﺎﺕ ﻭﺍﺳﻌﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻭﻟﺘﺼﺤﻴﺢ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺘﺼﺮﻓﺎﺕ ﺍﻟﺸﺎﺋﻌﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻌﻨﺎ.
.84ﺃﻫﻤﻴّﺔ ﺍﻟﻤﻌﺎﻟﺠﺔ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﺔ ﺗﺰﺩﺍﺩ ﻭﺿﻮﺣﺎً ﺇﺫﺍ ﺍﻋﺘﺒﺮﻧﺎ ﻣﺎ ﻭﺻﻠﺖ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮﻳّﺔ ﻭﺍﻟﺒﺤﻮﺙ ﺍﻟﻠﻐﻮﻳّﺔ ﻓﻲ
ﺃﻳﺎﻣﻨﺎ .ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻔﻴﺪ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻓﻲ ﻓﻬﻢ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ،ﻭﺫﻟﻚ ﺑﻤﻘﺪﺍﺭ ﻣﺎ ﺗﺴﺎﻋﺪﻧﺎ ﻓﻲ ﺍﺳﺘﺠﻼﺀ ﺗﺮﻛﻴﺒﺘﻨﺎ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳّﺔ
ﻭﺗﻌﺎﺑﻴﺮﻧﺎ ﺍﻟﻠﻐﻮﻳﺔ ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻨﺎﻗﻠﻬﺎ ﺍﻟﻠﻐﺔ؛ ﺇﻻّ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺨﺘﺼﻴﻦ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﻣﻦ ﻳﻨـﺰﻋﻮﻥ ،ﻓﻲ ﺃﺑﺤﺎﺛﻬﻢ،
ﺇﻟﻰ ﺍﻻﻛﺘﻔﺎﺀ ﺑﺎﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗُﻔﻬَﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺗُﻘﺎﻝ ،ﻭﻳﺘﺤﺎﺷﻮﻥ ﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺎﻗﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻤﻠﻜﻬﺎ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻻﻛﺘﺸﺎﻑ
ﻣﺎﻫﻴﺘﻬﺎ .ﻛﻴﻒ ﻻ ﻧﺮﻯ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ ﺍﻟﺪﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺃﺯﻣﺔ ﺍﻟﺜﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺠﺘﺎﺯﻫﺎ ﻋﺼﺮﻧﺎ ﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﻄﺎﻗﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻨﻌﻢ ﺑﻬﺎ
ﺍﻟﻌﻘﻞ؟ ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻨـﺰﻉ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻄﺮﻭﺣﺎﺕ ،ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻟﻤﺴﻠّﻤﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﺒﻘﺔ ،ﺇﻟﻰ ﺗﻌﻜﻴﺮ ﻣﺤﺘﻮﻯ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺃﻭ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﻲ ﺻﺤﺘﻪ ﺍﻟﺸﺎﻣﻠﺔ
ﻓﻬﻲ ﻻ ﺗﺨﻔﺾ ﻣﻦ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺣﺴﺐ ﺑﻞ ﺗﻀﻊ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﻫﻲ ﺃﻳﻀﺎً ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﻠﻌﺒﺔ .ﻭﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺃﻥ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻳﻔﺘﺮﺽ ﺟﻠﻴﺎً ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻐﺔ
ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺑﻮﺳﻌﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﻌﺒّﺮ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﻠﻮﻳّﺔ [103]ﺑﺘﻌﺎﺑﻴﺮ ﺗﺸﺒﻴﻬﻴﺔ ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﻻ ﺗﻘﻞّ ﺑﻼﻏﺔ ﻋﻦ ﻏﻴﺮﻫﺎ .ﻭﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ
ﺍﻷﻣﺮ ﻛﺬﻟﻚ ،ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺑﻮﺳﻊ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻠﻪ _ ﻭﻫﻮ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻛﻼﻡ ﺇﻟﻬﻲ ﺑﻠﻐﺔ ﺑﺸﺮﻳّﺔ _ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ ﺷﻴﺌﺎً ﻋﻦ ﺍﻟﻠﻪ .ﺗﻔﺴﻴﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻻ
ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺘﻨﻘﻞ ﺑﻨﺎ ﻓﻘﻂ ﻣﻦ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺁﺧﺮ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﻳﺘﻴﺢ ﻟﻨﺎ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﻣﻘﻮﻟﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻓﻲ ﺑﺴﺎﻃﺘﻬﺎ؛ ﻭﺇﻻّ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ
ﺛﻤﺔ ﻣﻦ ﻭﺣﻲ ﺇﻟﻬﻲ ،ﺑﻞ ﻣﺠﺮّﺩ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ ﺑﺸﺮﻳّﺔ ﻓﻲ ﺷﺄﻧﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺃﻭ ﻣﺎ ﻧﻔﺘﺮﺽ ﺃﻧﻪ ﻳﻔﻜّﺮ ﻓﻲ ﺷﺄﻧﻨﺎ.
.85ﺇﻧﻲ ﺃﻋﻠﻢ ﺣﻖ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻘﺘﻀﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻔﺮﺿﻬﺎ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻗﺪ ﺗﺒﺪﻭ ﺻﺎﺭﻣﺔ ﻓﻲ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ
ﻣﻤﻦ ﻳﻌﻴﺸﻮﻥ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍﻟﺮﺍﻫﻦ ﻓﻲ ﺳﻴﺎﻕ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ .ﻭﻫﺬﺍ ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ ﻣﺎ ﻳﺤﺪﻭﻧﻲ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺃﺗﺒﻨﻰ ﻣﺎ ﻻ ﻳﺰﺍﻝ ﻳﺮﺩّﺩﻩ
ﺍﻷﺣﺒﺎﺭ ﺍﻟﻌﻈﺎﻡ ﻓﻲ ﺗﻌﻠﻴﻤﻬﻢ ﻣﻨﺬ ﺃﺟﻴﺎﻝ ﻭﺃﺟﻴﺎﻝ ﻭﻣﺎ ﻛﺮّﺭﻩ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﻣﻌﺒّﺮﺍً ﺑﺸﺪّﺓ ﻋﻦ ﺍﻻﻗﺘﻨﺎﻉ ﻣﻦ ﺃﻥ
ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻗﺎﺩﺭ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺗﺼﻮّﺭ ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ ﻣﻮﺣّﺪ ﻭﻋﻀﻮﻱ .ﻭﻫﺬﻩ ﻣﻬﻤﺔ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ ﺃﻥ ﻳﻀﻄﻠﻊ ﺑﻬﺎ
ﻋﻠﻰ ﻣﺪﻯ ﺍﻷﻟﻒ ﺍﻟﻤﻘﺒﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ .ﺗﻔﺘُّﺖ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻳﺤﻮﻝ ﺩﻭﻥ ﻣﺎ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﻣﻦ
ﻭﺣﺪﺓ ﺑﺎﻃﻨﻴﺔ ،ﻷﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻔﺘُّﺖ ﻳﺠﺮّ ﻋﻠﻴﻪ ﺇﻟﻤﺎﻣﺎً ﺑﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻣﺼﺪّﻋﺎ ،ًﻭﻣﻦ ﺛﻢ ﺗﺼﺪّﻋﺎً ﻓﻲ ﺍﻛﺘﻨﺎﻩ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ .ﻛﻴﻒ ﺗﻄﻴﻖ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ
ﺃﻻّ ﺗﻬﺘﻢّ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺨﻄﺮ؟ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ ﺍﻟﻤﻨﻮﻃﺔ ﺑﺎﻟﺮﻋﺎﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﻌﻴﺪ ﺍﻟﺤﻜﻤﻲ ﺗﻨﺒﻊ ﺗﻮﺍً ﻣﻦ ﺍﻹﻧﺠﻴﻞ ﻭﻻ ﻳﺴﻌﻬﻢ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻌﻔﻮﺍ
ﻣﻦ ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻬﺎ.
ﺃﺭﻯ ﺃﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻮﺩﻭﻥ ﺍﻻﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻓﻠﺴﻔﻴﺎً ﻟﻠﻤﻘﺘﻀﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻔﺮﺿﻬﺎ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ،ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺃﻥ ﻳﺒﻨﻮﺍ ﺧﻄﺎﺑﻬﻢ
ﻣﺮﺗﻜﺰﺍً ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﻠّﻤﺎﺕ ﻭﻳﻀﻌﻮﺍ ﺫﻭﺍﺗﻬﻢ ﻓﻲ ﺧﻂّ ﻣﺘﻤﺎﺳﻚ ﻭﻣﻨﺴﺠﻢ ﻣﻊ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺑﺘﺪﺃﻩ ﺍﻟﻘﺪﺍﻣﻰ ﻭﺗﺎﺑﻌﻪ
ﺁﺑﺎﺀ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻭﻣﻌﻠّﻤﻮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﻴّﺔ ﻭﺍﻧﺪﻣﺞ ﺃﺧﻴﺮﺍً ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻜﺎﺳﺐ ﺍﻟﺠﻮﻫﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺣﺮﺯﻫﺎ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ.
ﺇﺫﺍ ﻋﺮﻑ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﻛﻴﻒ ﻳﻐﺮﻑ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ﻭﻳﺴﺘﻠﻬﻤﻪ ،ﻓﻠﻦ ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻭﻓﻴﺎً ﻟﻤﻘﺘﻀﻰ ﺍﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮ
ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ.
ﻣﻦ ﺍﻟﻼﻓﺖ ،ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ ،ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺍﺋﻦ ﺍﻟﺮﺍﻫﻨﺔ ،ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺭﻭﺍﺩﺍً ﻳﻌﻤﻠﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺍﻛﺘﺸﺎﻑ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪ

4.5 Page 35

▲back to top
35
ﻭﺩﻭﺭﻩ ﺍﻟﺤﺎﺳﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺻﻴﻐﺔ ﻣﻌﺘﺪﻟﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ .ﻭﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺃﻥ ﺍﻟﺮﻛﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ﻟﻴﺲ ﻣﺠﺮَّﺩ ﺗﺬﻛﻴﺮ ﺑﺎﻟﻤﺎﺿﻲ،
ﺑﻞ ﻫﻮ ﺍﻹﻗﺮﺍﺭ ﺑﻘﻴﻤﺔ ﺗﺮﺍﺙ ﺛﻘﺎﻓﻲ ﻫﻮ ﻣﻠﻚ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻛﻠﻬﺎ .ﻭﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﻘـﻮﻝ ﺃﻳﻀﺎً ﺇﻧﻨﺎ ﻧﺤﻦ ﺍﻟﻤﻌﻨﻴّﻮﻥ ﺑﺎﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ﻭﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﺴﻮﻍ ﻟﻨﺎ
ﺃﻥ ﻧﺘﻼﻋﺐ ﺑﻪ ﻛﻤﺎ ﻧﺸﺎﺀ .ﺍﺭﺗﺪﺍﺩﻧﺎ ﺇﻟﻰ ﺟﺬﻭﺭ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻴﺢ ﻟﻨﺎ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﻓﻜﺮ ﻣﺒﺘﻜﺮ ﻭﺟﺪﻳﺪ ﻭﺷﺎﺧﺺ ﺇﻟﻰ
ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ .ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺬﻛﻴﺮ ﻳﺼﺢ ﺃﻛﺜﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ،ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ﻷﻥ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ﺍﻟﻜﻨﺴﻲ ﺍﻟﺤﻲّ ﻭﻳﻐﺮﻑ ﻣﻦ
ﻣﻌﻴﻨﻪ ﺍﻷﺻﻠﻲ ،[104]ﺑﻞ ﻷﻧﻪ ﻳﺘﻮﺟﺐ ﻋﻠﻴﻪ ،ﺑﺴﺒﺐ ﺫﻟﻚ ،ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻗﺎﺩﺭﺍً ﻋﻠﻰ ﺍﻛﺘﺸﺎﻑ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻲ ﺍﻟﻌﻤﻴﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﻭﺍﻛﺐ
ﺍﻟﺤﻘﺐ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﺍﻟﺜﺎﺑﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺳﺘﻄﺎﻉ ،ﻓﻲ ﺣﻜﻤﺘﻪ ﺍﻟﺨﺎﻟﺼﺔ ،ﺃﻥ ﻳﺘﺨﻄﻰ ﺣﺪﻭﺩ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﻭﺍﻟﻤﻜﺎﻥ.
.86ﺍﻹﻟﺤﺎﺡ ﻋﻠﻰ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﻋﻼﻗﺔ ﺗﻮﺍﺻﻞ ﻭﺛﻴﻘﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﻭﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻓﺮﺯﻩ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ،
ﻳﻬﺪﻑ ﺇﻟﻰ ﺍﺗﻘﺎﺀ ﺍﻷﺧﻄﺎﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻼﺯﻡ ﺑﻌﺾ ﺃﻧﻤﺎﻁ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻤﻨﺘﺸﺮﺓ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻻﻓﺘﺔ .ﻳﺒﺪﻭ ﻟﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻔﻴﺪ ﺃﻥ
ﺃﺗﻮﻗﻒ ،ﻭﻟﻮ ﺑﺈﻳﺠﺎﺯ ،ﻋﻨﺪ ﺑﻌﺾ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨـﺰﻋﺎﺕ ﻟﻠﺘﻨﺒﻴﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺿﺎﻟﻴﻞ ﻭﺍﻷﺧﻄﺎﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻬﺪّﺩ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ.
ﺃﻭﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨـﺰﻋﺎﺕ ﻫﻲ ﻣﺎ ﻳُﺴﻤﻰ ﺑﺎﻻﻧﺘﻘﺎﺋﻴﺔ ،ﻭﺗﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﻮﻗﻒ ﻣﻦ ﺩﺃﺑﻮﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻭﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻭﺍﻟﻨﻘﺎﺵ ﻭﺣﺘﻰ ﻓﻲ
ﺍﻟﺠﺪﻝ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻲ ،ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻳﺘﺒﻨّﻮﺍ ﺷﺘﺎﺗﺎً ﻣﻦ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﻤﺘﺨﺬﺓ ﻣﻦ ﻓﻠﺴﻔﺎﺕ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺑﺪﻭﻥ ﺍﻟﺘﻨﺒﻪ ﻟﻤﻨﻄﻘﻴﺘﻬﺎ ﻭﺗﻤﺎﺳﻜﻬﺎ ﻭﻻ
ﻻﻧﺘﺴﺎﺑﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﺬﻫﺐ ﻣﻌﻴّﻦ ﻭﻻ ﺇﻟﻰ ﻗﺮﺍﺋﻨﻬﺎ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴّﺔِ؛ ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﻀﻌﻮﻥ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﻓﻲ ﺃﻭﺿﺎﻉ ﻻ ﺗﻤﻜﻨّﻬﻢ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﻤﻴّﺰﻭﺍ ﻣﺎ ﻓﻲ
ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻣﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺃﻭ ﻣﻦ ﺿﻼﻝ ﺃﻭ ﺍﻧﺤﺮﺍﻑ .ﻫﻨﺎﻙ ﺃﻳﻀﺎً ﺷﻜﻞ ﺁﺧﺮ ﻣﻦ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﺋﻴﺔ ﻳﻨﻘﺎﺩ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻴﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ
ﺍﻟﻤﻔﺮﺩﺍﺕ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺑﻼﻏﻴﺔ ﻣﺴﺮﻓﺔ .ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻀﺮﺏ ﻣﻦ ﺍﻻﺳﺘﻐﻼﻝ ﻻ ﻳﺴﺎﻋﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﻻ ﻳُﻌِﺪّ ﺍﻟﻌﻘﻞ
-ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻲ ﺃﻭ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ _ ﻟﻠﺘﺪﻟﻴﻞ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺟﺪّﻳﺔ ﻭﻋﻠﻤﻴﺔ .ﺍﻻﻃﻼﻉ ﺍﻟﺪﻗﻴﻖ ﻭﺍﻟﻌﻤﻴﻖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﻭﻟﻐﺘﻬﺎ
ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﺋﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻜﻮّﻧﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﻳﺴﺎﻋﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻐﻠّﺐ ﻋﻠﻰ ﺃﺧﻄﺎﺭ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﺋﻴﺔ ﻭﻳﻤﻜّﻦ ﻣﻦ ﺇﺩﺭﺍﺟﻬﺎ ،ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ،ﻓﻲ
ﺍﻟﺒﺮﻫﺎﻥ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻲ.
.87ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﺋﻴﺔ ﺧﻄﺄ ﻓﻲ ﺍﻷﺳﻠﻮﺏ ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻗﺪ ﻳﻨﻄﻮﻱ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻭﺣﺎﺕ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﺎﻧﻴﺔ .ﻓﻠﻜﻲ ﻧﻔﻬﻢ ﺟﻴﺪﺍً ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺳﺎﻟﻔﺔ ،ﻻ ﺑﺪّ
ﻣﻦ ﺃﻥ ﻧﻀﻌﻬﺎ ﻓﻲ ﺳﻴﺎﻗﻬﺎ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ .ﺍﻟﻄﺮﺡ ﺍﻷﺳﺎﺳﻲ ،ﻓﻲ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﺎﻧﻴﺔ ،ﻫﻮ ﺍﻟﻌﻤﻞ ،ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ ،ﻋﻠﻰ ﺇﺛﺒﺎﺕ
ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ ﺍﻧﻄﻼﻗﺎً ﻣﻦ ﺍﻧﻄﺒﺎﻗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﻘﺒﺔ ﻣﻌﻴّﻨﺔ ﺃﻭ ﻣﻬﻤﺔ ﻣﻌﻴّﻨﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ .ﻫﻜﺬﺍ ﺗﻨﺘﻔﻲ ،ﻭﻟﻮ ﺿﻤﻨﻴﺎ ،ًﺍﺳﺘﻤﺮﺍﺭﻳّﺔ
ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ .ﺗﺆﻛﺪ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﺎﻧﻴﺔ ﺍﻥ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺣﻘﺎً ﻓﻲ ﺯﻣﻦ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻻّ ﻳﻜﻮﻥ ﺣﻘﺎً ﻓﻲ ﺯﻣﻦ ﺁﺧﺮ .ﻭﺧﻼﺻﺔ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﺎﻧﻴﺔ
ﺗﺤﺴﺐ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻻ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺃﻃﻼﻝ ﺃﺭﺧﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻳُﺴﺘﻌﺎﻥ ﺑﻬﺎ ﻟﻌﺮﺽ ﻣﻮﺍﻗﻒ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻗﺪ ﺍﻧﺘﻬﻰ ﻣﻌﻈﻢ ﺃﻣﺮﻫﺎ ،ﻭﻟﻢ
ﻳﻌﺪ ﻟﻬﺎ ﺃﻱ ﺃﺛﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ .ﻋﻠﻴﻨﺎ ،ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ ،ﺃﻥ ﻧﺤﺴﺐ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻀﻼﻝ ،ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﻣﺮﺗﺒﻄﺎً ﺑﺤﻘﺒﺔ ﻣﺎ ﺃﻭ
ﺑﺜﻘﺎﻓﺔ ﻣﺎ ،ﻳﺠﺐ ،ﻓﻲ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ ،ﺃﻥ ﻧﺘﺤﻘﻘﻬﻤﺎ ﻭﻧﺘﻔﺤﺼﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﺣﺪ ﺫﺍﺗﻬﻤﺎ ،ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ﺍﻟﻤﻜﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﺰﻣﺎﻧﻴﺔ.
ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻲ ،ﺗﺴﻌﻰ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﺎﻧﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺗﻈﻬﺮ ،ﻋﻠﻰ ﺃﺑﻌﺪ ﺣﺪ ،ّﺑﻤﻈﻬﺮ »ﺍﻟﻌﺼﺮﺍﻧﻴﺔﻭﺑﺴﺒﺐ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣﻬﺎ -ﻋﻦ ﺣﻖ
_ ﺑﺄﻥ ﺗﺠﻌﻞ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻲ ﻋﺼﺮﻳﺎً ﻭﻓﻲ ﻣﺘﻨﺎﻭﻝ ﺃﻫﻞ ﺯﻣﺎﻧﻨﺎ ،ﻓﻬﻲ ﻻ ﺗﻌﻮّﻝ ﺇﻻّ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻘﻮﻻﺕ ﻭﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﺍﻷﻛﺜﺮ
ﺣﺪﺍﺛﺔ ،ﻭﺗﺘﻐﺎﺿﻰ ﻋﻦ ﺍﻻﻋﺘﺮﺍﺿﺎﺕ ﻭﺍﻻﻧﺘﻘﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﻻ ﺑﺪّ ﻣﻦ ﺇﺛﺎﺭﺗﻬﺎ ،ﻋﻨﺪ ﺍﻗﺘﻀﺎﺀ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ،ﻓﻲ ﺿﺆ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪ .ﻫﺬﺍ
ﺍﻟﺸﻜﻞ ﻣﻦ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﻌﺼﺮﺍﻧﻴﺔ ،ﺑﺴﺒﺐ ﺧﻠﻄﻬﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﺪﺍﺛﺔ ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،ﺗﺒﺪﻭ ﻟﻨﺎ ﻋﺎﺟﺰﺓ ﻋﻦ ﺗﻠﺒﻴﺔ ﻣﻘﺘﻀﻴﺎﺕ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻘﻊ
ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺗﻖ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﺃﻥ ﻳﻠﺒّﻴﻬﺎ.
.88ﺍﻟﻌﻠﻮﻣﻴَّﺔ ﺧﻄﺮ ﺁﺧﺮ ﻻ ﺑﺪّ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻨﺒّﻪ ﻟﻪ .ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴّﺔ ﺗﺄﺑﻰ ﺍﻻﻋﺘﺮﺍﻑ ﺑﺄﻧﻤﺎﻁ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻏﻴﺮ ﺍﻷﻧﻤﺎﻁ
ﺍﻟﻤﻌﺘﻤﺪﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﻮﺿﻌﻴﺔ ،ﻭﺗﻌﺘﺒﺮ ﺿﺮﺑﺎً ﺑﺤﺘﺎً ﻣﻦ ﺿﺮﻭﺏ ﺍﻟﺨﻴﺎﻝ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ ﻭﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻴّﺔ ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻷﺧﻼﻗﻲ
ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻟﻲ .ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳّﺔ ،ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،ﺗﻌﺘﻤﺪ ﺍﻟﻮﺿﻌﻴﺔ ﻭﺍﻟﻮﺿﻌﻴﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﺃﺩﺍﺓ ﻟﻠﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﺁﺭﺍﺋﻬﺎ ،ﻭﻛﻼﻫﻤﺎ ﻳﺮﻯ ﺃﻥ
ﺍﻟﻤﻘﻮﻻﺕ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﺔ ﻋﺎﺭﻳﺔ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﻌﻨﻰ .ﻟﻘﺪ ﻧﺪّﺩ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﻌﻠﻮﻣﻲ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ ﻭﻟﻜﻦ ﺳﺮﻋﺎﻥ ﻣﺎ ﻇﻬﺮ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﺑﻤﻼﻣﺢ
ﺍﻟﻌﻠﻮﻣﻴَّﺔ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ .ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻨﻈﺎﺭ ،ﺗﻤﺴﻲ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﻣﺠﺮّﺩ ﺍﻧﻔﻌﺎﻻﺕ ﺷﻌﻮﺭﻳّﺔ ﻭﻳﻨﺘﻔﻲ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻜﻴﺎﻥ ﻟﻴﺤﻞّ ﻣﺤﻠّﻪ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ
ﺍﻟﺒﺤﺖ .ﻳﺘﺤﻔّﺰ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺇﺫﻥ ﻟﻠﺴﻴﻄﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻊ ﻗﻄﺎﻋﺎﺕ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ،ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﺍﻟﺘﻘﺪّﻡ ﺍﻟﺘﻘﻨﻲ .ﻭﻻ ﺷﻚ ﺃﻥ ﻣﺎ ﺃﺣﺮﺯﺗﻪ
ﺍﻷﺑﺤﺎﺙ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴّﺔ ﻭﺍﻟﺘﻘﻨﻴّﺔ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﺓ ﻣﻦ ﻧﺠﺎﺡ ﻻ ﺟﺪﻝ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻗﺪ ﻳﺴﺎﻫﻢ ﻓﻲ ﺗﻌﻤﻴﻢ ﺍﻟﺬﻫﻨﻴّﺔ ﺍﻟﻌﻠﻮﻣﻴَّﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ
ﺣﺪﻭﺩ ﻧﻈﺮﺍً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﺮّﺑﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ ﻭﻧﻈﺮﺍً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺤﻮّﻻﺕ ﺍﻟﺠﺬﺭﻳّﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺣﺪﺛﺘﻬﺎ.
ﻻ ﺑﺪّ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻧﻠﺤﻆ -ﻣﻊ ﺍﻷﺳﻒ -ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻠﻮﻣﻴَّﺔ ﺗﺮﻯ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻟﻪ ﺻﻠﺔ ﺑﺎﻟﺴﺆﺍﻝ ﻋﻦ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﺤﻴـﺎﺓ ﺩﺍﺧﻼً ﻓﻲ ﻧﻄﺎﻕ ﺍﻟﻼﻣﻌﻘﻮﻝ

4.6 Page 36

▲back to top
36
ﺃﻭ ﺍﻟﺨﻴﺎﻝ .ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭ ﺍﻟﻔﻜﺮﻱ ﻟﺴﻨﺎ ﺑﺄﻗﻞّ ﺷﻌﻮﺭﺍً ﺑﺎﻟﺨﻴﺒﺔ ﺗﺠﺎﻩ ﻃﺮﻳﻘﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺭﺑﺔ ﺍﻟﻤﻌﻀﻼﺕ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ .ﻓﻬﻲ،
ﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﺗﺘﺠﺎﻫﻠﻬﺎ ،ﺗﻌﺎﻟﺠﻬﺎ ﺑﺄﺳﺎﻟﻴﺐ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ﺍﻟﻔﻜﺮﻱ ﺗﺮﺗﻜﺰ ﻋﻠﻰ ﺃﻗﻴﺴﺔ ﺳﻄﺤﻴﺔ ﺧﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺃﺳﺎﺱ ﻋﻘﻼﻧﻲ .ﻭﻓﻲ
ﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﻳﻔﻘّﺮ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻭﻳﺤﺮﻣﻪ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ ﺍﻟﻤﻌﻀﻼﺕ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴّﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻃﺮﺣﻬﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺫﺍﺗﻪ ﻣﻨﺬ ﻣﻄﻠﻊ
ﻭﺟﻮﺩﻩ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭﺽ .ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺅﻳﺔ ﺃﻓﻠﺤﺖ ﺍﻟﻌﻠﻮﻣﻴَّﺔ ،ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺃﻗﺼﺖ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠّﻖ ﺑﺎﻟﺘﻘﻴﻴﻢ ﺍﻷﺧﻼﻗﻲ ،ﻓﻲ ﺇﻗﻨﺎﻉ
ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺍﻟﻘﺎﺋﻠﺔ ﺑﺄﻥ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺘﺤﻘﻖ ﺗﻘﻨﻴﺎً ﻳﺼﺒﺢ ،ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﺫﺍﺗﻪ ،ﻣﻘﺒﻮﻻً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﻌﻴﺪ ﺍﻷﺩﺑﻲ.
.89ﺍﻟﺬﺭﺍﺋﻌﻴﺔ ﺃﻭ )ﺍﻟﺒﺮﻏﻤﺎﺗﻴﺔ( ﻻ ﺗﻘﻞ ﺧﻄﺮﺍً ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻠﻮﻣﻴَّﺔ؛ ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺍﻟﺬﻫﻨﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻌﺘﻨﻘﻬﺎ ﺍﻟﺬﻳﻦ ،ﻓﻲ ﺧﻴﺎﺭﺍﺗﻬﻢ،
ﻳﺴﺘﺒﻌﺪﻭﻥ ﺍﻻﺣﺘﻜﺎﻡ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺎﺗﻲ ﺃﻭ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻘﻴﻴﻤﺎﺕ ﺍﻟﻤﺮﺗﻜﺰﺓ ﻋﻠﻰ ﻣﺒﺎﺩﻯﺀ ﺃﺧﻼﻗﻴﺔ .ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻤﻂ ﺍﻟﻔﻜﺮﻱ ﻧﺘﺎﺋﺠﻪ
ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﺟﺴﻴﻤﺔ ﻭﻻﻓﺘﺔ .ﻭﻳﻨﺘﻬﻲ ﺃﺗﺒﺎﻉ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ،ﺑﻮﺟﻪ ﺧﺎﺹ ،ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻓﻲ ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﺍﻟﺪﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﻻ
ﺗﺤﻔﻞ ﺑﺎﻻﺣﺘﻜﺎﻡ ﺇﻟﻰ ﻣﺒﺎﺩﻯﺀ ﺃﺧﻼﻗﻴﺔ ﺛﺎﺑﺘﺔ :ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﻤﺴﻲ ﺻﻮﺕ ﺍﻷﻛﺜﺮﻳﺔ ﺍﻟﺒﺮﻟﻤﺎﻧﻴﺔ ﻫﻮ ﻣﻘﻴﺎﺱ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻘﺒﻮﻝ ﺃﻭ
ﺍﻟﻤﺮﻓﻮﺽ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺼﺮﻑ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ .[105]ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺗﻈﻬﺮ ﺑﻮﺿﻮﺡ :ﺍﻟﻘﺮﺍﺭﺍﺕ ﺍﻷﺧﻼﻗﻴﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻹﻧﺴﺎﻥ
ﺑﺎﺗﺖ ﺗﺨﻀﻊ ﻟﻠﻤﺪﺍﻭﻻﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺨﺬﻫﺎ ،ﺷﻴﺌﺎً ﻓﺸﻴﺌﺎ ،ًﺍﻷﺟﻬﺰﺓ ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺗﻴﺔ .ﻭﻳﻨﻀﺎﻑ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻻﻧﺘﺮﻭﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ
ﺃﻣﺴﺖ ﺧﺎﺿﻌﺔ ﺧﻀﻮﻋﺎً ﺫﺭﻳﻌﺎً ﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﻣﻨﺤﺎﺯﺓ ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ،ﻓﻴﻬﺎ ﺍﺳﺘﺒﻌﺎﺩ ﻟﻠﻤﻌﻀﻼﺕ ﺍﻷﺧﻼﻗﻴﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ
ﻭﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻼﺕ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩﻳﺔ ﻓﻲ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ ﻭﺍﻟﺘﻀﺤﻴﺔ ،ﻭﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺍﻟﻤﻮﺕ.
.90ﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺳﺘﻌﺮﺿﻨﺎﻫﺎ ﺣﺘﻰ ﺍﻵﻥ ﺗﻔﻀﻲ ،ﺑﺪﻭﺭﻫﺎ ،ﺇﻟﻰ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺃﻋﻢّ ﺗﺒﺪﻭ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ ﺑﻴﻦ
ﻓﻠﺴﻔﺎﺕ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻗﺪ ﺃﻗﻠﻌﺖ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﻜﻴﺎﻥ .ﺇِﻧﻲ ﺃﻓﻜّﺮ ﻫﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﻌﺪﻣﻴّﺔ ﻭﻫﻲ ،ﻓﻲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ ،ﺭﻓﺾ
ﻛﻞ ﺃﺳﺎﺱ ﻭﺇﻧﻜﺎﺭ ﻛﻞ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻣﻮﺿﻮﻋﻴﺔ .ﺍﻟﻌﺪﻣﻴﺔ ،ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﺗﻌﺎﺭﺽ ﻣﻘﺘﻀﻴﺎﺕ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻣﺤﺘﻮﺍﻩ ،ﻫﻲ ﺇﻧﻜﺎﺭ ﺇﻧﺴﺎﻧﻴﺔ
ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﻫﻮﻳﺘﻪ .ﻻ ﻳﺴﻌﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻨﺴﻰ ﺃﻧﻨﺎ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻬﻤﻞ ﻗﻀﻴﺔ ﺍﻟﻜﻴﺎﻥ ،ﻧﻨﺠﺮُّ ﺣﺘﻤﺎً ﺇﻟﻰ ﻗﻄﻊ ﻛﻞ ﺻﻠﺔ ﺑﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻴﺔ،
ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ،ﺑﺎﻟﻤﺮﺗﻜﺰ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺮﺳﻮ ﻋﻠﻴﻪ ﻛﺮﺍﻣﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ .ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﻨﻔﺴﺢ ﺍﻟﻤﺠﺎﻝ ﻷﻥ ﺗﻤّﺤﻲ ﻣﻦ ﻭﺟﻪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﻼﻣﺢ ﺍﻟﺘﻲ
ﺗﺠﻌﻠﻪ ﺷﺒﻴﻬﺎً ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻓﻴﻨﺪﻓﻊ ﺷﻴﺌﺎً ﻓﺸﻴﺌﺎً ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺘﺴﻠّﻂ ﺍﻟﻬﺪﺍﻡ ﺃﻭ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻌﺰﻟﺔ ﺍﻟﻴﺎﺋﺴﺔ .ﻛﻞ ﻣﺮّﺓ ﺗُﺴﺤﺐ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ
ﻣﻦ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ،ﻳﻤﺴﻲ ﻣﻦ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﺘﻮﻫﻢ ﺃﻥ ﻧﻌﻴﺪ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻟﺤﺮﻳّﺔ .ﻭﻻ ﻏﺮﻭ ،ﻓﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺍﻟﺤﺮﻳّﺔ ﺇﻣَّﺎ ﻳﺴﻴﺮﺍﻥ ﻣﻌﺎً ﻭﺇﻣَّﺎ ﻳﺘﻠﻔﺎﻥ ﻣﻌﺎً
ﻭﺑﺌﺲ ﺍﻟﻤﺼﻴﺮ.[106]
.91ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻲ ﻧﻴﺘﻲ ،ﻭﺃﻧﺎ ﺃﻋﻠّﻖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺗﻴﺖ ﻋﻠﻰ ﺫﻛﺮﻫﺎ ،ﺃﻥ ﺃﺭﺳﻢ ﺻﻮﺭﺓ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻋﻦ ﻭﺿﻊ
ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺘﻬﺎ ﺍﻟﺮﺍﻫﻨﺔ :ﻭﻋﻠﻰ ﻛﻞ ،ٍﻓﺈﻧﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻌﺐ ﺃﻥ ﻧﺤﺼﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﻟﻮﺣﺔ ﻣﻮﺣّﺪﺓ .ﻭﺃﻭﺩ ﺃﻥ ﺃﺅﻛﺪ ﺃﻥ ﺗﺮﺍﺙ ﺍﻟﻌﻠﻢ
ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻗﺪ ﺍﺯﺩﺍﺩ ﻏﻨﻰ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻻﺕ ﻛﺜﻴﺮﺓ .ﻭﺣﺴﺒﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺬﻛﺮ ﺍﻟﻤﻨﻄﻖ ﻭﻓﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﻭﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺘﻴﺔ ﻭﻓﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻭﻋﻠﻢ
ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﺍﻟﺘﻌﻤﻖ ﻓﻲ ﺗﺤﻠﻴﻞ ﺍﻷﺳﺎﻟﻴﺐ ﺍﻟﻮﺟﺪﺍﻧﻴّﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ،ﻭﺍﻟﻤﺤﺎﻭﻟﺔ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩﻳّﺔ ﻓﻲ ﺗﺤﻠﻴﻞ ﺍﻟﺤﺮﻳّﺔ .ﻭﻳﺘﻀﺢ ﻟﻨﺎ ،ﻣﻦ
ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ ،ﺃﻥ ﺗﺄﻛﻴﺪ ﻣﺒﺪﺃ ﺍﻟﻤﺜﻮﻟﻴﺔ _ ﻭﻫﻮ ﻣﺮﻛﺰﻱ ﻓﻲ ﺍﺩّﻋﺎﺀ ﺍﻟﻌﻘﻼﻧﻴّﺔ _ ﻗﺪ ﺃﺛﺎﺭ ﻣﻨﺬ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﻔﺎﺋﺖ ﺭﺩﻭﺩﺍً ﺃﺩّﺕ ﺇﻟﻰ ﺇﻋﺎﺩﺓ
ﻧﻈﺮ ﺟﺬﺭﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﻠّﻤﺎﺕ ﺍﻟﻤﺤﺴﻮﺑﺔ ﻣﻨﻴﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺟﺪﻝ .ﻫﻜﺬﺍ ﻇﻬﺮﺕ ﺗﻴﺎﺭﺍﺕ ﻻ ﻋﻘﻼﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﺧﺬ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﻳﺆﻛﺪ
ﺑﻮﺿﻮﺡ ﺑﻄﻼﻥ ﺍﻟﻤﺒﺪﺇ ﺍﻟﻘﺎﺋﻞ ﺑﺎﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺔ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ.
ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻔﻜﺮﻭﻥ ﺃﻃﻠﻘﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﻋﺼﺮﻧﺎ ﺻﻔﺔ »ﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺤﺪﺍﺛﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﺴﻤﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﻮﺍﺗﺮﺓ ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﻓﻲ ﻗﺮﺍﺋﻦ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺟﺪﺍً
ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻋﻦ ﺑﻌﺾ ﺗﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻇﻬﻮﺭ ﻋﻮﺍﻣﻞ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﺍﺳﺘﻄﺎﻋﺖ ،ﺑﺎﻣﺘﺪﺍﺩﻫﺎ ﻭﻓﺎﻋﻠﻴﺘﻬﺎ ،ﺃﻥ ﺗﺤﺪﺙ ﺗﺤﻮّﻻﺕ ﻻﻓﺘﺔ ﻭﺩﺍﺋﻤﺔ .ﻫﺬﺍ
ﺍﻟﻨﻌﺖ ﺍﺳﺘُﻌﻤﻞ ﺃﻭﻻً ﻟﻠﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﻇﺎﻫﺮﺍﺕ ﺟﻤﺎﻟﻴّﺔ ﺃﻭ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴّﺔ ﺍﻭ ﺗﻘﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺔ؛ ﺛﻢ ﺍﻧﺘﻘﻞ ﺇﻟﻰ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻇﻞ ﻋﻠﻰ
ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﻤﻮﺽ ،ﻷﻥ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻧﺼﻔﻪ ﺑﻤﺎ »ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺤﺪﺍﺛﺔ« ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺮﺓ ﺇﻳﺠﺎﺑﻴﺎً ﻭﻣﺮﺓ ﺳﻠﺒﻴﺎ ،ًﺛﻢ ﻷﻥ ﻟﻴﺲ ﺛﻤﺔ
ﺇﺟﻤﺎﻉ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻌﻀﻠﺔ ﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺘﺤﺪﻳﺪ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺣﻘﺐ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ .ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺷﻚ ﻓﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻴَّﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ
ﺍﻟﻤﻨﺘﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺣﻘﺒﺔ »ﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺤﺪﺍﺛﺔ« ﺟﺪﻳﺮﺓ ﺑﺄﻥ ﻧﻬﺘﻢ ﻟﻬﺎ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣﺎً ﻣﺘﻨﺒﻬﺎﻓﻲ ﻧﻈﺮ ﺑﻌﺾ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﺃﻥ ﻭﻗﺖ ﺍﻟﻴﻘﻴﻨﻴﺎﺕ
ﻗﺪ ﻭﻟّﻰ ﺑﻼ ﺭﺟﻌﺔ ،ﻭﺃﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ،ﻣﻦ ﺍﻵﻥ ﻓﺼﺎﻋﺪﺍ ،ًﺃﻥ ﻳﺘﻌﻮّﺩ ﺍﻟﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﺟﻮّ ﺍﻧﺘﻔﺎﺀ ﻛﻞ ﻣﻌﻨﻰ ،ﻭﺗﺤﺖ ﻣﻈﻠﺔ ﺍﻟﻮﻗﺘﻲ
ﻭﺍﻟﺰﺍﺋﻞ .ﻭﻫﻨﺎﻙ ﻣﻦ ﺍﻟﻜُﺘَّﺎﺏ _ ﻭﻫﻢ ﻛﺜﺮ _ ﻣﻦ ﻳﻨﻜﺮﻭﻥ ﺃﻳﻀﺎً ﻳﻘﻴﻨﻴﺎﺕ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ،ﻓﻲ ﻧﻘﺪﻫﻢ ﺍﻟﻬﺪﺍﻡ ﻟﻜﻞ ﻳﻘﻴﻦ ،ﻭﻓﻲ ﺟﻬﻠﻬﻢ
ﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺰﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺑﺪّ ﻣﻨﻬﺎ.
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﺪﻣﻴﺔ ﺗﺠﺪ ﻟﻬﺎ ﺑﻌﺾ ﻣﺎ ﻳﺜﺒﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺧﺒﺮﺓ ﺍﻟﺸﺮ ﺍﻟﻔﻈﻴﻌﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﺳﻤﺖ ﻋﺼﺮﻧﺎ .ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﺒﺮﺓ ﺍﻟﻔﺎﺟﻌﺔ ﻟﻢ

4.7 Page 37

▲back to top
37
ﺗﺘﻤﻜﻦ ﺍﻟﺘﻔﺎﺅﻟﻴﺔ ﺍﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻤﻮﺩ ،ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺗﻮﺳﻤَّﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻣﺴﻴﺮﺓ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﻈﺎﻓﺮﺓ ،ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻳﻨﺒﻮﻉ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ
ﻭﺍﻟﺤﺮﻳّﺔ .ﻭﻗﺪ ﻧﺘﺞ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﺃﺧﻄﺮ ﻣﺎ ﻳﻬﺪّﺩ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﻫﻮ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﺍﻻﻧﺴﻴﺎﻕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻴﺄﺱ.
ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﺒﻘﻰ ﺻﺤﻴﺤﺎً ﺃﻥ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﺬﻫﻨﻴﺔ ﺍﻟﻮﺿﻌﻴﺔ ﻻ ﻳﺰﺍﻝ ﻳﺮﻭّﺝ ﻟﻠﻮﻫﻢ ﺍﻟﻘﺎﺋﻞ ﺑﺄﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ،ﺑﻔﻀﻞ ﻣﻜﺎﺳﺒﻪ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ
ﻭﺍﻟﺘﻘﻨﻴﺔ ،ﻭﺑﺼﻔﺘﻪ ﻛﺎﺋﻨﺎً ﺧﻼﻗﺎ ،ًﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﻭﺣﺪﻩ ﺃﻥ ﻳﺠﻌﻞ ﺫﺍﺗﻪ ﺳﻴﺪﺍً ﻣﻄﻠﻘﺎً ﻳﺴﻴﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﻴﺮﻩ.
ﻣﻬﺎﻡّ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻓﻲ ﺃﻳﺎﻣﻨﺎ
.92ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺣﻘﺐ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ،ﻭﺟﺪ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ،ﺑﺼﻔﺘﻪ ﻗﻴّﻤﺎً ﻋﻠﻰ ﻓﻬﻢ ﺍﻟﻮﺣﻲ ،ﻣﺎ ﻳﺪﻓﻌﻪ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺇﻟﻰ ﺍﻻﺳﺘﻔﺎﺩﺓ ﻣﻦ
ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﻤﺒﺜﻮﺛﺔ ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ ﻟﻴُﺪﺧِﻞ ﻓﻴﻬﺎ ،ﺑﻮﺍﺳﻄﺘﻪ ،ﻣﺤﺘﻮﻯ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻃﺒﻘﺎً ﻷﺳﻠﻮﺏ ﻋﻘﻼﻧﻲ ﻣﺘﻤﺎﺳﻚ .ﻭﺍﻟﻴﻮﻡ
ﺃﻳﻀﺎً ﻳﺘﺤﻤﻞ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﻣﻬﻤﺔ ﻣﺰﺩﻭﺟﺔ .ﻓﻤﻦ ﺟﻬﺔ ،ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﻀﻄﻠﻊ ﺑﺎﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﻛﻠﻬﺎ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻳﻮﻡ
ﺫﺍﻙ :ﻭﻫﻲ ﺗﺠﺪﻳﺪ ﺍﻷﺳﺎﻟﻴﺐ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺧﺪﻣﺔ ﺃﻓﻌﻞ ﻟﻬﺪﻑ ﺍﻟﺒﺸﺎﺭﺓ .ﻛﻴـﻒ ﻻ ﻧﺬﻛﺮ ،ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ ،ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﻄﻖ ﺑﻬﺎ
ﺍﻟﺤﺒﺮ ﺍﻷﻋﻈﻢ ﻳﻮﺣﻨﺎ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻭﻥ ،ﻋﻨﺪ ﺍﻓﺘﺘﺎﺡ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ؟ ﻗﺎﻝ ﻳﻮﻣﻬﺎ :»ﻻ ﺑﺪّ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺗﻠﺒّﻲ ﺍﻟﺘﺮّﻗﺐ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪ
ﺍﻟﻜﺎﻣﻦ ﻓﻲ ﻧﻔﻮﺱ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺤﺒّﻮﻥ ﺍﻟﺪﻳﺎﻧﺔ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ﺍﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ ﻭﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻴﺔ ﻓﺘﺘﻮﺳﻊ ﻣﻌﺮﻓﺘﻬﺎ ﻭﺗﺘﻌﻤﻖ ﻭﺗﺴﺎﻫﻢ ﻓﻲ ﺇﺧﺼﺎﺏ
ﺍﻷﺫﻫﺎﻥ ﻭﺗﻨﺸﺌﺘﻬﺎ .ﻭﻻ ﺑﺪّ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻧﺴﻌﻰ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻤﻌﻦ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﺍﻷﻛﻴﺪﺓ ﻭﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﻭﺍﻟﻤﻔﺮﻭﺽ ﺃﻥ ﻧﺘﻘﻴﺪ ﺑﻬﺎ ﺗﻘﻴﺪﺍً
ﻣﺨﻠﺼﺎ ،ًﻭﻋﻠﻴﻨﺎ ﻋﺮﺿﻬﺎ ﺑﺎﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﺴﻴﻐﻬﺎ ﺃﻫﻞ ﺯﻣﺎﻧﻨﺎ .[107]«ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ،ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ ،ﺃﻥ ﻳﺸﺨﺺ ﺑﻨﻈﺮﻩ
ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﻛﻠﻬﺎ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻟﻮﺣﻲ ،ﻭﻻ ﻳﻜﺘﻔﻲ ﺑﺎﻟﺘﻮﻗﻒ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﻴﺔ .ﻭﻳﺤﺴﻦ ﺑﺎﻟﻼﻫﻮﺗﻲ ﺃﻥ ﻳﺘﺬﻛﺮ ﺃﻥ
ﻋﻤﻠﻪ ﻳﻠﺒﻲ »ﺍﻟﺪﻳﻨﺎﻣﻴﺔ ﺍﻟﻤﺎﺛﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻧﻔﺴﻪ ،«ﻭﺃﻥ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﺑﺤﺜﻪ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ »ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺤﻲ ﻭﻗﺼﺪﻩ ﺍﻟﺨﻼﺻﻲ
ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺸﻔﻪ ﻳﺴﻮﻉ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ .[108]«ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﻊ ﺃﻭﻻً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﻳﺘﻨﺎﻭﻝ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺃﻳﻀﺎﺇﻥ ﻣﺠﻤﻮﻉ
ﺍﻟﻤﺸﻜﻼﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻔﺮﺽ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻳﺘﻄﻠﺐ ﻋﻤﻼً ﻣﺸﺘﺮﻛﺎ ،ًﻭﺇﻥ ﺑﺄﺳﺎﻟﻴﺐ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻮﺩ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻰ ﺍﻻﻋﺘﺮﺍﻑ ﺑﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ
ﻭﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻨﻬﺎ .ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ _ ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ _ ﺗﻔﺮﺽ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﺳﻠﻄﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﺗﺴﻮﺱ ﻭﺗﺤﻔﺰ ﻭﺗﻨﻤﻲ )ﺭﺍ ﺃﻑ (15 ،4ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ
ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻮﺍﺀ.
ﺍﻻﻋﺘﻘﺎﺩ ﺑﺄﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﻮﺳﻌﻪ ﺃﻥ ﻳﺪﺭﻙ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻳﻌﺘﺮﻑ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﻟﻴﺲ ﻣﺼﺪﺭ ﺗﺸﺪّﺩ ﻭﺗﻌﺼﺐ ،ﺑﻞ ﻫﻮ ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ ﺷﺮﻁ
ﺿﺮﻭﺭﻱ ﻟﻜﻞ ﺣﻮﺍﺭ ﺑﻴﻦ ﺍﻷﺷﺨﺎﺹ ﻣﺨﻠﺺٍ ﻭﺳﻠﻴﻢ .ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺸﺮﻁ ﻭﺣﺪﻩ ﻳﺼﺒﺢ ﺑﺎﻹﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﻧﻘﺴﺎﻣﺎﺕ ﻭﺍﻟﺴﻴﺮ
ﻣﻌﺎً ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﻤﺆﺩﻳّﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ،ﻭﺍﺗﺒﺎﻉ ﺍﻟﺪﺭﻭﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻬﺎ ﺇﻻّ ﺭﻭﺡ ﺍﻟﺮﺏ ﺍﻟﻨﺎﻫﺾ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ
ﺍﻷﻣـﻮﺍﺕ .[109]ﺑﺎﻟﻨﺴـﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﻬﺎﻡّ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﻓﻲ ﺃﻳﺎﻣﻨﺎ ،ﺃﻭﺩّ ﺍﻵﻥ ﺃﻥ ﺃﺑﻴّﻦ ﻛﻴﻒ ﺗﺒﺪﻭ ﻋﻤﻠﻴﺎً ﺿﺮﻭﺭﺓ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻧﺎ.
.93ﺍﻟﻬﺪﻑ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻮﺧﺎﻩ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﻫﻮ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﻓﻬﻢ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﻭﻣﻀﻤﻮﻥ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ .ﺇﻻّ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺤﻮﺭ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ
ﻟﻜﻞ ﻓﻜﺮ ﻻﻫﻮﺗﻲ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺗﺄﻣﻞ ﺳﺮّ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺍﺣﺪﺍً ﻭﺛﺎﻟﻮﺛﺎﻭﻻ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻧﺒﻠﻎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻬﺪﻑ ﺇﻻّ ﺑﺈِﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻓﻲ ﺳﺮّ ﺗﺠﺴﺪ
ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﺻﺎﺭ ﺇﻧﺴﺎﻧﺎً ﻭﺍﺭﺗﻀﻰ ﺃﻥ ﻳﺘﺄﻟﻢ ﻭﻳﻤﻮﺕ؛ ﻭﻗﺪ ﺍﻧﺘﻬﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮّ ﻓﻲ ﻗﻴﺎﻣﺘﻪ ﺍﻟﻤﺠﻴﺪﺓ ﻭﺻﻌﻮﺩﻩ ﻭﺟﻠﻮﺳﻪ ﺇﻟﻰ
ﻳﻤﻴﻦ ﺍﻵﺏ ،ﻭﺇﺭﺳﺎﻟﻪ ﺭﻭﺡ ﺍﻟﺤﻖ ﻟﻴﻘﻴﻢ ﻛﻨﻴﺴﺘﻪ ﻭﻳﺤﻴﻴﻬﺎ .ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻠﺤﻆ ﻳﺘﻀﺢ ﺃﻥ ﺃﻭﻟﻰ ﻣﻬﻤﺎﺕ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﻫﻲ ﺃﻥ ﻳﻔﻬﻢ
ﻛﻴﻒ ﺃﺧﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺫﺍﺗﻪ ،ﻭﻫﻮ ﻟﻠﻌﻘﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﺳﺮّ ﻋﻈﻴﻢ ﺣﻘﺎّ ﻷﻥ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﺴﻠّﻢ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ ﻭﺍﻟﻤﻮﺕ
ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﺎﻥ ﺃﻥ ﻳﻌﺒﺮّﺍ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺒﺬﻝ ﺫﺍﺗﻪ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﻳﺘﻮﻗﻊ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﺫﻟﻚ ﺷﻴﺌﺎﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻠﺤﻆ ،ﺃﻭﻟﻰ
ﺍﻟﻤﻘﺘﻀﻴﺎﺕ ﻭﺃﻟﺤُّﻬﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺗﻔﺴﻴﺮﺍً ﺩﻗﻴﻘﺎﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﻴﺔ ﺃﻭﻻً ﺛﻢ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻜﺲ
ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ﺍﻟﺤﻲّ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ .ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ ،ﺗُﻄﺮﺡ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺃﺳﺌﻠﺔ ﻣﺴﺘﺤﺪﺛﺔ ﺟﺰﺋﻴﺎ ،ًﻭﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ﺣﻞٌّ ﺷﺎﻑٍ ﺑﺪﻭﻥ ﺭﻓﺪ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ.
.94ﺃﻭﻝ ﻋﻨﺼﺮٍ ﻣﺸﻜﻞٍ ﻳﺘﻨﺎﻭﻝ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ .ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻔﺴّﺮﻫﺎ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻲ ،ﻋﻠﻰ ﻏﺮﺍﺭ ﻛﻞ ﻧﺺّ
ﺁﺧﺮ ،ﺗﻨﻘﻞ ﺇﻟﻴﻨﺎ ﺃﻭّﻻً »ﻣﻔﻬﻮﻣﺎ ،«ًﻻ ﺑﺪّ ﻣﻦ ﺇﺩﺭﺍﻛﻪ ﻭﻋﺮﺿﻪ .ﻭﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﺍﻟﻠﻪ ،ﻳﻨﻘﻠﻬﺎ
ﺇﻟﻴﻨﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻨﺺّ ﺍﻟﻤﻘﺪّﺱ .ﻫﻜﺬﺍ ،ﻓﻲ ﻟﻐﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮ ،ﺗﺘﺠﺴﺪ ﻟﻐﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﻘﻞ ﺇﻟﻴﻨﺎ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ »ﺑﺘﻨﺎﺯﻝ ﻋﺠﻴﺐ«
ﻳﻨﺴﺠﻢ ﻣﻊ ﻣﻨﻄﻖ ﺍﻟﺘﺠﺴّﺪ .[110]ﻻ ﺑﺪّ ﺇﺫﻥ ﻟﻼﻫﻮﺕ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻔﺴّﺮ ﻣﺼﺎﺩﺭ ﺍﻟﻮﺣﻲ ،ﺃﻥ ﻳﺘﺴﺎﺀﻝ ﻣﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻌﻤﻴﻘﺔ
ﻭﺍﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺒﻐﻲ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺃﻥ ﺗﻨﻘﻠﻬﺎ ﺇﻟﻴﻨﺎ ،ﻣﻊ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭ [111]ﺍﻟﺤﺪﻭﺩ ﺍﻟﻠﻐﻮﻳﺔ.
ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﻴﺔ ،ﻭﺑﺨﺎﺻﺔ ﺍﻷﻧﺎﺟﻴﻞ ،ﻻ ﺗﻨﺤﺼﺮ ،ﻭﻻ ﺷﻚ ،ﺣﻘﻴﻘﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺭﻭﺍﻳﺔ ﻣﺠﺮّﺩ ﺃﺣﺪﺍﺙ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﺃﻭ ﻓﻲ ﺳﺮﺩ

4.8 Page 38

▲back to top
38
ﻭﻗﺎﺋﻊ ﺣﻴﺎﺩﻳّﺔ ،ﻛﻤﺎ ﺗﺮﻯ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻮﺿﻌﻴﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﺎﻧﻴﺔ .ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺗﺴﺮﺩ ،ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ ،ﺃﺣﺪﺍﺛﺎً ﺗﺘﺨﻄﻰ ﺣﻘﻴﻘﺘُﻬﺎ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ
ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﺍﻟﺼﺮﻑ .ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺗﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ ﺿﻤﻦ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﺨﻼﺹ ﻭﻷﺟﻞ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﺨﻼﺹ .ﻫﺬﻩ
ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺗﻠﻘﻰ ﺗﻔﺴﻴﺮﻫﺎ ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺍﺀﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺎﺑﻌﻬﺎ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻋﺒﺮ ﺍﻷﺟﻴﺎﻝ ،ﻣﺤﺘﻔﻈﺔ ﺑﻤﻌﻨﺎﻫﺎ ﺍﻷﺻﻴﻞ ﺑﻤﻨﺄﻯ ﻋﻦ ﻛﻞ
ﺗﺤﺮﻳﻒ .ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻠﺢّ ﺇﺫﻥ ﺃﻥ ﻧﺘﺴﺎﺀﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﺃﻳﻀﺎً ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﻭﻣﻌﻨﺎﻩ ،ﻭﻋﻠﻴﻬﺎ ﻳﺮﺗﻜﺰ
ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻓﻲ ﻃﺎﺑﻌﻪ ﺍﻟﻤﻤﻴّﺰ.
.95ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﻻ ﻳﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﺷﻌﺐ ﻣﻌﻴّﻦ ﻭﻻ ﺇﻟﻰ ﺣﻘﺒﺔ ﻣﻌﻴّﻨﺔ؛ ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﻤﻘﻮﻻﺕ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻳﺔ ،ﻣﻊ ﺍﺭﺗﺒﺎﻃﻬﺎ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﺑﺜﻘﺎﻓﺔ
ﺍﻟﺤﻘﺒﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺸﺄﺕ ﻓﻴﻬﺎ ،ﺗﻌﺒّﺮ ﻋﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﻭﻧﻬﺎﺋﻴﺔ .ﻻ ﺑﺪ ،ّﻣﻦ ﺛﻢ ،ﺃﻥ ﻧﺘﺴﺎﺀﻝ ﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﺘﻮﻓﻴﻖ ﺑﻴﻦ ﻣﻄﻠﻘﻴﺔ
ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺷﻤﻮﻟﻴﺘﻬﺎ ﻭﺍﻟﻈﺮﻓﻴّﺔ ﺍﻟﺤﺘﻤﻴّﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺴﻢ ﺑﻬﺎ ﺗﻌﺎﺑﻴﺮﻫﺎ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ .ﻃﺮﻭﺣﺎﺕ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﺎﻧﻴﺔ ﻳﺘﻌﺬﺭ ﺇﺫﻥ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ
ﻋﻨﻬﺎ ،ﻛﻤﺎ ﺃﺷﺮﺕ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺁﻧﻔﺎ ،ًﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﺄﺳﻠﻮﺏ ﺗﻔﺴﻴﺮﻱ ﻣﻨﻔﺘﺢ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺘﻀﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﺔ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﺒﻴّﻦ ﻟﻨﺎ
ﻛﻴﻒ ﻳﺘﺤﻘﻖ ﺍﻟﻌﺒﻮﺭ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴّﺔ ﻭﺍﻟﻈﺮﻓﻴّﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻭُﺿﻌﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ،ﻋﻠﻤﺎً ﺑﺄﻥ ﻫﺬﻩ
ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺗﺘﺨﻄﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺮﺍﺋﻦ.
ﺑﻮﺳﻊ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺃﻥ ﻳﻌﺒّﺮ ﻋﻦ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺗﺘﺨﻄﻰ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﻠﻐﻮﻱ ،ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻟﻐﺔ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴّﺔ ﻣﺤﺪﻭﺩﺓ ﺍﻹﻃﺎﺭ .ﻓﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ
ﺃﻥ ﺗﻨﺤﺼﺮ ﺍﻟﺒﺘﺔ ﻓﻲ ﺣﻴّﺰ ﺯﻣﻨﻲ ﺃﻭ ﺛﻘﺎﻓﻲ .ﺇﻧﻬﺎ ﺗُﻌﺮﻑ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﺘﺠﺎﻭﺯ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻧﻔﺴﻪ.
.96ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺗﻤﻜﻨّﻨﺎ ﻣﻦ ﺍﺳﺘﺸﻔﺎﻑ ﺣﻞٍّ ﻟﻤﻌﻀﻠﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻭﻫﻲ ﻣﻌﻀﻠﺔ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﺘﺠﺮﻳﺪﻳّﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻌﻤﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺤﺎﺩﻳﺪ
ﺍﻟﻤﺠﻤﻌﻴّﺔ ،ﻭﻣﺪﻯ ﺩﻳﻤﻮﻣﺘﻬﺎ .ﻟﻘﺪ ﺳﺒﻖ ﻟﺴﻠﻔﻲ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﺍﻟﺒﺎﺑﺎ ﺑﻴﻮﺱ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﺸﺮ ﺃﻥ ﻋﺎﻟﺞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﻓﻲ ﺭﺳﺎﻟﺘﻪ
ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ »ﺍﻟﺠﻨﺲ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ.[112]«
ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻷﻣﺮ ﺍﻟﺴﻬﻞ ،ﻷﻧﻪ ﻻ ﺑﺪّ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻧﻘﻴﻢ ﻭﺯﻧﺎً ﺟﺪّﻳﺎً ﻟﻠﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻜﺘﺴﺒﻪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻔﺮﺩﺍﺕ ﻓﻲ
ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ ﻭﺍﻷﺯﻣﻨﺔ .ﻭﻋﻠﻰ ﻛﻞٍ ﻳﺘﻀﺢ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻔﻜﺮ ،ﻋﺒﺮ ﺗﻄﻮّﺭ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ ﻭﺗﻨﻮّﻋﻬﺎ ،ﺃﻥ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ
ﺍﻷﺳﺎﺳﻴّﺔ ﺗﺤﺘﻔﻆ ﺑﻘﻴﻤﺘﻬﺎ ﺍﻟﻈﺮﻓﻴّﺔ ﺍﻟﺸﺎﻣﻠﺔ ،ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺑﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﺒّﺮ ﻋﻨﻬﺎ .[113]ﻭﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺍﻷﻣﺮ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ
ﺍﻟﻨﺤﻮ ﻟﻢ ﻳﺒﻖَ ﻣﺠﺎﻝ ﻟﻠﺘﻔﺎﻫﻢ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻭﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ،ﻭﺃﻣﺴﺖ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻭﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﻋﺎﺟﺰﺓ ﻋﻦ ﺍﻻﻧﺪﻣﺎﺝ ﻓﻲ ﺛﻘﺎﻓﺎﺕ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺘﻲ
ﻧﺸﺄﺕ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﺗﺒﻠﻮﺭﺕ .ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮﻳﺔ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﺇﺫﻥ ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﻏﻴﺮ ﻣﺴﺘﻌﺼﻴﺔ .ﺛﻤﺔ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺫﺍﺕ ﻗﻴﻤﺔ ﻭﺍﻗﻌﻴﺔ ،ﻭﺇﻥ
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺸﻮﺑﺔ ،ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﻛﺜﻴﺮﺓ ،ﺑﻤﻀﺎﻣﻴﻦ ﺿﻌﻴﻔﺔ .ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﻗﺪ ﻳﻌﻮﺩ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺑﻔﺎﺋﺪﺓ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺠﺎﻝ ،ﻭﻧﺘﻤﻨﻰ ﻋﻠﻴﻪ
ﺃﻥ ﻳﻠﺘﺰﻡ ﺍﻟﺘﻌﻤﻖ ﺧﺼﻮﺻﺎً ﻓﻲ ﺩﺭﺱ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻤﺠﺮّﺩﺓ ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺃﻥ ﻳﻘﺘﺮﺡ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻃﺮﻗﺎً ﻧﺎﺟﻌﺔ ﻓﻲ ﻓﻬﻢ ﻫﺬﻩ
ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﻓﻬﻤﺎً ﺻﺤﻴﺤﺎ
.97ﻟﺌﻦ ﻛﺎﻥ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﺭ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﻣﻬﻤّﺔ ﻣﻦ ﻭﻇﺎﺋﻒ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ،ﻓﺈﻥ ﻓﻬﻢ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﻮﺣﺎﺓ ،ﺃﻭ ﺻﻴﺎﻏﺔ ﻣﻔﻬﻮﻣﻴﺔ
ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ،ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻤﺎ ،ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ،ﻣﻦ ﺃﺩﻕ ﺍﻟﻤﻬﻤﺎﺕ ﻭﺃﺷﺪﻫﺎ ﺗﻄﻠﺒﺎﻣﻔﻬﻮﻣﻴﺔ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺗﻔﺘﺮﺽ ،ﻛﻤﺎ ﻗﻠﻨﺎ ﺳﺎﺑﻘﺎ ،ًﺭﻓﺪ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﺗﺘﻴﺢ
ﻟﻼﻫﻮﺕ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻱ ﻗﺒﻞ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺃﻥ ﻳﻀﻄﻠﻊ ﺑﻤﻬﻤﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﺃﻛﻤﻞ ﻭﺟﻪ .ﺍﻟﺒﺮﺍﻏﻤﺎﺗﻴﺔ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻧﺘﺸﺮﺕ ﻓﻲ ﻣﻄﻠﻊ ﻫﺬﺍ
ﺍﻟﻘﺮﻥ ،ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺴﺐ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻣﺠﺮﺩ ﻗﻮﺍﻋﺪ ﻣﺴﻠﻜﻴّﺔ ،ﻗﺪ ﻓُﻨِّﺪﺕ ﻭﺍﺳﺘُﺒﻌﺪﺕ114][؛ ﻭﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﺗﺒﻘﻰ ﻫﻨﺎﻙ ﻧﺰﻋﺔ ﺇﻟﻰ
ﻓﻬﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺘﻬﺎ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﻴﺔ ﺍﻟﺒﺤﺘﺔ .ﻓﺈﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ ﻫﻲ ﺍﻟﺤﺎﻝ ،ﻓﻨﺤﻦ ﺑﺈﺯﺍﺀ ﻣﺴﻌﻰً ﻣﺨﻔﻖٍ ﻭﺧﺎﻝٍ ﻣﻦ ﻗﻮﺓ
ﺍﻟﺘﺠﺮﻳﺪ .ﻓﺈﺫﺍ ﺍﻧﺘﻬﺠﺖ ﺍﻟﻜﺮﻳﺴﺘﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ »ﻣﻦ ﺃﺳﻔﻞ« ﻛﻤﺎ ﻳُﻘﺎﻝ ﺍﻟﻴﻮﻡ ،ﺃﻭ ﺇﺫﺍ ﺻﻴﻐﺖ ﺍﻹﻛﻠﻴﺰﻭﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﻤﻮﺫﺝ
ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ ﻭﺣﺴﺐ ،ﻓﻤﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺤﺎﻭﻻﺕ ﻻ ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻤﻂ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺨﻔﻴﺾ.
ﺇﺫﺍ ﺍﻗﺘﻀﺖ ﻣﻔﻬﻮﻣﻴّﺔ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺃﻥ ﺗﺴﺘﻮﻋﺐ ﻛﻞ ﺛﺮﻭﺓ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﺴﺘﻌﻴﻦ ﺑﺎﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻷﻧﻄﻮﻟﻮﺟﻴﺔ .ﻫﺬﻩ
ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻣﻌﻀﻠﺔ ﺍﻟﻜﻴﺎﻥ ،ﺗﺒﻌﺎً ﻟﻤﻘﺘﻀﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﺑﺄﺟﻤﻌﻪ ﻭﺭﻭﺍﻓﺪﻩ ،ﻭﻣﻦ
ﺿﻤﻨﻪ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ،ﻣﻊ ﻣﺤﺎﺷﺎﺓ ﺍﻟﻮﻗﻮﻉ ﻓﻲ ﺭﺗﺎﺑﺔ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﻌﻘﻴﻤﺔ ﺍﻟﺒﺎﺋﺪﺓ .ﻓﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻜﻴﺎﻥ ،ﻓﻲ ﺇﻃﺎﺭ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪ
ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻲ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ ،ﻫﻲ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﺩﻳﺘﺎﻣﻴّﺔ ﺗﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻓﻲ ﺑﻨﻴﺎﺗﻪ ﺍﻷﻧﻄﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﺒﺒﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﻼﻗﻴﺔ ،ﻭﺇﻧﻬﺎ ﻟﺘﺠﺪ ﻗﻮﺗﻬﺎ
ﻭﺩﻳﻤﻮﻣﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﺭﺗﻜﺎﺯﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﻓﻌﻞ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻧﻔﺴﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻴﺢ ﺍﻧﻔﺘﺎﺣﺎً ﻛﺎﻣﻼً ﻭﺷﺎﻣﻼً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺑﺮﻣّﺘﻪ ﻭﺗﺨﻄﻴﺎً ﻟﻜﻞ ﺍﻟﺤﺪﻭﺩ
ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺫﺍﻙ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﻮﻕ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ،ﺇﻟﻰ ﻛﻤﺎﻟﻪ .[115]ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻮﺟﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﺘﻤﺪ ﻣﺒﺎﺩﺋﻪ ﻣﻦ
ﺍﻟﻮﺣﻲ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻫﻮ ﻣﺼﺪﺭ ﺟﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﻣﺼﺎﺩﺭ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ،ﻳﺘﺜﺒﺖ ﺑﻘﻮﺓ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺍﻟﻮﺛﻴﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﺑﻂ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﺎﻟﻤﻌﻘﻮﻟﻴﺔ

4.9 Page 39

▲back to top
39
ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﺔ.
.98ﺛﻤﺔ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭﺍﺕ ﺗﻀﺎﻫﻲ ﻣﺎ ﺃﺗﻴﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺫﻛﺮﻩ ﻭﻳﻤﻜﻦ ﺗﻄﺒﻴﻘﻬﺎ ﺃﻳﻀﺎً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﺍﻷﺩﺑﻲ .ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻠﺢ ﺃﻥ ﻧﻠﻮﺫ ﺃﻳﻀﺎً
ﺑﺎﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻝ ﻣﻔﻬﻮﻣﻴﺔ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﻤﺘﺼﻠﺔ ﺑﺘﺼﺮﻓﺎﺕ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ .ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﺍﻟﺘﺤﺪﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺎﻻﺕ
ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ،ﻧﺮﻯ ﺍﻟﻀﻤﻴﺮ ﺍﻟﻤﻨﺎﻗﺒﻲ ﻓﻲ ﻣﻬﺐّ ﺍﻟﺮﻳﺢ .ﻓﻲ ﺭﺳﺎﻟﺘﻲ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ »ﺗﺄﻟﻖ
ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،«ﻧﺒّﻬﺖُ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﻀﻼﺕ ﺍﻟﻤﻄﺮﻭﺣﺔ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺳﺒﺒﻬﺎ »ﺃﺯﻣﺔ ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ [. . .]ﻓﺈﺫﺍ ﺍﻧﺘﻔﻰ
ﺍﻻﻋﺘﺮﺍﻑ ﺑﺤﻘﻴﻘﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ،ﻓﻔﻜﺮﺓ ﺍﻟﻀﻤﻴﺮ ﺗﺘﻐﻴّﺮ ﻫﻲ ﺃﻳﻀﺎً ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ
ﺣﺘﻤﻴّﺔ :ﻓﺎﻟﻀﻤﻴﺮ ﻻ ﻳﻌﻮﺩ ﻣﻔﻬﻮﻣﺎً ﻓﻲ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ ﺍﻷﺻﻴﻠﺔ ،ﺃﻱ ﻓﻲ ﺻﻔﺘﻪ ﻓﻌﻼً ﻣﻦ ﺃﻓﻌﺎﻝ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﻄﺒّﻖ
ﻣﺎ ﻟﺪﻳﻪ ﻣﻦ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻟﻠﺨﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﻭﺿﻊ ﻣﻌﻴّﻦ ،ﻭﻳﻌﺒّﺮ ﻫﻜﺬﺍ ﻋﻦ ﺣﻜﻤﻪ ﻓﻲ ﻣﺎ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺨﺘﺎﺭﻩ ﻣﻦ ﺗﺼﺮﻑ ﺳﻠﻴﻢ ﻓﻲ
ﺣﺎﻟﺔ ﻣﺤﺪّﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﻭﺍﻟﻤﻜﺎﻥ .ﻫﻨﺎﻙ ﻧﺰﻋﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳُﺴﻨَﺪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻀﻤﻴﺮ ﺍﻟﻔﺮﺩﻱ ﺍﻣﺘﻴﺎﺯ ﺍﻟﺒﺖِ ﻓﻲ ﺿﻮﺍﺑﻂ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺍﻟﺸﺮ
ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ .ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺅﻳﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﺳﻮﻯ ﺿﺮﺏ ﻣﻦ ﺿﺮﻭﺏ ﺍﻟﻤﻨﺎﻗﺒﻴﺔ ﺍﻟﻔﺮﺩﺍﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﻯ ﻛﻞ ﺇﻧﺴﺎﻥٍ
ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﻣﻊ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ.[116]«
ﻋﻠﻰ ﻣﺪﻯ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻛﻠﻬﺎ ،ﺑﻴَّﻨﺖُ ﺑﻮﺿﻮﺡ ﺩﻭﺭ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻷﺳﺎﺳﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺎﻝ ﺍﻷﺧﻼﻗﻲ .ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺗﻄﺎﻟﺐ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ
ﺍﻷﺩﺑﻲ ،ﻓﻲ ﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠّﻖ ﺑﻤﻌﻈﻢ ﺍﻟﻤﻌﻀﻼﺕ ﺍﻷﺧﻼﻗﻴّﺔ ﺍﻟﻤﻠِﺤّﺔ ،ﺑﺄﻥ ﻳُﻌﻤِﻞ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻣﻠﻴﺎً ﻭﻳﺒﻴّﻦ ﺑﻮﺿﻮﺡ ﺃﻥ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﺍﻷﺩﺑﻲ ﻳﻤﺘﺪُّ
ﺑﺠﺬﻭﺭﻩ ﺇﻟﻰ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻠﻪ .ﻟﻜﻲ ﻳﺘﻤﻜّﻦ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﺍﻷﺩﺑﻲ ﻣﻦ ﺍﻻﺿﻄﻼﻉ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻌﻴﻦ ﺑﺎﻟﻤﻨﺎﻗﺒﻴﺔ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ
ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻨﺎﻭﻝ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺨﻴﺮ ،ﻻ ﺍﻟﻤﻨﺎﻗﺒﻴﺔ ﺍﻟﺬﺍﺗﻴﺔ ﻭﻻ ﺍﻟﻤﻨﻔﻌﻴﺔ .ﺍﻟﻤﻨﺎﻗﺒﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺤﻦ ﻓﻲ ﺍﻧﺘﻈﺎﺭﻫﺎ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﻭﺗﻔﺘﺮﺽ
ﺃﻧﺘﺮﻭﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ ﻭﻣﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﺔ ﺍﻟﺨﻴﺮ .ﻓﺈﺫﺍ ﺍﺭﺗﻜﺰ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﺍﻷﺩﺑﻲ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺅﻳﺔ ﺍﻟﻤﻮﺣِّﺪﺓ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﻄﺔ ﺣﺘﻤﺎً ﺑﺎﻟﻘﺪﺍﺳﺔ
ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ﻭﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﺍﻟﻔﻀﺎﺋﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻔﺎﺋﻘﺔ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ،ﺃﺻﺒﺢ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻪ ﺃﻥ ﻳﻌﺎﻟﺞ ،ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﻭﻓﺎﻋﻠﺔ ،ﻣﺨﺘﻠﻒ
ﺍﻟﻤﻌﻀﻼﺕ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺼﻼﺣﻴﺘﻪ ،ﻛﻤﻌﻀﻠﺔ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻷﺳﺮﺓ ﻭﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺍﻟﺒﻴﺌﺔ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ.
.99ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻫﻮ ﺃﻭﻻً ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺑﺸﺎﺭﺓ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ .[117]ﻭﺗﺪﻋﻮ ﺍﻟﺒﺸﺎﺭﺓ ﺃﻭ
ﺍﻟﻜﺮﺍﺯﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ،ﻣﻘﺘﺮﺣﺔ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺒﻠﻎ ﺫﺭﻭﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﺳﺮّﻩ ﺍﻟﻔﺼﺤﻲ :ﻓﻠﻴﺲ ﺑﺎﻹﻣﻜﺎﻥ ﺃﻥ ﻧﻌﺮﻑ ﻣﻞﺀ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ
ﺍﻟﻤﺨﻠّﺼﺔ ﺇﻻّ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ )ﺭﺍ ﺭﺳﻞ 12 ،4؛ 1ﻃﻴﻢ .(6-4 ،2
ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺮﺍﺋﻦ ،ﻧﻔﻬﻢ ﺟﻴﺪﺍً ﻟﻤﺎﺫﺍ ﻳﻬﻤﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺬﻛﺮ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ :ﻓﺎﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﻟﻪ ﻟﻮﺍﺣﻖ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ
ﻳﺤﺴﻦ ﺃﻥ ﻧﺘﻤﻌﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺿﺆ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ .ﺇﻥ ﻣﺎ ﻳﺤﺼِّﻠﻪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﻳﺆﺛّﺮ ﻓﻲ ﺗﻨﺸﺌﺘﻪ .ﻓﺎﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ
ﺃﻳﻀﺎً ﺃﺳﻠﻮﺏ ﻣﻦ ﺃﺳﺎﻟﻴﺐ ﺍﻻﺗﺼﺎﻝ ﺍﻟﻠﻐﻮﻱ ،ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻌﺮِّﻑ ﺑﺎﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﺍﻟﻜﻨﺴﻴﺔ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﺟﻮﺍﻧﺒﻬﺎ ،[118]ﻭﻳُﻈﻬﺮ ﻣﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ
ﻋﻼﻗﺎﺕ ﺑﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ .[119]ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻧﺘﻮﺻﻞ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻧﺠﻤﻊ ،ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﻤﻴّﺰﺓ ،ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ،ﻭﻫﺬﺍ ﻳﺘﻌﺬّﺭ ﺗﺤﻘﻴﻘﻪ ﺇﻻّ
ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ .ﻭﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺃﻥ ﻣﺎ ﻳﻨﻘﻠﻪ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﻟﻴﺲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻤﺠﺮّﺩﺓ ﺑﻞ ﻫﻮ ﺳﺮّ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺤﻲ.[120]ّ
ﺑﻮﺳﻊ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﺃﻥ ﻳﺴﺎﻋﺪ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻓﻲ ﺗﻮﺿﻴﺢ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ،ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﺪﺙ ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻳﺔ،
ﻭﺧﺼﻮﺻﺎً ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻌُﻠﻮﻳّﺔ ﻭﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻣﺔ ﺑﺸﺮﻳﺎ .[121]ًﻃﺮﻕ ﺍﻟﺘﻘﺎﺑﺲ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺒﺎﺣﺚ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻴﺔ ﻭﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻓﺮﺯﺗﻬﺎ
ﺍﻟﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻮﺍﻋﻬﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻌﻮﺩ ﺑﺎﻟﺨﺼﺐ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻓﻲ ﻧﻘﻞ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﻓﻬﻤﻪ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺃﻋﻤﻖ.
ةمتاخ
.100ﺑﻌﺪ ﻣﺌﺘﻲ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ ﻧﺸﺮ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ »ﺍﻵﺏ ﺍﻷﺯﻟﻲ« ﻟﻠﺒﺎﺑﺎ ﻻﻭﻥ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﺸﺮ ،ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺳﺘﺸﻬﺪﺕُ ﺑﻬﺎ ﻣﺮﺍﺭﺍً ﻓﻲ
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻔﺤﺎﺕ ،ﺍﺳﺘﺤﺴﻨْﺖُ ﺃﻥ ﺃﻋﻮﺩ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﻭﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﻨﻬﺠﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺷﺮﺡ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺑﻴﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ .ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺍﺿﺢ ﺃﻥ
ﻟﻠﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﻛﺒﺮﻯ ﻓﻲ ﺗﻄﻮﻳﺮ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ ﻭﺗﻮﺟﻴﻪ ﺍﻟﺘﺼﺮﻓﺎﺕ ﺍﻟﻔﺮﺩﻳﺔ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ .ﻭﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﺃﻳﻀﺎً ﺃﺛﺮ
ﻋﻤﻴﻖ ﻓﻲ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﻭﻣﺨﺘﻠﻒ ﻣﺒﺎﺣﺜﻪ ،ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳُﻌﺘﺮﻑ ﺑﻪ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺻﺮﻳﺤﺔ .ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ،ﺭﺃﻳﺖُ ﻣﻦ ﺩﻭﺍﻋﻲ ﺍﻟﺤﻖ
ﻭﺍﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﺃﻥ ﺃﻧﻮّﻩ ﺑﻘﻴﻤﺔ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻓﻲ ﻓﻬﻢ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ،ﻭﺍﻟﺤﺪﻭﺩ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺼﻄﺪﻡ ﺑﻬﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻨﺴﻰ ﺃﻭ ﺗﺮﻓﺾ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻮﺣﻲ.
ﻭﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺃﻥ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻻ ﺗﺰﺍﻝ ﻣﻘﺘﻨﻌﺔ ﻛﻞ ﺍﻻﻗﺘﻨﺎﻉ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ »ﻳﺘﻌﺎﻭﻧﺎﻥ ،[122]«ﻭﻳﻀﻄﻠﻌﺎﻥ ،ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺗﺠﺎﻩ
ﺍﻵﺧﺮ ،ﺑﻮﻇﻴﻔﺔ ﻏﺮﺑﺎﻝِ ﻣﻨﻖ ،ِّﺃﻭ ﺣﺎﻓﺰِ ﻟﻠﺘﻘﺪّﻡ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻭﺍﻟﺘﻤﻌّﻦ.

4.10 Page 40

▲back to top
40
.101ﺇﺫﺍ ﻭﺟﻬﻨﺎ ﻧﻈﺮﻧﺎ ﺃﻟﻰ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻔﻜﺮ ،ﻭﺑﺨﺎﺻّﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺮﺏ ،ﺗﻴﺴّﺮ ﻟﻨﺎ ﺍﻛﺘﺸﺎﻑ ﺍﻟﺜﺮﻭﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺣﻘﻘﻬﺎ ،ﻟﺮﻗﻲ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ،
ﺍﻟﻠﻘﺎﺀ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻭﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﻭﺗﺒﺎﺩﻝ ﻣﻜﺎﺳﺒﻬﻤﺎ .ﻓﺎﻟﻼﻫﻮﺕ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻤﺘﻊ ﺑﺎﻧﻔﺘﺎﺡ ﻭﻣﺰﻳّﺔ ﻳﺠﻌﻼﻧﻪ »ﻋﻠﻢ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ،«ﻗﺪ ﺣﻔﺰ
ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻳﻈﻞّ ﻣﻨﻔﺘﺤﺎً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﺍﻹﻟﻬﻲ ﻭﻣﺎ ﻳﺤﻤﻠﻪ ﻣﻦ ﺟﺪّﺓ ﺃﺻﻴﻠﺔ .ﻭﻻ ﺷﻚ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻘﺎﺑﺲ ﻗﺪ ﻋﺎﺩ ﺑﺎﻟﻔﺎﺋﺪﺓ
ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻧﻔﺴﺤﺖ ﺃﻣﺎﻣﻬﺎ ﺁﻓﺎﻕ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﻤﺒﺘﻜﺮﺓ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺃﻥ ﻳﺘﻘﺼَّﺎﻫﺎ.
ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻠﻖ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ،ﺃﻇﻦ ﻣﻦ ﻭﺍﺟﺒﻲ ﺍﻹﻟﺤﺎﺡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﻪ ﺑﺎﻟﻤﻨﻔﻌﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺠﻨﻴﻬﺎ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻣﻦ ﺍﺳﺘﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﻠﺤﻤﺔ ﻣﻊ
ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ،ﻟﻤﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻭﺗﻘﺪّﻣﻪ ،ﻛﻤﺎ ﻛﺮّﺭﺕ ﺃﻳﻀﺎً ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺑﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻌﻴﺪ ﻋﻼﻗﺘﻪ ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ﺑﺎﻟﻔﻠﺴﻔﺔ .ﻭﻻ ﺑﺪّ
ﻣﻦ ﺃﻥ ﺗﺠﺪ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ﻓﻜﺮﺍً ﻓﺮﺩﻳﺎً ﻣﻌﺮّﺿﺎً ﻟﻤﺤﺪﻭﺩﻳّﺔ ﺍﻟﺮﺅﻯ ﺍﻟﺘﻲ ﺗَﺼِﻢ ﺩﻭﻣﺎً ﻓﻜﺮ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻔﺮﺩ،
ﻭﺇﻥ ﺗﻤﻴّﺰ ﺑﺎﻟﻌﻤﻖ ﻭﺍﻟﻐﻨﻰ ،ﺑﻞ ﺛﺮﻭﺓ ﺗﻔﻜﻴﺮ ﻣﺸﺘﺮﻙ .ﻭﻻ ﻏﺮﻭ ﻓﺎﻟﻼﻫﻮﺕ ،ﻓﻲ ﺑﺤﺜﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،ﻣﺪﻋﻮﻡ ﻃﺒﻴﻌﻴﺎً ﺑﻄﺎﺑﻌﻪ
ﺍﻟﻜﻨﺴﻲ ،[123]ﻭﺑﺘﻘﻠﻴﺪ ﺷﻌﺐ ﺍﻟﻠﻪ ،ﻭﻣﺎ ﻳﺘﻀﻤﻨﻪ ﻣﻦ ﻓﻴﺾ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﻑ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ ﻓﻲ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ.
.102ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﻟﺤﺎﺡ ﻋﻠﻰ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﻭﺃﺑﻌﺎﺩﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ،ﺗﻌﻤﻞ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻌﺰﻳﺰ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﻋﻦ ﻛﺮﺍﻣﺔ
ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﻧﺸﺮ ﺍﻟﺒﻼﻍ ﺍﻹﻧﺠﻴﻠﻲ .ﻻ ﻧﺠﺪ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺃﻟﺢ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺄﻫﺐ ﻟﻼﺿﻄﻼﻉ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﻬﺎﻡ ،ﺇﻻّ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ :ﻭﻫﻲ ﺃﻥ
ﻧﺤﻤﻞ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻋﻠﻰ ﺍﻛﺘﺸﺎﻑ ﻗﺪﺭﺗﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ [124]ﻭﺭﻏﺒﺘﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﻭﺍﻟﻨﻬﺎﺋﻲ.
ﻓﻲ ﺻﺪﺩ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻘﺘﻀﻴﺎﺕ ﺍﻟﻌﻤﻴﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﻘﺸﻬﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ،ﻳﺘﺠﻠّﻰ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻮﺿﻮﺡ ﺃﻛﺜﺮ ﻓﻲ ﻣﻀﻤﻮﻧﻪ
ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻭﺍﻟﻤﺆﻧّﺲ .ﻓﺈﺫﺍ ﺗﻤﻜﻦ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﻣﻦ ﺍﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﻔﻠﺴﻔﺔ ﺃﺿﺤﺖ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺣﻜﻤﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ،ﺍﺳﺘﻄﺎﻉ ﺍﻹﻗﺮﺍﺭ
ﺑﺄﻥ ﻧﻤﻮّﻩ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻣﻨﻮﻁ ﺑﺎﻧﻔﺘﺎﺣﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ﻭﺛﻘﺘﻪ ﺑﺎﻹﻧﺠﻴﻞ.
.103ﺛﻢ ﺇﻥ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻫﻲ ﺷﺒﻪ ﻣﺮﺁﺓ ﺗﻨﻌﻜﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ .ﻛﻞ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﺗﺘﻄﻮّﺭ ﺑﺪﺍﻓﻊٍ ﻣﻦ ﻣﻘﺘﻀﻴﺎﺕ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ،
ﻓﻲ ﺗﻨﺎﻏﻢ ﻣﻊ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ،ﺗﺼﺒﺢ ﻋﺎﻣﻼً ﻣﻦ ﻋﻮﺍﻣﻞ »ﺗﺒﺸﺮﺓ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ،«ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻋﺘﺒﺮﻫﺎ ﺑﻮﻟﺲ ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ ﻫﺪﻓﺎً ﺃﺳﺎﺳﻴﺎً ﻣﻦ
ﺃﻫﺪﺍﻑ ﻧﺸﺮ ﺍﻹﻧﺠﻴﻞ .[125]ﻭﻓﻴﻤﺎ ﻻ ﺃﻛِﻞُّ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻨﺎﺩﺍﺓ ﺑﺈﻟﺤﺎﺣﻴﺔ ﺑﺸﺎﺭﺓ ﺟﺪﻳﺪﺓ ،ﺃﻧﺎﺷﺪ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺍﻟﺘﻌﻤﻖ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻻﺕ
ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺍﻟﺼﻼﺡ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ،ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻠﻪ .ﻭﻳﺼﺒﺢ ﺍﻷﻣﺮ ﺃﺷﺪ ﺇﻟﺤﺎﺣﺎً ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻔﻜّﺮ ﺑﺎﻟﺘﺤﺪّﻳﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﻴﻮﺍﺟﻬﻨﺎ ﺑﻬﺎ
ﺍﻷﻟﻒ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﻬﺪّﺩ ﺧﺼﻮﺻﺎً ﺍﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ ﺍﻟﻌﺮﻳﻘﺔ ﺑﺘﺮﺍﺛﻬﺎ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ .ﻫﺬﺍ ﺍﻻﻫﺘﻤﺎﻡ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﻌﺪّﻩ ﺭﺍﻓﺪﺍً
ﺃﺳﺎﺳﻴﺎً ﻭﻣﺒﺘﻜﺮﺍً ﻣﻦ ﺭﻭﺍﻓﺪ ﺍﻟﺒﺸﺎﺭﺓ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ.
.104ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﻫﻮ ﻏﺎﻟﺒﺎً ﺍﻟﻤﺠﺎﻝ ﺍﻷﻭﺣﺪ ﻟﻠﺘﻔﺎﻫﻢ ﻭﺍﻟﺤﻮﺍﺭ ﻣﻊ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﺸﺎﺭﻛﻮﻧﻨﺎ ﺇﻳﻤﺎﻧﻨﺎ .ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ
ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﺓ ﺗﻔﺮﺽ ﺍﻟﺘﺰﺍﻣﺎً ﻭﻃﻴﺪﺍً ﻭﻛﻔﺆﺍً ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻓﻼﺳﻔﺔ ﻣﺆﻣﻨﻴﻦ ﺑﻮﺳﻌﻬﻢ ﺃﻥ ﻳﺘﺤﺴَّﺴﻮﺍ ﻣﺎ ﺗﻨﻄﻮﻱ ﻋﻠﻴﻪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﺒﺔ ﻣﻦ
ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻣﻦ ﺗﻄﻠﻌﺎﺕ ﻭﺍﻧﻔﺘﺎﺣﺎﺕ ﻭﻣﺸﺎﻛﻞ .ﺑﺈﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ ،ﺇﺫﺍ ﺍﻋﺘﻤﺪ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺃﺳﻠﻮﺑﺎً ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺪﻟﻴﻞ ﻣﺮﺗﻜﺰﺍً ﻋﻠﻰ
ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﻣﺘﻘﻴﺪﺍً ﺑﻘﻮﺍﻋﺪﻩ ،ﻭﺇﺫﺍ ﺍﻫﺘﺪﻯ ﺑﻤﺎ ﻳﺄﺗﻴﻪ ﻣﻦ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﻓﻬﻢ ﺇﺿﺎﻓﻲ ،ﺃﻥ ﻳﻘﻴﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺠﺞ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﻭﺣﺼﻴﻒ
ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﺪﺭﻛﻮﻥ ﺑﻌﺪ ﻣﻞﺀ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﺘﺠﻠﻴّﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﺍﻹﻟﻬﻲ .ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺠﺎﻝ ﺍﻟﻮﻓﺎﻗﻲ ﻭﺍﻟﺤﻮﺍﺭﻱ ﻫﻮ ﺍﻟﻴﻮﻡ
ﻣﻦ ﺍﻷﻫﻤﻴّﺔ ﺑﻤﻘﺪﺍﺭ ﺍﻟﻤﻌﻀﻼﺕ ﺍﻟﻤﻠﺤّﺔ ﺍﻟﻤﻄﺮﻭﺣﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳّﺔ :ﻣﻌﻀﻼﺕ ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ ﻭﺗﻌﺎﻳﺶ ﺍﻷﺟﻨﺎﺱ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ.
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﻀﻼﺕ ﻳﻤﻜﻦ ﺣﻠّﻬﺎ ﺑﻔﻀﻞ ﺗﻌﺎﻭﻥ ﺻﺮﻳﺢ ﻭﻧﺰﻳﻪ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﻴﻦ ﻭﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻳﺎﻧﺎﺕ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﻭﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺤﺮﺻﻮﻥ
ﻋﻠﻰ ﺗﺠﺪﻳﺪ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﺸﺎﺭﻛﻮﺍ ﻓﻲ ﻋﻘﻴﺪﺓ ﺩﻳﻨﻴﺔ .ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﺃﻛﺪﻩ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺑﻘﻮﻟﻪ :»ﺍﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ
ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ ﺍﻟﻤﻔﻀﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﻭﺣﺪﻫﺎ ،ﻣﻊ ﺍﻻﺣﺘﻔﺎﻅ ،ﻓﻲ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ ،ﺑﺎﻟﻔﻀﻴﻠﺔ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ،ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﻏﺒﺔ،
ﻣﻦ ﺟﻬﺘﻨﺎ ،ﻻ ﺗﺴﺘﺜﻨﻲ ﺃﺣﺪﺍ ،ًﻻ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﻈِّﻤﻮﻥ ﻗﻴﻢ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﻭﻟﻜﻨﻬﻢ ﻻ ﻳﻘﺮّﻭﻥ ﺑﻌﺪ ﺑﺎﻟﺬﻱ ﺧﻠﻘﻬﺎ ،ﻭﻻ
ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﺎﻭﻣﻮﻥ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻭﻳﻀﻄﻬﺪﻭﻧﻬﺎ [126]ﺑﺄﺳﺎﻟﻴﺐ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻛﻞ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻳﻨﻌﻜﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ،
ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﻭﺍﻷﺧﻴﺮ ﻟﻤﻌﻀﻼﺕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ،[127]ﺗﺸﻜّﻞ ﻣﺴﺘﻨﺪﺍً ﻓﺎﻋﻼً ﻟﻠﻤﻨﺎﻗﺒﻴﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻭﺍﻟﻜﻮﻧﻴّﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺘﺎﺟﻬﺎ
ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺍﻟﻴﻮﻡ.
.105ﺃﺭﻳﺪ ﺃﻥ ﺃﺧﺘﺘﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﺑﺎﻟﺘﻮﺟﻪ ،ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ،»ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻴﻴﻦ ﺧﺼﻮﺻﺎً ﻟﻴﻬﺘﻤﻮﺍ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣﺎً ﺧﺎﺻﺎً ﺑﻤﺎ
ﻳﺴﺘﻠﺰﻣﻪ ﻓﻬﻢ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﻣﻀﺎﻣﻴﻦ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ ﻭﻳُﻌﻤِﻠﻮﺍ ﻓﻜﺮﻫﻢ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺒﺮﺯ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻲ ﺑﻜﺜﺎﻓﺘﻪ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ .ﻭﺃﻭّﺩ
ﺃﻥ ﺃﺷﻜﺮ ﻟﻬﻢ ﻣﺎ ﻳﺆﺩُّﻭﻧﻪ ﻣﻦ ﺧﺪﻣﺔ ﻛﻨﺴﻴﺔ .ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺍﻟﺤﻤﻴﻤﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﻫﻲ ﻣﻦ ﺃﻧﻔﺲ
ﺛﺮﻭﺍﺕ ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ ﻟﻠﺘﻌﻤﻖ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﻮﺣﺎﺓ .ﻭﻟﺬﺍ ﺃﺷﺠّﻊ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻴﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﻪ ،ﻗﺪﺭ ﺍﻹﻣﻜﺎﻥ ،ﺑﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻓﻲ

5 Pages 41-50

▲back to top

5.1 Page 41

▲back to top
41
ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻲ ،ﻟﻠﺪﺧﻮﻝ ﻫﻜﺬﺍ ﻓﻲ ﺣﻮﺍﺭ ﻧﺎﻗﺪٍ ﻭﺣﺎﺯﻡٍ ﻣﻊ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ،ﻭﻣﻊ ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﺑﺠﻤﻠﺘﻪ،
ﺃﻛﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﺗﻔﺎﻕٍ ﻣﻊ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻡ ﻋﻠﻰ ﺧﻼﻑ .ﻭﻟﻴﻜﻦ ﺛﺎﺑﺘﺎً ﻓﻲ ﺫﻫﻨﻬﻢ ﻣﺎ ﺃﺩﻟﻰ ﺑﻪ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺑﻮﻧﻔﺎﻧﺘﻮﺭﺍ – ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻤﻌﻠّﻢ
ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻭﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺔ – ﻓﻲ ﻣﻘﺪّﻣﺔ ﻛﺘﺎﺏ »ﻣﺴﻴﺮﺓ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻪﻓﻬﻮ ﻳﺪﻋﻮ ﺍﻟﻘﺎﺭﻯﺀ »ﺃﻻّ ﻳﻈﻦَّ ﺃﻧﻪ ﺑﺎﻹﻣﻜﺎﻥ ﺃﻥ
ﻧﻜﺘﻔﻲ ﺑﺎﻟﻘﺮﺍﺀﺓ ﺑﺪﻭﻥ ﺍﻟﺘﺨﺸّﻊ ،ﻭﺑﺎﻟﺘﻨﻈﻴﺮ ﺑﺪﻭﻥ ﺍﻟﺘﻌﺒّﺪ ،ﻭﺑﺎﻟﺒﺤﺚ ﺑﺪﻭﻥ ﺍﻟﺘﻌﺠّﺐ ،ﻭﺑﺎﻟﻔﻄﻨﺔ ﺑﺪﻭﻥ ﺍﻟﺘﻬﻠُّﻞ ،ﻭﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﺑﺪﻭﻥ
ﺍﻟﺘﻘﻮﻯ ،ﻭﺑﺎﻟﻌﻠﻢ ﺑﺪﻭﻥ ﺍﻟﻤﺤﺒّﺔ ﻭﺑﺎﻟﻌﻘﻞ ﺑﺪﻭﻥ ﺍﻟﺘﻮﺍﺿﻊ ،ﻭﺑﺎﻟﺪﺭﺱ ﻣﻌﺰﻭﻻً ﻋﻦ ﺍﻟﻨﻌﻤﺔ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻭﺑﺎﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻤﻌﺰﻭﻝ ﻋﻦ
ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﻤﻮﺣﺎﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ.[128]«
ﻭﺃﺗﻮﺟﻪ ﺑﺎﻟﻔﻜﺮ ﺃﻳﻀﺎً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻀﻄﻠﻌﻮﻥ ﺑﻤﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﺍﻟﺘﻨﺸﺌﺔ ﺍﻟﻜﻬﻨﻮﺗﻴﺔ ،ﺍﻷﻛﺎﺩﻳﻤﻴّﺔ ﻭﺍﻟﺮﻋﺎﺋﻴﺔ ،ﻟﻴﺆﻣّﻨﻮﺍ ،ﺑﺘﻨﺒﻪ ﺧﺎﺹ ،ﺍﻟﺘﻨﺸﺌﺔ
ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﻟﻠﻤﺰﻣﻌﻴﻦ ﺃﻥ ﻳﺒﺸّﺮﻭﺍ ﺑﺎﻹﻧﺠﻴﻞ ﺃﻫﻞ ﺯﻣﺎﻧﻨﺎ ،ﻭﺧﺼﻮﺻﺎً ﻟﻠﻤﺰﻣﻌﻴﻦ ﺃﻥ ﻳﺘﻜﺮّﺳﻮﺍ ﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﻭﺍﻟﺒﺤﺚ .ﻭﻟﻴﺠﻬﺪﻭﺍ
ﻓﻲ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻣﻮﺍ ﺑﻌﻤﻠﻬﻢ ﻓﻲ ﺿﺆ ﺗﻌﻠﻴﻤﺎﺕ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ [129]ﻭﺍﻹﺟﺮﺍﺀﺍﺕ ﺍﻟﻤﺘﺨﺬﺓ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ،ﻭﻫﻲ ﺗﻨﻮّﻩ
ﺑﺎﻟﻮﺍﺣﺐ ﺍﻟﻤﻠّﺢ ﻭﺍﻟﻤﻠﺰﻡ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺎﻫﻤﺔ ﻓﻲ ﻧﻘﻞ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻧﻘﻼً ﺻﺤﻴﺤﺎً ﻭﻋﻤﻴﻘﺎﻭﻻ ﻳﻨﺲَ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﺔ
ﺍﻟﺒﺎﻫﻈﺔ ﻓﻲ ﺗﺄﻣﻴﻦ ﺗﻨﺸﺌﺔ ﺇﻋﺪﺍﺩﻳﺔ ﻭﻣﺆﺁﺗﻴﺔ ﻟﻠﺠﺴﻢ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ ﺍﻟﻤُﻌﺪّ ﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻓﻲ ﺍﻹﻛﻠﻴﺮﻳﻜﻴﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﻫﺪ
ﺍﻟﻜﻨﺴﻴﺔ .[130]ﻭﻻ ﺑﺪّ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺗﺘﻀﻤﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﻨﺸﺌﺔ ﺗﺄﻫﻴﻼً ﻋﻠﻤﻴﺎً ﻣﺆﺍﺗﻴﺎ ،ًﻭﺗُﻨﻈّﻢ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﻨﻬﺠﻴّﺔ ﻭﺗﻘﺪِّﻡ ﻟﻠﻄﻼﺏ ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ
ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﺍﻟﻨﺎﺑﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ ﻭﺗُﺮﻓَﻖ ﺑﻤﺎ ﻳﻠﺰﻡ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺣﻴﺎﻝ ﺍﻟﺤﺎﺟﺎﺕ ﺍﻟﺮﺍﻫﻨﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ.
.106ﻭﺇﻧﻲ ﺃﺗﻮﺟﻪ ﺑﻨﺪﺍﺋﻲ ﺃﻳﻀﺎً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻭﻣﻌﻠﻤﻲ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ،ﻟﻴﺠﺮُﺀﻭﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﻌﺎﺩﺓ ﻣﺎ ﻳﺘﻤﻴّﺰ ﺑﻪ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ،
ﻓﻲ ﺧﻂّ ﺗﻘﻠﻴﺪ ﻓﻠﺴﻔﻲ ﺛﺎﺑﺖ ﻭﻗﻴّﻢ ،ﻣﻦ ﺻﻔﺎﺕ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ،ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺮﺍﻫﻨﺔ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﺔ.
ﻭﻟﻴﻨﻘﺎﺩﻭﺍ ﻟﻠﻤﻘﺘﻀﻴﺎﺕ ﺍﻟﻨﺎﺑﻌﺔ ﻣﻦ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻠﻪ .ﻭﻟﻴﺠﺮُﺀﻭﺍ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻳﻘﻴﻤﻮﺍ ﺧﻄﺎﺑﻬﻢ ﺍﻟﻌﻘﻠﻲ ﻭﺃﺳﻠﻮﺑﻬﻢ ﺍﻟﺒﺮﻫﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻠﻖ
ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﺪﺍﺀ .ﻭﻟﻴﻜﻮﻧﻮﺍ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻣﺸﺪﻭﺩﻳﻦ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺣﺮﻳﺼﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﺍﻟﻤﺘﻀﻤﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻖ ،ﻓﻴﺘﻤﻜﻨﻮﺍ ﻫﻜﺬﺍ ﻣﻦ ﺃﻥ
ﻳﺮﺳﻤﻮﺍ ﺍﻟﻤﻨﺎﻗﺒﻴﺔ ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻣﺴﺖ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺑﺄﻣﺲّ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻴﻬﺎ ،ﻭﺑﺨﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻳﺎﻡ .ﺇﻥ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺗﺘﺘﺒَّﻊ ﺃﺑﺤﺎﺛﻬﻢ
ﺑﺎﻧﺘﺒﺎﻩ ﻭﺗﻌﺎﻃﻒ .ﻭﻋﻠﻴﻬﻢ ،ﻣﻦ ﺛﻢ ،ﺃﻥ ﻳﺘﺄﻛﺪﻭﺍ ﻣِﻤﺎ ﺗﻜﻨّْﻪ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻣﻦ ﺍﺣﺘﺮﺍﻡ ﻟﻌﻠﻤﻬﻢ ﻭﺍﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺘﻪ ﺍﻟﻤﺸﺮﻭﻋﺔ .ﻭﺃﻭﺩّ ﺃﻥ
ﺃﺷﺠﻊ ﺧﺼﻮﺻﺎً ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﻤﻠﻮﻥ ﻓﻲ ﺣﻴّﺰ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻟﻴﻨﻴﺮﻭﺍ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻧﻄﺎﻗﺎﺗﻪ ،ﺑﺄﺳﻠﻮﺏ ﺗﻔﻜﻴﺮﻱ
ﻳﺰﺩﺍﺩ ﻳﻘﻴﻨﺎً ﻭﺣﺼﺎﻧﺔ ﺑﻤﻘﺪﺍﺭ ﺍﻋﺘﻤﺎﺩﻩ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ.
ﻭﻻ ﻳﺴﻌﻨﻲ ﺃﺧﻴﺮﺍً ﺇﻻّ ﺃﻥ ﺃﺗﻮﺟّﻪ ﺇﻟﻰ ﺭﺟﺎﻻﺕ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺰﻭّﺩﻭﻧﻨﺎ ،ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺃﺑﺤﺎﺛﻬﻢ ،ﺑﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻌﺮﻑ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻓﻲ
ﻣﺠﻤﻠﻪ ،ﻭﻋﻠﻰ ﻣﻘﻮّﻣﺎﺗﻪ ﻣﻦ ﺍﻷﺣﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﺩﺍﺕ ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺃﻧﻮﺍﻋﻬﺎ ﻭﺛﺮﻱّ ﺃﺻﻨﺎﻓﻬﺎ ،ﻭﻓﻲ ﺑﻨﻴﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﺬﺭﻳّﺔ ﻭﺍﻟﺨﻠﻴﻮﻳّﺔ ﺍﻟﻤﻌﻘّﺪﺓ.
ﻟﻘﺪ ﻗﻄﻌﻮﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﻠﻜﻮﻫﺎ ،ﻭﺑﺨﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺮﻥ ،ﻣﺮﺍﺣﻞ ﻻ ﺗﺰﺍﻝ ﺗﺜﻴﺮ ﻓﻴﻨﺎ ﺍﻟﺪﻫﺶ؛ ﻭﻓﻴﻤﺎ ﺃﻋﺒّﺮ ﻋﻦ
ﺇﻋﺠﺎﺑﻲ ﻭﺗﺸﺠﻴﻌﻲ ﻟﻬﺆﻻﺀ ﺍﻟﺸﺠﻌﺎﻥ ﺍﻟﺒﻮﺍﺳﻞ ،ﺭﻭﺍﺩ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺗﺪﻳﻦ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺑﺠﺰﺀ ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ ﺗﻄﻮّﺭﻫﺎ
ﺍﻟﺮﺍﻫﻦ ،ﺃﺷﻌﺮ ﺑﻮﺍﺟﺐ ﺣﻀّﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﺍﺻﻠﺔ ﺟﻬﻮﺩﻫﻢ ﻣﻊ ﺍﻻﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﺩﻭﻣﺎً ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻂ ﺍﻟﺤﻜﻤﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻨﻀﻢ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻤﻜﺎﺳﺐ
ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴّﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﻗﺒﻴّﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﺠﻠّﻰ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻓﻲ ﻣﺰﺍﻳﺎﻩ ﺍﻟﺠﻮﻫﺮﻳﺔ .ﻭﻻ ﺷﻚ ﺃﻥ
ﺭﺟﻞ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻳﻌﻲ ﻭﻋﻴﺎً ﺟﻴﺪﺍً »ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻤﺎﺱ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﺘﻮﺥّ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺃﻭ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩﺓ ،ﻟﻴﺲ ﻟﻪ
ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻭﻳﺮﺩّﻧﺎ ﺩﻭﻣﺎً ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺃﺭﻗﻰ ﻣﻦ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﻤﺒﺎﺷﺮ ،ﺃﻱ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻔﻀﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﺮّ ﺍﻟﻤﻜﻨﻮﻥ.[131]«
.107ﺃﻃﻠﺐ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﻌﺘﺒﺮﻭﺍ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻋﻤﻘﻪ ،ﻭﻓﻲ ﺑﺤﺜﻪ ﺍﻟﺪﺍﺋﻢ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﻋﻦ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ،ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ
ﺍﻟﺬﻱ ﺧﻠّﺼﻪ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ﺑﺴﺮّ ﻣﺤﺒﺘﻪ .ﺛﻤﺔ ﻣﺬﺍﻫﺐ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ ﻣُﻀِﻠّﺔ ﺃﻗﻨﻌﺖ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﺄﻧﻪ ﺳﻴﺪ ﺫﺍﺗﻪ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ،ﻭﺃﻧﻪ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ
ﻳﻘﺮّﺭ ،ﻣﺴﺘﻘﻼ ،ًﻣﺼﻴﺮﻩ ﻭﻣﺴﺘﻘﺒﻠﻪ ،ﻣﺘﻜﻼً ﻓﻘﻂ ﻋﻠﻰ ﺫﺍﺗﻪ ﻭﻃﺎﻗﺘﻪ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ .ﻟﻴﺲ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺗﻘﻮﻡ ﻋﻈﻤﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ،ﻭﻟﻦ
ﻳﺘﺤﻘﻖ ﻛﻤﺎﻟﻪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﺇﻻّ ﺇﺫﺍ ﺍﺗﺨﺬ ﻗﺮﺍﺭﺍً ﺣﺎﺳﻤﺎً ﺑﺎﻟﺪﺧﻮﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،ﻭﺑﻨﺎﺀ ﺑﻴﺘﻪ ﻭﺳﻜﻨﺎﻩ ﻓﻲ ﻇﻞّ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ .ﻭﻟﻦ
ﻳﺘﻮﺻﻞّ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﻤﺎﺭﺱ ﻣﻞﺀ ﺣﺮﻳﺘﻪ ﻭﺩﻋﻮﺗﻪ ﺇﻟﻰ ﺣﺐّ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻣﻌﺮﻓﺘﻪ ،ﻭﻳﺠﺪ ﻓﻴﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺃﻗﺼﻰ ﺍﻛﺘﻤﺎﻟﻪ ،ﺇﻻّ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ
ﺍﻟﺸﺨﻮﺹ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ.
.108ﻭﺃﺗﻮﺟّﻪ ﺑﺎﻟﻔﻜﺮ ﺃﺧﻴﺮﺍً ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺪﻋﻮﻫﺎ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻓﻲ ﺻﻼﺗﻬﺎ »ﻋﺮﺵ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻫﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ
ﻧﻤﻮﺫﺝ ﺣﻘﻴﻘﻲ ﻳﺸﻊّ ﺑﻨﻮﺭﻩ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺃﺗﻴﺖ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺃﻓﻜﺎﺭ .ﺑﺎﻹﻣﻜﺎﻥ ،ﻭﻻ ﺷﻚ ،ﺃﻥ ﻧﺠﺪ ﺗﻨﺎﻏﻤﺎً ﻋﻤﻴﻘﺎً ﺑﻴﻦ ﺩﻋﻮﺓ ﺍﻟﻄﻮﺑﺎﻭﻳﺔ
ﺍﻟﻌﺬﺭﺍﺀ ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﺔ .ﻓﻜﻤﺎ ﺩُﻋﻴَﺖ ﺍﻟﻌﺬﺭﺍﺀ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺗﻘﺮّﺏ ﺑﺸﺮﻳّﺘﻬﺎ ﻭﺃﻧﻮﺛﺘﻬﺎ ﻟﻴﺘﻤﻜﻦ ﻛﻠﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﺘﺄﻧﺲ ﻭﻳﺼﺒﺢ

5.2 Page 42

▲back to top
42
ﻭﺍﺣﺪﺍً ﻣﻨﺎ ،ﻛﺬﻟﻚ ﺗُﺪﻋﻰ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﻋﻤﻠﻬﺎ ﺍﻟﻌﻘﻼﻧﻲ ﺍﻟﻨﺎﻗﺪ ،ﻟﻴﺘﻤﻜﻦ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﺘﻔﻬﻢ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺗﻔﻬﻤﺎً ﺧﺼﺒﺎً
ﻭﻓﺎﻋﻼﻭﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻣﺮﻳﻢ ﻟﻢ ﺗﻔﻘﺪ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﻦ ﺑﺸﺮﻳﺘﻬﺎ ﻭﺣﺮﻳﺘﻬﺎ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻘﺒﻠّﺖ ﺑﺸﺮﻯ ﺟﺒﺮﺍﺋﻴﻞ ،ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ،
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺴﻤﻊ ﺍﻟﻨﺪﺍﺀ ﺍﻟﺼﺎﺩﺭ ﻣﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻹﻧﺠﻴﻞ ،ﻻ ﻳﻔﻘﺪ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﻦ ﺍﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺘﻪ ،ﺑﻞ ﻳﺮﺗﻘﻲ ﺑﺒﺤﺜﻪ ﺇﻟﻰ ﺫﺭﻭﺓ ﻛﻤﺎﻟﻪ .ﻫﺬﻩ
ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻓﻬِﻤَﻬﺎ ﺍﻟﺮﻫﺒﺎﻥ ﺍﻟﻘﺪﻳﺴﻮﻥ ﺍﻷﻗﺪﻣﻮﻥ »ﻓﻬﻤﺎً ﺟﻴﺪﺍُ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻭﺻﻔﻮﺍ ﺍﻟﻌﺬﺭﺍﺀ ﺑﺄﻧﻬﺎ »ﻣﺎﺋﺪﺓ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ .[132]«ﻟﻘﺪ
ﺗﻮﺳﻤﻮﺍ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﻤﺘﻤﺎﺳﻜﺔ ﻟﻠﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ،ﻭﺍﻗﺘﻨﻌﻮﺍ ﻣﻦ ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﺘﻔﻠﺴﻒ ﻓﻲ ﻣﺮﻳﻢ.
ﻋﺴﻰ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﺮﺵ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﻤﻠﺠﺄ ﺍﻷﻣﻴﻦ ﻟﻠﺬﻳﻦ ﻳﺠﻌﻠﻮﻥ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﺑﺤﺜﺎً ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ .ﻋﺴﻰ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻃﺮﻳﻖ
ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ – ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ ﺍﻟﻘﺼﻮﻯ ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻟﻜﻞ ﻋﻠﻢٍ ﺻﺤﻴﺢ -ﺣﺮّﺓ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻋﺎﺋﻖ ،ﺑﺸﻔﺎﻋﺔ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﻟﺪﺕ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ
ﻭﺣﻔﻈﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻬﺎ ،ﻭﻗﺪﻣﺘﻬﺎ ﻫﺪﻳّﺔ ﻟﻠﺒﺸﺮﻳﺔ ﺟﻤﻌﺎﺀ ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻷﺑﺪ!
ﺃﻋﻄﻲ ﻓﻲ ﺭﻭﻣﺎ ،ﺑﻘﺮﺏ ﻛﻨﻴﺴﺔ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺑﻄﺮﺱ ،ﻓﻲ 14ﺍﻳﻠﻮﻝ ،1998ﻋﻴﺪ ﺍﻟﺼﻠﻴﺐ ﺍﻟﻤﺠﻴﺪ ،ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻣﻦ
ﺣﺒﺮﻳﺘﻲ.
يناثلا سلوب انحوي
سرهف
3 ……………………………….
ديهمت
1-6]»[»كسفن فرعا 3 ………………………………………….
ﺍﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﺣﻜﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ
ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻷﻭﻝ
ﻳﺴﻮﻉ ﻳﻌﻠﻦ ﻟﻨﺎ ﺍﻵﺏ 15 ........[12-7]
ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﺍﻟﺴﺮّ 21 ......[15-13]
ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ
ﺃﻭﻣﻦ ﻷﻓﻬﻢ
«ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺗَﻌﻠَﻢ ﻭﺗَﻔﻬﻢُ ﻛﻞَّ ﺷﻲﺀ« )ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ 29 ..[20-16] (11 ،9
«ﺇﻛﺘﺴﺐ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ،ﺇﻛﺘﺴﺐ ﺍﻟﻔﻄﻨﺔ» )ﺳﻔﺮ ﺍﻷﻣﺜﺎﻝ 35 ...............[23-21] (5 ،4
ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ
ﺃﻓﻬﻢ ﻷﻭﻣﻦ
ﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ 41 [27-24]
ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﻭﺟﻮﻫﻬﺎ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ 47 .......[35-28]
ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ

5.3 Page 43

▲back to top
43
ﺍﻟﺼﻼﺕ ﺑﻴﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ
ﺍﻟﻤﺤﻄﺎﺕ ﺍﻟﻼﻓﺘﺔ ﻓﻲ ﻣﻠﺘﻘﻴﺎﺕ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ 57 ......[42-36]
ﻓﻜﺮ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺗﻮﻣﺎ ﺍﻷﻛﻮﻳﻨﻲ ﻭﺟِﺪَّﺗﻪ ﺍﻟﺪﺍﺋﻤﺔ 68 ......[44-43]
ﻣﺄﺳﺎﺓ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺑﻴﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ 73 ...........[48-45]
ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ
ﺗﺪﺧﻼﺕ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴّﺔ ﻓﻲ ﻧﻄﺎﻕ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ
ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ 79 ...........[56-49]
ﺍﻫﺘﻤﺎﻡ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺑﺎﻟﻔﻠﺴﻔﺔ 92 ...............[63-57]
ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ
ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ
ﻋﻠﻢ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﻣﻘﺘﻀﻴﺎﺕ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ 102 ..........[74-64]
ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺃﻭﺿﺎﻋﻬﺎ 118 ..............[79-75]
ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺴﺎﺑﻊ
ﺍﻟﻤﻘﺘﻀﻴﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﺎﺕ ﻓﻲ ﺃﻳﺎﻣﻨﺎ
ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻣﻘﺘﻀﻴﺎﺗﻪ ﺍﻟﻤﻠﺰﻣﺔ 127 ..............[91-80]
ﻣﻬﺎﻡّ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻓﻲ ﺃﻳﺎﻣﻨﺎ 145 ....[99-92]
158
ﺧﺎﺗﻤﺔ [108-100]
[1]ﻟﻘﺪ ﺗﻄﺮﻗﺖ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﻓﻲ ﺃﻭﻟﻰ ﺭﺳﺎﺋﻠﻲ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ :ﻓﺎﺩﻱ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ :»ﻟﻘﺪ ﺃﺻﺒﺤﻨﺎ ﺷﺮﻛﺎﺀ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ،
ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳّﺔ ،ﻭﺑﻔﻌﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ﻧﺤﻦ ﻣﻌﻪ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻹﻟﻬﻴّﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ .ﻣﺴﺆﻭﻟﻴﺘﻨﺎ ﺗﺠﺎﻩ
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺗﻘﻀﻲ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺃﻳﻀﺎً ﺑﺎﻥ ﻧﻬﻮﺍﻫﺎ ﻭﻧﻠﺘﻤﺲ ﻣﻔﻬﻮﻣﻬﺎ ﺍﻷﺩﻕ ﺑﺤﻴﺚ ﻧﺠﻌﻠﻬﺎ ﺃﺩﻧﻰ ﺇﻟﻴﻨﺎ ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ
ﺗﻨﻄﻮﻱ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﻗﻮّﺓ ﻣﻨﻘﻘِﺬﺓ ﻭﺑﻬﺎﺀ ﻭﻋﻤﻖ ﻭﺑﺴﺎﻃﺔ ﻓﻲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ )ﻓﻘﺮﺓ :19ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ ،[1979] 71
.(306
[2]ﺭﺍ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ »ﻓﺮﺡ ﻭﺭﺟﺎﺀ ،«ﻓﻘﺮﺓ .16
[3]ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﻧﻮﺭ ﺍﻷﻣﻢ ،ﻓﻘﺮﺓ .25
[4]ﻓﻘﺮﺓ :4ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ ،(1993) 85.1136

5.4 Page 44

▲back to top
44
[5]ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ،»ﻛﻠﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ،«ﻓﻘﺮﺓ .2
[6]ﺭﺍ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻱ ﻓﻲ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲ »ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻠﻪ« .DS 3008 :3
[7]ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻤﺮﺟﻊ .DS 3015 :4ﻭﻗﺪ ﻭﺭﺩ ﺃﻳﻀﺎً ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ،»ﻓﺮﺡ ﻭﺭﺟﺎﺀ ،«ﻓﻘﺮﺓ .59
[8]ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ،»ﻛﻠﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ،«ﻓﻘﺮﺓ .2
[9]ﺭﺳﺎﻟﺔ »ﺇﻃﻼﻟﺔ ﺍﻷﻟﻒ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ« 10) ،(1994 2ﻓﻘﺮﺓ :10ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ ،(1995) 87.11
[10]ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ »ﻛﻠﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ،«ﻓﻘﺮﺓ .4
[11]ﺍﻟﻤﺮﺟﻊ ﺫﺍﺗﻪ ،ﻓﻘﺮﺓ .8
[12]ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ،»ﻓﺮﺡ ﻭﺭﺟﺎﺀ ،«ﻓﻘﺮﺓ .22
[13]ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ »ﻛﻠﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ،«ﻓﻘﺮﺓ .4
[14]ﺍﻟﻤﺮﺟﻊ ﻧﻔﺴﻪ ،ﻓﻘﺮﺓ .5
[15]ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻷﻭﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﻳَﺴﺘﺸﻬﺪ ﺑﻪ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭ ﺃﻋﻼﻩ ،ﻳﻌﻠِّﻢ ﺃﻥ ﻃﺎﻋﺔ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﺗﻄﻮّﻉ ﺍﻟﻌﻘﻞ
ﻭﺍﻹﺭﺍﺩﺓ :»ﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻨﻮﻃﺎً ﺑﺎﻟﻠﻪ ﺇﻧﺎﻃﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ،ﺑﻮﺻﻒ ﺍﻟﻠﻪ ﺧﺎﻟﻘﺎً ﻭﺭﺑﺎ ،ًﻭﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻕ ﺧﺎﺿﻌﺎً ﺧﻀﻮﻋﺎَ
ﻛﺎﻣﻼً ﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻼﻣﺨﻠﻮﻗﺔ ،ﻓﻨﺤﻦ ﻣﻠﺰﻣﻮﻥ ﺑﺄﻥ ﻧُﺨﻀِﻊ ﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﻮﺣﻲ ﻋﻘﻠﻨﺎ ﻭﺇﺭﺍﺩﺗﻨﺎ ﺧﻀﻮﻋﺎً ﻛﺎﻣﻼ ،ًﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ«
ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻱ ﻓﻲ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲ ،»ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻠﻪ.DS 3008 :3 ،«
[16]ﻣﻘﻄﻊ ﻣﻦ ﺍﻻﺣﺘﻔﺎﻝ ﺑﻌﻴﺪ ﺳﺮّ ﺟﺴﺪ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ﻭﺩﻣﻪ.
[17]ﺍﻟﺘﺄﻣﻼﺕ 789 ،)ﻃﺒﻌﺔ ﻝ .ﺑﺮﻭﻧﺸﻔﻴﻚ.(
[18]ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ،»ﻓﺮﺡ ﻭﺭﺟﺎﺀ ،«ﻓﻘﺮﺓ .22
[19]ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ »ﻛﻠﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ،«ﻓﻘﺮﺓ .2
[20]ﺍﻟﺘﻤﻬﻴﺪ1521 ،؛ ﻃﺒﻌﺔ ﻡ .ﻛﻮﺭﺑﺎﻥ ،ﺑﺎﺭﻳﺲ ،(1986)223؛ 241؛ .266

5.5 Page 45

▲back to top
45
[21]ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻳﺎﻧﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ،CCL 32 :72 ،39 ،.234
[22]ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﺼﻠﻮﺍﺕ ﺑﺎﻟﻄﻘﺲ ﺍﻟﺮﻭﻣﺎﻧﻲ.
[23]ﺍﺭﺳﻄﻮ ،ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﺎ.1 ،1 ،
[24]ﺍﻻﻋﺘﺮﺍﻓﺎﺕ ،CCL 27 :33 ،23 ،10 ،.173
[25]ﻓﻘﺮﺓ :34ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ ،(1993) 85.1161
[26]ﺭﺍ ﻳﻮﺣﻨﺎ ﺑﻮﻟﺲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﺭﺳﺎﻟﺘﻪ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻴﺔ ﻓﻲ »ﺍﻷﻟﻢ ﺍﻟﺨﻼﺻﻲ« 11)ﺷﺒﺎﻁ ،1984ﻓﻘﺮﺓ :9ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ
ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ ،(1984) 76.210 ،209
[27]ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ »ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺑﺎﻷﺩﻳﺎﻥ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﺔ« ﻓﻘﺮﺓ .2
[28]ﻫﺬﺍ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺪﻟﻴﻞ ﺃﻭﺍﺻﻠﻪ ﻣﻨﺬ ﺯﻣﻦ ﻃﻮﻳﻞ ﻭﻋﺒَّﺮﺕ ﻋﻨﻪ ﻓﻲ ﻏﻴﺮ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ :»ﻣﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﻣﺎ ﻣﻨﻔﻌﺘﻪ؟ ﻣﺎ ﺧﻴﺮﻩ ﻭﻣﺎ
ﺷﺮﻩ؟ )ﺳﻴﺮﺍﺥ […] (8 ،18ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺳﺌﻠﺔ ﻫﻲ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ ﻛﻞ ﺇﻧﺴﺎﻥ ،ﻛﻤﺎ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺩﻻﻟﺔ ﻻﻓﺘﺔ ﺍﻟﻌﺒﻘﺮﻳﺔ ﺍﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﻓﻲ
ﻛﻞ ﺯﻣﺎﻥ ﻭﻋﻨﺪ ﻛﻞ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ،ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻧﺒﻮﺀﺓ ﻣﻦ ﻧﺒﻮﺀﺍﺕ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻻ ﺗﺰﺍﻝ ﺗﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻃﺮﺡ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﺠﻮﻫﺮﻱ ﺍﻟﺬﻱ
ﻳﺠﻌﻞ ﻣﻦ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺇﻧﺴﺎﻧﺎّ ﺣﻘﺎﻫﺬﻩ ﺍﻷﺳﺌﻠﺔ ﺗﻌﺒّﺮ ﻋﻦ ﺇﻟﺤﺎﺣﻴﺔ ﺍﻟﻌﺜﻮﺭ ﻋﻠﻰ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﻟﻠﻮﺟﻮﺩ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺤﻄﺔ ﻣﻦ ﻣﺤﻄﺎﺗﻪ
ﻭﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻣﻦ ﻣﺮﺍﺣﻠﻪ ﺍﻟﻬﺎﻣَّﺔ ﻭﺍﻟﺤﺎﺳﻤﺔ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺃﻳﺎﻣﻪ ﺍﻟﻌﺎﺩﻳﺔ .ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺳﺌﻠﺔ ﻫﻲ ﺩﻟﻴﻞ ﻣﺎ ﻳﺮﺗﻜﺰ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ
ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻣﻦ ﺃﺳﺎﺱ ﻋﻤﻴﻖ ،ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺄﻥ ﻋﻘﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﺇﺭﺍﺩﺗﻪ ﻳﻨـﺰﻋﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﺤﺚ ،ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺣﺮَّﺓ ،ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻞّ ﺍﻟﺬﻱ ﻳُﻔﺮﻍ
ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻛﺎﻣﻞ ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ .ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﺴﺎﺅﻻﺕ ﻫﻲ ﺇﺫﻥ ﺃﺳﻤﻰ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ،ﻭﻣﻦ ﺛﻢَّ ﻓﺎﻟﺠﻮﺍﺏ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻫﻮ
ﻣﻘﻴﺎﺱ ﻋﻤﻖ ﺍﻟﺘﺰﺍﻣﻪ ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻣﺮﺍﺣﻞ ﻭﺟﻮﺩﻩ .ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺴﻌﻰ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ،ﺧﺼﻮﺻﺎً ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﻣﻦ ﻛﻞ
ﺟﻮﺍﻧﺒﻬﺎ ،ﻭﻳﻨﻄﻠﻖ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﺍﻷﻗﺼﻰ ﻭﺍﻷﺷﻤﻞ ،ﻋﻨﺪﺋﺬٍ ﻳﺒﻠﻎ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﺫﺭﻭﺗﻪ ﻭﻳﻨﻔﺘﺢ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﺘﺪﻳّﻦ.
ﻭﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﺪﻳّﻦ ﻫﻮ ﺃﺭﻗﻰ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻷﻧﻪ ﻗﻤﺔ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻌﺎﻗﻠﺔ؛ ﻭﻳﻨﺒﻌﺚ ﺍﻟﺘﺪﻳّﻦ ﻣﻦ ﻋﻤﻖ ﺷﻮﻕ
ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،ﻭﻫﻮ ﻣﺮﺗﻜﺰ ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺳﻌﻲ ﺣﺮّ ﻭﺷﺨﺼﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﻟﻮﻫﺔ )ﺍﻟﻠﻘﺎﺀ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻓﻲ 191
،1983ﻓﻘﺮﺓ ،2-1ﺍﻟﻮﺛﺎﺋﻖ ﺍﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴّﺔ ،[1983] 80.(1072-1071
[29]»ﻟﻘﺪ ﺃﻋﻠﻦ ]ﻏﻠﻴﻠﻴﻪ[ ﺻﺮﺍﺣﺔ ﺃﻥ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻻﻳﻤﺎﻥ ﻭﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻬﻤﺎ ﺃﻥ ﻳﺘﻨﺎﻗﻀﺎ ﺃﺑﺪﺍ ،ًﻭﺫﻟﻚ »ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ
ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ ﻭﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻳﻨﺒﺜﻘﺎﻥ ﻛﻼﻫﻤﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻹﻟﻬﻲ ،ﺍﻷﻭﻝ ﺑﻮﺣﻲٍ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﻘﺪﺱ ،ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﻣﻨﻔّﺬﺓ ﺃﻣﻴﻨﺔ ﺟﺪﺍً
ﻷﻭﺍﻣﺮ ﺍﻟﻠﻪ« ﻋﻠﻰ ﺣﺪّ ﻣﺎ ﻛﺘﺒﻪ ﻓﻲ ﺭﺳﺎﻟﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺏ ﺑﻨﺪﺗّﻮ ﻛﺎﺳﺘﻠّﻲ ،ﻓﻲ 21 ،1613 1ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﻳﻌﺒّﺮ ﻋﻨﻪ ﺑﻨﻔﺲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ
ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﺘﻌﻴﺪ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺘﻌﺎﺑﻴﺮ ﺍﻟﻤﺸﺎﺑﻬﺔ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻌﻠﻦ :»ﺇﻥ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﻤﻨﻬﺠﻲ ،ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻻﺕ ﺍﻟﻌﻠﻢ،

5.6 Page 46

▲back to top
46
ﺇﺫﺍ… ﺗﻘﻴﺪ ﺑﺎﻟﻘﻮﺍﻋﺪ ﺍﻷﺧﻼﻗﻴﺔ ،ﻟﻦ ﻳﺘﻌﺎﺭﺽ ﺃﺑﺪﺍً ﻣﻊ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺗﻌﺎﺭﺿﺎً ﺣﻘﻴﻘﻴﺎﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳَﺔ ﻭﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺗﺼﺪﺭ ﻛﻠّﻬﺎ
ﻋﻦ ﺍﻟﻠﻪ« )ﻓﺮﺡ ﻭﺭﺟﺎﺀ ،ﻓﻘﺮﺓ .(36ﻭﻛﺎﻥ ﻏﺎﻟﻴﻠﻴﻪ ﻳﻮﺟﺲ ﻓﻲ ﺑﺤﺜﻪ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﺣﻀﻮﺭ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﻔﺰ ﻭﻣﻀﺎﺗﻪ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳَّﺔ
ﻭﻳﻤﻬّﺪ ﻟﻬﺎ ﻭﻳﺴﺎﻋﺪﻫﺎ ،ﻋﺎﻣﻼً ﻓﻲ ﻋﻤﻖ ﺃﻋﻤﺎﻕ ﺫﻫﻨﻪ« )ﻳﻮﺣﻨﺎ ﺑﻮﻟﺲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﺧﻄﺎﺏ ﺇﻟﻰ ﺃﻛﺎﺩﻳﻤﻴﺔ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﺤﺒﺮﻳﺔ 10 ،2
:1979ﺍﻟﻮﺛﺎﺋﻖ ﺍﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ .[1979] 76.(1010
[30]ﺭﺍ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﻛﻠﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ،ﻓﻘﺮﺓ .4
[31]ﺃﻭﺭﻳﺠﻴﻨﻮﺱ ،ﺿﺪ ﺷﻠﺴﻴﻮﺱ :55 ،3 ،ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﺭ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﺔ ،136.130
[32]ﺣﻮﺍﺭ ﻣﻊ ﺗﺮﻳﻔﻮﻥ :1 ،8 ،ﺍﻵﺑﺎﺀ ﺍﻟﻴﻮﻧﺎﻥ .492 ،6
:Stromates 1، 18، 90، 1 [33]ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﺭ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﺔ ،30.115
[34]ﺍﻟﻤﺮﺟﻊ ﻧﻔﺴﻪ :5 ،81 ،16 ،1ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﺭ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﺔ ،30 ،.108
[35]ﺍﻟﻤﺮﺟﻊ ﻧﻔﺴﻪ :1 ،28 ،5 ،1 ،ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﺭ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ،30 ،.65
[36]ﺍﻟﻤﺮﺟﻊ ﻧﻔﺴﻪ :2-1 ،55 ،7 ،6 ،ﺍﻵﺑﺎﺀ ﺍﻟﻴﻮﻧﺎﻥ 9.277 ،
[37]ﺍﻟﻤﺮﺟﻊ ﻧﻔﺴﻪ :1 ،100 ،20 ،1 ،ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﺭ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﺔ ،30.124
[38]ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺃﻭﻏﺴﻄﻴﻨﻮﺱ ،ﺍﻻﻋﺘﺮﺍﻓﺎﺕ ،CCL 27 :7 ،5 ،6.78 - 77
[39]ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻤﺮﺟﻊ ،CCL 27 :14-13 ،9 ،7 ،.102-101
[40]ﺩﺣﺾ ﺍﻟﻬﺮﺍﻃﻘﺔ :9 ،7ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﺭ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﺔ ،46.98
[41]ﺭﺍ ﻣﺠﻤﻊ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴّﺔ ،ﺗﻮﺟﻴﻪ ﻓﻲ ﺩﺭﺱ ﺁﺑﺎﺀ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻨﺸﺌﺔ ﺍﻟﻜﻬﻨﻮﺗﻴﺔ 10) ،(1989 2ﻓﻘﺮﺓ :25
ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ (1990) 82.618-617
[42]ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺍﻧﺴﻠﻤﻮﺱ ،ﺍﻟﻤﺪﺧﻞ :1 ،ﻃﺒﻌﺔ ﻡ .ﻛﻮﺭﺑﺎﻧﻦ ﺑﺎﺭﻳﺲ ،(1986).239
[43]ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻤﺮﺟﻊ ،ﺍﻟﻤﻮﻧﻮﻟﻮﺟﻴﻮﻥ :64 ،ﻃﺒﻌﺔ ﻡ .ﻛﻮﺭﺑﺎﻥ ،ﺑﺎﺭﻳﺲ ،(1986).181
[44]ﺭﺍ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺗﻮﻣﺎ ﺍﻷﻛﻮﻳﻨﻲ ،ﺍﻟﺨﻼﺻﺔ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻴﺔ ﺿﺪ ﺍﻷﻣﻢ.7 ،1 ،
[45]ﺍﻟﻤﺮﺟﻊ ﻧﻔﺴﻪ ،ﺍﻟﺨﻼﺻﺔ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻴﺔ ،1 ،1.2 ،8 ،

5.7 Page 47

▲back to top
47
[46]ﺭﺍ ﻳﻮﺣﻨﺎ ﺑﻮﻟﺲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﺧﻄﺎﺏ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻛﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺆﺗﻤﺮ ﺍﻟﺘﻮﻣﺎﻭﻱ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ 29)ﺃﻳﻠﻮﻝ :(1990ﺗﻌﺎﻟﻴﻢ ،13
(1990) 2.771-770
[47]ﻧﻮﺭ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ 20)ﺃﻳﻠﻮﻝ ،(1974ﻓﻘﺮﺓ :8ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ (1974) 66.680
[48]ﺭﺍ ،1ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ،1 :6 ،»ﻭﻋﻼﻭﺓ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ،ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﻳﺤﺼﻠﻬﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﺎﻟﺪﺭﺱ ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻴﻤﺘﻠﻜﻬﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ
ﺑﺎﻹﻓﺎﺿﺔ ﻭﺗﺤﺴﺐ ،ﻣﻦ ﺛﻢ ،ﻓﻲ ﻋﺪﺍﺩ ﻣﻮﺍﻫﺐ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﻘﺪﺱ ﺍﻟﺴﺒﻊ
[49]ﺍﻟﻤﺮﺟﻊ ﻧﻔﺴﻪ ،2-2 ،ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ،45 ،1 ،ﺭﺩَّﺍ ﻋﻠﻰ 2؛ ﺭﺍﺟﻊ ﺃﻳﻀﺎً ،2-2ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ،45.2 ،
[50]ﺍﻟﻤﺮﺟﻊ ﻧﻔﺴﻪ ،2-1 ،ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ،109 ،1 ،ﺍﻟﺮﺩ ﻋﻠﻰ :1ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﻳﻌﻴﺪ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺃﻣﺒﺮﻭﺳﻴﻮﺱ ﻓﻲ ﺗﻌﻠﻴﻘﻪ
ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻮﺭﻧﺜﻴﻴﻦ :3 ،12ﺍﻵﺑﺎﺀ ﺍﻟﻼﺗﻴﻦ .258 ،17
[51]ﻻﻭﻥ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﺸﺮ ،ﺍﻵﺏ ﺍﻷﺯﻟﻲ ) 4ﺁﺏ :(1879ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ ،(1879-1878) 11.109
[52]ﺑﻮﻟﺲ ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ ،ﻧﻮﺭ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ 20) ،(1974 2ﻓﻘﺮﺓ :8ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ ،(1974) 66.683
[53]ﻓﺎﺩﻱ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ 4)ﺁﺫﺍﺭ (1979ﻓﻘﺮﺓ :15ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ (1979) 71.286
[54]ﺭﺍ ﺑﻴﻮﺱ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﺸﺮ ،ﺍﻟﺠﻨﺲ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ 12)ﺁﺏ :(1950ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ ،(1950) 42.566
[55]ﺭﺍ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻷﻭﻝ ،ﺍﻟﺮﺍﻋﻲ ﺍﻷﺑﺪﻱDS 3070:؛ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﻧﻮﺭ ﺍﻷﻣﻢ ،ﻓﻘﺮﺓ .25
[56]ﺭﺍ ﺳﻴﻨﻮﺩﺱ ﺍﻟﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ .DS 403
[57]ﺭﺍﺟﻊ ﻣﺠﻤﻊ ﻃﻴﻄﻠﺔ DS 205 :1؛ ﻣﺠﻤﻊ ﺑﺮﺍﻏﺎDS 459-460 ،؛ ﺳِﻜْﺴْﺘُﺲ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ ،ﺑﺮﺍﺀﺓ ﺧﺎﻟﻖ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻭﺍﻷﺭﺽ
5) :(1586 2ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﺒﺮﺍﺀﺍﺕ ﺍﻟﺮﻭﻣﺎﻧﻴﺔ ،4/4 ،ﺭﻭﻣﺎ ،(1747)179-176؛ ﺃﻭﺭﺑﺎﻧﻮﺱ ﺍﻟﺜﺎﻣﻦ ،ﺍﻟﻐﻴﺮ ﺍﻟﻤﺴﺒﻮﺭ 1)ﻧﻴﺴﺎﻥ
:(1631ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﺒﺮﺍﺀﺍﺕ ﺍﻟﺮﻭﻣﺎﻧﻴﺔ ،6/1ﺭﻭﻣﺎ ،(1758).270-268
[58]ﺭﺍ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻤﺴﻜﻮﻧﻲ ﺍﻟﻔﻴﺘّﺎﻭﻱ ،ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲDSP 902 :؛ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻤﺴﻜﻮﻧﻲ ﺍﻟﻼﺗﺮﺍﻧﻲ ،5ﺑﺮﺍﺀﺓ ﺍﻟﺮﻋﺎﻳﺔ
ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻴﺔ.DS 1440 :
[59]ﺭﺍ ﻃﺮﻭﺣﺎﺕ ﻟﻮﻳﺲ ﺃﻭﺟﺒﻴﻦ ﺑﻮﺗﺎﻥ ،ﺍﻟﻤﻮﻗﻌﺔ ﺑﺄﻣﺮٍ ﻣﻦ ﺃﺳﻘﻔﻪ ) 8ﺃﻳﻠﻮﻝ DS 2751-2756 :(1840؛ ﻃﺮﻭﺣﺎﺕ
ﻟﻮﻳﺲ ﺃﻭﺟﻴﻦ ﺑﻮﺗﺎﻥ ﺍﻟﻤﻮﻗﻌﺔ ﺑﺘﻜﻠﻴﻒ ﻣﻦ ﻣﺠﻤﻊ ﺍﻷﺳﺎﻗﻔﺔ ﻭﺍﻟﺮﻫﺒﺎﻥ 26)ﻧﻴﺴﺎﻥ .DS 2769-2665 (1844

5.8 Page 48

▲back to top
48
[60]ﺭﺍ ﻣﺠﻤﻊ ﺍﻷﻧﺪﻛﺲ -ﻃﺮﻭﺣﺎﺕ ﺿﺪ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻋﻨﺪ ﺃﻭﻏﺴﻂ ﺑﻮﻧﺘﻲّ 11)ﺣﺰﻳﺮﺍﻥ .2811DS-2814 ،(1855
[61]ﺭﺍ ﺑﻴﻮﺱ ﺍﻟﺤﺎﺩﻱ ﻋﺸﺮ Eximiam Tuam (15ﺣﺰﻳﺮﺍﻥ 2828DS-2831 :(1857؛ Gravissimas inter (111
.2850DS-2861 :(1862
[62]ﺭﺍ ﻣﺠﻤﻊ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ،ﻗﺮﺍﺭ Errores ontologistarum (18ﺃﻳﻠﻮﻝ .2847DS-2841 :(1861
[63]ﺭﺍ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻷﻭﻝ ،ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻠﻪ 3004DS :2 ،؛ ﻗﺎﻧﻮﻥ .3026DS :1 ،2
[64]ﺍﻟﻤﺮﺟﻊ ﻧﻔﺴﻪ ، 3015DS :4 ،ﻭﻗﺪ ﺍﺳﺘﺸﻬﺪ ﺑﻪ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ :»ﻓﺮﺡ ﻭﺭﺟﺎﺀ ،«ﻓﻘﺮﺓ .59
[65]ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻷﻭﻝ ،ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻠﻪ.3017DS ،4 ،
[66]ﺭﺍ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﺒﺎﺑﺎ ﺑﻴﻮﺱ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮ :ﺭﻋﺎﺓ ﻗﻄﻴﻊ ﺍﻟﺮﺏّ 8)ﺃﻳﻠﻮﻝ :(1907ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ ،(1907) 40
.597-596
[67]ﺭﺍ ﺑﻴﻮﺱ ﺍﻟﺤﺎﺩﻱ ﻋﺸﺮ ،ﺍﻟﻔﺎﺩﻱ ﺍﻹﻟﻬﻲ 19)ﺁﺫﺍﺭ :(1937ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ ،(1937) 29.106-65
[68]»ﺍﻟﺠﻨﺲ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ« 12)ﺁﺏ :(1950ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ (1950) 42.563-562
[69]ﺍﻟﻤﺮﺟﻊ ﻧﻔﺴﻪ ،.564-563
[70]ﺭﺍ ﻳﻮﺣﻨﺎ ﺑﻮﻟﺲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ »ﺍﻟﺮﺍﻋﻲ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ« 28)ﺁﺏ ،(1988ﺑﻨﺪ :49-48ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ ،(1988) 80
873؛ ﻣﺠﻤﻊ ﻋﻘﻴﺪﺓ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺗﻌﻠﻴﻢ ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻲ ﻭﺩﻋﻮﺗﻪ ﺍﻟﻜﻨﺴﻴّﺔ »ﻣﻮﻫﺒﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ« 24)ﺃﻳﺎﺭ ،(1990ﻓﻘﺮﺓ :18
ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ ،(1990) 82.1558
[71]ﺗﻌﻠﻴﻢ ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﺑﻌﺾ ﻧﻮﺍﺣﻲ »ﻻﻫﻮﺕ ﺍﻟﺘﺤﺮﻳﺮ ،«ﺑﺸﺮﻯ ﺍﻟﺘﺤﺮﻳﺮ 6)ﺁﺏ :7-10 ،(1984ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ
،(1984) 76.903-890
[72]ﻟﻘﺪ ﺷﺠﺐ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻷﻭﻝ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺨﻄﺄ ﺑﻜﻠﻤﺎﺕ ﻭﺍﺿﺤﺔ ﻭﺟﺎﺯﻣﺔ ﻭﺃﻛّﺪ ،ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ،ﺃﻥ »ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺍﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ ﺗﻌﻠﻦ ﺃﻥ
ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻫﻮ ﻓﻀﻴﻠﺔ ﺗﻔﻮﻕ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺑﻬﺎ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ،ﺑﻠﻄﻒ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻣﻌﻮﻧﺔ ﺍﻟﻨﻌﻤﺔ ،ﺃﻥ ﻧﺆﻣﻦ ﺑﺼﺤﺔ ﻣﺎ ﻳﻮﺣﻲ ﺑﻪ ﺇﻟﻴﻨﺎ ،ﻻ ﺑﺴﺒﺐ
ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ ﺍﻟﺼﻤﻴﻤﺔ ﺍﻟﻤﺪﺭﻛﺔ ﻓﻲ ﺿﻮﺀ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ،ﺑﻞ ﻧﻈﺮﺍً ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳَﻀَﻞَّ ﻭﻻ ﺃﻥ ﻳُﻀِﻞ ،«ّﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ
ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻱ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻠﻪDS 3008 :3 ،؛ ﻗﺎﻧﻮﻥ .DS 3032 :2 ،3ﻭﺻﺮَّﺡ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ،ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ ،»ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ
ﻳﻜﺘﻨﻪ ]ﺍﻷﺳﺮﺍﺭ[ ﺑﻤﺜﻞ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻜﻮّﻥ ﻣﻮﺿﻮﻋﻪ ﺍﻟﺨﺎﺹﺍﻟﻤﺮﺟﻊ ﺫﺍﺗﻪ .DS 3016 :4 ،ﻣﻦ ﻫﻨﺎ
ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ :»ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻮﻥ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﻮﻥ ﻻ ﻳﺤﻖ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﻋﻦ ﺍﻵﺭﺍﺀ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻓﺔ ﺑﻤﻨﺎﻗﻀﺘﻬﺎ ﻟﻺﻳﻤﺎﻥ ،ﻭﺍﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ
ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺷﺮﻋﻴﺔ ﻣﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﻌﻠﻢ ،ﻭﺧﺼﻮﺻﺎً ﺇﺫﺍ ﺷﺠﺒﺘﻬﺎ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ،ﺑﻞ ﻋﻠﻴﻬﻢ ،ﻓﻮﻕ ﺫﻟﻚ ،ﺃﻥ ﻳﺤﺰﻣﻮﺍ ﺃﻣﺮﻫﻢ ﻓﻲ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ
ﺃﺷﻜﺎﻻً ﻣﻦ ﺍﻟﻀﻼﻝ ﻣﻜﺴﻮّﺓ ﺑﻜﺴﺎﺀٍ ﻣﺰﻳﻒ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔﺍﻟﻤﺮﺟﻊ ﻧﻔﺴﻪ. 3018DS ،4 :
[73]ﺭﺍ ﺍﻟﻔﻘﺮﺓ .10-9
[74]ﺍﻟﻤﺮﺟﻊ ﻧﻔﺴﻪ ،ﻓﻘﺮﺓ .10
[75]ﺍﻟﻤﺮﺟﻊ ﻧﻔﺴﻪ ،ﻓﻘﺮﺓ .21
[76]ﺍﻟﻤﺮﺟﻊ ﻧﻔﺴﻪ ،ﻓﻘﺮﺓ .10

5.9 Page 49

▲back to top
49
[77]ﺭﺍﺟﻊ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ »ﺍﻟﺠﻨﺲ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ« 12)ﺁﺏ :(1950ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ ،(1950) 42 ،567-565؛
.573-571
[78]ﺭﺍ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ »ﺍﻵﺏ ﺍﻷﺯﻟﻲ« 4)ﺁﺏ :(1879ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ ،(1879-1878) 11.115-97
[79]ﺍﻟﻤﺮﺟﻊ ﻧﻔﺴﻪ ،.109
[80]ﺭﺍ ﻓﻘﺮﺓ .15-14
[81]ﺭﺍ ﺍﻟﻤﺮﺟﻊ ﻧﻔﺴﻪ ،ﻓﻘﺮﺓ .21-20
[82]ﺍﻟﻤﺮﺟﻊ ﻧﻔﺴﻪ ،ﻓﻘﺮﺓ 22؛ ﺭﺍﺟﻊ ﻳﻮﺣﻨﺎ ﺑﻮﻟﺲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﻓﺎﺩﻱ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ 4)ﺁﺫﺍﺭ (1979ﻓﻘﺮﺓ : 8ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ
ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ ،(1979) 71.272-271
[83]ﻗﺮﺍﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻨﺸﺌﺔ ﺍﻟﻜﻬﻨﻮﺗﻴﺔ ،ﻓﻘﺮﺓ .15
[84]ﺭﺍ ﻳﻮﺣﻨﺎ ﺑﻮﻟﺲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻱ »ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ« 15)ﻧﻴﺴﺎﻥ (1979ﺍﻟﻌﺪﺩ :80-79ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ
ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ ،(1979) 71496-495؛ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﺴﻴﻨﻮﺩﺳﻴﺔ »ﺃﻋﻄﻴﻜﻢ ﺭﻋﺎﺓ« 25)ﺁﺫﺍﺭ ،(1992ﻓﻘﺮﺓ :52ﺃﻋﻤﺎﻝ
ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ ،(1992) 84 .751-750ﺭﺍﺟﻊ ﺃﻳﻀﺎً ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺘﻔﺎﺳﻴﺮ ﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺗﻮﻣﺎ :ﺧﻄﺎﺏ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﻬﺪ
ﺍﻟﺤﺒﺮﻱ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ ﺍﻷﻧﺠﻴﻠﻜﻮﻡ 17) :(1979 2ﺍﻟﻮﺛﺎﺋﻖ ﺍﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴّﺔ ،(1979) 761071-1067؛ ﺧﻄﺎﺏ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻛﻴﻦ
ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺆﺗﻤﺮ ﺍﻟﺘﻮﻣﺎﻭﻱ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ ﺍﻟﺜﺎﻣﻦ ) 13ﺃﻳﻠﻮﻝ :(1980ﺗﻌﺎﻟﻴﻢ ،(1980) 3،2615-604؛ ﺧﻄﺎﺏ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻛﻴﻦ
ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺆﺗﻤﺮ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ ﻟﺠﻤﻌﻴﺔ »ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺗﻮﻣﺎ ،ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻨﻔﺲ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺗﻮﻣﺎ 4) :(1986 2ﺍﻟﻮﺛﺎﺋﻖ
ﺍﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ ،(1986) 83237-235؛ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ ﻟﻠﺘﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ ،ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻷﺳﺎﺳﻲ ﻟﻠﻤﺆﺳﺴﺔ ﺍﻟﻜﻬﻨﻮﺗﻴﺔ 6)
(1970 2ﻓﻘﺮﺓ :75-70ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ (1970) 62386-366؛ ﺍﻟﻘﺮﺍﺭ :ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ« 20)2
:(1972ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ (1972) 64.586-583
[85]ﺭﺍ »ﻓﺮﺡ ﻭﺭﺟﺎﺀ ،«ﻓﻘﺮﺓ 57؛ .62
[86]ﺭﺍ ﺍﻟﻤﺮﺟﻊ ﻧﻔﺴﻪ ،ﻓﻘﺮﺓ .44
[87]ﺭﺍ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻤﺴﻜﻮﻧﻲ ﺍﻟﻼﺗﺮﺍﻧﻲ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ ،ﺍﻟﺒﺮﺍﺀﺓ ﺍﻟﺒﺎﺑﻮﻳﺔ »ﺍﻻﻫﺘﻤﺎﻡ ﺑﺎﻟﻘﻄﻴﻊ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ« ﺍﻟﺪﻭﺭﺓ :8ﻗﺮﺍﺭﺍﺕ
ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻤﺴﻜﻮﻧﻲ .606-605 ،(1991)
[88]ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﺍﻹﻟﻬﻲ »ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻠﻪ ،«ﻓﻘﺮﺓ .10

5.10 Page 50

▲back to top
50
[89]ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺗﻮﻣﺎ ﺍﻷﻛﻮﻳﻨﻲ ،ﺍﻟﺨﻼﺻﺔ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻴﺔ ،2-2 ،ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ،5 ،3 ،ﺭﺩ ﻋﻠﻰ .2
[90]»ﺇﻥ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻷﺣﻮﺍﻝ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻄﺮﺡ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺫﺍﺗﻪ ﺍﻷﺳﺌﻠﺔ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﻏﺎﻳﺘﻬﺎ
ﻭﻣﺎ ﻳﻨﺘﻈﺮ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻤﻮﺕ ،ﻳﺸﻜﻞ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﺍﻷﺳﺎﺳﻲ ﺍﻟﻤﺪﺧﻞ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻱ ﻟﻴﺘﻤﻜّﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ،ﻓﻲ ﺃﻳﺎﻣﻨﺎ
ﺃﻳﻀﺎ ،ًﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﻈﻬﺮ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻟﻠﻌﻘﻞ ﺍﻟﺒﺎﺣﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺑﺤﺜﺎً ﻣﺨﻠﺼﺎ :«ًﻳﻮﺣﻨﺎ ﺑﻮﻟﺲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻛﻴﻦ ﻓﻲ
ﻣﺆﺗﻤﺮ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﺍﻷﺳﺎﺳﻲ ﺍﻟﻤﻌﻘﻮﺩ ﺑﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﺍﻟﺬﻛﺮﻯ ﺍﻟﻤﺌﺔ ﻭﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻟﻠﺪﺳﺘﻮﺭ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻱ »ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻠﻪ« 30)ﺃﻳﻠﻮﻝ
،(1995ﻓﻘﺮﺓ :4ﺍﻟﻮﺛﺎﺋﻖ ﺍﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ ،(1995) 92.973-972
[91]ﺍﻟﻤﺮﺟﻊ ﻧﻔﺴﻪ.
[92]ﺭﺍ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ،»ﻓﺮﺡ ﻭﺭﺟﺎﺀ ،«ﻓﻘﺮﺓ 15؛ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ،»ﺇﻟﻰ ﺍﻷﻣﻢ ،«ﻓﻘﺮﺓ .22
[93]ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺗﻮﻣﺎ ﺍﻷﻛﻮﻳﻨﻲ ،ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ.22 ،1 ،
[94]ﺭﺍ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﻓﺮﺡ ﻭﺭﺟﺎﺀ.59-53 ،
[95]ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺃﻭﻏﺴﻄﻴﻨﻮﺱ ،ﻓﻲ ﻣﺼﻴﺮ ﺍﻟﻘﺪﻳﺴﻴﻦ :5 ،2 ،ﺍﻵﺑﺎﺀ ﺍﻟﻼﺗﻴﻦ .963 ،44
[96]ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻤﺆﻟﻒ ،ﻓﻲ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﺮﺟﺎﺀ ﻭﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ،64CCL :7 ،.61
[97]ﺭﺍ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻤﺴﻜﻮﻧﻲ ﺍﻟﺨﻠﻘﻴﺪﻭﻧﻲ ،ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ. 302DS ،
[98]ﺭﺍ ﻳﻮﺣﻨﺎ ﺑﻮﻟﺲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﻓﺎﺩﻱ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ 4)ﺁﺫﺍﺭ ،(1979ﻓﻘﺮﺓ :15ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ (1979) 71-286
.289
[99]ﺭﺍ ﻣﺜﻼً ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺗﻮﻣﺎ ﺍﻷﻛﻮﻳﻨﻲ ،ﺍﻟﺨﻼﺻﺔ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻴﺔ ،16 ،1 ،1 ،؛ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺑﻮﻧﺎﻓﺎﻧﺘﻮﺭﺍ ،ﻓﻲ ﺍﻹﻛﺴﺎﻣﻴﺮﻭﻥ.1 ،8 ،3 ،
[100]ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﻓﺮﺡ ﻭﺭﺟﺎﺀ ،ﻓﻘﺮﺓ .15

6 Pages 51-60

▲back to top

6.1 Page 51

▲back to top
51
[101]ﺭﺍ ﻳﻮﺣﻨﺎ ﺑﻮﻟﺲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﺗﺄﻟﻖ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ 6)ﺁﺏ ،(1993ﻓﻘﺮﺓ :61-57ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ (1993) 85
.1182-1179
[102]ﺭﺍ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻷﻭﻝ ،ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻠﻪ.DS 3016 : 4 ،
[103]ﺭﺍ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻤﺴﻜﻮﻧﻲ ﺍﻟﻼﺗﺮﺍﻧﻲ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ،ﻓﻲ ﺿﻼﻝ ﺍﻻﺑﺎﺗﻲ ﻳﻮﺍﻛﻴﻢ.DS 806 :2 ،
[104]ﺭﺍ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻠﻪ ،ﻓﻘﺮﺓ 24؛ ﻓﻲ ﺗﻨﺸﺌﺔ ﺍﻟﻜﻬﻨﺔ ،ﻓﻘﺮﺓ .16
[105]ﺭﺍ ﻳﻮﺣﻨﺎ ﺑﻮﻟﺲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﺇﻧﺠﻴﻞ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ 15)ﺁﺫﺍﺭ ،(1995ﻓﻘﺮﺓ :69ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ ،(1995) 87
.481
[106]ﻓﻲ ﻧﻔﺲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ ،ﻓﺴّﺮﺕ ،ﻓﻲ ﺃﻭﻟﻰ ﺭﺳﺎﺋﻠﻲ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ،ﻣﺎ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺇﻧﺠﻴﻞ ﻳﻮﺣﻨﺎ :»ﺗﻌﺮﻓﻮﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ
ﺗﺤﺮّﺭﻛﻢ« :(32 ،8)»ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﺗﺘﻀﻤّﻦ ﻣﻘﺘﻀﻰً ﺃﺳﺎﺳﻴﺎً ﻭﺗﻨﺒﻴﻬﺎً ﻓﻲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ :ﻣﻘﺘﻀﻰ ﺍﻟﻨـﺰﺍﻫﺔ ﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻛﺸﺮﻁ
ﻟﻘﻴﺎﻡ ﺣﺮﻳَّﺔ ﺻﺤﻴﺤﺔ .ﻭﺃﻣّﺎ ﺍﻟﺘﻨﺒﻴﻪ ﻓﻠﻼﺣﺘﺮﺍﺯ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺣﺮﻳّﺔ ﻇﺎﻫﺮﺓ ،ﻭﻛﻞ ﺣﺮﻳﺔ ﺳﻄﺤﻴّﺔ ﻭﻣﻨﺤﺎﺯﺓ ﻻ ﺗﻤﺘﺪ ﺇﻟﻰ ﺻﻤﻴﻢ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ
ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ .ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻴﻮﻡ ،ﻭﺑﻌﺪ ﺍﻟﻔﻲ ﺳﻨﺔ ﻳﻈﻬﺮ ﻟﻨﺎ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻣَﻦ ﻳﻘﺪّﻡ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﺮﺗﻜﺰﺓ ﻋﻠﻰ
ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،ﻭﻣﻦ ﻳﺤﺮّﺭ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻪ ﺃﻥ ﻳﺤﺪّ ﻭﻳﺤﺠّﻢ ﻭﻳﻬﺪﻡ ﻧﻮﻋﺎً ﻣﺎ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺮﻳّﺔ ﺣﺘﻰ ﺟﺬﻭﺭﻫﺎ ﻓﻲ ﺫﻫﻦ
ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﻗﻠﺒﻪ« ﻓﺎﺩﻱ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ 4)ﺁﺫﺍﺭ ،(1979ﻓﻘﺮﺓ :12ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ (1979) 71.281-280
[107]ﺧﻄﺎﺏ ﺑﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﺍﻓﺘﺘﺎﺡ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ) 11 : (1962 1ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﺮﻭﻣﺎﻧﻲ (1962) 54.792
[108]ﻣﺠﻤﻊ ﻋﻘﻴﺪﺓ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ،ﺗﻌﻠﻴﻢ ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻲ ﻭﺩﻋﻮﺗﻪ ﺍﻟﻜﻨﺴﻴﺔ ،ﻣﻮﻫﺒﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ 24)ﺃﻳﺎﺭ ،(1990ﻓﻘﺮﺓ :8-7
ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ ،(1990).1553-1552
[109]ﻓﻲ ﺗﻔﺴﻴﺮﻱ ﻟﻤﻘﻄﻊ ﻣﻦ ﺇﻧﺠﻴﻞ ﻳﻮﺣﻨﺎ (13-12 ،16)ﻛﺘﺒﺖ ﻓﻲ ﺭﺳﺎﻟﺘﻲ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ »ﺍﻟﺮﺏّ ﻭﺍﻟﻤﺤﻴﻲ»ﻳﺴﻮﻉ ﻳﺼﻒ
ﺍﻟﻤﻌﺰّﻱ ،ﺭﻭﺡ ﺍﻟﺤﻖ ،ﺑﺄﻧﻪ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ »ﺳﻴﻌﻠّﻢ« ﻭ»ﺳﻴﺬﻛّﺮ« ﻭﺑﺄﻧﻪ ﻫﻮ »ﺍﻟﺬﻱ ﺳﻴﺸﻬﺪ ﻟﻪﻭﻫﻮ ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻵﻥ :»ﺳﻮﻑ ﻳُﺪﺧﻠﻜﻢ
ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻛﻠﻬﺎ« ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ :»ﺳﻮﻑ ﻳﺪﺧﻠﻜﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻛﻠﻬﺎ« ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺎﻟﻬﺎ ﺍﻟﺮﺏ ﺑﺎﻹﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻢ
ﻳﻜﻦ ﺍﻟﺮﺳﻞ »ﻟﻴﻄﻴﻘﻮﺍ ﺍﻵﻥ ﺣﻤﻠﻬﺎ ،«ﻟﻬﺎ ﻋﻼﻗﺔ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﺑﺘﺠﺮﺩ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ﺑﺂﻻﻣﻪ ﻭﻣﻮﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﻠﻴﺐ ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻰ ﻭﺷﻚ
ﺍﻟﻮﻗﻮﻉ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻄﻖ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ .ﻭﻟﻜﻦ ﺳﻮﻑ ﻳﺘﻀﺢ ﻻﺣﻘﺎً ﺃﻥ ﻫﺬﺍ »ﺍﻹﺩﺧﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻛﻠﻬﺎ« ﻟﻪ ﻋﻼﻗﺔ ﺃﻳﻀﺎً ﺑﻤﺎ ﻫﻮ
ﺃﺑﻌﺪ »ﻣﻦ ﻓﻀﻴﺤﺔ ﺍﻟﺼﻠﻴﺐ« ﺃﻱ ﺑﻜﻞّ ﻣﺎ ﺻﻨﻊ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ﻭﻋﻠَّﻢ« )ﺭﺳﻞ .(1 ،1ﻭﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺃﻥ ﺳﺮّ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ﻓﻲ ﺟﻤﻠﺘﻪ ﻳﻘﺘﻀﻲ
ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ،ﻷﻥ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳُﺪﺧﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺣﻘﺎّ ﻓﻲ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺴﺮّ ﺍﻟﻤﻮﺣﻰ :»ﺍﻹﺩﺧﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻛﻠﻬﺎ« ﻳﺘﺤﻘﻖ ﺇﺫﻥ
ﻓﻲ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ :ﺇﻧﻪ ﻋﻤﻞ ﺭﻭﺡ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﻫﻮ ﺛﻤﺮﺓ ﻋﻤﻠﻪ ﻓﻲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ .ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﺮﻭﺡ
ﺍﻟﻘﺪﺱ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺮﺷﺪ ﺍﻷﺳﻤﻰ ﻭﺍﻟﻨﻮﺭ ﻟﻜﻞ ﻋﻘﻞ ﺑﺸﺮﻱﻓﻘﺮﺓ :6ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ ،(1986) 78
.816-815

6.2 Page 52

▲back to top
52
[110]ﺭﺍ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﻛﻠﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ،ﻓﻘﺮﺓ .13
[111]ﺭﺍ ﺍﻟﻠﺠﻨﺔ ﺍﻟﺒﻴﺒﻠﻴﺔ ﺍﻟﺤﺒﺮﻳّﺔ ،ﺗﻌﻠﻴﻢ ﻓﻲ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻷﻧﺎﺟﻴﻞ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴّﺔ ) 21ﻧﻴﺴﺎﻥ :(1964ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ 56
،(1964).713
[112]»ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺍﺿﺢ ﺃﻳﻀﺎً ﺃﻥ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻻ ﻳﺴﻌﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﺮﺗﺒﻂ ﺑﺄﻱ ﻣﺬﻫﺐ ﻓﻠﺴﻔﻲ ،ﻻ ﺗﻜﺘﺐ ﻟﻪ ﺍﻟﺴﻴﺎﺩﺓ ﺇﻻّ ﻭﻗﺘﺎً ﻳﺴﻴﺮﺍً؛ ﺇﻻَّ ﺃﻥ
ﺍﻟﺘﻌﺎﺑﻴﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﻭُﺿﻌﺖ ،ﺧﻼﻝ ﻗﺮﻭﻥ ،ﺑﺈﺟﻤﺎﻉ ﺍﻟﻤﻼﻓﻨﺔ ﺍﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ ﻟﻠﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺑﻌﺾ ﻓﻬﻢ ﻟﻠﻌﻘﻴﺪﺓ ﻻ ﺗﺮﺗﻜﺰ ،ﻭﻻ ﺷﻚ ،ﻋﻠﻰ
ﺍﺳﺎﺱ ﺿﻌﻴﻒ .ﺇﻧﻬﺎ ﺗﺮﺗﻜﺰ ﻋﻠﻰ ﻣﺒﺎﺩﻯﺀ ﻭﻣﻔﺎﻫﻴﻢ ﻣﺴﺘﻘﺎﺓ ﻣﻦ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺨﻼﺋﻖ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺻﺤﻴﺤﺔ .ﻓﻲ ﺍﺳﺘﻘﺎﺀ ﻫﺬﻩ
ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﻑ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﻮﺣﺎﺓ ﺗﺮﺳﻞ ﺿﻴﺎﺀﻫﺎ ﻛﺎﻟﻨﺠﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ،ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ .ﻭﻟﺬﺍ ﻳﺠﺐ ﺃﻻَّ ﻧﺘﻌﺠَّﺐ ﺇﺫﺍ
ﺃﻟﻔﻴﻨﺎ ﺑﻌﺾ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﻣﺴﺘﻌﻤﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺎﻣﻊ ﺍﻟﻤﺴﻜﻮﻧﻴﺔ ﻻ ﺑﻞ ﻣﻘﺮّﺭﺓ ﺑﻮﺟﻪ ﻻ ﻳﺴﻤﺢ ﺑﺎﻟﻌﺰﻭﻑ ﻋﻨﻬﺎﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ
ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ »ﺍﻟﺠﻨﺲ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ« 12)ﺁﺏ :(1950ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ ،(1950) 42567-566؛ ﺭﺍ ﺍﻟﻠﺠﻨﺔ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻴﺔ
ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ ،ﺍﻟﻮﺛﻴﻘﺔ »ﻣﻌﻀﻠﺔ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ« )ﺕ :(1989 1ﺍﻟﻮﺛﺎﺋﻖ ﺍﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴّﺔ ،(1990) 87.502-489
[113]»ﻭﺃﻣﺎ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﺘﻌﺎﺑﻴﺮ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻳﺔ ﻓﻴﺒﻘﻰ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺻﺤﻴﺤﺎً ﻭﺷﺒﻴﻬﺎً ﺑﺬﺍﺗﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺣﺘﻰ ﻭﺇﻥ ﺍﺯﺩﺍﺩ ﻭﺿﻮﺣﺎً ﻭﻣﻔﻬﻮﻣﻴﺔ.
ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺇﺫﻥ ﺃﻥ ﻳﺤﺘﺮﺯﻭﺍ ﻣﻦ ﻣﺠﺎﺭﺍﺓ ﺍﻟﺮﺃﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﻠﺨﺼﻪ ﺑﻤﺎ ﻳﻠﻲ :ﺍﻟﺘﻌﺎﺑﻴﺮ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻳﺔ ﺃﻭ ﺑﻌﺾ ﻣﻘﻮﻻﺗﻬﺎ
ﺗﻌﺠﺰ ﻋﻦ ﺃﺩﺍﺀ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻧﺎﺻﻌﺔ ،ﺑﻞ ﺗﺆﺩﻱ ﺑﻌﺾ ﻣﻘﺎﺭﺑﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﻤﺘﻐﻴّﺮﺓ ﻭﺗﻠﺤﻖ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺘﺸﻮﻳﺔ ﻭﺍﻟﺘﺤﺮﻳﻒﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻤﻘﺪّﺱ
ﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ،ﺑﻴﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﺍﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴّﺔ ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ -ﺍﻟﺴﺮّ 24)ﺣﺰﻳﺮﺍﻥ ،(1973ﻓﻘﺮﺓ :5ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ
ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ ،(1973) 65.403
[114]ﺭﺍ ﻣﺠﻤﻊ ﺍﻟﺘﻔﺘﻴﺶ ﺍﻟﻤﻘﺪَّﺱ ،ﺍﻟﻘﺮﺍﺭ ﺍﻟﺼﺎﺩﺭ ﻓﻲ 3ﺗﻤﻮﺯ ،1907ﻓﻘﺮﺓ :26ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ ،(1907) 40
.473
[115]ﺭﺍ ﻳﻮﺣﻨﺎ ﺑﻮﻟﺲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﺧﻄﺎﺑﻪ ﻓﻲ ﻣﻌﻬﺪ ﺍﻷﻧﺠﻴﻠﻴﻜﻮﻡ ) 17 ،(1979 2ﻓﻘﺮﺓ :6ﺍﻟﻮﺛﺎﺋﻖ ﺍﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ 76
،(1979).1070-1069
[116]ﻓﻘﺮﺓ :32ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ (1993) 85.1160-1159 ،
[117]ﺭﺍ ﻳﻮﺣﻨﺎ ﺑﻮﻟﺲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ 16) ،(1979 1ﻓﻘﺮﺓ :30ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ ،(1979) 71
1303-1302؛ ﻣﺠﻤﻊ ﻋﻘﻴﺪﺓ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ،ﻓﻲ ﺩﻋﻮﺓ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻲ ﺍﻟﻜﻨﺴﻴّﺔ ،ﻣﻮﻫﺒﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ 24)ﺃﻳﺎﺭ ،(1990ﻓﻘﺮﺓ :7
ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ ،(1990) 82.1553-1552
[118]ﺭﺍ ﻳﻮﺣﻨﺎ ﺑﻮﻟﺲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ) 16 ،(1979 1ﻓﻘﺮﺓ :30ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ ،(1979) 71
.1303-1302
[119]ﺍﻟﻤﺮﺟﻊ ﻧﻔﺴﻪ ،ﻓﻘﺮﺓ ،22.1296-1295
[120]ﺍﻟﻤﺮﺟﻊ ﻧﻔﺴﻪ ،ﻓﻘﺮﺓ ،7.1282

6.3 Page 53

▲back to top
53
[121]ﺍﻟﻤﺮﺟﻊ ﻧﻔﺴﻪ ،ﻓﻘﺮﺓ ،59.1325
[122]ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻷﻭﻝ ،ﺩﺳﺘﻮﺭ ﻓﻲ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲ »ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻠﻪ.3019DS :4 ،«
[123]»ﻻ ﻳﺴﻮﻍ ﻷﻱٍ ﻛﺎﻥ ﺃﻥ ﻳﺠﻌﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﻣﺠﺮﺩ ﻋﺮﺽ ﻷﻓﻜﺎﺭﻩ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺑﻞ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﺃﻥ ﻳﻌﻲ ﺍﺳﺘﻤﺮﺍﺭﻩ
ﻓﻲ ﻭﺣﺪﺓ ﻭﺛﻴﻘﺔ ﻣﻊ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺗﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺤﻤَّﻞ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻣﺴﺆﻭﻟﻴﺘﻬﺎﻳﻮﺣﻨﺎ ﺑﻮﻟﺲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﻓﺎﺩﻱ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ 4)ﺁﺫﺍﺭ
،(1989ﻓﻘﺮﺓ :19ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ ،(1979) 71.308
124 [124]ﺭﺍ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﺑﻴﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ »ﺍﻟﻜﺮﺍﻣﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳّﺔ« ﻓﻘﺮﺓ .3-1
[125]ﺭﺍ ﺍﻹﺭﺷﺎﺩ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ »ﺍﻟﻤﻨﺎﺩﺍﺓ ﺑﺎﻹﻧﺠﻴﻞ« 8) ،(1975 1ﻓﻘﺮﺓ :20ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ ،(1976) 68
.19-18
[126]ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﻓﺮﺡ ﻭﺭﺟﺎﺀ ،ﻓﻘﺮﺓ .62
[127]ﺍﻟﻤﺮﺟﻊ ﻧﻔﺴﻪ ،ﻓﻘﺮﺓ .10
[128]ﻣﻘﺪﻣﺔ ،4 ،ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺍﻟﻤﺆﻟﻔﺎﺕ ،ﻓﻠﻮﺭﻧﺴﺎ ،(1891)ﺍﻟﺠﺰﺀ ،5.296
[129]ﺭﺍ ﺍﻟﻘﺮﺍﺭ ﻓﻲ ﺗﻨﺸﺌﺔ ﺍﻟﻜﻬﻨﺔ ،ﻓﻘﺮﺓ .15
[130]ﺭﺍ ﻳﻮﺣﻨﺎ ﺑﻮﻟﺲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ »ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﺔ« 15)ﻧﻴﺴﺎﻥ ،(1979ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ :68-67ﺃﻋﻤﺎﻝ
ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ ،(1979) 71.492-491
[131]ﻳﻮﺣﻨﺎ ﺑﻮﻟﺲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﺧﻄﺎﺑﻪ ﺑﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﺍﻟﺬﻛﺮﻯ ﺍﻟﻤﺌﻮﻳﺔ ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ ﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﻛﺮﺍﻛﻮﻓﻴﺎ 8)ﺣﺰﻳﺮﺍﻥ ،(1997ﻓﻘﺮﺓ :4
ﺍﻟﻮﺛﺎﺋﻖ ﺍﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴّﺔ ،(1997) 94 ،.677
[132]ﺇﺑﻴﻔﺎﻧﻴﻮﺱ ﺍﻟﻤﻨﺤﻮﻝ ،ﻋﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﺮﻑ ﺍﻟﻘﺪﻳﺴﺔ ﻣﺮﻳﻢ ﺃﻡ ﺍﻟﻠﻪ :ﺍﻷﺑﺎﺀ ﺍﻟﻴﻮﻧﺎﻥ .493 ،43
©Copyright - Libreria Editrice Vaticana